صورة الغلاف الأمامي و الخلفي - التحايا وعادات المصافحة عند العرب
العدد 27 - لوحة الغلاف
تعد المصافحة والتحية من العادات السلوكية الأصيلة المتوارثة بين الأجيال بمختلف حضاراته وأعراقه ومشاربه، وهي مفتاح التعارف وفاتحة التواصل بين الناس، المعبرة عن المحبة والاحترام، وهي عادة إنسانية كريمة تشيع الرحمة والألفة وتحقق التقارب والانسجام في العلاقات، التي تسهم في القبول المتبادل.
ويزخر الموروث الثقافي العربي بالثناء والإشادة للمصافحة التي تعبر عن القبول والترحيب وكرم الضيافة الذي اشتهر به العرب منذ أزمان. وقد كان أول من جاء بها وأظهرها هم أهل اليمن. ونعني المصافحة: وهي إلصاق راحة الكف بالكف، وإقبال الوجه على الوجه، وأن يمد المتصافحان يديهما اليمنى إلى الآخر، ويمكن أن يكون مأخوذاً من الصفح بمعنى العفو.
ولفعل المصافحة دلالات تعبيرية قوية فمن يؤدي التحية والسلام لا يحمل في يده سلاحاً، أي أنه لا يضمر الشر أو السوء بصاحبه، فهذا السلوك العاطفي يشعره بالأمان والارتياح وأنه محل اهتمام خاص وترحيب حقيقي.
وفي وصايا لقمان لابنه قال: “يا بني ابدأ الناس بالسلام والمصافحة قبل الكلام”. وقد أقر الإسلام المصافحة وأثنى عليها، وجعلها سبباً للمغفرة والثواب وإمحاء الذنوب بين المتلاقين.
ويمتاز العرب منذ القدم بتنوع عبارات التحايا وأشكال المصافحة، التي تشير إلى علامات دالة على طبيعة العلاقات ومتانة روابطها وعمقها،، ونستعرض هنا موجزا لمراحلها المختلفة.
لا يخفى على المتتبع لتاريخ الحضارات الإنسانية المتعاقبة ما لظاهرتي الشروق والغروب من تأثير وصل إلى حد القداسة والعبادة للشمس والقمر، وقد تأثر العرب الأوائل والأواخر أيضاً كأغلب الشعوب بهاتين الظاهرتين، فكانت تحيتهم الشائعة (عم صباحاً) و (عم مساءاً).
ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
فلما أتيت الدار قلت لربعها
ألا عم صباحاً أيها الربع وأسلم
ويقول العرب في الجاهلية عند تحيتهم للضيف وقبل نزوله من على رحله: «أهلا وسهلا ومرحبا» أي أتيت أهلا: بمعنى صادفتَ أهلاً لا غُرباء، وسهلاً: أي وطئتَ موطئاً سهلاً؛ كنايةً عن الترحاب، ومرحباً: أي صادفتَ سَعةً؛ لأن معنى الرحب السعة.
وعندما جاء الإسلام حلت معه تحيته المباركة «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» وكانت تلك هي التحية الأفضل والأكمل والأفضل بين التحايا المتقدمة، فالسلام: هو اسم من أسماء الله الحسنى فهو السلام لسلامته من النقص والعيب والفناء، والسلام هو الأمان والطمأنينة دون حروب أو عنف. والسلام: هو النجاة من الشر والمرض. ودار السلام: هي الجنة التي وعد الله بها عباده الصالحين.
أما المصافحة فلكل شعب طريقته الخاصة التي توارثها عبر الأجيال من حركات وإشارات جسدية تعبيرية متناسقة عبر عنها في تبادله للتحايا، وتعتبر المصافحة باليد من أشهر التقاليد المتعارف عليها عالمياً لتقديم التحية وإلقاء السلام مع وجود إضافات تعطي ذلك الحس المميز واللمسة الخاصة لكل شعب.
تأخذ حركات المصافحة والتحية في المجتمعات العربية أشكالاً كثيرة مثل المصافحة وتقبيل الرأس أو اليد، وكذلك ملامسة وتقبيل الخدين. كما أن للسن ومستوى القرابة والمكانة الاجتماعية دورهم في تحديد شكل التحية ونوعها، حيث يقبل الأبناء رؤوس وأيدي الآباء والأجداد، كما يكون تقبيل اليد أيضاً تقديراً لمقام العلماء والوجهاء.
وتنتشر لدى أفراد دول الخليج العربي عادة تقديم التحية عن طريق تقبيل الأنف «حب الخشوم» وهي من العادات الأصيلة المتوارثة أباً عن جد، فهم يعتبرون هذا النوع من السلام هو سلام الرفعة والشموخ، يؤديها الرجال لمن يكبرهم سناً ومكانة كشيوخ القبيلة والأمراء عن طريق تقبيل أو ملامسة الأنف بالأنف. ويعد الخليجيون هذا الأمر تعبيراً عن التبجيل والتكريم، وفي أوقات أخرى يُقبّل الأنف للتبجيل وللترضية ولإبداء الاعتذار أو تقديم الولاء.
وقد جاء ذكر الأنف في كثير من أبيات الشعر القديمة للدلالة على الهيبة والرفعة، فهو رمز الأنفة والعزة والكرامة لدى الإنسان، فيقال عند التحدي والمواجهة «رغماً عن أنفك»،، وفي حال الهزيمة يقال «تمرّغ أنفه في التراب»، كما يقول الخليجيون: «على خشمي» أو «من هالخشم»، وهي تعني تأكيد تلبية وإجابة طلب السائل، وكلها مقولات تعكس أهمية ورمزية الأنف لدى الإنسان العربي الأصيل.
أما في بلاد الرافدين فتكون التحية لكبار القوم أو مشايخ العشيرة بتقبيل الكتف أو «العقال» وهو بمثابة التاج الذي يفخر به سكان مناطق واسعة من العراق والخليج وبلاد الشام.
وتزخر الأغاني الشعبية القديمة بذكر العقال منها:
«متغاوي وعقالك مرعز وحزامك فضة مطرز»
“طب عقالك عبود. . طب ولقفته”
بمعنى أن عقالك عندما سقط لأمر ما عن رأسك تلقفته مسرعا حتى لا يصل الأرض.
ويمثل العقال قيمة خاصة عند المهتمين به فهو رمز للرجولة والكبرياء والكرامة، وسقوطه من على الرأس حسب الأعراف العشائرية يعني سقوطاً لكل تلك القيم. ويحدث أن يسقطه صاحبه أمام وجيه أو أمير حينها فإنه يقصد لجوئه إليه في حل مشكلة كبيرة أو طلب حاجة ليست عند أحد غيره. وفي العادة يقوم الشخص الآخر بحمل عقال الرجل السائل وإعادته الى رأسه في إشارة إلى أن كرامته محفوظة وطلبه مجاب.
أما المصافحة في السودان فلها طابع خاص وحميمي، فلا تكتفي المصافحة باليد وإنما التربيت على الكتف أو بالأحضان.
وللمصافحة في عالمنا العربي آدابها وأصولها المتعارف عليها فمن النادر في المجتمعات العربية المحافظة أن نرى رجلاً يقبل امرأة أو يحضنها إن لم تكن زوجته أو والدته أو إحدى أخواته، ويستحسن للرجل ألا يبادر بمد يده للسلام على امرأة محجبة ما لم تبادر هي بمد يدها، تجنباً لإحراجه. ومن قواعد المصافحة أيضا عند دخول الفرد للمجلس عليه أن يبدأ بالسلام من اليمين إلى اليسار، ومن الذوق عدم مصافحة الجالسين حول مائدة الطعام فـ «لا سلام على طعام»، أو من كانت يده مشغولة بعمل يصعب تركه، أو من كان على مسافة بعيدة أو حشد كبير، حينها نكتفي بكلمات التحية والسلام والترحاب. كذلك يحرص عند المصافحة أن تكون بكل راحة الكف لا بطرفها، وأن يراعى فيها الرفق واللين دون شد اليد أو الضغط عليها وخاصة مع كبار السن والمقام.
وتبقى التحية والمصافحة قيمة إنسانية راقية وحميمية وحاضرة بين أفراد الشعوب تعكس البعد الأخلاقي والثقافي والحضاري والديني لديهم ومدى انفتاحهم على الآخر، وهذا ما يميزنا كبشر عن بقية المخلوقات، ويؤدي في النهاية إلى ترابط أكثر وقوة بين أفراد المجتمع والبلد الواحد.
وفي صورة الغلاف الأول لهذا العدد لقطة موفقة لشاب بكامل لباسه التقليدي يقبل بكل احترام رأس رجل مسن قد يكون والده، وفي صورة الغلاف الخلفي لقطة لكيفية احتضان كل يد للأخرى عند المصافحة.
ولا شك أن التحايا موضوع عميق ومتشعب يتصل بعادات وتقاليد مختلف شعوب الأرض ولا يمكن تناوله كاملا في هذه العجالة للتعبير عن لقطة فوتوغرافية أو أخرى.