فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
31

الثقافة الشعبية بين المادي واللامادي

العدد 31 - آفاق
الثقافة الشعبية  بين المادي واللامادي
لبنان
 

ليس غريباً القول إن الثقافة المجتمعية ثقافتان؛ ثقافة السلطة باعتبارها الثقافة الرسمية والعالمة، وثقافة العامة باعتبارها ثقافة مخصوصة بالناس في حياتهم اليومية وفي ممارساتهم العملية، وإن كانت موصولة مع ثقافة السلطة برباط النقد والاستعلاء. إلا أن هذا الوصل المحكوم بالسلبية لا يتأبد في موقعه، إذ لا بد من متغيرات تقلب هذه العلاقة إلى موقع يمكن أن تتزاحم فيه الثقافة الرسمية، بشقيها السياسي والديني، لكسب ود العامة بكل ما تمثل.

وفي كل الأحوال يمكن أن تكون الثقافة الشعبية متوافقة أومتناقضة مع ثقافة السلطة،من حيث هي معبرة عن أماني الناس العاديين وتطلعاتهم وأحلامهم، قرُبت أو بعُدت عن اهتمامات السلطة وثقافة النخبة. وفي هذا المجال يمكن أن تتغلب الثقافة الشعبية، إذا ما داخلتها ثقافة المعارضة السياسية لتتحول، من بعد، إلى ثقافة سلطة، ومن ثم إلى ثقافة رسمية لتعود إلى الفصل بين ما هو رسمي وما هو شعبي. وهذا يعني أن ثمة إمكانية تغلّب الثقافة الشعبية على  الثقافة الرسمية، بطوباويتها، ولو إلى حين، ومن ثم تتحول هذه الطوباوية إلى ثقافة واقعية تغلب عليها إيديولوجيا السلطة، من حيث كونها ثقافة رسمية بديلة، تعمل على تأبيد سلطتها وعلى توجهها المتعالي.

في هذا الوقت، تبقى الثقافة الشعبية على توجهها الموصول مع الماضي، والمتجدد بعناصر ثقافية حديثة   متأتية من  خبرات مجتمعية دائمة التأثير، ومن طرق المثاقفة التي تضفي عناصرجديدة علىالثقافة الأصيلة، بشقيها النخبوي والشعبي، بحكم التواصل الدائم والمستمر مع ثقافات المجتمعات الأخرى، قربت هذه أوبعدت، وإن كانت وسائل الاتصال الحديثة تقرّ بالمجتمعات الانسانية من بعضها بعضاً، ربما أكثرمن تقارب مناطق متعددة ضمن المجتمع الواحد.

هذا الكلام يوصلنا إلى محاولة تحديد ما تعنيه الثقافة الشعبية باعتبارها ناشئة عن المجتمع في مجرى حياته اليومية، ومفصولة عن مواقع السلطة ببعديها السياسي والديني، وما يلتصق بهما من صانعي الثقافة الرسمية بأبعادها كافة.

مفهوم الثقافة الشعبية

تحمل الثقافة الشعبية في ثناياها الكثير من العناصر التي تجعل منه مفهوماً ملتبساً، وخاصة في مجالات الثقافة العربية. وبما أن هذا المفهوم مرتبط تاريخياً في الذهنية العربية بكل ما هو مخالف للعقلانية والإيمان الديني القويم والقواعد الضابطة للغة، فقد انتمى، في اتجاهه هذا، بالعامة من الناس، بعفويتهم وصدقهم وأحلامهم وأمانيهم، وبما يوقظ لديهم الإحساس بالقوة والحرية والحب والحنين، وكل الأحاسيس التي تولّد فيهم الشعور بأنهم أحياء، أو بحاجة إلى ما يمكن أن يعمل على استمرار حياتهم بالصحة اللازمة والنشاط، في عالم تعزّ فيه لقمة العيش وراحة البال.

ونظراً لأهمية الفهم العميق لما تعنيه الثقافة الشعبية في الثقافة العربية، انعقدت ندوة هامة في مكاتب مجلة الثقافة الشعبية في مملكة البحرين لمناقشة هذا المفهوم(1)، ولفصله قدر الإمكان عن المفهوم الغربي “الفولكلور” وما يعنيه، وإن كان ثمة تقارب بينه وبين ما يمكن أن يعنيه مفهوم الثقافة الشعبية الذي على العرب صوغه بما يتناسب مع تطور النظرة إلى الثقافة الشعبية العربية، وإدخالها في مجال البحث العلمي، وإنشاء المراكز المتخصصة لدراسة أبعادها، وتحديد أصنافها، وجمع ما يتيسر منها حسب منهجية علمية صارمة، لما لذلك من فائدة تعم البلدان المهتمة على صعيد ثقافاتها، وعلى صعيد نظراتها إلى تاريخها، وكيفية العمل على وصل الحاضر بالماضي واستشراف المستقبل.

جمعت هذه الندوة أهم المتخصصين في الثقافة الشعبية من بلدان عربية متعددة، منها تونس ومصر والعراق وفلسطين والبحرين. وقد ناقشوا مفهوم الثقافة الشعبية بالعمق. وظهر التباين واضحاً في تحديد هذا المفهوم. إلا أن ما اتفق عليه الجميع هو عدم ربط الثقافة الشعبية في مفهومها الحديث بالطبقة الشعبية وحدها، أو بلاعقلانيتها وجهلها بأصول الدين واللغة، وإن كان في ذلك شيء من الصحة في ما مضى، على الأقل في الثقافة الشعبية العربية(2). وتوصلوا، في هذه المسألة إلى استنتاج مفاده أن الثقافة الشعبية تخرق المجتمع عمودياً أيضاً، وتطول مجموعات من كل الفئات وليس الفئة الشعبية وحدها، باعتبارها إنتاج جماعة بشرية تشترك في نظام من الرموز والقيم يميزها عن غيرها من الجماعات(3)، وهي بهذا جزء من الثقافة العامة، وبالتالي، لها مساس مباشر مع كل العناصر المشكّلة لبنيتها. ولا تقتصر الثقافة الشعبية، حسب سعد الصويان، على منتج ومستهلك إلا في آخر أولوياتها، إذ الأولوية التي تعطي للثقافة الشعبية مفهومها هي المادة نفسها، في بنيتها وشكلها ومضمونها(4). وبهذا المعني يكاد الصويان يقول بأن لا وجود لما هو لامادي في الثقافة الشعبية إلا بوساطة ما هو مادي، حتى ولو كان بالرمز والإيحاء والكلام والحركة. وهذا ما سيظهر لاحقاً. وهي في كل حال تقليدية في بناها المادية باستنادها إلى تاريخ موصوف، وتقليدية في الذهنية التي تتجلى في ممارسات شعبية لا تقتصر على العامة فحسب، بل تعبُر الفئات كلها لتصل إلى النخبة، وإن كان بأساليب وأدوات مختلفة، ولنا في طقوس الزار في مصر، وحلقات الذكر في مختلف البلدان الإسلامية الدليل الأسطع على ذلك(5). ويؤكد خليل أحمد خليل على أهمية دراسة الثقافة الشعبية باعتبارها مجموعة من الظواهر المتصلة والمتداخلة والمتفاعلة والمتصارعة مع العناصر الثقافية الأخرى ضمن الثقافة الواحدة على تنوعها. وهي بهذا المعنى تعبير سوسيولوجي عن الاتصال البشري وتداخل القوى الاجتماعية تفاعلاً وتصارعاً، ثباتاً وتغيراً(6).

وعليه، يمكن القول إن الثقافة الشعبية هي مجمل نشاطات المجتمع من ممارسات وأفكار أنتجها إشباعاً لحاجاته المادية والنفسية في سياق مستقل عن السلطة وعن النخبة العالمة ذات الاهتمامات المماثلة والعاملة على إشباعها بطرق مغايرة وأساليب مختلفة. وهي تعمل على نقل هذه النشاطات، وما ينشأ عنها من أصناف الإنتاج، من جيل إلى جيل باعتماد الذاكرة والكلام المعبر عن موجوداتها، إلى أن ظهرت وسائل الإعلام لتقوم بهذه المهمة. نشأت وطاولت كل فئات المجتمع وبقيت تعبّر عن نفسها بالطرق التقليدية، حرفة وكتابة ونغمة وصوتاً وزياً وحركة. وهي في الأخير نمط حياة متحرك ونظام من الرموز وأشكال التفاعل تشارك فيها الثقافة العامة، باعتبارها عنصراً أساسياً فيها.

الثقافة الشعبية ومخاطر التحدي

لا وجود لثقافة معزولة إلا في المجتمعات الأولية المغرقة في عزلتها، هذا إذا وجدت في العصر الذي نعيش فيه. وهذا يعني أن أنفاس الثقافة مفتوحة على كل الجهات، في الأخذ كما في العطاء. هذا ما تم ذكره سابقاً. ولكن ما يمكن الزيادة عليه هنا، أن ثمة عناصر كثيرة، وظروفاً شديدة التأثير تجعل الثقافة المجتمعية المخصوصة، وفي أي مجتمع، عرضة للتأثر كما للتأثير. وإذا كان لهذه العناصر التغييرية أن تؤثر، فهي رسولة الثقافات التي أنتجت التقنيات العالية ووسائل الاتصال الحديثة والتواصل الاجتماعي، المرفقة بضغط كبير تحمله أنماط حياة ووسائل عيش أنتجت في أمكنة، على أن تستهلك في أمكنتها ذاتها، وفي أمكنة أخرى لها أن تتشارك في الاستهلاك دون أن يكون لها يد في الإنتاج، ودون أن يكون لها ذهنية متناسبة مع أدوات الإنتاج، ودون القدرة على إيجاد البيئة المادية والنفسية للتعامل مع هذا الإنتاج. فيطغى هنا المنتِج الذي له طرائقه وأنماطه في التعاطي مع إنتاج متناسب مع حاجاته وتطلعاته، على مستهلك لا بد له أن يتعاطى بطرق مغايرة تعتمد على كل ما هو غريب، عن بنى الذهنيات، وعن التداول في مجرى الحياة اليومية. فيكون التأثير مضاعفاً.

 فبالاضافة إلى تنامي نمط الاستهلاك لدى المجتمعات المتأثرة، وما يتطلبه ذلك من تداعيات نفسية جماعية تعطي للاستهلاك التفاخري الأولوية في نمط عيشها، تأخذ في الابتعاد الواعي واللاواعي عن كل ما يربطها بحاضرها الثقافي وماضيها التراثي، وبكل ما يربطها بثقافتها، باعتبارها ثقافة عفا عليها الزمن، وأصبحت من مخلفات الماضي وأسيرة التقاليد، ليتمثل ثقافة طارئة حملتها المحطات التي تملأ الفضاء العربي حاملة معها كل ما يبهر وما يشكل أنماطاً حديثة تشمل كل ما يهم الإنسان العربي في السياسة، وفي الفن، وفي التعرف على كيفية العيش، وكيفية الاستهلاك الذي يشمل ما يقتنيه، مع تنامي حس الاستزادة، من أدوات، على اختلافها، ومن ألبسة، ومن ألوان الطعام والشراب، وكيفية التعاطي مع الآخرين في العلاقات الاجتماعية، وفي  التواصل حسب معايير الحياة الحديثة. كل ذلك في الوقت الذي لا تزال ثقافته المخصوصة تستمر في مسيرتها ببطئها المعهود، وبأحمالها الثقيلة. فيحس بأن من الهام التخلي عن كل ما يعيق مسيرته المتجددة، المصنوعة من الآخرين، ولو كلفه ذلك، ليس التخلي عن ثقافته وهويته المرتبطة بها، فحسب، بل بالإضافة إلى ذلك، الإحساس بالخجل من الانتماء إلى هذه الثقافة، التي يحس أنها تضعه على الحافة المواجهة لبرج مكين من ثقافة حديثة تفصل بينهما هوة سحيقة لا يحدها قرار.

لا يرتبط هذا الإحساس بالإنسان العربي وحده، بل شمل حتى المجتمعات المتقدمة التي أحست، في قواعدها، كما في نخبها حاملي الثقافة العالمة، أن ثمة طغياناً لنمط حديث من الحياة يفرضه منطق خارق القوة والتأثير، هو المنطق المعولم. يعمل على زيادة وتيرة السرعة في مجرى الحياة اليومية، بالإضافة إلى الضغط الذي يحدثه الإيقاع المتنامي للاستهلاك لمساهمته في زيادة وتيرة الإنتاج، ليتحول العالم، من بعد، إلى طاحونة هائلة القدرة تستجيب لمتطلبات العولمة، ولا يهم في النتيجة ما يحل بالمجتمعات الإنسانية من أضرار، ليس على اقتصادياتهم أو سياساتهم فحسب، بل في الدرجة الأولى على ثقافاتهم المخصوصة، أي على مصائرهم، كشعوب، لها تراثها ومعطياتها المتميزة، وبضياعها تضيع الهوية.

هذا ما تنبهت له أوروبا بعد الثورة الصناعية وطغيان المادة، وتهافت الناس على الغرق في تصانيف الحياة الحديثة، كما بعد طغيان المنطق المعولم. وانتقل الاهتمام من أفراد إلى مؤسسات لتصل إلى الأمم المتحدة بعد استشعار الخطر المحدق بثقافات الشعوب ومصائرهم.  

يبين لنا محمد النويري في مقالة هامة أهمية الحفاظ على التراث، والعمل على وصله بالحاضر لاستشراف المستقبل، وإن جاء العرب متأخرين في اهتمامهم بالتراث. فهو يقول إن أوروبا سبقت بأشواط في هذا المجال، إذ يعود الاهتمام بالثقافة الشعبية فيها إلى أواخر القرن الثامن عشر، وإن كان ذلك بجهود فردية(7) قبل أن تنشأ المؤسسات التي أخذت على عاتقها الاهتمام بالثقافة الشعبية وربطها بالأصالة، باعتبار أنها تشكل المفتاح لمعرفة الماضي بكل تفاصيله في مسيرة الحياة اليومية، وفي الممارسة العملية للناس في عفويتها، وفي إظهار تجليات الذهنية المعبّرة عن ذاتها، وتعطيها الاستقلالية والخصوصية التي تميزها عن غيرها من ثقافات الشعوب.

هذا الاهتمام، حسب النويري، لم يبق في إطار التجميع والدرس، بل تطور إلى وضع المناهج العلمية في كيفية التعاطي مع الثقافة الشعبية، وكيفية تجميعها من الميدان وتصنيفها ودرسها لمعرفة ما هو مفيد وقابل للاستمرار، وما هو خارج الزمن، وكيفية الإفادة من كل صنف منها، وغير ذلك من إنشاء المراصد الثقافية والمتاحف ومراكز الأبحاث، مع التركيز على كل ما يمكن أن يفيد في هذا المجال، من نشر الدراسات وتنظيم المؤتمرات، وغيرها(8).

في مقارنته لهذا الاهتمام، مع ما يجري في البلدان العربية، يرى النويري فرقاً شاسعاً في هذا المجال؛ أول عناصره التكامل بين الثقافة الشعبية والثقافة العالمة، إذ يلحظ أن هذه الأخيرة أوجدت المناهج اللازمة، والعدة الكافية للتعامل بين العامي والعالم في الثقافة، من أجل إظهار كل جوانب الثقافة الشعبية إلى العلن مع تصنيف عناصرها وكيفية الإفادة منها في جوانب مختلفة من العلوم الإنسانية، من علوم اللغة إلى الانتربولوجيا والتاريخ. بينما لدى البلدان العربية لا تزال الهوة تتسع بين الثقافة الشعبية والثقافة العالمة، مع وجود اهتمام مستحدث في كيفية الإفادة من التراث في جانبه السياحي، أو في دراسته الأكاديمية باعتباره من الماضي. فنشأت لذلك المؤسسات والمراكز العلمية وبدأت بالبحث والتصنيف والدرس، وإن لا تزال في بداية الطريق العملي والعلمي. والمهم في هذا المجال، على ما يقول النويري، ليس الجمع والتصنيف والحفظ على رفوف المتاحف والمكتبات وخزائنها، فحسب، بل العمل أيضاً، على تطبيق المنهج العلمي في كيفية النظر إلى هذه الموجودات والإفادة منها في شتى دروب المعرفة، والتعامل معها بالأمانة اللازمة، تركيباً لغوياً، ولهجات وأدوات تعبير، والانطلاق منها لمعرفة تطور أحوال اللغة ودلالات هذا التطور وعلاقته بالواقع الاجتماعي التاريخي للبيئة الاجتماعية(9).

ويختم النويري مقالته الهامة بالقول إن الثقافة الشعبية عنصر من عناصر الشخصية العربية. وهذا يعني أن يكون للعرب ما يساهمون فيه في انفتاحهم على العالم. «وأن يكون أخذنا مساوقاً، على نحو ما، لعطائنا. فيكون تفاعلنا مع غيرنا خلاقاً نفضي إليه ويفضي إلينا. ونضيف إليه بالقدر الذي يضيفه إلينا. فالثقافة التي لا تعرف كيف تعطي هي ثقافة لا تعرف كيف تأخذ»(10). والوعي في الأخذ والعطاء يجدد الثقافة ويوصل ما استجدّ مع ما مضى لتبقى الثقافة، بما هي عالمة وبما هي شعبية، متصالحة مع ذاتها، ومتجددة في عناصرها وفي عصرها، ومنفتحة على ثقافات الآخرين وعلى عوالمهم.

موضوعات الثقافة الشعبية

يعرض سميح شعلان في ورقة هامة للثقافة الشعبية من خلال الكشف عن التراث النظري لقضية موضوعات  المأثورات الشعبية(11). وقد اعتبر أن القضية الأساسية في الثقافة الشعبية، وهي التي يطلق عليها تعبير المأثورات الشعبية، هي في تحديد موضوعاتها والبحث في مضامين هذه الموضوعات ومن ثم تصنيفها للتفريق فيما بينها، ضمن الإطار العام الذي يشمل الثقافة الشعبية، من ناحية؛ وضمن الإطار العام لكل من الثقافة الشعبية المادية والثقافة اللامادية، من ناحية ثانية. ولأن التصنيفات تختلف بين علماء التراث الشعبي، فقد اختار شعلان إظهار بعض التصنيفات الأميركية والأوروبية، وبعض التصنيفات العربية، ومن ثم يضع تصنيفاً خاصاً بهذه الورقة ليبين كيف ينظر إلى الثقافة الشعبية وكيف يمكن أن تندرج هذه الموضوعات، إن كان على مستوى الثقافة الشعبية بشكل عام، أو على المستوى المادي منها وغير المادي.

ينتقد شعلان أولاً تصنيفات فايس وبوكارت ولاوفر بعد ذكر موضوعات هذه المأثورات. ويأخذ على الأول منهم حصر الثقافة المادية بالمباني والمساكن والأزياء الشعبية دون الاهتمام بكل ما تقع عليه العين وتلمسه اليد. فالثقافة الشعبية المادية تشمل كل أداة تؤدي  «وظيفة نفعية لا تخلو من جمال يجعل استخدامها مقبولاً ومريحاً، ويخلق حالة من المنافسة في الاقتناء في ما يتعلق بالمنتجات الحرفية»(12). كما يأخذ عليه اعتبار الغذاء موضوعاً مستقلاً مع أنه يدخل ضمن موضوعات العادات الاجتماعية لما للغذاء من أحكام تدخل في الفعل الاجتماعي والقواعد العامة لآداب الطعام. وما يدخل في كيفية صنع الطعام وألوانه ومقادير عناصره فتدخل في موضوع آخر هو المعارف الشعبية، وغير ذلك(13).

أما نظرة شعلان إلى تصنيف العالمين الألمانيين، بويكارت ولاوفر، فهي أكثر إيجابية حيث يلحظ اتساع الاهتمام بموضوعات الأدب الشعبي، وعدم ضمها ضمن موضوع واحد، علماً ان هذا التصنيف تجاهل موضوع المعارف الشعبية، والاهتمام بأدوات الثقافة المادية والآلات المصاحبة للأداء الموسيقي، دون الاهتمام بمضامين الإبداعات وطرق أدائها، وعما تعبر عنه(14).

يقترب تصنيف دورسون من الواقع الميداني بعد تصنيفه للمأثورات الشعبية ضمن أربع مجموعات رئيسية. ومن المهم ذكرها هنا للتعرف إليها بهذا الجمع الذي يدل على خبرة ميدانية طويلة.

-ميدان الأدب الشفاهي (الأدب الشعبي).

-الحياة الشعبية المادية (الثقافة المادية).

-العادات الاجتماعية الشعبية (ضمنها المعتقدات الشعبية).

-فنون الأداء الشعبي (الموسيقى الشعبية، الرقص، الدراما).

يأخذ شعلان على هذا التصنيف عدم إدراج المعارف الشعبية ضمنه، ربما لعدم التنبه إلى أهمية المعارف الشعبية في التعاطي مع الحاجات الملحّة، من معالجة أمراض الإنسان والحيوان، ومعرفة أحوال الزراعة، وما يرتبط منها بأحوال الطقس، ومعرفة فنون الصيد، وتربية الحيوانات، وغيرها. وما يرتبط بكل ذلك من ابتداع الأدوات الملازمة لهذه المعارف.

أما محاولات التصنيف العربية، فيفرد شعلان حيزاً هاماً من ورقته إلى كل من الانتروبولوجيين العربيين محمد الجوهري وعبد الحميد يونس، باعتبارهما قدما التصنيفين الممهدين للدراسات العلمية للثقافة الشعبية.

حدد الجوهري أربعة موضوعات رئيسية للثقافة الشعبية، وهي:

-المعتقدات والمعارف الشعبية

-العادات والتقاليد الشعبية

-الأدب الشعبي

-الثقافة المادية والفنون الشعبية.

ينتقد شعلان في هذا التصنيف ضم الفنون الشعبية إلى الثقافة المادية، لأن هذا إذا كان يصح على الفن التشكيلي باعتباره رسومات وتزيين وزخارف، فلا يصح على الموسيقى والغناء والرقص باعتبارها صيغاً إبداعية، وإن كانت تعتمد في أدائها على أدوات مادية.

أما في عرضه لتصنيف عبد الحميد يونس، فلم يجد شعلان فيه جديداً، بل زاد في تخبط عملية التصنيف بحيث إنه تجاهل المعارف الشعبية، وفصل بين الغناء والموسيقى والرقص، من ناحية؛ والدراما من ناحية أخرى. كما تجاهل الثقافة المادية، وحصرها فقط في الحرف الشعبية، علماً أن الحرف تشكل جزءاً من الثقافة المادية وليست كلها(15).

بعد عرضه للتصنيفات الآنفة الذكر حول موضوعات المأثورات الشعبية، ونقدها وإظهار ما يعترضها من شوائب حسب وجهة نظره، يقدم شعلان المرتكزات الأساسية التي يمكن أن ينبني عليها التصنيف الأقرب ما يمكن من الواقع الميداني.

أولى هذه المرتكزات، العمل على الفهم العميق لكل عنصر من عناصر الثقافة الشعبية لتصنيفه ضمن موضوع محدد. وبالتالي، يسهّل هذا الفهم وضع جملة من العناصر المتقاربة في موضوع واحد، مثل العادات والتقاليد والمعتقدات والمعارف الشعبية. وهذا يتطلب تحديداً واضحاً لكل موضوع ليكون على رأس الموضوعات الفرعية القريبة منه. وهذا هو المرتكز الثاني. أما المرتكز الثالث فيقوم على التأكيد على أن جميع موضوعات الثقافة الشعبية متقاربة ومتداخلة، والفصل ما هو إلا آلية لتصنيف ما هو متقارب أكثر، من بين عناصرها.

على هذه المرتكزات بنى شعلان تصنيفه بعد تحديد ما يعنيه الأدب الشعبي باعتباره ذاكرة الناس المنقول شفاهة من جيل إلى جيل، مع كل ما يتطلب ذلك من فنون الأداء والحفاظ عليه، مع تبني المجتمع الشعبي لهذا المضمون، وإن غاب المبدع الأساسي في أي فرع من فروع الأدب، ليحل محله وارثون يعتزون بما ورثوا. وهؤلاء يتبنون هذا الأدب ليعبّر عنهم ويفصح عن تطلعاتهم بالإيحاء والرمز والبطولات العجائبية. أما العادات الشعبية فهي التي تلزم الأفراد في تبنيها، وفي الالتزام بالسلوك الذي تقتضيه، ومعاقبة المخالفين. ذلك أنها ذات أهمية لتماسك الجماعة، كما لها القدرة على القيام بالوظائف التي تحتاجها الجماعة، ما يعني توافقها مع ظروف المكان والزمان(16)، ومتغيرة بتغير هذه الظروف، وإن كانت العادة الاجتماعية أكثر مرونة من التقليد(17). أما المعتقدات الشعبية فهي الأفكار والتصورات والمفاهيم التي تعطي للخيال الدور الرئيس في صوغها والتعبير عنها في أنواع مختلفة من السلوك الفردي والجماعي في كل مجتمع. والمعارف الشعبية تتشكل من خبرات الناس وتجاربهم لتسيير أمور حياتهم. وفنون الأداء الشعبي هي تلك الصيغ الإبداعية التي تؤدى بطرق مختلفة لتقديم المتعة للمتلقين، بالإضافة إلى فنون الرسم والزخرفة والتصوير التي تعبر عن مخيال الجماعة، وتصوراتهم ونظراتهم إلى الوجود، وإلى ما وراء الوجود. أما الثقافة المادية فهي «كل ما تراه العين وتلمسه اليد، ويؤدي وظائف ملحة عند أفراد كل جماعة»(18). والحاجة تقضي بإبداع الأداة التي تقوم بوظيفة تلبية هذه الحاجة.

هذا التحديد الدقيق للمواضيع المبني على المرتكزات الواضحة لدى شعلان سمحا له ببناء تصنيفه على الشكل التالي:

1 - الأدب الشعبي

2 - العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية

3 - فنون الأداء الشعبي ( الرقص، الموسيقى، الدراما)

4 - فنون التشكيل الشعبي والثقافة المادية.

يبدو جلياً من خلال هذا التصنيف تأثر شعلان بكل من تصنيفي دورسون والجوهري، علماً أن دورسون تجاهل المعارف الشعبية، مع أنها يمكن أن تكون متضمنة في المعتقدات الشعبية، حسب مرتكزات شعلان نفسها في تصنيف عناصر الثقافة الشعبية. كما أن الجوهري خلط بين الفنون الشعبية والأدوات المعبرة عنها فوضعها جميعاً في خانة الثقافة المادية. فجاء تصنيف شعلان مماثلاً لتصنيفهما، مع أنه عاد ليخلط بين فنون التشكيل الشعبي والثقافة المادية في موضوع واحد.

بين المادي واللامادي

وتمشياً مع مرتكزات شعلان ومنهجيته في التصنيف، وانطلاقاً من الفهم العميق لمضمون كل من المواضيع المتكررة في كل التصنيفات المذكور آنفاً، يمكن تنظيم تصنيف أكثر تكثيفاً للموضوعات التي تدخل ضمن إطار الثقافة الشعبية، مبنية على ما يلي:

الثقافة الشعبية هي إنجازات الناس في حياتهم اليومية وفي عفويتهم وتعاطيهم مع متطلبات الحياة، ومواجهاتهم لمشكلاتها. وهي لذلك تشمل كل ما يقوم به الإنسان باعتباره كائناً اجتماعياً، تفرض عليه كينونته التعاون مع أقرانه باعتباره جزءاً منهم. فينشأ عن هذا التعاون، وهذه العلاقات على أنواعها، ما يمكن أن يشكل الثقافة الشعبية. وهي ثقافة موفورة العناصر، توجدها حاجة الإنسان المادية، بعد التفكير في إيجادها ذهنياً على شكل صورة تتحول إلى وجود مادي بالفعل الإنساني، ولتلبي حاجات مادية، وحاجات لا مادية أيضاً. فوجود أدوات الحراثة نشأت عن التفكير في كيفية استنبات النباتات. والرقص الإيقاعي وجد لاستجلاب رضى الآلهة وكف أذاها. والحاجة إلى المتعة والانشراح أوجدت الآلة الموسيقية.. وهكذا. ما يعني، أن من الصعوبة الفصل بين ما هو مادي وما هو لا مادي في الثقافة الشعبية. فاللامادي لا بد له من الظهور بتوسّل ما هو مادي. هكذا عبّرت الآلة الموسيقية عن النغمة، والطبلة عن الإيقاع، والعود والبزق عما يختلج في مكنونات النفس البشرية. كما عبّر الصوت واللحن عن العذاب والحب واللهفة والظلم والبعاد. والمعالجة بالرقى والتعاويذ عبّرت عن معتقدات شعبية في توسّل كل شيء من أجل طلب الشفاء(19). والأدب الشعبي ما كان له أن يستمر لولا الرواية الشفهية المنقولة من جيل إلى جيل بتوسّل وظيفة الذاكرة، وهي بشكل من الأشكال وسيلة مادية، وبالتالي وظيفتها وظيفة مادية. والثقافة العربية العالمة تعلمنا أن كل ما هو حسي يبقى في إطار المادة ولا يرتقي إلى اللامادي.

بناء على ما تقدم، يمكن وضع تصنيف يضع ما هو لا مادي في مجال النشاط الذهني للإنسان الذي لا يمكن أن يتجلى إلا في الإطار المادي، ويظهر إلى العلن بتوسل آلة مادية، مهما كان موقعها. وعليه، فالأدب الشعبي بكل أنواعه تعبير عن فعل إبداعي إنساني في موضوعات إنسانية تغذي حس الاستماع والاستمتاع، وتحاكي نوازع بشرية تجلب الحنين، وتثير العاطفة، وتفجّر في الوجدان شعوراً إنسانياً مفرحاً أو محزناً؛ وهما حاجتان لا بد للإنسان أن يشبعهما، لأنهما تلازمانه طيلة حياته. كما أن الحكاية عن البطولات تشبع حاجة الإنسان إلى الشعور بالقوة لتستوي العلاقة مع ضعفه أمام الظلم والاستبداد. بهذا المعنى، الحكواتي كائن بشري يتوسّل ذاكرته وحركته، لإيصال ما هو لا مادي معبّر عن تطلعات ومعتقدات وطموحات أجيال سبقت، ليشبع حاجات النفس البشرية في حاضرها، بوسائل مادية. وجاءت الكتابة لتحل محل الراوي. إلا أن كل النصوص المكتوبة تبقى في الأخير مضطرة إلى الارتباط بعالم الصوت، الموطن الطبيعي للغة، كي تعطي معانيها. ذلك أن «الكتابة لا يمكن أبداً أن تستغني عن الشفاهية... والتعبير الشفاهي.. وجد في معظم الأحيان دون أي كتابة على الإطلاق، أما الكتابة فلم توجد قط دون شفاهية»(20). وعلى هذا جاءت وسائل الإعلام من الإذاعة، إلى التلفزة، إلى وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، لتنقل،بالصوت، ما هو لا مادي وفي كل الصور والأنواع، وباستعمال الوسائل المادية. وهكذا بالنسبة لكل المواضيع التي تدخل في إطار الثقافة الشعبية.

هذا الكلام يوصلنا إلى نتيجة مفادها أن لكل موضوع من موضوعات الثقافة الشعبية جانبا ماديا يعبّر عن جانبه اللامادي. وبالتالي لا وجود لما هو غير مادي إذا لم يظهر إلى العلن. ولا يظهر بمظهره العلني إلا بتوسّل ما هو مادي. حتى في انتقال كل ما هو شفوي من جيل إلى جيل باعتباره لا مادياً، كان يتم انتقاله في حلقات واسعة من الرجال والفتيان يقضون أوقاتاً طويلة في تكرار تاريخ أجدادهم لتصير محفوظة لديهم(21)، لتنتقل، من بعد، إلى الأبناء والأحفاد، عن طريق الذاكرة.

نصل إلى تصنيف موضوعات الثقافة الشعبية بناء على منهجية شعلان في فهم مضمون ووظيفة كل عنصر، إلى اعتبار الأدب الشعبي بكل تفريعاته، من أسطورة وحكاية وسيرة وزجل بكل أنواعه وأمثال وألغاز، في موضوع واحد. المعتقدات والتقاليد الاجتماعية والمعارف الشعبية في موضوع واحد. الفنون الشعبية على اختلافها من موسيقى وغناء ورقص فردي وجماعي وتمثيل في موضوع واحد. والثقافة المادية التي تشتمل على كل الأدوات التي تلبي حاجات الإنسان: من المنزل ومقتضيات الحياة فيه، إلى المجوز والمنجيرة والعود والتعويذة وكوب الحجامة، بالإضافة إلى الصند (المحراث) والمسّاس والنير وغيرها من أدوات الزراعة.  وهذا التصنيف يشتمل على:

-الأدب الشعبي

-المعتقدات والتقاليد والمعارف الشعبية

-الفنون الشعبية

-الثقافة المادية.

في هذا التصنيف، يدخل في الثقافة المادية ما يمكن أن يعبر عن الثقافة اللامادية. حتى في بناء المنازل، على صعيد الشكل أو التقسيم الداخلي، مع ما يتبع ذلك من لوازم ومفروشات تعبّر عن البنية الذهنية، وعن الراسخ في التقاليد والعادات، وطريقة العيش للساكنين. وكذلك الحال بالنسبة للأزياء الشعبية بأشكالها ووظائفها التي تلبي نظرة المجتمع إلى الرجل، كما إلى المرأة. فهي بذلك، تعابير مادية عن ذهنية المجتمع وعن عاداته وتقاليده. والأمر ذاته في كل ما يتعلق بأصناف الطعام والمقادير الداخلة في تركيبه. فهي مظاهر مادية للتدليل على أسباب تفضيل أنواع محددة من الطعام على غيرها، وأسباب التميّز في هذا النوع أو ذاك. وهذا ينطبق، أيضاً، على الآلات الموسيقية، باعتبارها أدوات مادية لتأدية ما هو غير مادي عن طريق النغم. ويدخل في هذا المجال أيضاً الأدوات المستعملة في الطب وفي السحر، وغيرها.

وإذا كانت الثقافة المادية تهتم بما يدل على حضارة المجتمع وتاريخه المجيد باعتبارهما من الإنجازات العالمة والرسمية، بما هي قلاع وحصون وقصور وأدوات وألبسة ومجوهرات وآثار دخيلة المتاحف والمراصد الثقافية، فإن الاهتمام بالثقافة المادية الشعبية حديث العهد، بدأ بتجميع موادها في متاحف متخصصة وفي مراكز رصد، مع اهتمام متزايد بمنهجية البحث في الثقافة الشعبية، وكيفية جمع المواد وتصنيفها. وهذا ما تم ذكره سابقاً.

تنبهت دوائر الأمم المتحدة إلى مسألة الثقافة الشعبية بعد ملاحظة الإهمال الذي يصيب تراث الشعوب ويهدده بالضياع، باعتبار أن الاهتمام الرسمي كان يصيب فقط ما يمكن أن يفيد في المجال السياحي، وفي تجميل صورة البلد أمام العالم. وفي هذا المجال ظهرت الاتفاقية بشأن حماية التراث الثقافي غير المادي(22) التي أصدرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة – اليونيسكو في العام 2003.

الثقافة الشعبية والتدويل

ما كاد القرن العشرون أن ينتهي، وهي النهاية التي شهدت التحولات الكبرى في التاريخ الحديث، منها انتهاء ثنائية السيطرة في العالم، ووصول الرأسمالية إلى أعلى درجات الامبريالية، وتفرّد القطب الواحد في التحكم بمقدرات العالم، اقتصادياً وعسكرياً وإعلامياً وسياسياً، حتى ظهر خطر جديد حل محل الرعب النووي الناشئ عن الثنائية القطبية، والملجوم بأولوية الحفاظ على التوازن. فورثت العولمة هذا الرعب، وعملت على توجه وحيد لا يجد من يناقشه، أو يحدّ من طغيانه. فظهر بأثواب جديدة تحفّز على العمل وتقوم على إزالة كل ما يعيق التواصل بإزالة سلطة الحدود بين الدول، وخففت من محتوى مفهوم السيادة، وفتحت الأسواق بالشكل الذي يسهّل عبور السلع والخدمات بالسرعة القياسية التي سبقت أي إمكانية لمواجهتها، أو التعامل معها، بالمنطق الملازم للمصلحة الوطنية والقومية(23). وترافق ذلك مع تطور غير مسبوق في وسائل الإعلام والتواصل، ما سهّل عملية الانخراط في هذا التوجّه الذي لا يحدّه حد ولا يعوّقه عائق، وذلك بصرف النظر عن إيجابيات وسلبيات هذا التحول، لأن في تقييم تداعيات العولمة، وخصوصاً على الثقافة العربية، كلام آخر(24).

استشعرت الأمم المتحدة خطورة التوجه الجديد على صعيد العالم كله. ووجدت أن العولمة، وهي صنيعة هذا التحول وعلّته في الوقت عينه، ستطغى على كل ما عداها، وفي كل المجالات، وسيحل المنطق المعولم محل المنطق الوطني والقومي بكل مفاعيله، في المستقبل المنظور. وقد سبق ذلك، تنبُّه الدول المتقدمة إلى خطورة هذا التوجه، إن كان على صعيد حماية قطاعاتها الاقتصادية وتعزيزها، على سبيل التكيف وليس المواجهة، أو كان على صعيد حماية ثقافاتها بكل محمولاتها وأدوات التعبير عنها، وهي اللغات القومية. وتستوي في عملية الدفاع اللغات الرسمية (الفصحى) واللهجات المحلية، بالإضافة إلى تعزيز وجودها الثقافي في الداخل والخارج. فظهرت، نتيجة لذلك، المواد الإعلامية على اختلافها مدبلجة إلى اللغة الوطنية: الفرنسية في فرنسا، والألمانية في ألمانيا، والأسبانية في أسبانيا... وصار نجوم هوليوود، كما غيرهم في المركز المعولم، يعبّرون عن لواعجهم وطموحاتهم وأمانيهم وأفكارهم بعشرات اللغات القومية، إذا لم يكن بالمئات. وانتقل هذا الحرص من الدول المنفردة، المتقدمة منها والسائرة في طريق النمو، إلى الأمم المتحدة لتعمل على ما يمكن أن يحفظ ثقافات الشعوب من الغرق في محيط الثقافة المعولمة القائمة على طغيان ثقافة الاستهلاك وسهولة التواصل والاتصال بين الناس، وإضمحلال تأثير الحدود، وتخفيف وقع مفهوم السيادة القومية في النفوس، وتأثير القوي على الضعيف في عالم تضمحل فيه إمكانية البقاء إلا للأقوياء. أما الضعفاء فينزاحون إلى الهامش، أو يبقون خارج التاريخ.

إلا أن ما تجدر ملاحظته في هذا المجال، بداية الاهتمام بصون التراث الثقافي العالمي من قبل اليونيسكو منذ العام 1972. ففي هذا العام ظهرت اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، ما شجع بوليفيا على تقديم اقتراح وضع قانون لحماية وتعزيز التراث الشعبي في العام 1973. ثم توالى الاهتمام ليصل إلى إصدار توصية بشأن صون الثقافة التقليدية والفولكلور في العام 1989، وبعد عشر سنوات(1999)، جرى تقويم شامل لهذه التوصية، ليصل الأمر، من بعد، إلى توقيع الاتفاقية بشأن حماية التراث الثقافي غير المادي في العام 2003(25).

إلا أن اتفاقية 2003 ذاتها تذكر أنها تستند، بالإضافة إلى ما ورد أعلاه، على إعلان اليونيسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي لعام 2001، وإعلان اسطنبول لعام 2002 الذي اعتُمد في اجتماع المائدة المستديرة الثالث لوزراء الثقافة(26).

وما يمكن قوله في هذا المجال، أن اتفاقية صون التراث المادي والطبيعي قد سبقت توقيع اتفاقية التراث غير المادي بثلاثة عقود(1972).. وقد ظهر فيها تحديد التراث المادي المنقول وغير المنقول، وهو يتضمن “الآثار الهندسية المعمارية والفنية والتاريخية والمواقع الأثرية والأعمال الفنية والمخطوطات، إضافة إلى الكتب والأشياء الأخرى ذات القيمة الفنية والتاريخية، وكذلك المجموعات الأثرية والعلمية مهما كانت طبيعتها أو نوعها، وبصرف النظر عن أصلها أو مالكها”(27). هذا طبعاً بالإضافة إلى المعالم الطبيعية المكونة من تشكيلات فيزيائية وبيولوجية ذات قيمة استثنائية جمالية أو علمية(28).

أما في ما يتعلق باتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي، فقد قدمت اليونيسكو، في ديباجة هذه الاتفاقية، مبررات إصدارها لتبيّن أهميتها ودورها في حماية التراث الثقافي غير المادي وصيانته والمحافظة عليه. وأول ما تقدمه الاتفاقية، في هذا الإطار، التركيز على الترابط الحميم بين التراث الثقافي غير المادي، والتراث المادي الثقافي والطبيعي. أما الثاني الهام أيضاً، فهو ذلك الترابط العكسي (السلبي) بين العولمة والتحول الاجتماعي، من جهة؛ والتراث الثقافي غير المادي، من جهة ثانية. فضغوط العولمة والتحولات الاجتماعية السابقة لها والمنبثقة منها، لا تختلف عن ضغوط ظواهر التعصب، وبالتالي تعرّض “التراث الثقافي غير المادي لأخطار التدهور والزوال والتدمير، ولا سيما بسبب الافتقار إلى الموارد اللازمة لصون هذا التراث”(29). أما الأمر الثالث، فهو تحقيق رغبة عالمية في صون هذا التراث، والاعتراف بالجهود المبذولة، جماعات وأفراداً، لإنتاج التراث المادي غير الثقافي والمحافظة عليه وصيانته وإبداعه من جديد، باعتباره إسهاماً فعالاً في إثراء التنوع الثقافي والإبداع البشري.

والأمر الرابع الأكثر أهمية، هو ملاحظة عدم وجود أي اتفاقية للأطراف المشاركة، قبل 2003، تلزمها بصون التراث الثقافي غير المادي، ما يعني إثراء هذه الاتفاقيات وتعزيزها ليس بالإلزام فحسب، بل أيضاً، بضرورة تعزيز الوعي، وخصوصاً لدى الأجيال الناشئة، بأهمية التراث ووجوب المحافظة عليه. ولأن التنفيذ والإلزام يستلزمان الاستطاعة والقدرة، جاء الأمر الخامس ليؤكد على ضرورة مساهمة المجتمع الدولي مع الدول الأطراف المشاركة في هذه الاتفاقية، في صون هذا التراث بروح من التعاون والمساعدة المتبادلة(30). والأمر الأخير، حسب الاتفاقية، ولتبرير عقدها، يشدّد على «الدور القيّم للغاية الذي يؤديه التراث غير المادي في التقارب والتبادل والتفاهم بين البشر»(31). أما أهداف الاتفاقية، فيمكن اختصارها في إثنين؛ الأول،هو صون هذا التراث واحترامه للجماعات والمجموعات والأفراد. أما الثاني، فهو التوعية، محلياً ووطنياً ودولياً، بأهمية التراث الثقافي غير المادي وأهمية تقديره المتبادل، وتعزيز التعاون والمساعدة بين الدول(32).

وفي إطار تفعيل اتفاقية حماية التراث الشعبي، أصدرت المنظمة الدولية من مركز الثقافة الشعبية الكورية في مدينة اندونغ «إعلان الثقافة الشعبية» تحت عنوان «السلام والاتحاد في التعددية الثقافية» في العام 2005، وبمشاركة 184 دولة. وقد اعتبر المشاركون أن الثقافة الشعبية تلعب دوراً في حل مشاكل المجتمع الحديث. وعليه، فقد صدر هذا الإعلان ليؤكد على مبادئ أساسية تستوي عليها الثقافة الشعبية، ومنها الثقافة اللامادية. وهذا ما يظهره التالي:

خاصيات الثقافة الشعبية من حيث هي نمط ونظام حياة تمارسه الشعوب منذ أجيال.

الميزات الخاصة للثقافة الشعبية التي تجعلها صامدة أمام تحديات العصر الحديث. ووجوب إعادة الاعتبار إليها وتعزيزها.

الثقافة الشعبية هي بمجملها إنتاجات محلية بامتياز، وبالتالي عناوين للتعدد الثقافي في العالم. والتواصل بين الثقافات المتعددة يتيح التعرف الأفضل على بعضها بعضاً، وبالتالي يساعد على تحقيق السلام في العالم.

بالإضافة إلى المبادئ الأساسية التي تنبني عليها الثقافة الشعبية، يطرح الإعلان للتنفيذ مشاريع لترويج الثقافة الشعبية، منها، التعاون بين مختلف قطاعات المجتمع مع الدولة، وتنفيذ الدراسات الدورية والمستمرة حول الثقافة الشعبية، وتنظيم تبادل الثقافة الشعبية، وعقد الندوات والمؤتمرات الوطنية والدولية المتعلقة بالثقافة الشعبية، وتطوير الصناعة الثقافية المرتكزة على الثقافة الشعبية(33).

مفهوم اليونسكو للثقافة اللامادية

ضمّنت اليونسكو الاتفاقية الدولية بشأن صون التراث الثقافي غير المادي مفهومها لهذا التراث. وقد عرّفته على الشكل التالي:

“يقصد بعبارة التراث الثقافي غير المادي الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات - وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية - التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحياناً الأفراد، جزءاً من تراثهم الثقافي. وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلاً عن جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمّي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، ويعزّز من ثم احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية. ولا يؤخذ في الحسبان لأغراض هذه الاتفاقية سوى التراث الثقافي غير المادي الذي يتفق مع الصكوك الدولية القائمة المتعلقة بحقوق الإنسان، ومع مقتضيات الاحترام المتبادل بين الجماعات والمجموعات والأفراد والتنمية المستدامة”(34).

هذا التعريف، على طوله، يتناول التصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات إلى جانب الممارسات. ما يعني أن ثمة ترابطاً وثيقاً بين التصورات والمعارف والمهارات والممارسات المتعلقة بها. ولا يخفى أن الممارسات تتوسل أشياء مادية للتعبير عنها، أو تأدية ما يتصل بها بواسطة تعابير لسانية أو حركات جسدية أو إشارات ورموز محسوسة من أجل إيصالها للمتلقين. لذلك لا يهمل هذا التعريف كل ما يرتبط بكل ما هو ذهني، أي لا مادي، من تصورات ومعارف ومهارات، بالآلات والقطع والمصنوعات وحتى الأماكن الثقافية، من مسارح ومقاهي شعبية، وغيرها من الوسائل التي استحدثت لتمثل صلة الوصل بين العنصر الثقافي اللامادي والمتلقين. ولا تكتسب هذه الموضوعات الثقافية اللامادية، بالترابط مع الآلات والأدوات المرافقة لتظهيرها، شرعيتها إلا بعد أن تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحياناً الأفراد، جزءاً من تراثهم الثقافي. وليكون، هذا، جزءاً من التراث الثقافي، لا بد أن يكون من إبداع هؤلاء الذين ورّثوه للأبناء والأحفاد، جيلا بعد جيل، ليكتسب هذه الشرعية، ومن ثم هذا الاحترام والتبجيل.

وليكون التراث الثقافي كذلك، لا بد أن يكون ناشئاً من البيئة الطبيعية، وبالتالي متوافقاً معها، فتتحول البيئة الطبيعية بهذا النشوء، وهذا التفاعل والتوافق، من حالتها الطبيعية إلى حالتها الاجتماعية. ويتحول الفعل الإنساني من سد حاجاته الأولية للعيش والاستمرار، إلى الفعل الثقافي الناشئ عن هذا التفاعل الجدلي بين ما هو مادي وما هو ذهني، للوصول إلى الموقع الأرقى مادياً وثقافياً(35). هذا التحول تنتجه الثقافة العالمة، كما الثقافة الشعبية، بعنصريهما المادي واللامادي، وإن كان بوتيرة أسرع لدى منتجي عناصر الثقافة العالمة.

لا يهمل هذا التعريف، في مجرى تشكّله، الوظيفة الأساسية للتراث الشعبي. فهو الماضي بالنسبة للحاضر، ومرتكز النظرة إلى المستقبل. لذلك، يمكن القول إن الوعي بالتراث ينمّي لدى الجماعات والمجموعات الإحساس بهويتها ووعي أهمية انتمائها، والشعور القوي بارتباط الحاضر بالماضي. كما يعزّز هذا الوعي الشعور باحترام الآخر، فرداً كان أو جماعة، من خلال احترام تراثه المغاير، كما ينتظر من الآخرين احترام تراثه. فيؤدي كل ذلك إلى الانفتاح والانصراف إلى تنمية القدرات الإبداعية البشرية في كل زمان ومكان.

لم يخلُ هذا التعريف من الغموض، ومن الخلط بين ما هو مادي وما هو غير مادي نظراً للترابط المكين بينهما، من جهة؛ ونظراً للإيحاء الذي توحي به الاتفاقية، وليس التأكيد الواضح، حول عدم القدرة على فهم ما هو لا مادي واستيعابه بدون الأدوات المادية، وخصوصاً في عصرنا الحاضر بتكنولوجياته المتطورة، من جهة ثانية. حتى اليونيسكو نفسها لم تتوانَ عن استعمال هذه التقنيات من أجل إظهار المهارات وطرق التعبير الشفوية باستعمال الفيديو والتصوير الفني لإيصالها إلى المتلقين(36). وقد اعتبرت آن طعمة تابت أن تعريف اليونسكو ما زال يُحدث إرباكاً في مجال التراث، للخلط بين ما هو مادي ولا مادي. وهو ما دفع المؤسسات المهتمة إلى بذل الجهود لإدراك البعد غير المادي للتراث والتركيز على قيمه الاجتماعية(37).

ينتقد سميح شعلان مفهوم اليونيسكو للثقافة غير المادية بالقول إنه لا يأخذ الواقع الميداني بعين الاعتبار، ولا يفصح عن قراءة واعية للتراث النظري. إلا أن نقده يتناول الفصل الواضح بين المادي واللامادي(38)، علماً أن إشارتنا إلى هذه المسألة تبيّن الخلط، وليس الفصل. ويعود ليؤكد أن البحث في الأشكال المادية للمسكن لا ينفصل عن الأفكار والمعتقدات التي تتمظهر في شكله وترتيبه. وهذا ما يفصح عنه، أصلاً، التعريف في العلاقة بين المادي واللامادي. وكذلك الحال بالنسبة للمهارات، فهي لا تنفصل عن الممارسات التي تُظهر هذه المهارات، وتبيّن موقع الحرفي في الجماعة التي ينتمي إليها. أما إذا كان شعلان يشير إلى حصر الصون بالتراث الثقافي غير المادي، وهو ما يعني الفصل بين المادي واللامادي، فمسألة فيها نظر.

إلا أن الملاحظة الهامة التي قدمتها تابت في هذا الإطار، هي أن الاهتمام بالثقافة غير المادية لم يعد يقتصر على الروائع الفنية، على اختلافها، بل طال أيضاً فنانيها ومبدعيها. فإذا كان الباحثون والمؤسسات المتخصصة يسعون للحفاظ على المأثورات الشعبية المهددة بالانقراض، فإن التوجه الحديث «يسعى إلى دعم التقاليد الحية المهددَّة من خلال تحسين الظروف الملائمة للإنتاج الثقافي. وهذا يعني الحفاظ على التقاليد من خلال دعم الممارسين لها.. وقد أدى هذا إلى تحوّل الاهتمام من الأعمال الفنية.. إلى الأشخاص، وإلى معارفهم ومهاراتهم»(39). فالتراث غير المادي بهذا المعنى هو في الأخير ثقافة، وعليه أن يبقى في حركيته الدائمة، وإلا أصابه الجمود فالموت. «الهدف، إذاً، هو دعم النظام بأكمله باعتباره كياناً حياً، وليس فقط جمع النتاج الفني غير المادي»(40).

يبقى القول، أن التراث الثقافي اللامادي أمانة مجتمعية، على المجتمع بكل أطيافه المحافظة عليه بعد جمعه وتصنيفه، ليبقى ذخيرة حية للأجيال القادمة. وهذا الاهتمام، وهذه الرعاية لا يأتيان دون الوعي بأهمية التراث لامادياً كان أو مادياً. فالتراث دليل على الهوية. والهوية هي التي تحفظ لنا مكاناً في هذا العالم، وهي التي تقدم بالصوت والصورة والكلمة ثقافتنا إلى هذا العالم.

الهوامش
1. محمد النويري (إدارة الحوار)، ندوة المنهج في دراســة الثقافة الشعبية، منتدى الثقافة الشــعبية، مجلة الثقافة الشعبية،
العدد2، صيف 2008، البحرين، ص 127 - ص 155.
2. انظــر للتفصيل، رأي محمد الجوهري ونمر سرحان في تطور النظرة إلى الثقافة الشعبية، وإشــكالياتها، وخصوصاً في البلدان العربية.
3. انظر للتفصيل، الرأي القيم لمحمد غاليم حــول العلاقة بين الثقافة الشــعبية والثقافــة العالمة بما يتفاعل فيها من العناصر الثقافية المختلفة، منها الدينــي والدنيوي والعقلاني والغيبي...
في: المصدر نفسه.
4. انظر ما قاله الصويان حول الثقافة الشــعبية ومفهومها وكيف ركّز على المادة التي تنبني عليها الثقافة الشعبية، في: المصدر نفسه.
5. انظر رأي الباحثة العراقية شهرزاد محمد حسن حول الثقافة الشعبية، في:
المصدر نفسه. 6. خليل أحمد خليل، نحو سوســيولوجيا للثقافة الشــعبية، دار
الحداثة، 1979، بيروت، ص15. 7. أنظر للتفصيل: محمد نجيب النويري، الثقافة الشــعبية: الذاتي
والمعرفي، الثقافة الشعبية، آفاق، العدد 6، صيف 2009، البحرين، ص ص14-16.
8. المصدر نفسه، ص ص17-21. 9. المصدر نفسه، ص20. 10. المصدر نفسه، ص21. 11. سميح شعلان، «المأثورات الشعبية وقضية الموضوع»، في: عاطف
عطيه ومها كيال (محرران) المرصد الثقافي وسياســات المتاحف، أعمال المؤتمر التشاركي، معهد العلوم الاجتماعية، الفرع الثالث، الجامعــة اللبنانية وجامعة البلمند، 2013، طرابلس، الكورة. ص
ص47-67. 12. المصدر نفسه، ص55. 13. انظر للتفصيل، المصدر نفسه، ص56. 14. المصدر نفسه، 57. 15. انظر للتفصيل، المصدر نفسه، ص59-62. 16. المصدر نفسه، ص64-65. 17. عاطف عطيه، المجتمع الدين والتقاليد، جروس برس، 1992، طرابلس، لبنان، ص ص24-30.

18. شعلان، المأثورات الشعبية، مذكور سابقاً، ص65-66.
19. من اللافت للنظر في مناسبة العزاء بأستاذ في الجامعة اللبنانية،
ومن المترجمين الكبار في لبنان، أن وزع كتاب عن روحه كصدقة جارية تبين جزءاً من تراث المسلمين في علاقتهم مع الله يشتمل على الدعاء والعلاج بالرقى من الكتاب والس ّنة. انظر: سعيد بن علي القحطاني، حصن المسلم، ويليه الدعاء والعلاج بالرقى، دار الفجر، د. ت. دمشق.
20. والتر ج. أونج، الشفاهية والكتابة، عالم المعرفة، 182، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1994، الكويت، ص55.
21. يقدم لنا غينوا اتشيبي، الأديب النيجيري العالمي، في هذا المجال رواية رائعة تدور حول أهمية التاريخ الشفوي المنقول بواسطة الحكايات الشعبية وروسوخ المعتقدات والتقاليد المرتبطة
بالإنتاج الزراعي لثمرة اليام عماد معيشــتهم، ودور كل ذلك في
حفظ تماسك الجماعة، ومن ثم انفراطها بغيابه. انظر: غينوا اتشــيبي، الأشــياء تتداعى، ترجمة أحمد خليفة، مؤسسة الأبحاث العربية، د. ت. بيروت، في جزء أول، و: غينوا أتشــيبي، مضى عهد الراحة، ترجمة نزار مروة، مؤسسة الأبحاث العربية، 1984، بيروت، في جزء ثان.
22. اليونيسكو، اتفاقية بشأن حماية التراث الثقافي غير المادي،2003، MISC/2003/CLT/CH/14 REV
23. انظر في هذا الخصوص: يوسف الأشقر، عولمة الرعب، د. ن. 2001، بيروت.
24. للتفصيل حول إشكالية العلاقة بين الثقافة العربية والعولمة، والفعل المعولم في الثقافة العربية وفي غيرها، انظر:
عاطف عطيه، الثقافة المعولمة، دار نلســن، 2014، بيروت، ص ص33-157.
25. آن طعمة تابت، اتفاقية اليونيسكو وقوائم حصر التراث الثقافي غير المادي، في: عطية وكيال، المرصد الثقافي وسياسات المتاحف، مذكور سابقاً، ص225.
26. اليونيســكو، اتفاقية بشأن حماية التراث الثقافي غير المادي، مذكور سابقاً، ص1.
27. اليونيسكو، إتفاقية صون التراث العالمي، 1972. 28. تابت، اتفاقية اليونيسكو، مذكور سابقاً، ص224. 29. اليونيســكو إتفاقية بشأن حماية التراث الثقافي غير المادي،
مذكور سابقاً، ص1. 30. للتفصيل حول صون التراث الشــعبي العربي والأدبيات المتعلقة به انظر:
أحلام أبو زيد، صون التراث الشــعبي العربي، الثقافة الشــعبية، العدد 13، ربيع 2011، البحرين، ص ص200-204.
31. اليونيســكو، إتفاقية بشأن حماية التراث الثقافي غير المادي، مذكور سابقاً، ص2.
32. المصدر نفسه، ص2. 33. انظر للتفصيل،حول إعلان الثقافة الشعبية، النص المترجم إلى
العربية، في: الثقافة الشــعبية، العدد 2، صيف 2008، البحرين. تحت عنوان جديد النر، ص 214-215.
34. اليونسكو، اتفاقية بشأن حماية التراث الثقافي اللامادي، مذكور سابقاً، ص2.
35. انظر في هذا الخصوص للتفصيل: عادل ضاهر، المجتمع والانسان، مذكور سابقاً، ص ص179-194.
36. أنجزت اليونيسكو من ضمن اهتمامها بالتراث الثقافي غير المادي تصوير فيديو عن الأدب الشعبي اللبناني والأهزوجة، وكذلك عن المهارات الحرفية وغيرها، في لبنان كــما في بعض البلدان
العربية.
37. تابت، اتفاقية اليونيسكو، مذكور سابقاً، ص224-225.
38. شعلان، المأثورات الشعبية، مذكور سابقاً، ص62.
39. تابت، اتفاقية اليونيسكو، مذكور سابقاً، ص225.
40. المصدر نفسه، ص 225-226، أنظر أيضاً: KIRSHENBLATT-GIMBLETT Barbara, Intengible Heritage
as a Meta-culturel Production, Museum International, Vol
.p. 53 ,2-56,N1
مصادر الصور
1. http://freehdwalls.net/tree-landscape-children-art-hd- wallpaper/
2. www.inciraq.com/alimage/gallery_one/artgallery/artfin/ Musadaq%20Al-Habib/m_j_Al12.jpg

أعداد المجلة