الجوق في موسيقى الآلة المغربي
العدد 30 - موسيقى وأداء حركي
الجوق هو المجسّد لكلّ الأعمال الموسيقية؛ إذ يقوم بدور العازف والمؤدّي لمجموع الألحان المؤلفة، وهي عملية تتطلب مهارة أدائية وقدرة على نقل المنجز النظري إلى مستوى صوتي، سواء على مستوى الآلات المستعملة،أو تعلق الأمر بالأصوات البشرية التي تتغنّى بالصنعات الشعرية.
والحديث عن الدور الذي يضطلع به الجوق في موسيقى الآلة، يدفعنا إلى إثارة مجموعة من المظاهر التي تسم طبيعته وخصوصياته ومكوّناته، وكذا طبيعة الآلات الموظفة في عملية تجسيد النوبة، باعتبارها جماع معطيات موسيقية وشعرية.
فالرسوم اللحنية والإيقاعية التي يؤدّيها الجوق، هي الصورة الحقيقة التي يجسّمها ويطبعها في أسماع المتلقين، بل يمكن القول إن طبيعة الأداء وما يعتريها من إتقان أو إخلال بموازين الأداء قد تحسم بدرجات كبيرة مستويات التفاعل بين المادة الموسيقية المرسلة وطرق تلقيها. وهذا ما ينعكس سلبا أو إيجابا، بل ويرهن مستقبل الجوق، ويزيد أو ينقص من قاعدة المستمعين لمواده.
ولعل التنافس بين الأجواق ورغبتها في احتلال الصدارة والسبق، قد دفع البعض منها إلى دخول تجربة الاستعانة بآلات جديدة ومستحدثة. ممّا خلّف تباينا في الآراء بين قابل ومرحّب بالعملية، وفريق ثاني اعتبر ذلك خروجا عن المتعارف والتقليد المتّبع في العزف.
ففي الوقت الذي ارتأى أنصار التحديث، أنّ العدول عن المتداول، وركوب موجة جديدة والدخول في سكّة التحديث، سيؤدي إلى تطوير هذه الموسيقى العريقة؛ ويساهم في تزكية المخزون الصوتي لهذه الموسيقى ويوسع من دائرة التلقي. بل اعتبروا ذلك انفتاحا واستفادة من المخزون الكوني النّغمي الجديد. ولعل أبرز حكماء هذا الاتجاه نجد مولاي أحمد الوكيلي الذي دافع عن أحقية هذه الموسيقى بالاستزادة من مجموعة من الآلات الجديدة، كما اعتبر العربي التمسماني ذلك منفذا جديدا لهذه الموسيقى لبلوغ العالمية.
لكن بالمقابل اعتبرت المدرسة المحافظة بفاس، أن الاكتفاء بالمتداول من الآلات سيحافظ على الصفاء النغمي لهذه الموسيقى، وعذوبتها ورونقها الطبيعي. ويشكل المرحوم عبد الكريم الرايس أكبر المدافعين عن هذا التوجه التقليدي- المحافظ.
معتبرا أن إدخال تلك الآلات الجديدة سيساهم في خلق فوضى نغمية أثناء عملية العزف،و بالتالي التشويش على دورة النوبة بمكوناتها اللحنية والمقامية؛ وهي نظرة ارتأت أيضا أن لكل موسيقى تقاليدها الأدائية.
فالمدرسة المحافظة بفاس، بقيت وفيّة للتقليد المتبع في توظيف الآلات المتعارف عليها (الكمان والعود وآلات الإيقاع)، إذ قلّما يستعين أحد أجواقها بتلك الآلات المستحدثة (الساكسفون، البيانو، الكلارينيت....الخ). وقد نحا نحو هذه المدرسة مجموعة من الأجواق المعاصرة التي حافظت على صفاء الآلات القديمة، ورفضت توظيف آلات جديدة أخرى؛ كجوق البعث برئاسة عبد الفتاح بنموسى، وجوق عشاق الآلة الذي يرأسه عثمان العلوي.
وبذلك يكون الجوق هو المحقّق الفعلي لكل تأليف لحني، حيث يعمل في إطار جماعي على تأدية ما تم تعلّمه تحت إشراف رئيسه (المعلم)، أو ما يسمى بلغة الموسيقى الحديثة «ما يستروا». وهي صفة لن يبلغها إلا من تبحّر في علوم الموسيقى، وخبر مكوناتها وضبط قواعدها،وأتقن عزف إحدى آلاتها، وتمتع بذكاء خارق، وعارضة قويّة، لتمكّنه من مجاراة اللحن والإيقاع وضبط الاختلالات التي قد يقع في شركها أعضاء الجوق. فالكاريزما القوية، وحسن القيادة تجعل “المعلم”، عليما بخبايا جوقه مساهما في توزيع الأدوار بين عناصره. متمكّنا في نفس الآن من اختيار العازفين والمنشدين القادرين على الأداء الجيّد.
وبالنظر إلى التمايز الحاصل بين المدارس التعبيرية التي ينتمي إليها كلّ جوق آلي فقد كان طبيعيا أن يختلف توزيع الآلات بينها، وبالتالي تتعدّد درجة الاستفادة منها. وعلى العموم وبناء على المستعمل من الآلات بين الأجواق الآلية، نميز فيها بين ثلاثة أنواع: الآلات الوترية، والهوائية، والإيقاعية.
إذ تشغل الآلات الـوتـريــة مساحة مهمة في جوق الآلة؛ والمقصود بها الآلات التي تستعمل الأوتار المشدودة من أجل إصدار أصوات موسيقية مما يولّد نغمة معيّنة. ومن هذه الآلات ما يستعمل القوس كالرباب والكمان مثلا، ونميّز في الكمان بين: الكمان العادي (فيولينة)، والكمان (+ نقط) أو الألطو، و تشيلو، والكونترباص.
ومنها ما يستعمل الصّدعة كما الشأن بالنسبة للعود، وقد يتمّ الاستعانة بغمز الأصابع فيما يخصّ الكونترباص مثلا. أما البيانو فيجترح منها أصوات قوية وخافتة، بالضرب على مفاتيحها.
أما الآلات الإيقاعيــة؛ فآلات جلدية تعمل على ضبط الإيقاع الموسيقي، وتتوزع هي الأخرى بين: الطار والذي يتولّد منه أصوات متنوعة عن طريق القرع باليد اليمنى. والتي يتم إغناؤها بواسطة الأصوات المعدنية للطنطنات(tnatan) } الصنوج { والتي تلمس بواسطة أصابع اليد اليسرى.أو عن طريق اهتزازات الطار. كما نجد الدربوكة، والتي تساهم بدورها في تدعيم وتمتين الإيقاع وتقويته.
أمّا آلات النفخ فينتج عن استخدامها أصوات مختلفة عن طريق النفخ فيها بواسطة الفم بتوازي مع عمل اليدين عن طريق وضع الأصابع في الثقوب الموجودة فيها. ونميّز فيها بين آلات النفخ الخشبيّة (الكلارينيت) وآلات النفخ النحاسية (الساكسفون).
الجوق في موسيقى الآلة المغربي (1)
توطئة:
بعد التأليف الموسيقي، يأتي دور العازف والمؤدي لمجموع الألحان المؤلفة، وهي عملية تتطلب مهارة أدائية وقدرة على نقل المنجز النظري إلى مستوى صوتي، سواء على مستوى الآلات المستعملة،أو تعلق الأمر بالأصوات البشرية التي تتغنى بالصنعات الشعرية.
والحديث عن الدور الذي يضطلع به الجوق في موسيقى الآلة، يدفعنا إلى إثارة مجموعة من المظاهر التي تسم طبيعته وخصوصياته ومكوناته، وكذا طبيعة الآلات الموظفة في عملية تجسيد النوبة، باعتبارها جماع معطيات موسيقية وشعرية.
فالجوق هو «بمثابة الوسيط في الموسيقى، }لأن{ المستمع لا يستمع إلى موسيقى المؤلف بقدر ما يستمع إلى تصور المفسر لها.»(2) فالمؤدّي للنوبة «يتشبع برسالة المؤلف ثم يخلقها من جديد»(3) فهو يعزف الموسيقى بطريقته الخاصة، دون أن ينحرف عن أغراض المؤلف؛ إذ يقرأها بصوته، ومن هنا يجب أن تتوفر فيه «الكفاية الفنية»(4) .
وبذلك يكون الجوق هو المنجز الفعلي لكل تأليف لحني، حيث يعمل في إطار جماعي على تأدية ما تم تعلّمه تحت إشراف رئيسه (المعلم)، أو ما يسمى بلغة الموسيقى الحديثة «ما يسترو».
أولا: خصوصية الجوق الآلي:
أ-رئيس الجوق:
من الشروط التي يجب أن تتوفر في رئيس الجوق، هو امتلاكه لثقافة موسيقية عالية، تتكون من فسيفساء من المعارف والمهارات؛ من قبيل التكوين الموسيقي، الذكاء الخارق، القدرة على الحفظ الفوري، الإطلاع على خبايا آلات العزف، التاريخ الموسيقي، علم الصوت، علم الآلات الموسيقية، الهارموني الطباق، التسلسل، التوزيع الموسيقي، التأليف الموسيقي، التحليل الموسيقي، تقنية عالية في العزف على إحدى الآلات ومعرفة واسعة بمجالات الغناء، إضافة إلى تمتعه بحس موسيقي متميّز، وذوق موسيقي سليم، ليستطيع التنسيق بين جل العازفين، إضافة إلى تمكنّه أيضا من إيصال الأفكار والتعابير اللحنية بمهارات عالية.(5)
وهذه من شخصية القائد الموسيقي، الذي يستوجب عليه أن يكون» رجلا قابضا على زمام وضعية يتحكم فيها عن قدرة ومعرفة ، يجد حلولا لمشاكلها، يعوّض فيها ما نقص ويحذف ما زاد ، ينظّم ويطوّر ويهذّب.(6)
وحيث يحسّ كل عازف «أنّه يشارك في إبداع جماعي، «فلا تصير الفرقة» مجرد تجاور لعدد من الموسيقيين الذي يؤدّي كل واحد منهم عمله طبقا لمخطّط نغمي مشترك، بل تصير كيّانا جماعيا واحدا ينفّذ عملا خلاّقا».(7) كل ذلك من أجل «إيصال الأفكار اللحنية،وتقريب المستمعين إلى المضمون اللّحني».(8)
وقيادة جوق موسيقى الآلة تجتمع فيها المشاركة«العملية والتوجيه عن طريق الإشارة والإيماء».(9) وهو يسيّر من طرف المعلم، الذي يقدّم النفقة؛ التي تقوم على ترتيب وتنظيم أداء الصنعة.ويساعده في عمله المجموعة الإيقاعية، التي تظل حسّاسة ومنتبهة لنظرات عينيه وحركاته وإشاراته، كاسترجاع الغناء الجماعي مثلا بعد فاصل الموال، والتي يتولاّها مغنّي منفرد. ليعيد المعلم بعد ذلك الانطلاقة ببداية دخول الانصراف، حيث يضمن استمرارية الإيقاع الذي ترتفع سرعته تدريجيا. (10)
فالمعلم أو رئيس الجوق أو المايسترو، تختلف التسميات لكن المدلول واحد، لا يكتفي }بالنفقة(11){ في الغناء الجماعي أو النطق بالكلمة الأولى أو المقطع الأول في مطلع الصنعة أو التوشيح أو البرولة، بل }يجب{ أن يكون في طليعة الجوقة، فكل حركة بصوته، هي إلحاح على تنميط الغناء وحفظ توازنه.(12) خصوصا إن تواجد في الجوق بعض الأصوات النشاز، التي لا تمتلك خامة صوتية تمكنها من الانسجام مع مختلف الطبقات الصوتية للغناء.
وبخصوص المكان الذي يشغله رئيس الجوق أثناء عملية العزف، فإنه يجلس وسط الجوقة، لكي يتمكن من تغطية كل أعضاء الفرقة بإشاراته وحركاته وتوجيهاته، وقد يمسك آلة الرباب(أنس العطار، رئيس جوق البريهي) أو العود (رئيس جوق الطرب الأصيل بالربط، محمد الزكي)، وقد يكون عازفا على الكمان، عبد الفتاح بنموسى رئيس جوق مجموعة البعث)، أو عازفا على البيانو كرئيس جوق( المعهد التطواني، المهدي شعشوع). وقد يكون منشدا كعبد الفتاح بنيس.
ونظرا للتغير الذي لحق تركيب الجوق فقد أدى ذلك إلى إعادة النظر في طريقة الجلوس «فأصبح يضم صفّين أو أكثر }يشغل{ أولها العازفون الرئيسيون، أصحاب الإيقاع والمنشد، وحاملو الآلات التي تضطلع بالتحاور معه في الإنشاد ويحتل صفه الثاني باقي العازفين».(13)
وتظهر موسوعية وعلو كعب رئيس الجوق في الحفلات العائلية، عندما يطلب منه أداء ميزان نوبة بعينه، كالقائم ونصف من الحجاز المشرقي أو بسيط غريبة الحسين أو درج الحجاز الكبير، كما تظهر براعته في أداء المقطوعات الموسيقية الصامتة إذ «بالتواشي يتفاضل المعلمون فالماهر من عنده ثلاث تواشي فأكثر، كل توشية يطول زمانها بسماع الأوتار فقط، ثم يردفها أخرى في نمط آخر».(14)
فرئيس الجوق إذن، هو الذي يعطي انطلاقة بغية النوبة، ويُظهر الإدراج في الأجوبة الموسيقية التي تميّز الصنعة الثنائية.
كما أنّه يظهر بإشارته مواضع طي الإيقاع بالقوس، إذا كان يعزف على آلة الرباب أو الكمان، وبالصدعة إذا كان يعزف على آلة العود. و يستعمل الإشارة كذلك للمنشد ليبدأ عمليّة الإنشاد أو الموال، وهي إشارات تتوزع بين العينين أو حركة اليد أو الأصبعين.
ب- جوق الآلة: العناصر والآلات:
إذا عدنا أدراجا إلى النصوص التي عنيت بالآلات الموسيقية التي عرفتها بلاد الأندلس، فسنلاحظ مدى تنوعها وكثرتها، ويعزى ذلك للطفرة النوعية التي عرفتها الموسيقى آنذاك، نتيجة تساكن ثقافات متعددة. وفي هذا الصدد أشار أبو الوليد الشقندي في رسالته عن «فضل الأندلس» إلى أسماء الآلات التي اقتنتها إشبيلية وحدها، وجمعها في « الخيال، والكريح، والعود، والروطة، والرباب، والقانون، والمؤنس، والكثيرة، والفنارة، والزلامي، والشقرة، والنورة (وهما مزماران الواحد غليظ الصوت والآخر رقيقه) والبوق، وإن كان جميع هذا موجودا في غيرها من بلاد الأندلس، فإنه فيها أكثر وأوجد».(15)
كما أنّ العدد المحصى ليس وليد لحظة بعينها، بل هو سيرورة طويلة قد تكون امتدت لفترات طويلة سابقة. نقطة أخرى أثارتني، تتعلق بكون هذا الزخم من الآلات، يدلّ على مدى تنوع الأنماط الموسيقية آنذاك، وهي أشكال تعبيرية تشي بالتنوع الثقافي للمغرب.
وإذا انتقلنا إلى الجوق في موسيقى الآلة، فسنجد أنه يقوم بتجسيد كل مكونات النوبة وعناصرها، بدءا من مقدماتها الموسيقية (المشالية والبغية والتوشية)، ومرورا بمراحل النوبة الثلاثة، وما يتخللها من موازين، وحيث يتم التغنّي بمختلف أنماط الصنعة.
فالجوق هو الحلقة المهمة التي استطاعت الحفاظ على النوبة بمختلف عناصرها، كما أنّه وسّع من دائرة التلقي في مختلف مجالات التواصل وما يطبعها من تفاعلات. لذلك اهتم رؤساء الأجواق باختيار أمهر العناصر عزفا وغناء وإنشادا وحفظا مما يمكّنهم من مجاراة كل مراحل الغناء. وذلك حتّى يستطيعوا توصيل رسالتهم الموسيقية في أحسن الظروف، وبشكل جماعي، حيث يضطلع كل فرد من أفراده بمهمة محدّدة، يساهم من خلالها في تقريب النوبة إلى جمهور المستمعين.
و يتّخذ الجوق شكل القوس أثناء عملية العزف والأداء، وهذه الطريقة في التموضع تساهم في تجميع الصوت، وتعزّز من طرق التواصل، سواء بين رئيسه وباقي أعضاء خلية العزف، أو بين مكوناته فيما بينهم.
وغالبا ما يجلس رئيس الجوق في الوسط-كما سبقت الإشارة إلى ذلك أعلاه- ويكون إما عازف عود أو رباب أو كمان.بينما يجلس عازفو الكمان إلى يمينه، والعوادون إلى يساره، ويليهم عازفو القانون والناي إن وجدوا ثم ضابطا الإيقاع: ضاربا الطار والردبوكة.أما المنشد أو المنشدون فيجلسون خلف المعلم،أو يتموقعون في أحد جانبي الجوق، أو بين أفراده.(16)
مجموع أعضاء الجوق | المرافقة النسائية | عدد المنشدين | عددها | طبيعة الآلات المستعملة | اسم الجوق |
15 | --------- | 2 | 3 | الكمان | جوق « البعث» برئاسة عبد الفتاح بنموسى |
3 | ألطو | ||||
1 | تشيلو | ||||
2 | العود | ||||
1 | الرباب | ||||
1 | الطر | ||||
1 | الدربوكة | ||||
32 | 13 | 3 | 2 | الكمان | جوق «محمد العربي التمسماني » برئاسة محمد الأمين الأكرمي |
3 | ألطو | ||||
1 | تشيلو | ||||
3 | العود | ||||
1 | الرباب | ||||
1 | كنطرباص | ||||
1 | البيان | ||||
1 | الساكسفون | ||||
1 | كلارينيت | ||||
1 | الطار | ||||
1 | الدربوكة | ||||
16 | --------- | 3 | 3 | الكمان | جوق الطرب الأصيل برئاسة محمد الزكي |
2 | ألطو | ||||
1 | تشيلو | ||||
2 | العود | ||||
1 | الرباب | ||||
1 | كلارينيت | ||||
1 | بيانو | ||||
1 | الدربوكة | ||||
1 | الطار |
وقد كان الجوق قديما لا يتعدى فردين أو ثلاثة أفراد، لكن بعد دخول زرياب إلى الأندلس واستقراره بها أصبح عدده يزداد؛ نظرا للتعديلات التي أدخلها.(17)
وإذا انتقلنا إلى ثلاثينيات القرن الماضي، فلم يتعدّ عدد عناصره ستة أو سبعة أشخاص.(18)
أما في الفترة المعاصرة فقد تضاعف عدده لعدة اعتبارات مختلفة؛ منها الاستعانة بآلات جديدة في العزف، ومحاولة مجاراة التطور الذي تعرفه الآلات الموسيقية.
ولتوضيح الصورة أكثر سأقدم بعض الأمثلة تخصّ عدد أفراد بعض الأجواق، مراعيا في ذلك اختلاف المدارس التعبيرية التي يمثلونها:(19)
فالجدول السابق يضعنا أمام ثلاثة أنواع من الأجواق، كل واحدة منها حاولت توظيف عدد معين من الآلات الموسيقية، فجوق }البعث{ اكتفى بالكمان والألطو والتشيلو والعود والرباب والدربوكة والطار. وهو بذلك يمثل المدرسة المحافظة بفاس، التي حافظت في مستويات كبيرة على طبيعة الآلات التي ورثتها عن الأجواق القديمة، اللهم بعض الاستثناءات القليلة التي أدخلت آلة او آلتين جديدتين، كجوق عبد الكريم الرايس مثلا الذي يرأسه محمد ابريول.
أمّا جوق محمد الأمين الأكرمي فقد شكل امتدادا للمدرسة التي أرسى دعائمها محمد العربي التمسماني، والتي حاولت الاستعانة بما استجد من آلات غربية موسيقية، من قبيل:
كنترباص، البيان، الساكسفون، كلارينيط. سمة أخرى ميّزت هذا الجوق عن الأجواق الأخرى، هو الاستعانة بالصوت النسائي في عملية الغناء، حيث يمتزج مع الصوت الذكوري في بوتقة غنائية واحدة على طول أداء الميزان.
ومن جهة أخرى شكّل البيانو الآلة الوحيدة التي أضيفت إلى قائمة الآلات التي ميّزت جوق الطرب الأصيل(الرباط)، أما الباقي فمشترك بينه وبين الجوق الثاني، خصوصا فيما يتعلق بالآلات المستحدثة.
و لتقريب الصورة أكثر سأستعين بصورتين فوتوغرافيتين: الأولى قديمة؛ وتخص جوق الألة الذي شارك في مؤتمر الموسيقى العربية بالقاهرة سنة 1933م، والثانية حديثة تخصّ «جوق البعث برئاسة عبد الفتاح بنموسى».
ج- إشكالية الآلات المستحدثة بين القبول والرفض:
طرح إدماج آلات جديدة في الجوق الآلي(20)إشكالات متعدّدة،تغايرت بين القبول(التيار المحافظ) والرفض(التيار التجديدي). وهو نفس الإشكال الذي طرح بقوة في مؤتمر الموسيقى العربية الذي عقد بالقاهرة سنة 1932م. حيث احتدم النقاش بين مؤيدي ضم الآلات ورافضيها.فبينما اعتبر الرأي الأول أن إدخال الآلات الغربية على الآلات العربية من شأنه «أن يستفز النهضة الموسيقية ويدفع بها إلى الأمام»(21) رأى الفريق الثاني أنّ إدخال آلات جديدة سيفقد هذه الموسيقى « ما امتازت به ألحانها من رقّة وعذوبة بحكم طبيعة آلاتها ذات الأصوات الرخيمة الحسّاسة، كما أن الآلات الثابتة لا تلائم أسلوب التلحين }الذي ميّز موسيقى الآلة{ المعروف عند الإفرنج بالميلودي أو التلحين الغنائي».(22)
اخترت أن أبدأ بهذا التقديم لعدة اعتبارات، أولاها أن موسيقى الآلة شاركت بجوق أسهم فيه أمهر العازفين لتمثيل المغرب في هذه التظاهرة آنذاك، ثاني الأمور أنّ هذا النقاش هو نفسه احتدم بين موسيقيي الآلة؛ حيث انقسموا بدورهم إلى فريقين متباينين، الأول متشبت بضرورة الحفاظ على المكونات الآلية التقليدية؛ نظرا لقدرتها على التكيف مع المعطى اللحني والمقامي الذي يميّز موسيقى الآلة؛ معتبرا أن إدخال تلك الآلات سيساهم في خلق فوضى نغمية أثناء عملية العزف،و بالتالي التشويش على دورة النوبة بمكوناتها اللحنية والمقامية؛ وهي نظرة ارتأت أن لكل موسيقى تقاليدها الأدائية.
وقد مثّل هذا الاتجاه، المدرسة المحافظة بفاس، التي بقيت وفيّة للتقليد المتبع في توظيف الآلات المتعارف عليها (الكمان والعود وآلات الإيقاع)، إذ قلّما يستعين أحد أجواقها بتلك الآلات المستحدثة. وقد نحا نحو هذه المدرسة مجموعة من الأجواق المعاصرة التي حافظت على صفاء الآلات القديمة، ورفضت توظيف آلات جديدة أخرى؛ كجوق البعث برئاسة عبد الفتاح بنموسى، وجوق عشاق الآلة الذي يرأسه عثمان العلوي.
أما الرأي الثاني فقد انتصر إلى مبدأ الاستعانة بتوليد صوتي وموسيقي جديد، من شأنه أن يضفي –حسب رأيهم- معطى نغمي آخر على واقع النوبة، مبرّرين ذلك بـ«خلو موسيقى الآلة من أرباع الصوت، وثلاثة أرباعه، ووجود فرص أكبر لاقتناء الآلات الغربية، وتعلمها بالمقارنة مع الآلات العربية».(23)
إضافة إلى انفتاح الموسيقيين الآليين على مستجدات العصر الموسيقية، أمام ما تقدّمه وسائل الإعلام بمختلف تجلياتها من مواد موسيقية متنوعة أغرت العازفين المغاربة، وخصوصا الشباب بركوبها ومحاولة الاستفادة من خدماتها.
وأمام هذا المعطى المتباين بين الفريقين، لا بأس أن أبدي بعض الملاحظات، عساها تفتح نقاشا بين المهتمين بواقع هذه الموسيقى؛ ومنها أن توظيف الآلات المستحدثة، قد يعيق عملية العزف في بعض الأحيان إذا لم تتكيّف مع واقع النوبة ومكوناتها النغمية والمقامية.
فمولاي أحمد الوكيلي وهو من القامات الكبرى في موسيقى الآلة، ومن المدافعين عن مبدأ التوظيف الجديد للآلات الموسيقية، أقرّ أنه عند أداء «بعض الصنعات في طبوع معيّنة كالإصبهان مثلا أو الحجاز الكبير، يطلب من عازفي الآلات المعدّلة أو الدخيلة التوقّف برهة من الزمن، ريثما تمرّ النوطة التي لا توافق اللحن».(24)
وهذا الكلام مقود إلى طرح السؤال التالي: هل وعى الآليون ورؤساء الأجواق - باعتبارهم القائمين على التنسيق بين مكونات الجوق- بخطورة وصعوبة هذا التعديل الجديد؟.
وهل تم الإصغاء لصوت النوبة بمكوناتها أولا، قبل الإصغاء لصوت الآلات الحديثة؟، نظرا لما يمكن أن يطرحه هذا التوظيف من إشكال على مستوى التركيبة اللحنية والمقامية والإيقاعية للنوبة. ذلك أنّ لكل صوت نغمته وحدوده القصوى والدنيا في الاستعمال، والخروج عنه قد يولّد نشازا في عملية الاستماع وعوض أن تؤثر على المتلقي قد تشوّش عليه،كما أن اقتباس «الآلات الغربية يتطلب تغيير الأسلوب»؛(25) أي تغيير طريقة الـتأليف.دون أن أغفل أنّ الآلات المستحدثة على الجوق الآلي تخضع لنظام التعديل، عكس الآلات الوترية التقليدية، فقائمة على نظام الدقة المطلقة(البعد ونصف بعد).(26)
صحيح أنّ التوظيف الجديد للآلات الغربية، كان وراءه دوافع و دواعي الانفتاح والاستزادة من الموروث الكوني الموسيقي، لكن يبقى الأهم من ذلك هو المحافظة على النسق الأدائي للعزف، ومدى قدرة رؤساء الأجواق على التوزيع المنسجم بين مجموع الآلات المستعملة وضبط استعمالها، حتّى لا تخرج عن الإطار العام الذي وُضع لهذه الموسيقى التراثية والتي اكتسبت هذه المكانة، نظرا لقدرتها على الاستمرارية بين الأجيال المتعاقبة.
ثانيا: أصناف الآلات المستعملة في العزف:
نظرا لطبيعة وخصوصية المدرسة التعبيرية التي ينتمي إليها كلّ جوق فقد كان طبيعيا أن يختلف توزيع الآلات بينها، وبالتالي تتعدّد درجة الاستفادة منها. وعلى العموم وبناء على المستعمل من الآلات بين الأجواق الآلية، نميز فيها بين ثلاثة أنواع: الآلات الوترية، والهوائية، والإيقاعية.(27)
أـ الآلات الـوتـريــة:les chordophones
و تشغل الحيز المهم والأكبر في جوق الآلة؛ والمقصود بها الآلات التي تستعمل الأوتار المشدودة من أجل إصدار أصوات موسيقية مما يولّد نغمة معيّنة. ومن هذه الآلات ما يستعمل القوس كالرباب والكمان مثلا، ومنها ما يستعمل الصّدعة كما الشأن بالنسبة للعود، وقد يتمّ الاستعانة بغمز الأصابع فيما يخصّ الكونترباص مثلا.
العـود: le luth
يعتبر أبرز آلة موسيقية عرفتها البشرية، وهي «آلة من خشب مخرقة، له عنق ورأسه ممال إلى خلفه، وهو آلة قديمة وتسميه العرب المزهر، وهو أفخر آلات الطرب وأرفعها قدرا وأطيبها سماعا».(28)
وتجترح منه الأصوات بواسطة استعمال صدعة يدسّ ويضرب بها؛ وقد تعرضت له الكتب الموسيقية بالعناية والتدقيق، نظرا للقيمة النغمية والصوتية التي يحدثها في النفوس إلى درجة ملاءمته للطبائع البشرية ولم يقتصر على ذلك، بل تعدّاه إلى الشعراء يقول أحدهم:
لا أحب الأوتار تعلـو كمــالا
أشتهي الضرب لازما للعــود
والمستعمل اليوم في موسيقى الآلة، هو العود المصري الذي يتكون من ستة أوتار، وللإشارة فالعود المستعمل في السابق كان يتكون من أربعة أوتار، ولم يتم تعويضه إلا في الثلاثينيات من القرن الماضي. (29)
وتصل نسبة توظيفه في الجوق الآلي، بين عودين إلى ثلاثة أعواد. وممن عرفوا بالتوقيع على آلة العود في الماضي، نجد محمد الصبان الفاسي، فقد كان «نادرة في التوقيع على العود».(30) إضافة إلى الحاج حدو بن جلون الذي كان «آية في الضرب على العود».(31)
الكمـان: violon
ظهرت هذه الآلة بكل معالمها الأساسية»في آواخر القرن الثاني عشر(32)، أو أوائل القرن الثالث عشر»(33)، وهو من أكثر الآلات الرباعية الأوتار» كمالا بقوامها الأنثوي الجذاب، ومواصفاتها الصوتية المذهلة، وموقعها في دنيا الموسيقى لكن الكمان قادرة فوق ذلك على أن تجترح ألحانا شديدة الرهافة، وتتيح للعازف التنقل من الأصوات الغنائية والرقيقة إلى الثاقبة والدراماتيكية».(34) ويضطلع الكمان في جوق الآلة بدور رئيسي من خلال ما يجترحه من تحلية وزخرفة تواكب عملية الغناء، وخصوصا في الجوابات الآلية، عندما يعمد مؤدّوه إلى أساليب معقدة في عملية الأداء، كالتثنية والتثليث والترعيد. (35)
وحكمها في ضرب الوتر خلاف « حكم الرباب، لأن ضربها على حكم العناصر الأربعة، فيكون كل وتر طبعه كطبع عنصر من تلك العناصر الأربعة. ولا بد للضارب بهذه الآلة أن يكون له معرفة بعملين»:
الأول: معرفة الأنغام ومدارها على الآلة وتلحين الأشعار وترتيبها على المغنى.
والثاني: العمل بالآلة وتوفيقها على الأنغام الدائرة على دائرة الطرب.(36)
وللإشارة فجوق موسيقى الآلة لم يعرف(آلة الكمان) إلا في القرن الثامن عشر .وهذا ما أغنى المستوى الصوتي والجرسي، وحري بالذكر كذلك أنّ هذه الآلة توضع فوق الرجل اليسرى للعازف في مستوى عمودي. مما يسمح بتمرير القوس بشكل سلس فيما يخص الأوتار الأربع(37). ونميّز في هذه الآلة؛ أي الكمان بين: الكمان العادي(فيولينة)، والكمان (+ نقط) أو الألطو، و تشيلو، والكونترباص.
الكمان العادي( فيولينة):
من أكثر الآلات الوترية شهرة وتتميز بصوتها الشجي وهي تحدث تأثيرات متعدّدة، سواء عن طريق الغمز بالأنامل دون القوس، حيث تولّد نفس الأثر الصوتي الذي تحدثه الجيتار.كما تحدث أصواتا هارمونية من نوع خاص، تتأتّى عن طريق العزف بلمس الأوتار في رفق عند مواضع العزف، دون الضغط عليه، فتكون الأصوات ذات صفير رنّان. وثمة طريقة أخرى تسمّى بالعزف المزدوج، وذلك بمرور القوس على وترين أو أكثر، مما ينتج عنه أثر المركب الصوتي. الطريقة الرابعة في العزف على هذه الآلة، تقوم باستعمال كاتم الرنين }السوردين{، وهو عبارة عن مشط صغير من الخشب يركب على الأوتار من جهة قنطرة الأوتار لحجز الرنين، مما يصدر عنه أصوات دقيقة. (38)
وهذه الطرق يتم توظيفها في نوبة الآلة، بحسب طبيعة اللحن وخصوصياته المرتفعة أو المنخفضة، وكذلك بالنظر إلى طبيعة الصوت التي يرغب الجوق في اجتراحه، سواء من حيث الشدّة أو الخفة، القوة أو الضعف، أو رغبة في زخرفة وتزيين الأداء.
ومن خصائصها الصوتية هو ما تثيره من «فرط الشجو وإثارة العواطف وإهاجة الدمع».(39) إضافة إلى ما تمتاز به من»قوة التعبير وما في صوتهما من رهبة ووقار أو إمعان في التأثير».(40)
ومن أبرز الآليين الذين عرفوا بكفاءتهم في العزف على هذه الآلة، نجد عمر الجعيدي والفقيه المطيري، ومن المحدثين نجد، سعيد الرباطي وأحمد بن المحجوب زنيبر الرباطي، ومن المعاصرين نجد عبد الفتاح بنموسى محمد بريول محمد الأمين الأكرمي.
الكمان (+نقط)أو الألطو :Viola
تكبر حجم الكمان العادي بقليل، كما أن أصواتها أغلظ أيضا. وبذلك فهي لا تستطيع عزف النغمات الحادة التي تصدر عن الكمان، وبالعكس تستطيع عزف نغمات أغلظ، كما أنّها تقوم بالغناء من درجة الكونترالتو بالنسبة إلى صوت الكمان(الفيولينة)، وهو من درجة السوبرانو. وقد تعوض طابع الخفة، بعزفها للنغمات الغليظة ذات الرنين المعبر العاطفي.(41)
ومن أشهر عازفي هذه الألة:
- الغالي الشرايبي. - أحمد الشنتوف ( طحاطحة ).
- أحمد الزيتوني.
الشيللو أو تشيلو:cello
وتسمى بالكمان الجهير، وهي آلة يضعها العازف بين ركبتيه وهو جالس، ويتولد عنها نغمات غليظة من درجتي الباريتون والباص تتلاءم مع نغمات الكونترالتو التي تعزفها الفيولا. وفي هذه الآلة يميّز الموسيقيون بين ثلاث طبقات للنغمات التي يصدرها الشيللو، ففي الطبقة العليا يكون النغم نفاذا ومثيرا، وفي الطبقة السفلى يكون الصوت عميقا ومؤثرا، وفي الطبقة المتوسطة، فيسمع صوت جدي وناعم(42) ولعل سحر هذه الآلة يكمن «في صوتها المخملي الوقور».(43) ومن أبرز عازفي ألة الكمان الجهير، نجد بوغالب العابدي من جوق الإذاعة الوطنية،أحمد طراشن من جوق البريهي, وبنعياد من جوق المعهد التطواني.
الكونتراباص: Double Bass
تحتّم هذه الآلة على العازف أن يظل واقفا أثناء عملية العزف.وينحصر الدور الذي يضطلع به هذا النوع الموسيقي في أنه يقوم بعزف الأساس الهارموني المتين من تحت البناء الموسقي بأسره.(44)
ويتميّز صوتها بأنه غليظ وأجش، وتوحي «بالبطء والضخامة، لذا فهو لا يغني، ولكنه يتكامل سمعيا مع بقية أفراد العائلة التي تعطي جميعا المحيط السمعي اللازم للأذن البشرية المتطورة، وبالطبع فإن الكنترباص يقوم بأداء أساس الأصوات الهارمونية».(45)
ومن الأجواق الأكثر توظيفا لهذه الآلة، نجد جوقي الإذاعة الوطنية، وجوق المعهد التطواني ومن أمهر العازفين لهذه الآلة، نجد حبيبي فركني من تطوان، ومولاي علي الغنيمي من جوق الوكيلي.
الرباب: le rbab
هو «السجل المهم في الجوق، حيث يخطّ بقوة الخط اللحني، ويلعب دورا فعالا في لحظات صمت الآلات الموسيقية الأخرى».(46) وهي آلة وترية تصدر أصواتا حادّة، تعزف «بقوس ولها وترين فقط يقومان على صوت (ري وصول), وتستخرج الأصوات الثمانية منه بأصابع اليد اليسرى بالسبابة والوسطى والخنصر والبنصر مع مراعاة الأبعاد بين الأصوات».(47)
واستعمال القوس»لاجتراح صوت من الآلات الوترية يرقى إلى القرن العاشر، حيث كان معروفا في الإمبراطوريتين الإسلامية والبيزنطية». (48)وتعزى قلة عدد أوتار الرباب» إلى صعوبة أو ربما تعذر العزف عليه بالقوس إذا كثرت أوتارها».(49)
ومن أمهر العازفين على آلة الرباب، نجد الشريف رشيد الــجمل الـــفاسي، مــــحمد الـــــبريهي، وعــــبد الـــكريم الــــرايس وعـــــمر الــــجعيدي.
البيانو: piano
كلمة بيانو هي «اختصار للكلمة المركبة piano forte الإيطالية، وهذه الأخيرة مؤلفة من المقطعين piano ويعني ناعم، هادئء، وforte قوي».(50)
وتستطيع هذه الآلة اجتراح أصوات «قوية وخافتة، حسب الرغبة (أي حسب الضرب على مفاتيحها)».(51) نظرا إلى «الطاقة الهارمونية التي يتمتع بها من دون بقية الآلات».(52)
وهو يستخدم بطريقتين:
إما كآلة رنانة أو كآلة غير رنانة، وهذا يرجع في الواقع إلى «طبيعة بنائه» (53) ويستعمل في أجواق تطوان والرباط.
ومن أشهر العازفين على آلة البيانو، نجد المهدي شعشوع رئيس جوق المعهد التطواني واسماعيلي إدريسي من جوق المعهد الطنجي.
ب ـ الآلات الإيقاعية:
Les instruments à percussion
وهي آلات جلدية تعمل على ضبط الإيقاع الموسيقي، وهي تستعمل إما «لإبراز الأثر الإيقاعي أو لتقوية ذلك الأثر في بلوغ الذروة، أو لكي تضفي لونا جديّا على الآلات الأخرى»(54)، ونميّز فيها بين:
الطار: le tar
هو الآلة الإيقاعية بامتياز، وهو يختلف عن مثيله المشرقي، سواء في هيئته أو وزنه وتقنيته المتميزة بالرشاقة والخفة والأداء بمعصم اليد. والأصوات المختلفة التي يصدرها، تأتي عن طريق القرع باليد اليمنى.والتي يتم إغناؤها بواسطة الأصوات المعدنية للطنطنات «tnatan» «الصنوج» والتي تلمس بواسطة أصابع اليد اليسرى.أو عن طريق اهتزازات الطار.ويستوجب على الطرّار(الذي يضرب على الطار) أن يعرف الاختلافات الدقيقة للجملة الموسيقية، لكي يرافقها بشكل جيّد،يؤدي ذلك كله مع الحفاظ على الإيقاعات. وممّن عرفوا بالضرب على الطار، نجد المكي محروش الفاسي الذي قال عنه التادلي، أنه كان «آية في ضرب الطار وحده».(55)
الدربوكة:
هذه الآلة الإيقاعية لم تستعمل في جوق الآلة إلاّ مؤخرا وتقوم بمجهود كبير لإتمام الظلال وتقوية الإيقاع.(56)
ويبقى دورها ثانويا، فهي وإن كانت» تساعد على ضبط الإيقاع، فإنها لا تتجاوز النقرات الضعيفة إلا في حالات نادرة».(57) وتوضع فوق الرجل اليسرى أثناء عملية العزف، وتولّد أصواتا رائعة متنوعة تتوالى بحسب طبيعة الإيقاع وسرعته أو بطئه.
ج ـ آلات النفخ:Bois
وهي آلات تصدر أصواتا مختلفة عن طريق النفخ فيها بواسطة الفم بتوازي مع عمل اليدين عن طريق وضع الأصابع في الثقوب الموجودة فيها. ونميّز فيها بين آلات النفخ الخشبيّة وآلات النفخ النحاسية.
1ــ آلات النفخ الخشبية:
الكلارينيت:
هي آلة خشبية في بداية صنعها، لكن أصبحت بعد ذلك تصنع من البلاستيك أحيانا وتمتاز «بصوتها الناعم المفتوح الذي يكون أجوف، وهو أقرب إلى صوت الفلوت منه إلى الأوبوا.وتستطيع هذه الآلة مثل الفلوت عزف النغمات السريعة، وغناء الميلوديات الشجية من جميع الأنواع. ولها في مقاماتها السفلى طابعها الصوتي الفريد ذو الأثر العميق»(58) كما أنّها تستطيع بسهولة «أداء الأصوات السريعة والزخارف اللحنية».(59)
2: آلات النفخ النحاسية:
الساكسفون:
من آلات النفخ النحاسية، والتي تضم عشرين ثقبا، بحيث يتم التحكّم بها عن طريق عدة مفاتيح، كما يتم التحكم بالمفاتيح في إطار مجموعات، من خلال استعمال الأصابع الثلاث الأولى من كل يد.
وتحتوي هذه الآلة على ثقبين أيضا لرفع الأصوات الناتجة عن الآلة.
وهذه العمليات التي تخضع لها هذه الآلة، تصيّر الأصوات ذات طبيعة مضغوطة.(60)
ونحن نتحدّث عن طبيعة الآلات المستخدمة في الجوق الآلي، يجدر بي أن أميّز بين الآلات المعتّبة وغير المعتبّة. فالآلات غير المعتّبة هي التي تصدر «أصواتها عن طريق الاحتكاك المباشر للأصبع بالوتر في نقطة تحديد النوطة، فيكون صوتها بصورة عامّة أكثر دفئا ورهافة في أداء الظلال الدقيقة من الفوارق في النغم، وتمتلك مزيدا من مزايا الصوت البشري».(61)
أمّا الآلات الموسيقية المعتّبة، فهي آلات «ذات درجات صوتية ثابتة؛ لأن العازف لا يستطيع تغيير درجة الصوت إلا قليلا ما دامت قد تحدّدت بالأعتاب».(62)
يتضح مما سبق ذكره، أن موسيقى الآلة استطاعت العبور إلينا من خلال مراحل تاريخية، استمرت لقرون، وهي عمليّة لم تكن لتتحقّق لولا الجهود الكبيرة التي قام بها مريدو هذه الموسيقى ومتعاطيها، حيث اجتهدوا في الحفاظ عليها.
وشكّل الجوق الحلقة الأهم في الأداء وفي تواصل هذا اللون الموسيقي بين الأجيال. هذا الجوق الذي خضع لتغييرات مست مكوناته إن عزفا أو غناء.
حيث اتسع وعاءه الكمي وازداد الإقبال في الآونة الأخيرة على إدخال مكونات نغمية جديدة، أضافت مساحة تطريبية جديدة.
الهوامش
1. أقصد الموسيقى الأندلسية المغربية، وهي التسمية التي تبنّيت عوضا عنها «موسيقى الآلة المغربية» إيمانا منّي بالدور الطلائعي والجاد الذي قام به المغاربة في الحفاظ على هذه الموسيقى، بل وتطعيمها باجتهادات وإضافات جديدة إن أدبيا أو موسيقيا.
2. أرون كوبلاند: كيف تتذوق الموسيقى .ص: 316.
3. فسه: ص: 320.
4. ـنفسه. ص: ص: 317.
5. أحمد الدريسي الغازي: أسئلة وأجوبة حول الثقافة الموسيقية، الجزء الرابع، بتصرف.ص:166.
6. محمد أبو درار :عندما تواكب الأنغام حركات العصا السحرية.ص:123.
7. لويس أمسترانغ: الجاز بين الأمس واليوم، ص:111.
8. أسئلة وأجوبة حول الثقافة الموسيقية.ص:166.
9. حاتم أحمد الوكيلي: الموسيقى الأندلسية من خلال مسيرة الفنان مولاي أحمد الوكيلي. ص: 122.
10. Musiques du Maroc . p : 29.
11. فهو الذي يختارالميازين والصنعات المناسبة ويفتتح العزف والغناء.أنظر: عبد الفتاح بنموسى :الموسيقى الأندلسية الآلة المصادر والمدارس .ص: 60.
12. الموسيقى الأندلسية من خلال مسيرة الفنان مولاي أحمد الوكيلي. ص: 122.
13. عبد العزيز بن عبد الجليل :الموسيقى الأندلسية المغربية. ص: 230.
14. محمد التادلي: أغاني السقا. ص:84.
15. المقري: نفح الطيب، ج3، ص: 213.
16. يونس الشامي: نوبات الآلة المغربية، بتصرف.ص: 41.
17. حاتم أحمد الوكيلي: الموسيقى الأندلسية، بتصرف. ص131.
18. نفسه. ص131.
19. مكونات هذه الأجواق، استقيتها من منشور مهرجان فاس الثاني عشر للموسيقى الأندلسية، 2007م.
20. أي جوق موسيقى الآلة.
21. محمد فتحي: إدماج الآلات الغربية في الموسيقى العربية.ص:11.
22. -نفسه.ص:12.
23. يونس الشامي: نوبات الآلة المغربية.ص: 42.
24. حاتم أحمد الوكيلي: الموسيقى الأندلسية. ص: 133.
25. -محمد فتحي: ادماج الآلات الغربية في الموسيقى العربية.ص:12.
26. عثمان العلوي: رئيس جوق عشاق الآلة للرباط وسلا، لقاء خاص، أذن بنشره.
27. لا أدعي أني أحطت بكل الآلات المستحدثة في الجوق الآلي، وإنما اكتفيت بالمتداول بين الأجواق.
28. أحمد القلقشندي: صبح الأعشى في صناعة الإنشاء.ج 2.ص: 160.
29. Musiques du Maroc . p : 35.
30. أغاني السقا.ص:78.
31. نفسه، ص:75.
32. القرن الميلادي.
33. علي الشوك، أسرار الموسيقى. ص: 70.
34. نفسه،.ص:77.
35. عبد العزيز بن عبد الجليل: الموسيقى الأندلسية المغربية، بتصرف.ص: 231.
36. كشف الهموم والكرب في شرح آلة الطرب. ص:141.
37. Musiques du Maroc . p : 36.
38. أرون كوبلاند: كيف تتذوق الموسيقى ، بتصرف.ص: 116-117.
39. محمد فتحي: ادماج الآلات الغربية في الموسيقى العربية.ص:13.
40. نفسه.ص:15.
41. كيف تتذوق الموسيقى ، بتصرف.ص:118.
42. ـنفسه،بتصرف. ص:118.
43. علي الشوك، أسرار الموسيقى. ص: 84.
44. أرون كوبلاند: كيف تتذوق الموسيقى ،بتصرف. ص:119.
45. يوسف السيسي:دعوة إلى الموسيقى.ص:300.
46. Musiques du Maroc . p : 36
47. عبد الفتاح بنموسى: الموسيقى الأندلسية الآلة «المصادر والمدارس».ص:56.
48. علي الشوك: أسرار الموسيقى.ص:71.
49. نفسه.
50. ـ نفسه.ص: 91.
51. ـ نفسه.ص: 91.
52. نفسه. ص: 95.
53. أرون كوبلاند: كيف تتذوق الموسيقى. ص:113.
54. ـنفسه. ص:126.
55. التادلي: أغاني السقا.ص: 79.
56. Musiques du Maroc . p : 36.
57. عبد العزيز بن عبد الجليل: الموسيقى الأندلسية المغربية، ص: 249.
58. أرون كوبلاند: كيف تتذوق الموسيقى. ص:122.
59. يوسف السيسي:دعوة إلى الموسيقى.ص:302.
60. ـ http://ar.wikipedia.org/wiki/
61. ـ علي الشوك، أسرار الموسيقىى، ص: 87.
62. ـ نفسه. ص: 87-88.
مصادر الصور
1. www.agatasartcorner.files.wordpress.com/2012/11/final7.jpeg
2. www.plus.google.com/110677706209849425006/posts
3. www.i.ytimg.com/vi/heAOUoOGHlM/maxresdefault.jpg
4. http://images8.alphacoders.com/434/434126.jpg
5. www.michaelasetta.files.wordpress.com/2013kay.jpg
6. http://www.mimo-db.eu/media/CM/IMAGE/CMIM000022658.jpg
7. http://www.northwoodmusic.net/programmes/praise-worship-piano
8. http://larkinam.com/litmimages/X8-TAMB-DBL-18-HD-CLF.jpg
9. http://www.turbosquid.com/3d-models/3d-tabla-hi-res-model/901993