حكاية السِّنَّور والجُرَذ
العدد 32 - أدب شعبي
تأسيس:
تأتي حكاية السِّنَّور والجُرَذ في الفصل الحادي عشر من كتاب كليلة ودمنة، وهي واحدة من الحكايا- الأمثال المحوريّة في الكتاب؛ لما فيها من بناء رصين، وجماليّات سرديَّة موظَّفة، ودلالات فريدة تتعاضد مع غيرها من حكايات كليلة ودمنة في بلورة دستور بيَّن يكفل مصلحة الفرد والمجتمع.
إنّ أوّل ما يعرض للقارىء في هذه الحكاية عنوانُها القائم على تركيب عطفيّ، يجمع شخصيّتين حيوانيّتين بينهما علاقة عداوة جوهريّة وأصيلة؛ ما يجعلنا نتساءل بَدءًا: ما سبب الجمع المطلق بينهما، والأصل في علاقتهما الجفاء والتنائي؟ ثمّ هل ستؤصّل أحداث القصّة تلك العلاقة التنازعيّة المنعقدة أصلاً؟ أم ستبرم علاقة أخرى قائمةً على التآلف، داحضةً ما هو مألوف؟ أم أنّ هناك علاقات فجيئة رهينةَ حالاتٍ طارئة، وكيفيَّات مُحدَثة؟ لا شكَّ أنّ هذه الأحوال لها ما يشاكلها، ومايعارضها في الواقع والخيال. ولعلَّ عنوان الحكاية يجعلنا نتكهّن بأنّ أحداث الحكاية ستستقطب العلاقاتِ الثلاثَ جميعَها، وستنجزها على نحو فريد؛ بما يجعلنا نركن إلى هذا الجمع بين المتناقضين، بل ونسوْقُ له من التأييدات والبراهين ما يسوِّغ إمكانيَّة وجوده.
1 .تقديم وقائع الحكاية:
تتأدَّى أحداث الحكاية في البداية لتؤكّد علاقة العداوة الأصيلة القائمة بين السِّنَّور والجُرَذ؛ ويتبدَّى ذلك من خلال ما يكشفه الراوي من مشاعر السرور والانتشاء التي اكتنفت الجُرَذ حينما رأى عدوّه الأوّل السِّنَّور في شبكة الصياد. ولكن سرعان من تنقلب تلك المشاعر خوفًا وفزعًا بسبب نظرة استطلاعيّة ألقاها الجُرَذ على الواقع المحيط به، فرآه عالَمًا مغلقًا أضيق من الشبكة التى تحيط بالسِّنَّور، ووجد أنّ الأعداء يتربّصون به الدوائر، فابن عِرس من خلفِه يريد الانقضاض عليه، والبوم من فوقه يتحيّن فرصة اختطافه، وهو إن تقدَّم إلى الأمام فلربَّما لن يفلت من قبضة السِّنَّور، ومخالبه الفارطة من فتحات الشبكة. ومع هذه المهالك المطوِّقة لم يستنكف الجرذ من مصادقة السِّنَّور، في سبيل النجاة بنفســــه، وكـــان العَقْـــدُ بينهمـــا أن يقـرض الجُـرَذ شبــكــــة السِّنَّور، على أن يؤمِّن له حياته؛ ولمَّا كان ذلك أَيِسَ ابنُ عِرس والبوم من الظفر بالجُرَذ، ونكص الصيَّاد على عقبيه خائبًا، يجرُّ شبكته المهلهلة.
وتُخْتَتَمُ وقائعُ الحكاية بطابع دراميّ كثيف، وفيه يتحاور كلٌّ من السِّنَّور والجُرَذ حول موضوع الصداقة، فقد ترك ذاك الفعل النبيل من لدن الجُرَذ أثرًا بليغًا في نفس السِّنَّور، وودَّ أن لو تستمر صداقته مع الجُرَذ، ولكن الأخير يتأبّى على عَرْض السِّنَّور، ويرفضه جملة وتفصيلاً، وهو برفضه إنّما يرسّخ تلك العلاقة العتيدة بينهما، والمتمثّلة في العداء أبدًا.
على هذا النحو تنتهي حكاية السِّنَّور والجُرَذ، ويبدو أنّ ما حدسناه بسبب عنوان الحكاية قد وقع فعلاً؛ فقد تداخلت العلاقات فيها وتقاطعت، وهي في تداخلها وتقاطعها تتضخّم؛ لتنضوي تحتها حكاياتٍ وأمثالاً أخرى توظَّفُ، تارة، لتأييد ما جرى في الحكاية من رؤى فكريّة وأبعاد دلاليّة، وتارة أخرى لتدحضه. وكلُّ ذلك يتنزَّل في نطاقٍ سرديّ يمتلك زمامه راوٍ خارجَ الحكاية، ويضطلع بتسيير الأحداث وفق ما يقتضيه العالم التخييليّ من مقوّمات قصصيّة وجماليّة ودلاليَّة، وما يسعفه على ذلك هو ما يقتنيه من تقنياتٍ ووسائلَ وأساليبَ سرديةٍ. فما الحدود المكانيّة التي اختارها الراوي لأحداث حكايته؟ وما الوجوه الزمنيَّة التي استعان بها لتشكيل الإطار الزمنيّ للحكاية؟ وكيف عالج أعمال الشخصيّات، وأقوالها، وأحوالها من خلال صوته السرديّ، ورؤيته المتعالية؟ هذا كلُّه هو ما سنحاول تتبّعه فيما يأتي.
2 . الفضاء المكانيّ:
يتقوقع الفضاء في حكاية السِّنَّور والجُرَذ في أمكنة ضيّقة تنطلق من الجُحر وتمضي إلى الشبكة لتنتهي إلى الجحر مرّة أخرى. ولعلَّ هذه الحدود الجغرافيّة المطبقة تتأدَّى لتكون بمثابة «نقطة انطلاق من أجل تحريك خيال القارىء، أو من أجل تحقيق استكشافات منهجيَّة للأماكن»(1). وتظهر هذه الغاية في القصّة بجلاء. فلئن جَسَّدَ حيزُ وجود كلٍّ من السِّنَّور والجُرَذ، على المستوى الفيزيقيّ، بعدًا مكانيًّا مخنوقًا ضيِّقًا، فإنّه، على مستوى العلاقة النفعيَّة بينهما، ينطوي على مفارقة تؤصّل بعدًا لا مكانيًّا، ومعه تضيع الأقيسة، وتتشتّت الحدود، وآية ذلك حرْصُ الجُرَذ على الابتعاد عن السِّنَّور دومًا؛ لأنّه يسعى إلى تأمين حياته حيث لا يحصل له السِّنَّورُ على أثر. إنَّ لهذا التقابلِ المكانيّ بين الحسيّ حيث الانغلاق الضيق، والمجرّد حيث الانفتاح المطلق، انعكاسًا على المضمون الحِكْمي الذي تنشده الحكاية، فالصداقة الشكليَّة بين السِّنَّور والجُرَذ إنّما كانت بسبب موقف طارىء؛ لذا تأدَّتْ عبر إطار ضيّق؛ إذ كانت مُحيَّنة في زمن «ذات يوم»، ومحدَّدة في مكان «الشبكة»، ومعيَّنة في حدث «تربّصِ الأعداء بالجُرَذ». أما العدواة بينهما فهي جوهريّة مطلقة، لا تختّص بزمن محدد، ولا مكان واحد، ولا حدثٍ مُقْحَم.
إنّ الجحر على حجمه المتناهي في الصغر مكمنٌ حريز يمنح صفة القوّة والثبات لكلٍّ من الجُرَذ والسِّنَّور، مهما تطاول الزمان؛ لذا كان بمثابة المأوى الآمن، والسلاح القاهر بالنسبة إلى الجرذِ في مواجهة السِّنَّور، والسِّنَّورِ في مواجهة الصيَّاد. أما فيما يتعلّق بالشبكة فهي فخ للمخاطر والهلاك؛ بتطويقِها أحسَّ السِّنَّورُ بنهايته الحتميّة، وبخروقاتها استشعر الجُرَذ مخالب السِّنَّورِ تمزّق أحشاءه.
ويسلمنا هذا إلى أنّ الوظيفة التقابليَّة للمكان، بين الأمن والهلاك، لا يمكن أن تنهض إلا من خلال علاقةِ الزمان بالمكان؛ باعتباره (الزمان) قادحًا للتحوّلات، مغيِّرًا للأحداث، وما يترّتب عليها من علاقات. ولولا تبدُّلُ الظروفِ «ذات يوم» لما آل السِّنَّورُ إلى موطن الضعف «الشبكة»، وأحاط بالجرذ، خارجَ جحره، الهلاك. ولعلَّ ممّا يفسّر هذا ويدعمه قولُ مَن يرى أنّ «الشيء حين تخرجه من الزمن، وتسلمه البعدَ المكانيّ يصبح أكثرَ قدرة على البقاء، بل قادرًا على الخلود»(2)؛ وبذا يجسّد المكان الثبات والمنعة، في مقابل تحوّل الزمان الذي قد يقود إلى الضعف والفناء.
3 . بنية الزمن:
يقوم الزمن في حكاية السِّنَّور والجُرَذ، في بنيته الأساسيّة، على خطيَّة الأحداث منذ البداية، حيث وقوع السِّنَّورِ في الشبكة، إلى النهاية، حيث خروجه منها. إلا أنّ هذه الخطيَّة التراتبيَّة لم تمنع حدوثَ الانكسارات الزمنية منعًا مطلقًا؛ إذ قد تمتنع الأحداث أحيانًا عن السير في خطيّة تعاقبيَّة؛ والسبب في ذلك هو ما تتمتّع به القصص من زمن مزدوج ومتشعّب؛ ما يفضي إلى وقوع حدثين أو أكثر في وقت واحد، ويقتضي هذا من الراوي تأجيل بعض الأحداث إلى وقت لاحق يقولها إما على سبيل الاسترجاع «حيث يعود بنا الراوي إلى الوراء ليستحضر أحداثًا تسبق النقطة الزمنيّة التي وصلتها الحكاية»(3). وإما على سبيل الاستباق ومعه «يُعلن مسبَقًا عمَّا سيحدث»(4).
ويمكن الوقوف على المفارقات الزمنيّة من خلال تعيين الحكاية الأوليّة. وتتجلّى في حكايتنا، موضع النظر، في حدث وقوع السِّنَّورِ في الشبكة، فهذا الحدث يمثّل لحظة الحاضر التخييليّ على مستوى السرد، وهي اللّحظة التي يتّخذها الراوي نقطة انطلاق «تحدد حاضره، وتضع بقية الأحداث على خّط الزمن من ماض ومستقبل، وبعدها يستطرد النصّ في اتجاه واحد في الكتابة غير أنّه يتذبذب ويتأرجح في الزمن بين الحاضر والماضي والمستقبل»(5). إنّ الخاصيّة المتذبذبة، التي يتمتَّع بها النص الحكائيّ، تُقدر الراوي على التنقّل بين الأزمنة ما يكسب الخطاب، الذي يشكّله الراوي، مفارقات زمنيّة، قوامها انحرافاتُ الأزمنة وتداخلها؛ لتكون إمّا إرجاعيّة، وإمّا استباقيَّة. وفيما يأتي نوضِّح كيف تجلَّت المفارقات الزمنيّة في حكاية السِّنَّور والجُرَذ.
3 _ 1 الاسترجاع:
يمكن معاينة الاسترجاع في حكاية السِّنَّور والجُرَذ منذ بداية السرد حيث نصادف مباشرة قولَ الراوي: «زعموا»، وهو لفظ يحيل الحكاية إلى أزمنة آفلة، يسترجع «بيدبا» ذكرَها لحظةَ السرد، من أولئك الزاعمين. ثم تنفتح الحكاية على أزمنة استرجاعيّة متشاكلة، بعضها ذو طابع متكرّر لا ينفك يحدث باستمرار، ونقف على ذلك في قول الراوي: «كان الصيّادون كثيرًا ما يتداولون ذلك المكان يصيدون فيه الوحش والطير»(6)، وقولِ الجُرَذ للسِّنَّور: «ولا أعلم لك قبلي حاجة إلا أن تكون تريد أكلي»(7). ويُطْلَقُ على هذا النوع من الاسترجاعات «السرد المؤلّف»، ومدارُه أن «يُحكى مرة واحدة في الخطاب ما حدث مرات في الحكاية»(8). أمّا النوع الثاني من الاسترجاعات المتجلّية في الحكاية، فتتمثّل في «السرد المفرد»، وقوامه «أن يحكى مرة واحدة في الخطاب ما وقع مرة واحدة في الحكاية»(9)، وذلك من نحو ما نجده في قول الراوي «ذات يوم»، ومن هذه العبارة ينطلق ليسرد لنا الحدث الذي عليه مناط الحكاية، وهو وقوع السِّنَّور في شباك الصيّاد؛ فبه تتشكّل الحكاية الأوليّة، ومنه تنداح بقيةُ الأحداث. وقد اقتضى هذا الحدث من الجُرَذ مصالحة السِّنَّور؛ إنقاذًا لحياته من ابن عِرس الذي كان يتربّص به من خلفه، والبوم الذي كان يترقّبه من علِ، علاوةً على السِّنَّورِ أمامَه. وكلُّ ما ينطوي في هذه الحكاية الأوليّة من حكم وحكايات مَثَلَيَّة مضمَّنة إنّما يتأدَّى في إطار النوع الأول من السرد الاسترجاعي وهو «السرد المؤلّف»؛ ذلك أنّ الجُرَذ يرتدُّ فيها إلى الوراء، ويستجلبها من الذاكرة الجمعيّة التي من شروطها التكرار بما يجعلها موسومةً بالثبات والموضوعيَّة؛ لتغدو فكرًا موروثًا عبر الأجيال. ولعلَّ هذا هو ما خوَّل الجُرَذ لأن يَتَّخِذَها مطيَّةً لتسويغ آرائه وأحكامه في صداقة السِّنَّور. ومِن أضرب هذه الحكايا والأمثال: «أصحاب السفينة»، و«الرجل والفيل الهائج»، و«الصديقان: الطائع والمضطر»، و«البهائم مع أمّهاتها».
3 _ 2 الاستباق:
إذا نظرنا في الاستباقات الواردة في الحكاية، تبيَّن لنا قلّة حضورها، ولعلَّ ذلك يرجع إلى كون مثل هذا النوع من الحكايات «تحكي عن شيء مضى وانتهى، ويقوم الراوي باستعادته، أو سرد ما يحدث في لحظة السرد الحاضر نفسها»(10). ما يفضي بالراوي، لاسيما في الحكايات الموروثة، إلى عدم الاعتناء كثيرًا بما سيقع، إلا حينما يحقّق ذلك المُسْتَشْرَفُ وظيفة بنائيّة، أو جماليَّة، أو دلاليَّة، لا يمكن أن تتجلّى إلا من خلال الإرجاء والإنباء.
يجيء الاستباق عادة في شكل «مشروع أو وعد أو تكهّن (خاصّة في القصص الشعبيّة وما شاكلها) أو رؤية أو حلم أو خيال»(11). ويظهر الاستباق في شكل الوعد جليًّا في الحكاية كما في قول الجُرَذ: «أنا وافٍ لك بما وعدتك ومُحْتَرِسٌ منك مع ذلك»، «فإنّي سأدنو منك فأقطع الحبائل كلَّها إلا حبلاً واحدًا أبقيه لأستوثق لنفسي منك»(12). وقول السِّنَّور: «ثمّ إنّي إن فعلتَ ذلك سأشكرك ما بقيت»(13). كما تأدّى الاستباق في شكل تكهّن وتنبّؤ من خلال توجّس الجُرَذ خيفةً من مستقبل العلاقة مع السِّنَّور. نقف على ذلك في قوله: «وقد ذهب الأمر الذي احتجتَ إليَّ واحتجتُ إليك فيه، وأخاف أن يكون مع ذهابه عود العداوة»(14). ومتى قلَّبنا النظر فيما سيق من استباقات وجدنا أنّها لا تخرج عن ضرب الاستباق الإعلانيّ، وسِمَتُه أنّه «يخبر صراحةً عن سلسلة الأحداث التي سيشهدها السرد في وقت لاحق»(15)؛ وبهذا يكون موسومًا باليقينيّة وقطعيَّ الحدوث، وبرهان ذلك في الشواهد السابقة، بالتراتب، ما يأتي: «فبينما هو كذلك إذ وافى الصياد (...) فجهد الجرذ نفسه في القرض حتى إذا فرغ وثب السِّنَّور إلى الشجرة على دهش من الصياد، ودخل الجُرَذ بعض الأحجار»(16). «أيُّها الصديقُ الناصح ذو البلاء الحسن عندي، ما منعك من الدنوّ إليَّ لأجازيك بأحسن ما أسديت إليَّ، هلمَّ إليَّ، ولا تقطعْ إخائي»(17). «ثم إنّ الجُرَذ خرج بعد ذلك من وكره خائفًا أن يدنوَ من السِّنَّور»(18).
3 _ 3 تعليقات الراوي_ الشخصيَّة:
هناك جنسٌ آخر من المفارقات الزمنيّة نجد له حضورًا كثيفًا في حكاية السِّنَّور والجُرَذ، وهو ما يطلق عليه «التدخّلات المباشرة للرّاوي»، وهذه التدخّلات «وإن كانت ظواهر تتعلّق بالصوت السرديّ في الأصل، تصلها كذلك بالترتيب الحكائيّ أسباب؛ فهي تقطع نسقه التتابعيّ بإدراج حال التعليق الذي له صبغة تعميميَّة»(19). ونلاحظ هذا جليًّا مع الأمثال والحِكَم والقصص والعِبَر التي جرت على لسان السِّنَّور «روميّ»، والجُرَذ «فَرِيْدُون» باعتبارهما (شخصيّة- رَاوية). وقد استقطبت هذه التدخّلات جلَّ اهتمامِهما، إلى درجة أنّها تتقاطع وتتكرّر وتتداخل في حوارهما بصورة كثيفة تنزع بها لِأَن تشكّل جسم الحكاية ومادّتها، ولِأَنْ تكوْنَ بمثابة محاور مركزيّة على ضوئها يتحدّد مغزى القصّة. وحسبنا المقطع الآتي شاهدًا على هذه التدخّلات: السِّنَّور: «هلمَّ إليَّ ولا تقطع إخائي، فإنّه من اتَّخذ صديقًا وقطع إخاءه وأضاع صداقته حُرِم ثمرةَ إخائه، وأَيِسَ من نفعه الإخوانُ والأصدقاء» (...) – الجُرَذ: «ربَّ صداقةٍ ظاهرة باطنها عداوةٌ كامنة، وهي أشدُّ من العداوة الظاهرة! ومَن لم يحترس منها وقع موقعَ الرجل الذي يركب ناب الفيل الهائج ثمّ يغلبه النعاس فيستيقظ تحت فراسن الفيل فيدوسه ويقتله»(20).
هكذا اتخذت الشخصيّة- الرَاوية التدخّلات ذريعة تنهض بوظيفة تعليميَّة غايتها الكشف عن المغزى المقصود من الحكاية الأوليّة، وقد تستحيل وظيفةً بنائيَّة يتبدَّى دورُها في «إبرازها للخفيّ، ووصلها للمنقطع، وبــالتالــي استكمــــالهــا للنقـــص القـــــائـــم فـــي الحـــاضــــر القصصيّ»(21). وقــد أفضت هذه الوظيفة البنائيّة بحكاية السِّنَّور والجُرَذ إلى تسيير الأحداث وفق منطق أحكام العقل المُنجَزةِ سلفًا، وما هو يجعل المرويَّ له، سواء كان داخلَ الحكاية أم خارجها، يسعى إلى تكميل ما غاب عن الحكاية. ويُمكِن له أن ينبريَ بهذا الدور، في حكايتنا، من خلال تعيين حالة التوازن الأولى، المسكوتِ عنها، والتي ترسم العلاقة بين كلٍّ من السِّنَّور والجُرَذ، قبل أن يقع الأوّل في حبائل الصيّاد. كما أنّ هذه التعليقات تمكّن المرويّ له من توقّع النهاية التي ستؤول إليها الحكاية قبلاً، وبرهان ذلك قول الجُرَذ الآتي: «فأمّا مَن كان أصل أمره عداوة جوهريَّة، ثمّ أحدث صداقة لحاجةٍ حملته على ذلك، زالت صداقتُه فتحوّلت وصارت إلى أصل أمره، كالماء الذي يسخن بالنار، فإذا رفع عنها عاد باردًا»(22).
لعلَّ هذه العبارة مرآةٌ مبئِّرة تعكس مجمل الحكاية، وتبوح بسرِّ نهايتها قبل أن تُسرد؛ إذ إنّ العدواة بين السِّنَّور والجُرَذ جوهريّة، وعليها فإنّ المناوأة بينهما أصيلة، والصداقة دخيلة ولا تكون إلا لغاية يكفلها زمان ومكان محدّدان، وحادث طارىء، وهذا ما جعل الجُرَذ يفِرُّ سريعًا من السِّنَّور فَوْرَ تقطيع آخر حبل من الشبكة.
4 . أساليب القصّ:
ليس يخفى على أحد أنّ من المهام الأساسيّة التي ينبغي على الراوي الاضطلاع بها نقلَ الأحداث والأقوال والأحوال؛ ذلك أنّ أفعال الشخصيّة وأقوالها وأحوالها تقع تحت نطاق خطاب الراوي، كونَه يحتلَّ درجة سرديَّة تسبق الدرجة السرديّة التي تندرج ضمنها الشخصيَّة. وفي هذا السياق يقول جاب لينتفلت: «السارد يراقب البنية النصيّة، بمعنى أنّه قادر على إدراج خطاب الشخصيّات (المشار إليه بعلامات خطيّة مثل المزدوجتين أو النقطتين) ضمن خطابه الخاصّ. وهكذا، يمكنه أن يمهّد لخطاب الشخصيّات بأفعال القول والشعور، أو أن يشير إلى نبره بعلامات مشهديّة. أمّا العكس، فغير ممكن»(23). وعلى هذا فإنّ الموقع السرديّ الذي يتنزّل فيه الراوي يُقْدِرُه على نسج أحداث القصّة، ونقل ما يجري بين شخصيّاتها من حوار، ووصف ما هم عليه من هيئات وأحوال. وفيما يأتي تفصيل ذلك.
4 _1 حكاية الأعمال:
يمكن للراوي أن يتصدّى لأعمال الشخصيّات وأفعالها من خلال سرد سيرورة الأحداث التي تقع لها وتكفل لها صيرورةً ما. وليس للأحداث في حكاية السِّنَّور والجُرَذ من تعقيد واضح؛ فالبنية السرديّة فيها تقليديّة، وسيرورة الأحداث، بشكل عامّ، متدرّجة. ويمكن تفصيل ذلك بالترسيمة الآتية:
توضّح لنا هذه الترسيمة أنّ حالة التوازن الأولى في الحكاية مفقودة، على الرغم من أنّها «تؤلِّف أهمّ دعائم البناء الداخليّ لأيّة حكاية، والقاعدة التي تنطلق منه حركة الأحداث فيها. فلا تكونُ هناك حكايةٌ إلا بتغيُّرِ مسار الأحداث فيها، وانتقالها من الرتابة إلى الاضطراب»(24)؛ وليس يأتي إقصاء الراوي حالة التوازن الأولى اعتباطًا، بل هو إشارة دالّة على حالة التيه التي أُخضع إليها كلٌّ من السِّنَّور، بوقوعه في الشبكة، والجُرَذ، بمحاوطة الأعداء له. إنّ استواء أحداث الحكاية بدءًا من انكسارها، يعني أنّ هناك فترة زمنية مسقطة، بها ينأى الراوي عن سرد حالة التوازن الأولى، ولكن يمكن أن نتنبّأ بها من خلال العلاقة المعهودة بين الجُرَذ والسِّنَّور، والتي تقوم على الانفصال، فسبيل الجُرَذِ الوحيدُ للإبقاء على حياته إزاء السِّنَّور هو الابتعاد أبدًا. ولكن هذا الانفصال يستحيل اتّصالاً بسبب حالة الاضطراب التي افتتحت بها الحكاية حيث وقوع السِّنَّور في شبكة الصيّاد، وعلى الرغم من أنّ ذلك يصب في مصلحة الجُرَذ، إلا أنّه وجد نفسه مضطرًّا إلى أن يعقد مصالحة طارئة مع السِّنَّور، وذلك لمَّا أيقن أنّ المهالك تحوطه وهذا ما يجسد حالة اختلال التوازن. ونقف على هاتين الحالتين في الشاهد الآتي: «فبينما هو (أي الجُرَذ) يسعى إذ بَصُر به (أي السِّنَّور) في الشبك فسُرَّ واستبشر، ثمّ التفت فرأى خلفه ابن عِرس يريد أخذه، وفي الشجرة بومًا يريد اختطافه، فتحيَّر في أمره، وخاف إن رجع وراءه أخذه ابن عِرس، وإن ذهب يمينًا أو شمالاً اختطفه البوم، وإن تقدم أمامه افترسه السِّنَّور»(25). وسط هذه الأهوال المُفْنِيَةِ يتسلّح الجُرَذ بالعقل، وبه يستهدي إلى حيلة بارعة تمكِّنه من إنقاذ نفسه، وتتجلّى في علاقة الرغبة بين الذات الفاعلة (السِّنَّور)، والموضوع (الصداقة)، فبالتماهي بينهما يظفر الجُرَذ بالبقاء، وقد قاده إلحاحه على هذه العلاقة إلى اضطراب معاكس أدَّى إلى نقض الاضطراب الأوّل وإبطاله بقرض الشبكة، وقد سلك في هذا الاضطراب مراحل متصاعدة تندرج في سياق خطيّ متعاقِب، وتتمثّل فيما يأتي:
- محاولة إقناع السِّنَّور بالصلح: «أنا اليوم شريكك في البلاء، ولستُ أرجو لنفسي خلاصًا إلا الذي أرجو لك فيه الخلاص. وكلامي هذا ليس فيه كذب ولا خديعة. وإنّي وإيّاك وإن كنَّا مختلفي الطباع، لكنّنا متَّفقا الحالة»(26).
- تعيين الشرط: أَخْذُ الوعد من السِّنَّور بالأمان: «فإنْ أنت جعلتَ ليَ الأمان قطَّعتُ حبائلك، وخلّصتك من هذه الورطة»(27).
- قطع جميع حبائل الشبكة إلا حبلاً واحدًّا: «فإنّي سأدنو منك فأقطع الحبائل كلَّها إلا حبلاً واحدًا أبقيه لأستوثق لنفسي منك»(28).
- قطع الحبل الأخير لحظةَ قدوم الصيَّاد: «فبينما هو كذلك إذ وافى الصياد (...) فجهد الجُرَذ نفسه في القرض»(29).
وأخيرًا ينغلق النصّ على توازن فريد، حيث يؤوب كلٌّ من السِّنَّور والجُرَذ إلى جحره، الأوّل خوفًا من الصيَّاد، والثاني خوفًا من السِّنَّور؛ وبذا تعود العلاقة بينهما إلى ديدنها من الانفصال والتنافر.
وهكذا يستقيم لنا القول إنّ الحكاية تنكشف على علاقتين متغايرتين تتجسّدان في الاتّصال والانفصال، وقد تداعت أصداؤهما لِتحكُما مجمل الحكاية، وتجعلاها قائمة على التحوّل. فقد انطلقت الحكاية من علاقة اتصال بين السِّنَّور والجُرَذ، أوعزت إليها الحالةُ التي كان عليها كلٌّ منهما داخلَ الحكاية، فكلاهما إزاءَ ورطة تحتّم عليهما تناسي العداوة القائمة بينهما. وما إنْ انكشفت الورطة حتى ارتدَّ الوضع إلى ما هو عليه، وبرزت علاقة الانفصال استجابةً للقيم المُنجَزة خارجَ الحكاية. ويمكن تجسيم ذلك بالشكل الآتي:
ما نفيده من هذا الشكل أنّ الجُرَذ هو القطب الذي يقع عليه المدار في توجيه أحداث الحكاية، وهو بمثابة المحرّك الأساسيّ الذي عليه مناط القصّة، وقد مكّنته هذه الأهليَّة المركزيّة لأن ينهض بوظيفة بنائيّة أتاحت له التحكّمَ في وضع الاتّصال مع السِّنَّور؛ لرغبة داخليّة تضطرم في نفسه، وتلحّ عليه بالاستمساك بالعيش، وفي سبيل تلبية هذه الرغبة، وتحصيلها يلجأ إلى العقل ويجد فيه مساعدًا يعينه على مجابهة المخاطر التي تطارده من كلّ مكان، فإذا بالحلِّ العارض يبزغ في خاطره، وينزع به نحو مصالحةِ عدوّه بالقدر الذي يحقّق رغبته؛ ليبقى الحلُّ الأبدي المتمثل في العداوة معارِضًا قائمًا، وبسببه يأبى الجُرَذ قبول أيِّ مساومة فيه.
4 _ 2 حكاية الأقوال:
ندلف إلى الحكاية من خلال راو خارجي سوى بيدبا الفيلسوف، ويتأدّى من لفظة «زعموا» دون تعيين دقيق لأولئك الزاعمين، وفي ذلك ما يؤكّد سمةً أصلية موسومةً بها الحكايات المثليّة. فالراوي الأوّل بيدبا يجعل الحكايةَ المنطوقة بلسان راوة مجهولين تنهضُ بوظيفة إيهاميَّة توحي بتكاثر أعداد القائلين بهذه الحكاية؛ ممّا يكسو أحداث الحكاية الخرافيَّة جلبابًا واقعيًّــــــا متــى استحـــال عـــالَمها عالَمًا بشريًّا، لاسيّما أنّ مضمون الحكاية الحِكْمي، والمتعيّن في قول الجُرَذ بشكل متواتر: «العاقل يفي لمن صالحه من أعدائه بما جعل له من نفسه، ولا يثق به كلَّ الثقة، ولا يأمنه على نفسه مع القرب منه، وينبغي أن يبتعد عنه ما استطاع»(30)، هذا المضمون الحِكْمي لا يقتصر على فرد واحد، ولا يختصّ بإطار زمنيّ أو مكانيّ محدّد، وإنّما هو مترامٍ شائع، ولا مندوحة للعاقل عنه؛ ما يؤكّد صدق منحى هذا المضمون الحِكْمي، وصحّة منطقه.
إنّ من ينعم النظر في الأصوات السرديّة في حكاية السِّنَّور والجُرَذ، المنعطفة على ذلك الصوت السرديّ الجماعيّ المتعالي، يجد أنّها تتّسم بالتنوّع، فتارة يُخضع الراوي خطابَ الشخصيّة له. وذلك على غرار ما نجده في المقطع الآتي: «فتحيَّر في أمره، وخاف إن رجع وراءه أخذه ابن عرس، وإن ذهب يمينًا أو شمالاً اختطفه البوم، وإن تقدّم أمامه افترسه السِّنَّور»(31). يكشف هذا المقطع عن تسلّط الراوي على أقوال شخصيّة الجُرَذ، وإدراج خطابها في خطابه، في نطاق ما يسمّى بالخطاب المسرَّد، وفيه يعمد الراوي إلى نقل قول الشخصيّة في سياق سرديّ، ويعُدُّه «حَدَثًا من بين أحداث أخرى، ويضطلع به هو بنفسه»(32). وعلى هذا يجنح الراوي إلى اختزال قول الشخصيّة وفعلها معًا، وتكييفهما بحسب ما يفهم، وما يمليه عليه تأويله، وآيةُ ذلك قوله: «فتحيَّر في أمره وخاف». وضمير الغائب في العبارة الآنفة يؤكّد وساطة الراوي، وتسلّطه على أقوال الجُرَذ. ولعلَّ الفزعَ الذي حلَّ بالجُرَذ قيَّد حركته، وبالتالي سوَّغ للراوي تولّي مهمة سرد الفعل الذي، وإنْ أشار إلى ما يدل عليه بقوله: «رجع، ذهب، تقدّم»، فهو معطّل مشلول، لا يقوى الجُرَذ على الإقدام عليه؛ وبذلك يتأزّم شعوره بالخوف والهلع، ويبلغ أوجه عندما ينزع إلى الانكتام، فلا ينبس ببنت شفة، تاركًا الراوي يفصح عن شعوره وأحواله؛ فأنَّى له الكلام والفعل، والأخطار تتجاذبه من كلّ صوب؟
إلا أنَّ رجوع الجُرَذ إلى العقل، والتماسه الحيلة أفسح له المجال لأن يتحرّر نسبيًّا من سلطة الراوي، وأوعزه إلى كلام تنفيسيّ، يفرِّج فيه عن ضيقته، وذلك من خلال الانكفاء على ذاته يحدثّها ضمن ما يسمّى بالخطاب المنقول (أو الخطاب المباشر) وفيه «يعيد السارد كلام الشخصيّة بشكل حرفيّ، وكما تمّ التلفّظ به واقعيًّا»(33). ومع هذا النوع من الكلام ينحو الجُرَذ إلى استعمال ضمير المتكلّم؛ إذ إنّ «السرد بضمير المتكلم هو حديث الشخصيّة عن نفسها»(34)؛ وقد استعان به الجُرَذ لرسم خطّة نجاة، تقوم وفق خطوات محسوبةٍ ورصينة، وتتبدَّى الخطوة الأولى في تعيين ما حدق به من أخطار: «فقال في نفسه: هذا بلاء قد اكتنفني، وشرور قد تظاهرت عليَّ، ومحن قد أحاطت بي»(35). إلا أنّ الجُرَذ لم يكن، مع تزايد رغبته في الحياة، ليرضخ إلى تلك الأخطار، وأمارة ذلك في الخطوة الثانية حيث نقف على لغة مشبّعة بأساليب النفي، ومفعمة بالتجدّد والاستمرار من خلال الأفعال المضارعة؛ ما يعكس ذاتًا ملحاحة على كسب رهان الحياة، متوفزّة إلى لذّة البقاء: «وبعد ذلك فمعي عقلي فلا يفزعني أمري، ولا يهولني شأني، ولا يلحقني الدَّهش، ولا يذهب قلبي شعاعًا؛ فالعاقل لا يَفْرَقُ عند سداد رأيه، ولا يَعْزُبُ عن ذهنه على حال»(36). إنّها اختيارات لغويّة ذكيّة تعرِّي ما تعلّق بشغاف قلبه من الخوف، وتبرهن على حصافة عقله، وسداد رأيه ومنطقه، وتأكيد ذلك يتجلّى في الخطوة الثالثة حيث يستفيض الجُرَذ في تأمّلاته وإعمال عقله، ويسعى جاهدًا للوصول إلى مخلّص بلغة حجاجيَّة ترشح بالحكم والأمثال والعبر: «وإنّما العقل شبيهٌ بالبحر الذي لا يدرك غوره، ولا يبلغ البلاء من ذي الرأي مجهوده فيهلكه، وتَحَقُّقُ الرجاء لا ينبغي أن يبلغ منه مبلغًا يُبْطِرُهُ ويُسْكِرُهُ فيَعْمَى عليه أمره...»(37). لقد ارتكز الجُرَذ على مضامينَ قمينةٍ بأن تنقذه، وتلبّي غايته، لما فيها من صدق المنحى، وسلامة الفكرة؛ وعلى هذا فهي تشي بإصابة قراره، وبذا يكسب تأييد المرويّ له داخل الحكاية (السِّنَّور) وخارجها (القارىء)، بل يجعله أكثر اطمئنانًا إلى رأيه، وركونًا إلى حُكمه وقراره، وهذا ما رسّخته الخطوة الرابعة عندما أشار إليه عقله بمصالحة السِّنَّور، فما كان من الأخير إلا المصادقةُ على هذا الصلح فور إفصاح الجُرَذ عنه. وفي معرض ذلك يقول الجُرَذ: «ولستُ أرى ليَ من هذا البلاء مخلّصًا إلا مصالحة السِّنَّور؛ فإنّه قد نزل به من البلاء مثل ما نزل بي أو بعضه»(38).
هكذا يأخذ الجُرَذُ في التدبّر غايتَه، ولمَّا قبض على زمام المشكلة، واستمكن من الحلّ؛ استحالت هواجسه الحبيسة كلامًا جهيرًا، وغدا انغلاقه على ذاته انفتاحًا على السِّنَّور الذي لم يَجِد الحوارُ الداخليّ إليه طريقًا، وظلَّ مراوحًا في شبكته، ولم ينطلق لسانه إلا عندما استنطقه الجُرَذ. وحسبنا المقطع الآتي دليلاً على ذلك: «ثمّ إنّ الجُرَذ دنا من السِّنَّور فقال له: كيف حالك؟ قال له السِّنَّور: كما تُحِبُّ، في ضيق وضنك. قال: وأنا اليوم شريكك في البلاء. ولستُ أرجو لنفسي خلاصًا إلا الذي أرجو لك فيه الخلاص»(39). ينشأ، في هذا المقطع، حوارٌ تبادليّ بين الجُرَذ والسِّنَّور، من خلال ضمائر التكلّم والمخاطبة؛ ذلك أنّه «تلفّظ مشترك، وبناء ينجزه اثنان»(40). وهذا الوضع التخاطبيّ غالبًا ما يحتّم على الراوي التنحّي قليلاً، وإيكال الرواية إلى الشخصيّات لتتبادل الحوار والتعليقات؛ وذلك لاستثمار ما توفّره تقنية المشهد الحواريّ من طاقة دراميّة تجعل اللقاءَ أكثر صدقًا وحرارة، فضلاً عن دورها في تجسيد تلقائيّة الموقف المشهديّ.
ولعلّ إتاحة الراوي للشخصيّات إجراءَ هذا الأسلوب من الحوار، والذي يندرج في إطار الخطاب المباشر المنطوق، هو ما سمح له بأداء وظيفته الأساسيّة وهي الإيهام بالواقع، من جهة كون الخطاب المباشر «أكثر الأشكال «وفاء» لخطاب الشخصيّة. وبذلك تكون وظيفته في النصّ الروائيّ (القصصيّ) الإيهام بواقعيّة المرويّ»(41). فالشخصيّة تتكلّم متحرّرة من سلطة صانعها التخييليّ (الراوي)، وهذا من شأنه أن يقرّب خطابها من المخاطَب (المرويّ له)، الذي يعتقد أنّ ما تنطق به الشخصيّة قد قالته فعلاً؛ فيكون لكلامها تأثير بالغ عليه. وهو أسلوب كثيرًا ما يكون مناسبًا لمقامات اللّقاء؛ كونه خطابًا «تتقلّص فيه المسافة بين القول ومرجعه تقلّصًا كبيرًا، حتّى كأنّ المرويّ له يشاهده أو يسمعه»(42)؛ وبذا يظفر الجُرَذ في استقطاب رغبة السِّنَّور، واستجلاب تصديقه: «فلمّا سمع السِّنَّور كلام الجُرَذ، وعرف أنّه صادق؛ قال له: إنّ قولك لشبيه بالحقّ، وأنا أيضًا راغب فيما أرجو لك ولنفسي به الخلاص»(43).
إنّ الوصول إلى هذه النتيجة لم تمنع الجُرَذ من فحص الأمور والتدبّر في مآلاتها، ومن أهمّ القرائن الدالة على ذلك تريُّثُه في قرض حبائل الشبكة جميعها دفعة واحدة، وإبقاء حبل واحد حتّى تجيء اللحظة التي يكون فيها السِّنَّور منشغلاً، وهي لحظة قدوم الصيّاد. إنّها لحظة العودة إلى الافتراق الأصيل بينهما. وعلى الرغم من التنائي إلا أنّ الحوار بينهما ظلّ متّصلاً، وقد ابتدره السِّنَّور يلتمس من الجُرَذ اتصال الودّ، ودوام الصداقة، وعندها تنثال على لسان الجُرَذ سلسلةٌ من الحجج، غايتها إسكات صوت السِّنَّور المتوسِّل، والحياد به عمّا ارتآه. وقد جاءت الحجج متضايفة يأخذ بعضها برقاب بعض، الأمر الذي ألجم السِّنَّور، ولم يترك له مجالاً للإفصاح عن مشروعه، أو تنظيم منطق لحججه، ما يثبت تفوّق الجُرَذ مرّة أخرى في الإقناع؛ ما دعاه لأن يختم الحوار بطريقة تصادر أقوال السِّنَّور، وتنفي التواصل بينهما. وآية ذلك اختتامه الحوار دون انتظار أيّ جواب من السِّنَّور يمهّد للحظة الفراق، ويخفّف من حدّتها، ولعلّه بذلك يسوق المرويّ له إلى الإحساس بتعذَّر بوادر أمل الالتقاء. وهو ما نقف عليه في قول الجُرَذ: «لا سبيل إلى اجتماعنا والسلام»(44).
وإذا جوّدنا النظر في الحكاية وجدنا أن تمكُّن أسلوب المشهد الحواريّ منها جعلها تتوسّل به كشكل سرديّ طاغٍ؛ إذ «يجري تركيز الحبكة القصصيّة بأكملها عند المشهد بحيث يضحي هو الذي يختزن الدلالة الأساسيّة للنصّ، إليه يتّجه الاهتمام، وفيه تصبّ الأحداث كأنّه مستهدف بحدِّ ذاته»(45). ولا شكّ في أنّ هذا يكسب النصّ طابعًا دراميًّا تستحيل معه الأحداث فعلاً مسرحيًّا يجعل القارىء أكثر تفاعلاً مع الحدث وتأثّرًا به. لاسيّما أنّ الراوي قد استعان بخطاب إسناديّ الذي هو بمثابة «الخطاب المصاحب لخطاب الشخصيّة (المباشر)، والذي يحدّد عمل المتكلّم أو المفكّر، ويوضّح (أحيانًا) الأبعاد أو المظاهر المختلفة للعمل، والشخصيّة»(46). وعلى هذا تتحدّد الوظيفة البنائيّة والدلاليّة للخطاب الإسناديّ؛ إذ به يسعف الراوي القارىءَ بمعلومات تفسّر له مقاصد خطاب المتحاورَينِ، أو تؤوِّل له ما يدور في ذهنهما لحظة النطق، أو تشرح له ظروف التواصل التي هي من أوكد وظائف الخطاب الإسناديّ؛ إذ إنّه «غالبًا ما يمثّل محاولة لإكساب فعل التلفّظ بعض الكثافة، وسعيًا إلى بيان تعقّد كلِّ قول لا تحمل دلالاته الكلمات وحدها، وإنّما ينقلها كذلك ما يصاحبه من تنغيم وإشارات وحركات أو نظر»(47). ومن أمثلة الخطاب الإسناديّ في الحكاية: «فقال في نفسه»(48)، «ثم إنّ الجُرَذ دنا من السِّنَّور فقال له»(49)، فلمّا سمع السِّنَّور كلام الجُرَذ، وعرف أنّه صادق قال له»(50).
4 _3 حكاية الأحوال:
إذا كان السرد موكولاً إليه نقل الأفعال والأحداث، فإنّ مهمّة الوصف نقل الأحوال والهيئات. وفي ذلك يقول الصادق قسومة: «إنّ السرد مداره وحاصله مادّة حدثيّة قوامها الأعمال (وهي مادّة حركيّة مجالها زمنيّ)، أمّا الوصف فمداره وحاصله في الخطاب مادّة وصفيّة قوامها الموصوفات، وهي مادّة تعطي الخطاب وجهة أخرى، وتمدّه –عادة– في اتّجاه أفقيّ لا عموديّ»(51). والمتأمّل في حكاية السِّنَّور والجُرَذ يلحظ أنّ الراوي لم يلتفت إلى الوصف إلا لِمامًا؛ ولم يمتح منه إلا بالقدر الذي يخدم السرد، ويرتهن بمواضعاته وصياغاته، وبذا غدا للوصف وظيفة تأسيسيَّة تضطلع بالإسهام في تسويغ الأحداث المسرودة، من خلال تصوير الإطار الذي تقع فيه، وتداعياته على شخصيّات الحكاية، ما يجعله يكتسب بعدًا واقعيًّا. ومن أمثلة العبارات الوصفيّة في الحكاية: «زعموا أنّ شجرة عظيمة كان في أصلها جحر سِّنَّور يقال له روميّ. وكان قريبًا منه جحر جُرَذ يقال له فريدون»(52). «كما تحبّ في ضنك وضيق. قال: وأنا اليوم شريكك في البلاء»(53). «وكلامي هذا ليس فيه كذب ولا خديعة. وابن عرس ها هو كامن لي، والبوم يرصدني، وكلاهما لي ولك عدوّ. وإنّي وإيَّاك، وإن كنَّا مختلفي الطباع، لكنّنا متّفقا الحالة»(54). يتبيّن من الأمثلة السابقة أنّ القائم بعمليّة الوصف جاء به متعدّدًا؛ إذ كان بعض الوصف من إنتاج الراوي، وبعضه الآخر من إنتاج الشخصيّات؛ وهذا يعطي حركة الوصف تموّجًا يجذب القارىء، ويفسح المجال لولوج رؤى متعدّدة داخل الحكاية الواحدة. فالراوي، كما توضّحه الأمثلة السابقة، ينزع إلى وصف الفضاء الخارجيّ للمسرح الذي تجري عليه أحداث الحكاية، كونه يحتلّ موقعًا سرديًّا خارج الحكاية، في حين أنّ الشخصيّات أصوات تنطلق من داخل الحكاية؛ لذا لم تحِد عن وصف نوازعها الذاتيّة، وما يحكم عالمها الخاصّ من قيم. وقد فصّلنا في هذا الحديث سابقًا(55).
5 . أنماط الرؤية:
ينهض النصّ من خلال رواية راوٍ خارجيّ مجهول يخرج علينا من خلال اللّفظة الآتية: «زعموا». ولئن كان هذا الراوي مرجعه المتعيّن مجهول، فإنّه راوٍ عليم من حيث اضطلاعه بتقديم الأحداث، وتنسيقها، وتأويلها انطلاقًا من موقع خاصّ. وهو بذلك يندرج في نمط الرؤية من الخلف، «حيث يكون السارد أكثر معرفة من الشخصيّة»(56). وقد هيمن هذا النمط على الحكاية بأكملها؛ إذ أخضع هذا الراوي الخارجيّ ترتيب الأحداث وسيرورتها إلى منطقه الخاصّ، كما أنّه تولّى تقدير كيفيَّات أداء الشخصيّات، وتأويل نوازعها الباطنيَّة. والأمثلة على ذلك غاية في الكثرة، نعرض منها:
«خرج الجُرَذ يدبّ ويطلب ما يأكل، وهو حذر من الروميّ»(57).
«فبينما يسعى إذ بصر به في الشرك؛ فسرّ واستبشر»(58).
«ثمّ التفت فرأى خلفه ابن عِرس يريد أخذه، وفي الشجرة بومًا يريد اختطافه، فتحيَّر في أمره، وخاف»(59).
«فقال في نفسه:...» (60).
«ثمّ إنّ الجُرَذ دنا من السِّنَّور»(61).
«فلمّا سمع السِّنَّور كلام الجُرَذ، وعرف أنّه صادق»(62).
«ثمّ إنّ البوم وابن عرس لمّا رأيا دنو الجُرَذ من السِّنَّور أيسا منه وانصرفا»(63).
«ثمّ إنّ الجُرَذ أبطأ على روميّ في قطع الحبائل»(64).
«ثمّ إنّ الجُرَذ أخذ في قطع حبائل السِّنَّور. فبينما هو كذلك إذ وافى الصيّاد»(65) «فجهد الجُرَذ نفسه في القرض حتّى إذا فرغ وثب السِّنَّور إلى الشجرة على دهش من الصيّاد، ودخل الجُرَذ بعض الأحجار»(66).
«وجاء الصيّاد فأخذ حبائله مقطّعة، ثمّ انصرف خائبًا»(67).
«ثمّ إنّ الجُرَذ خرج بعد ذلك من وكره خائفًا أن يدنو من السِّنَّور»(68).
«ثمّ حلف واجتهد على صديقه»(69).
إنّ الراوي في الأمثلة الآنفة يستعين بضمير الغائب؛ دليلاً على أنّ الأفعال والأقوال لا تخرج عن نطاق رؤيته وتأوُّلاته. وهو في سبيل تحقيق ذلك ينقل لنا ما يقع للشخصيّات من أحداث بصورة تعاقبيَّة تكشف دقّة رصده، وتعلن عن تواجده اللّصيق مع كلّ شخصيَّة مهما تباين زمانُها، وتنائى مكانُها. ولم يكتفِ بهذا الرصد الخارجيّ للأحداث فحسب، بل إنّه ليتوغّل ليخترق باطن الشخصيّات، ويميط اللّثام عن مكنونات نفسها المحتجبة، ويتأوَّل إدراكاتها، وهواجسها العميقة إزاء ما يجري لها من أحداث ومواقف. وما يدعم ذلك مع كلّ شخصيّة يتبدّى في قوله عن الجُرَذ: «حذر، فسُرَّ واستبشر، فتحيَّر، وخاف، فقال في نفسه، فجهد، خائفًا». وقوله عن السِّنَّور: «وعرف أنّه صادق، واجتهد». وقوله عن ابن عِرس والبوم: «يريد أخذه، يريد اختطافه، أيسا». وقوله عن الصيّاد: «خائبًا».
إنّ ما يبرّر نزوع الراوي إلى إقحام نفسه في كلّ ما يحدث، هو احتلاله مستوًى سرديًّا من شأنه أن يمحي المسافة بينه وبين ما يروي، ويوجب نوعًا من المعرفة المتعالية، تجعل وجهة نظره إلهيّة تستطلع أفعال الشخصيّة في فضاء لا زمنيّ؛ إذ «لم يطلعنا الراوي على كيفيّة حصوله على ما نقله لنا، ولكنّ الظاهر أنّ انتماءه إلى زمنيّة خارجيّة عن الزمنيّة الوقائعيّة، هي التي مكّنته من الحصول على هذه المعرفة»(70)، وقد أتاح له ذلك لأن يعرف ما خُفي وما عُلن، وما قُرب وما بُعد، مهما تعددّت الشخصيّات، وتنوّعت أماكنها، سواء في وقت واحد، أو في أوقات متفرّقة.
الهوامش:
1 - حميد لحمداني: بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط3، 2000، ص53. وقد نقلها من: R.Bourneuf et R.ouelle; L,univers du roman. P.U.F. 1981. P.99.
2 - تيودور زيولكوفسكي: أبعاد الرواية الحديثة، ت: إحسان عباس، وبكر عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1994، ص34.
3 - أنيسة السعدون: الراوي بين الحكاية والخطاب في قصص محمد عبد الملك، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2010، ص29.
4 - تزفيطان تودوروف، الشعرية، ت: شكري المبخوت ورجاء سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط2، 1990، ص48.
5 - سيزا قاسم: بناء الرواية (دراسة مقارنة في ثلاثية نجيب محفوظ)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط1، 1984، ص29.
6 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، د.ط، 1972، ص325.
7 - المصدر السابق، ص332. التكرار في العبارة السابقة متأتٍ من الفعل المضارع الذي يحيل إلى تكرار الفعل، لا سيما أنه مندرج تحت فعل الناسخ المضارع «يكون» الذي يفيد استمرارية وقوع الحدث وتجدده.
8 - جيرار جنيت: خطاب الحكاية (بحث في المنهج)، ترجمة: محمد معتصم، وعمر حلي، وعبد الجليل الأزدي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 1996، ص131.
9 - جيرار جنيت: خطاب الحكاية، مرجع مذكور، ص132.
10 - مها القصراوي: الزمن في الرواية العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2004، ص212.
11 - الصادق قسومة: طرائق تحليل القصة، دار الجنوب للنشر، تونس، ط1، 2000، ص119.
12 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص328.
13 - المصدر السابق، ص328.
14 - المصدر السابق، ص332.
15 - حسن بحراوي: بنية الشكل الروائي (الفضاء، الزمن، الشخصية)، المركز الثقافي العربي، بيروت/ الدار البيضاء، ط1، 1990، ص137.
16 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص330.
17 - المصدر السابق، ص330-331.
18 - المصدر السابق، ص330.
19 - محمد الخبو: الخطاب القصصي في الرواية العربية المعاصرة، دار صامد للنشر والتوزيع، تونس، ط1، 2003، ص90. وقد نقله عن: E.L.Sadoulet,Temps et recit, p165.
20 -عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص331.
21 - سامي سويدان: في دلالية القصص وشعرية السرد، دار الآداب، بيروت، ط1، 1991، ص266.
22 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص332.
23 - جاب لينتفلت: مقتضيات النص السردي الأدبي، ت: رشيد بنحدو، ضمن كتاب: طرائق تحليل السرد الأدبي (دراسات)، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، ط1، 1992، ص93.
24 - مي أحمد يوسف: الحكاية العشقية في مصارع العشاق لابن السراج (حكاية جناية السبع على العاشقين) البناء والموضوع، دراسات/ العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 30، العدد1، 2003، ص179.
25 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص326.
26 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص327.
27 - المصدر السابق، ص327-328.
28 - المصدر السابق، ص328.
29 - المصدر السابق، ص330.
30 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص333.
31 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص326.
32 - ينظر، جيرار جنيت: خطاب الحكاية، مرجع مذكور، ص 185.
33 - أحمد فرشوخ: حياة النص، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 2004، ص86.
34 - محمد نجيب العمامي: الراوي في السرد العربي المعاصر – رواية الثمانينات بتونس، دار محمد علي الحامي، صفاقس/ كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سوسة، ط1، 2001، ص88.
35 -عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص326.
36 - المصدر السابق، الصفحة نفسها.
37 -المصدر السابق، ص326-327.
38 - المصدر السابق، ص327.
39 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص327.
40 - محمد نجيب العمامي: بحوث في السرد العربي، دار نهي للطباعة والنشر والتوزيع، صفاقس، ط1، 2005، ص71. وقد اقتبس تعريف الحوار من سيلفي دورر.
41 - محمد نجيب العمامي: الراوي في السرد العربي المعاصر – رواية الثمانينات بتونس، مرجع مذكور، ص116.
42 - محمد الخبو: الخطاب القصصي في الرواية العربية المعاصرة، مرجع مذكور، ص352.
43 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص328.
44 - المصدر السابق، ص333.
45 - سامي سويدان: في دلالية القصص وشعرية السرد، مرجع مذكور، ص132.
46 - جيرالد برانس: قاموس السرديات، ترجمة: السيد إمام، ميريت للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2003، ص21.
47 - محمد نجيب العمامي: بحوث في السرد العربي، مرجع مذكور، ص71.
48 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص326.
49 - المصدر السابق، ص327.
50 - المصدر السابق، ص328.
51 - الصادق قسومة: طرائق تحليل القصة، مرجع مذكور، ص165.
52 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص325.
53 - المصدر السابق، ص327.
54 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص327.
55 - وذلك عندما وقفنا على الأحاديث التي تركز على حوار الجُرَذ الداخليّ، والحوار الثنائيّ مع السِّنَّور.
56 - تزفيطان تودوروف: طرائق تحليل السرد الأدبي (دراسات)/ في مقاله: مقولات السرد الأدبي، ت: الحسين سحبان، وفؤاد صفا، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، ط1، 1992، ص58.
وقد أطلق جيرار جنيت على هذا النمط من التبئير مصطلحًا آخر هو: الحكاية غير المبأرة، وهو نمط تجسمه الحكاية الكلاسيكية عمومًا.
ينظر، كتابه: خطاب الحكاية، مرجع مذكور، ص201.
57 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص326.
58 - المصدر السابق، الصفحة نفسها.
59 - عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، مصدر سابق، ص326.
60 - المصدر السابق، الصفحة نفسها.
61 - المصدر السابق، ص327.
62 - المصدر السابق، ص328.
63 - المصدر السابق، الصفحة نفسها.
64 - المصدر السابق، الصفحة نفسها.
65 - المصدر السابق، ص330.
66 - المصدر السابق، ص331.
67 - المصدر السابق، ص330.
68 - المصدر السابق، الصفحة نفسها.
69 - المصدر السابق، ص331.
70 - حسين الواد: البنية القصصية لرسالة الغفران لأبي العلاء، الدار العربية للكتاب، تونس، ط3، 1988، ص69.
المصادر:
عبد الله بن المقفع: كليلة ودمنة، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، د.ط، 1972.
المراجع:
- أحمد فرشوخ: حياة النص، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 2004.
- أنيسة السعدون: الراوي بين الحكاية والخطاب في قصص محمد عبد الملك، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2010.
- تزفيطان تودوروف:
طرائق تحليل السرد الأدبي (دراسات)/ في مقاله: مقولات السرد الأدبي، ت: الحسين سحبان، وفؤاد صفا، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، ط1، 1992.
الشعرية، ت: شكري المبخوت ورجاء سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط2، 1990.
- تيودور زيولكوفسكي: أبعاد الرواية الحديثة، ت: إحسان عباس، وبكر عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1994.
- جاب لينتفلت: مقتضيات النص السردي الأدبي، ت: رشيد بنحدو، ضمن كتاب: طرائق تحليل السرد الأدبي (دراسات)، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، ط1، 1992.
- جيرار جنيت: خطاب الحكاية (بحث في المنهج)، ترجمة: محمد معتصم، وعمر حلي، وعبدالجليل الأزدي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 1996.
- جيرالد برانس: قاموس السرديات، ترجمة: السيد إمام، ميريت للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2003.
- حسن بحراوي: بنية الشكل الروائي (الفضاء، الزمن، الشخصية)، المركز الثقافي العربي، بيروت/ الدار البيضاء ، ط1، 1990.
- حسين الواد: البنية القصصية لرسالة الغفران لأبي العلاء، الدار العربية للكتاب، تونس، ط3، 1988.
- حميد لحمداني: بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط3، 2000.
- سامي سويدان: في دلالية القصص وشعرية السرد، دار الآداب، بيروت، ط1، 1991.
- سيزا قاسم: بناء الرواية (دراسة مقارنة في ثلاثية نجيب محفوظ)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط1، 1984.
- الصادق قسومة: طرائق تحليل القصة، دار الجنوب للنشر، تونس، ط1، 2000.
- محمد الخبو: الخطاب القصصي في الرواية العربية المعاصرة، دار صامد للنشر والتوزيع، تونس، ط1، 2003.
- محمد نجيب العمامي:
بحوث في السرد العربي، دار نهي للطباعة والنشر والتوزيع، صفاقس، ط1، 2005.
الراوي في السرد العربي المعاصر – رواية الثمانينات بتونس، دار محمد علي الحامي، صفاقس/ كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سوسة، ط1، 2001.
- مها القصراوي: الزمن في الرواية العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2004.
- مي أحمد يوسف: الحكاية العشقيّة في مصارع العشّاق لابن السرّاج (حكاية جناية السبع على العاشقين) البناء والموضوع، دراسات/ العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد30، العدد1، 2003.
الصور:
1-http://3.bp.blogspot.com/-XqFFlVGqNss/UbNwarekO3I/AAAA AAAAAaY/9z4hit0MFPw/s1600/clean +cut+cat.jpg