فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
26

مواقـد إعـداد الخبـز الطينية (الأفـران)

العدد 26 - ثقافة مادية
مواقـد إعـداد  الخبـز الطينية (الأفـران)
كاتب من الأردن

 أدى تطور الزراعة، في عصور ما قبل التاريخ، قبل حوالي 12000 سنة، إلى تغييرات كبيرة في نمط حياة الإنسان، الذي كان يعتمد على الجمع والصيد، والتنقل والترحال من مكان لآخر، إلى نمط حياتي جديد أصبح يعتمد على انتاج القوت، بالإضافة إلى الجمع والصيد، وإلى الإقامة في مستقرات ثابتة ودائمة على مدار العام. وقد أدى هذا بدوره  إلى ظهور مستوطنات بشرية دائمة، نمت وتطورت فيما بعد، ومع مرور الزمن، إلى القرى المدن والحضارات. وقد حصلت هذه التطورات، التي شهدتها رحلة حياة الإنسان، في منطقة الهلال الخصيب.

وما يزال رغيف الخبز يمثل العنصر الرئيسي في الغذاء اليومي لسكان الأردن بمناطقه المختلفة، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية مناطق بلاد الشام، كما هو الحال في العديد من مناطق العالم المختلفة.
ومنذ أن عرف الانسان النار والسيطرة عليها وهو في سعي دائم لتوظيفها في حياته اليومية، وبالذات في مجال إعداد طعامه الذي يشكل رغيف الخبز أهم عناصره. وقد ابتكر أنواعاً مختلفة من المواقد الطينية لإعداده، بعضها ما يزال مستخدماً حتى الوقت الحاضر، وإن كانت في تراجع مستمر وسريع، ليحل مكانها وسائل إعداد الخبز الميكانيكية الحديثة.
كما تعتبر بقايا المواقد الطينية من بين المخلفات الأثرية الشائعة في العديد من المواقع الأثرية، التي جرت بها أعمال تنقيبات أثرية، في مختلف المناطق الأردنية.
تحاول هذه الدراسة التعرف على أنواع المواقد الطينية التي ما تزال مستخدمة حتى الوقت الحاضر. وذلك من حيث أشكالها وطرق صناعتها ووظائفها وكيفية استخدام كل منها. وسوف يساهم هذا في التعرف على مخلفات مواقد إعداد الخبز الطينية في المواقع الأثرية. كما يساهم في إمكانية إلقاء المزيد من الضوء على المجتمعات القديمة.

مشكلة الدراسة ومبرراتها وأهميتها
تعد أفران إعداد الخبز من الظواهر التراثية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وربما المعمارية، المميزة للمجتمعات القروية الزراعية، في كافة مناطق بلاد الشام. ومن الجدير بالذكر أن هذه الأفران، والتي ما تزال مستخدمة في الوقت الحاضر في بعض هذه المناطق، تعود بجذورها إلى عصور زمنية قديمة. وهي من الظواهر التي توارثتها الأجيال وتناقلتها من جيل إلى آخر. وهي، وبفعل عوامل التغيير المحدثة التي تشهدها مجتمعاتنا في العصر الحاضر، قد أوشكت على الاندثار كلياً. لذا تكمن مبررات هذه الدراسة وأهميتها فيما يلي:
1 - ندرة الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع في منطقتنا، وعدم وجود أي منها باللغة العربية، سواء ما يتعلق منها بأبعادها المعاصرة أو القديمة. فعلى الرغم من وفرة مخلفات هذه الأفران التي كشفتها التنقيبات الأثرية في العديد من المواقع، إلا أنها لم تحظ بالدراسة، كغيرها من الموجودات الأثرية.
2 - ضرورة توثيق هذه الظاهرة بأبعادها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والمعمارية، من خلال ما تبقى منها، قبل اندثارها كلياً. فهي، كغيرها من الظواهر التراثية العديدة الأخرى، مهددة بالزوال بفعل حركة التغيير الشاملة والسريعة التي تشهدها مجتمعاتنا في هذه المناطق.
3 - قد تسهم  دراسة هذه الأفران، من حيث تقنيات صناعة كل منها وطرق استخداماته، في القرى المعاصرة، في محاولة فهم وتفسير مخلفات الأفران المكتشفة في المواقع الأثرية، والتي تعود لعصور زمنية متعاقبة. فهناك أوجه شبه كبيرة، من حيث الشكل والمواد المستخدمة وربما الحجم، بين الأفران المعاصرة ومثيلاتها التي تم الكشف عن مخلفاتها في العديد من المواقع الأثرية.
4 - مخلفات أفران الخبز المكتشفة في المواقع الأثرية لا تقل أهمية عن الأفران المعاصرة والمستخدمة في الوقت الحاضر، وكل منهما له دور مهم في الدراسات الأثرية. وهي قد تسهم أيضاً في إضافة المزيد من المعلومات حول الحضارات القديمة، كغيرها من المخلفات الحضارية الأخرى مثل المصنوعات الفخارية والأدوات الصوانية، وغيرها من الموجودات الأثرية.
5 - الاستفادة من هذه الدراسة ومنهجيتها في تشجيع الدراسات الأخرى في المجالات الاجتماعية والأنثروبولوجية والإثنوأركيولوجية والأثرية والتراثية.
الأهداف والمنهج
1 - محاولة التعرف على ملامح وخصائص كل نوع من هذه الأفران، وربما،
2 - محاولة جمع أكبر قدر من المعلومات وتوثيقها، حول كل ما يتعلق بأفران الخبز على اختلاف أنواعها, من حيث أشكالها، ومن حيث المواد المستخدمة، و طرق وكيفية صناعة واستخدامات كل منها.
3 - محاولة التعرف على أوجه الشبه والاختلاف في الشكل، وكذلك في تقنيات وطرق تصنيع الأفران واستخدامات كل منها.
ولتحقيق هذه الأهداف فقد تحدد الإطار العام لها في الخطوات التالية:
1 - تقنية عمل أفران الخبز تعتمد على النار، كعامل أساسي، لذا كان لا بد من محاولة التعرف على تاريخ اكتشاف النار والسيطرة عليها واستخداماتها.
2 - الأفران هي عبارة عن مواقد طينية، لذا فقد كان لابد من محاولة التعرف على بدايات صناعة المواقد الطينية واستخداماتها وتطورها عبر العصور.
3 - التعريف بكل نوع من هذه الأفران:
الطابون
التنور
الوقادية
استخدام الأفران
خلاصة

اكتشاف النار والسيطرة عليها
يعتبر اكتشاف الإنسان للنار وكيفية إشعالها والسيطرة عليها واستخدامها، من اكتشافاته الأولى. ومن الواضح أن هذا قد لعب دوراً هاماً وحاسماً في تطور البشرية. ومن المؤكد أن هذا الاكتشاف قد عاد على الجماعات البشرية بالعديد من الفوائد ، خلال رحلة الإنسان على مر العصور.
ويبدو أنه كان للنار أغراض واستخدامات عديدة، كان من بينها على الأرجح استخدامها كمصدر للإنارة والتدفئة والحماية من الحيونات الضارية والمفترسة. كما يعتقد البعض بأنه ربما كان لاستخدام النار دور حيوي في موضوع ارتياد البيئات الجديدة غير المألوفة والباردة (Clark and Harris, 1985; Wrangham et al., 1999).
ولعل الاستخدام الأمثل والأهم للنار كان في مجال طهي الطعام أو شيه، فالطهي يعمل على تعديل أو تحويل القيمة الغذائية لمكونات الغذاء، ويجعل اللحوم قابلة للهضم. ويعتبر بعض الباحثين أن النار كانت ضرورة غذائية لبقاء العنصر البشري. ويمكن أن تساعد عملية التجفيف والتدخين في حفظ الطعام لفترة زمنية أطول. هذا بالإضافة إلى أن بعض النباتات تفقد السمية التي تحتويها بفعل تأثير النار، وهكذا يزيد من ذخيرة الطعام الصالح للأكل (Wrangham et al. 1999; Karkanas et al. 2007; Gowlet 2006; Clark and Harris, 1985).
وفي الجانب الإجتماعي، يعتقد بأن استخدام النار كان له دور هام في مجال التحولات البشرية التنظيمية للنشاطات الاجتماعية داخل الجماعات البشرية، وفي أنظمة استخدام المكان والفراغ (Binford 1996; Stiner, 2002; Rolland, 2004; Preece et al., 2006).
كما استخدم الإنسان النار لأغراض تقنية، فعلى سبيل المثال، لتسخين بعض الحجارة لغايات تصنيع أدوات حجرية ، وزيادة صلابة الرماح الخشبية من خلال الحرق بالنار، ولتحضير بعض المواد الراتنجية (مواد لاصقة) لتثبيت المقابض، كما جاء في موقع شوننجن Schoningen في ألمانيا (Thieme, 1997). واستخدمت لاحقاً لحرق التماثيل الطينية الصغيرة figurines)Budja 2006).
ما تزال مسألة وقت اكشاف الإنسان للنار والسيطرة عليها، في مخلفات العصر الحجري القديم Paleolithic، خاضعة للكثير من النقاش والجدل. وأشارت نتائج دراسات المخلفات الأثرية في العديد من المواقع، التي تعود للفترات المبكرة والمتوسطة من عصر البلايستوسين Pleistocene، من منطقة شرق إفريقيا ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ، إلى أن “الهومو ايريكتوس”Homo-erectus  هم أول من عرف استخدم النار، قبل حوالي 1.5 مليون سنة (Clark and Harris, 1985; Gowlett, 1999; 2006;Wrangham et al., 1999; Goren-Inbar et al., 2004).
وقد جاءت الأدلة المبكرة على استخدام الإنسان للنار من بعض المواقع الأثرية في إفريقيا مثل، موقع كوبي فورا Koobi Fora (Harris and Herbich 1978; Rowlett 2000) وموقع شيسوفانجا Chesowanjaفي كينيا  (Harris and Gowlett 1980), وموقع سفارتكرانز  Swartkrans في جنوب إفريقيا (Brain and Sillen 1988; Brain 1993).
أما خارج إفريقيا فإن أقدم المواقع التي تضم أدلة على استخدام الإنسان للنار هو موقع جسر بنات يعقوب في شمال فلسطين (حوالي 800000سنة)، حيث عثر على أخشاب وحجارة صوانية محروقة (Goren-Inbar et al. 2004; Alperson-Afil et al. 2007). وفي موقع آخر، في فلسطين أيضاً، وهو موقع كهف قسيم في فلسطين Qesem Cave تم الكشف عن أدلة على استخدام الإنسان للنار، وذلك في مخلفات العصر الحجري القديم المبكر والتي أرخت للفترة الواقعة بين 400000-200000سنة (Karkanas et al. 2007: 198).
بقايا عظام محروقة إلى جانب أدوات حجرية وبقايا رماد ناتج عن عمليات حرق قديمة تعود لحوالي 600000 سنة مضت تم الكشف عن وجودها في موقع زوكوديان Zhoukoudian  في الصين (Goldenberg et al. 2001; Black 1931).
وفي موقع شوننجن Schoningen في ألمانيا، تم العثور على رماح خشبية استخدمت النار في زيادة صلابتها، وأرخت لحوالي 400000 سنة مضت (Tnieme 1997).
ويرى بعض الباحثين أن عملية إشعال النار قد أصبحت نشاطاً اعتيادياً خلال أواخر فترة العصر الحجري القديم السفلي Lower Paleolithic ، حوالي 400000-500000 سنة (Rolland, 2004; Gowlett, 2006; but see James, 1989)، وقد كان استخدام النار مرافقاً للمزيد من التطور في الجوانب الإنسانية الإجتماعية والفكرية.
أما بالنسبة للعصر الحجري القديم المتوسط Middle Paleolithic، حوالي 200000-300000 سنة، فإن العديد من علماء انثوروبولوجيا البيئة يجمعون على أن هناك الكثير من الأدلة الواضحة على استخدام الإنسان الفعلي للنارفي هذه الفترة  (James 1989; Gamble, 1999: 165). فقد تم التعرف، وبشكل واضح، على العديد من بقايا مواد محروقة وأدلة تدل على استخدام النار والسيطرة عليها، واسعة الانتشار ومتعاقبة في الطبقات الأثرية التي تعود لهذه الفترة الزمنية، وذلك في العديد من المواقع، نذكر منها على سبيل المثال: كل من كهف كبارا وكهف هايونيم Kebara and Hayonim caves في فلسطين (Goldberg and Bar-Yosef, 1998)، وموقع جروتي 16 Grotte XVI في جنوب فرنسا (Rigaud et al., 1995)، وموقع شانيدر Shanidar في شمال العراق (Solecki, 1995)، وموقع لس كاناليتيس  Les Canalettes في جنوب فرنسا (Meignen, 1993; see also Meignen et al. 2001; 2006).
أدلة أخرى على استخدام الإنسان المبكر للنار جاءت من موقع أثري  يعرف بكهف كليزورا Klisoura Cave الواقع في جنوب اليونان، حيث يحتوي على مخلفات أثرية متعاقبة يعود أقدمها للعصر الحجري القديم المتوسط Middle Paleolithic، وتمتد إلى العصر الحجري الوسيط Mesolithic، من 40000-9000 قبل الوقت الحاضر. وتضم الطبقات الأثرية التي تعود للعصر الحجري القديم المتأخر Upper Paleolithic في نفس الموقع على تسلسل واضح وسهل التأريخ لمخلفات الثقافة المعروفة بالأوريجناسية Aurignacian، تعود للفترة الواقعة بين 34000-28000 سنة قبل الوقت الحاضر (Karkanas et al. 2004).
بالإضافة إلى هذا التسلسل  للمخلفات الأثرية، على امتداد فترات زمنية طويلة في هذا الموقع المعروف بكهف كليزورا Klisoura Cave، فقد تم الكشف عن مخلفات أثرية يعتقد بأنها عبارة عن بقايا لمواقد Hearths، قدرت بحوالي 90 موقداً، تمتاز بأنها محفوظة بحالة جيدة. وقد أشير إلى أن (54) أربع وخمسين موقداً منها مبنية من الطين. وقد تم تأريخ المواقد القديمة منها إلى فترة العصر الحجري المتوسط Middle Paleolithic، وتتكون هذه المواقد من طبقات تضم بقايا رماد أبيض ورمادي اللون وفحم.
أما بالنسبة لأحدث المواقد الطينية في هذا الموقع فهي تعود لفترة العصر الحجري القديم المتأخر Upper Paleolithic، وتؤرخ للفترة الواقعة بين 34000-32000 سنة قبل الوقت الحاضر. وهي صغيرة الحجم، وتشبه الأحواض الدائرية، يتراوح قطر كل منها بين نصف المتر والمتر الواحد، حوافها الخارجية تتكون من الطين المحروق. ويشير المنقبون إلى أن هذه المواقد قد صنعت من طين من الطمي جلب من مسافات بعيدة عن موقع الكهف، وهي تحتوي على شوائب عبارة عن رمل ترسبي. وهذا ما جعل الباحثين يعتقدون بأنها قد بنيت أو صنعت من قبل ساكني هذا الكهف، وأنها كانت تستخدم لأغراض طهي الطعام cooking والتدفئة heating بنفس الوقت (Karkanas et al. 2004: 515-516, Fig. 3, 4).
تقدم لنا مواقع العصر الحجري القديم المتوسط هذه، العديد من الإشارات على أن النشاطات الاجتماعية كانت تدور أو تتركز حول المواقد (Gamble, 1999: 171). ومثل هذا الاستخدام والسيطرة على النار دللت عليه أثرياً بقايا المواقد الطينية (Karkanas et al. 2004) والمواقد التي جاءت محاطة، بشكل بسيط، بالحجارة، أو مبنية من الحجارة، وهي لهذا ربما تكون إشارة على تطور مفهوم استخدام المكان (McBrearty and Brooks, 2000: 518).

المواقد الطينية (أنواعها، وظائفها وتاريخها)
تصنع المواقد الطينية من نوع معين من الطين، يتم تحضيره خصيصاً لهذه الغاية، ولزيادة متانته يتم خلطه بالرمل والتبن، وبعض المواد الأخرى أحياناً مثل شعر الماعز على سبيل المثال، بنسب معينة. ومن الجدير بالذكر أن نوعية الطين المستخدمة في المواقد الطينية تختلف من فترة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر ومن قرية إلى أخرى (عبيدات 2010: 125؛ McQuitty 1984: 259). وتشكل المواقد الطينية على مراحل، تبدأ من الأسفل باتجاه الأعلى، من خلال قطع من الطين بشكل الحبال، توضع فوق بعضها، ثم ترص بالأيدي لتلتصق جيداً مع بعضها، ثم يتم تمليسها وتسوية سطحيها الخارجي والداخلي باستخدام أدوات حجرية. وبعد أن تكتمل تترك لتجف تحت أشعة الشمس غير المباشرة، ومن ثم تثبت في أماكنها الدائمة ليتم حرقها بالوقود من الحطب والتبن ومخلفات الحيوانات .(عبيدات 2010: 124).
الأدلة على استخدام المواقد الطينية، بغض النظر عن طبيعة استخداماتها، قديمة جداً، وتعود إلى العصر الحجري القديم المتأخر Upper Paleolithic، كما أشارت نتائج التنقيبات الأثرية في كهف  كليزورا Klisoura Cave في اليونان، حيث عثر على عدد كبير، قدر بحوالي (54) أربع وخمسين موقداً طينياً، تؤرخ للفترة الواقعة بين 34000-32000 سنة قبل الوقت الحاضر. ووصفت بأنها صغيرة الحجم، وتشبه الأحواض الدائرية، ويتراوح قطرها بين نصف المتر والمتر الواحد، حوافها الخارجية تتكون من الطين المحروق، صنعت من طين من الطمي الذي يحتوي على شوائب من الرمل الرسوبي. ويعتقد بأن هذه المواقد الطينية، التي تشبه الطوابين في شكلها العام، كانت تستخدم لأغراض متعددة، مثل طهي الطعام والتدفئة بنفس الوقت (Karkanas et al. 2004: 515-516, Fig. 3, 4).
وفي الموقع الأثري المعروف بدولني فيستونك Dolní Vestonice، الواقع حالياً في جمهورية التشيك ، تم التعرف أيضاً على مخلفات ما يعتقد بأنه موقد يشبه الطابون من حيث الشكل ‘ovenlike hearth’، يقع في وسط المخيم. كما تم العثور على ما يزيد عن ألفي قطعة (كسرة) من الطين المحروق تنتشر في نفس المكان، على مقربة من هذا الموقد، وكان من بينها حوالي 175 قطعة (كسرة) عليها آثار تشكيل، إلا أنها غير واضحة المعالم والملامح، يصعب معها التعرف على الشكل الذي تصوره. لهذا يعتقد بأن هذا الموقد كان يستخدم ربما لشي (حرق) التماثيل الصغيرة الطينية بعيد تشكيلها (Verpoorte 2001:56, 128).
أما في منطقة بلاد الشام بشكل عام، وفي الأردن بشكل خاص، فإن أقدم الأدلة على استخدام المواقد الطينية تعود للعصر الحجري الحديث ما قبل الفخاري PPN. حيث عثر في موقع بسطة في جنوب الأردن على العديد من الكسر التي أشير إليها، أحياناً، على أنها كسر من الطين المحروق burnt or backed clay ، وأحياناً أخرى بكسر طابون  taboon sherds.
(Gebel et al. 2006: 80, Appendix C cont 10, Square B48 Locus 37; 85, Appendix C cont 15, Square B67 locus 24 and locus 29; 86, Appendix C cont. 16, Square 67, locus 37; 89, Appendix C cont. 19, Square 68, locus 43; 279 pl. 45.B., pl. 45. C., pl. 47.B.).
أصبحت مخلفات المواقد الطينية، مع الإشارة إلى أنها مخلفات طوابين، من بين الموجودات الأثرية الشائعة في مواقع العصر البرونزي، التي أجريت بها أعمال تنقيبات أثرية. ففي الطبقات الأثرية التي تعود للعصر البرونزي المبكر Early Bronze Age I، في موقع وادي فيدان 4 (Wadi Fidan 4)، تم الكشف عن عدد من المواقد الطينية دائرية الشكل. وصفت بأنها صغيرة، سمك جدرانها يتراوح بين (7-12سم)، والبقايا التي عثر عليها بارتفاع 18سم، وجميعها تحتوي على بقايا رماد، وبقايا مواد عضوية متفحمة. ويعتقد بأن هذه المواقد كانت عبارة عن طوابين أعدت لغايات إعداد الطعام وبالذات للخبز (Adams1999: 116-118).
ومن الطبقات الأثرية التي تعود للعصر البرونزي المتأخر والعصر الحديدي LB Iron Age هناك العديد من الأدلة على وجود الطوابين واستخدامها. ومن هذه المواقع على سبيل المثال موقع تل إربد (McQuitty 1984)، وموقع تل الزراعة في وادي العرب شمال الأردن (Vieweger and Häser 2007; 2010)، وموقع خربة اللاهون Khirbet Al-lahun في وادي الموجب في الأردن (Homès-Frédericq 1992)، وموقع تل المزار الواقع على بعد حوالي 3كم إلى الشمال الغربي من تل دير علا (Yassine 1984, 1988: 118-119). وموقع تل جاوا Tell Jawa الواقع على بعد 11 كم إلى الجنوب من عمان (Daviau 1992: 148-149). وبعض المواقع في فلسطين مثل موقع بيسان  Beth Shean في شمال وادي الأردن (Mazar 1997)، وموقع تل الساريم Tell Rehov، في وشمال وادي الأردن، على بعد 5كم إلى الجنوب من بيسان (Mazar 1999). وفي الطبقات الأثرية التي تعود لفترة العصر البرونزي المتوسط Middle Bronze Age في أريحا تم العثور على مخلفات طابون (Kenyon and Holland 1981)
وفي المواقع الأثرية التي تعود لكل من العصور الرومانية والبيزنطية والإسلامية أصبحت مخلفات الطوابين من بين الموجودات الأثرية الشائعة. وفي الفترة العثمانية كانت الطوابين من بين مرافق البيت الرئيسية التي أشارت إليها سجلات الطابو العثمانية، مما يدل على أهميتها في حياة سكان قرى هذه المنطقة (أبو الشعر 1995: 404-405). وما تزال مستخدمة حتى وقتنا هذا، وإن كانت في تناقص مستمر، يوحي بأن عهد أفولها واندثارها بشكل نهائي قد أصبح قريباً.
الغرض الأساسي من المواقد الطينية في الوقت الحاضر هو إعداد الخبز، إلا أن الإنسان استخدمها لأغراض يومية أخرى خاصة في مجال الطهي والشواء والتدفئة (عبيدات 2010).
وقد تنوعت هذه المواقد من حيث الشكل وطريقة وأسلوب التصنيع، ولكل منها تسمية خاصة به، فمنها الطابون والتنور والوقادية. ويعزى هذا الاختلاف والتنوع على الأغلب إلى نوعية الوقود المتوافر في كل مكان، وربما أيضاً إلى نوعية المواد الخام، والغرض أو الأغراض الأخرى المطلوبة من هذا الموقد بالإضافة إلى الخبز. وفيما يلي تعريف مختصر بكل منها:

الطابون
الطابون، وجمعها طوابين، هو الموقد المصنوع من الطين، المخلوط بالتبن والرمل وشعر الماعز وبعض المواد الأخرى. وهو عبارة عن حجيرة صغيرة بشكل القبة المغلقة لجعلها تحافظ على الحرارة لفترة زمنية طويلة (شكل 1-2). قطره يتراوح ما بين 60-90سم، وارتفاعه بين 30-50سم، له فتحتان علوية لإدخال وإخراج الخبز بعد نضجه ولها غطاء يسمى الصمامة (السمامة). وهذا الغطاء قد يكون مصنوعا من الطين (شكل 1-2) أو من الصفيح وله يد (مقبض)، وفتحة أخرى جانبية، أصغر، تسمى الصنور ، ولها أيضاً غطاء أو سدادة من الصفيح أيضاً، لإدخال الوقود وإخراج الرماد بعد اكتمال عملية الاحتراق.
وللمزيد من المعلومات التفصيلية حول الطوابين لا بد من الإشارة إلى دراسة بعنوان: “الطوابين في منطقة شمال الأردن، دراسة أثرية اثنوأركيولوجية”، نشرت حديثاً في المجلة الأردنية للتاريخ والآثار، تناول فيها الباحث كل ما يتعلق بالطوابين من حيث المواد المستخدمة في صناعتها، وحول طرق وتقنيات تصنيعها واستخداماتها (عبيدات 2010).
وقام الباحث نبيل علي بدراسة أخرى بعنوان:Ethnographic Study of Clay Ovens in Northern Jordan، تناول فيها تقنيات تصنيع واستخدام الطوابين في عدد من القرى، شملتها الدراسة الميدانية، في منطقة عجلون، مثل عرجان والعامرية (العميرية) وبللاص.(Ali 2009).  
تستخدم الطوابين بالدرجة الأولى لتحضير الخبز بأشكاله وأنواعه المختلفة، إلا أن هذا لا ينفي استخدامها لغايات أخرى مثل الطهي، وغيرها من الاستخدامات اليومية الأخرى (عبيدات 2010 ).
وتستخدم كلمة فرن(1) للدلالة على الطابون في منطقة شمال الأردن، وهي أكثر شيوعاً من كلمة طابون. كما استخدمت هذه الكلمة (فرن) للدلالة على الحجرة التي يوجد فيها الطابون. وهناك كلمات أخرى استخدمت أحياناً للإشارة للطابون (الموقد) وهي بيت النار، أو بيت الخبز أو الخبيز (عبيدات 2010).
هذا النمط من المواقد (الطابون) كان مستخدماُ، ولا يزال بشكل قليل جداً، في كافة قرى منطقة شمال غرب الأردن المرتفعة (غير الغورية). كما كشفت أعمال التنقيبات الأثرية عن وجود نماذج مشابهة لها في بعض المواقع الأثرية، أحدها من موقع طبقة فحل Pella ويعود للعصر الحديدي المبكر Early Iron Age (Potts et al. 1985: 203). وتشير أليسون مكويتي Alison McQuitty إلى أن شكل وصناعة الطوابين الأثرية لا تختلف كثيراً عنها في الطوابين المستخدمة في العصر الحالي، وهي لهذا ترى أن طرق استخدامها في العصور القديمة مشابهة لما هو قائم في العصر الحالي (McQuitty 1984: 261).
وتعتبر كسر الطوابين من بين المخلفات الأثرية الشائعة عادة في المواقع الأثرية التي تجري فيها أعمال التنقيبات الأثرية، إلا أنها لم تكن تحظى باهتمام المنقبين في أغلب الأحيان، ولا تصنف مع الكسر الفخارية، ولا تلقى أية معاملة خاصة، وغالباً ما كان يتم الاكتفاء بمجرد الإشارة إليها بشكل عابر فقط. وهي قطع أو كسر من الطين المحروق، تشبه الكسر الفخارية في العديد من خصائصها، إلا أنها ليست كسراً فخارية، فهي تختلف عنها في العديد من خصائصها بنفس الوقت. فهي كسر مصنوعة من الطين المخلوط مع بعض الشوائب أو الحبيبات كبيرة الحجم، وهي محروقة، الأمر الذي يكسبها قواماً صلباً إلى حد ما، إلا أنها ليست بصلابة الكسر الفخارية. وغالباً ما تكون هذه الكسر هشة وسهلة التفتت. وهي من أكثر المخلفات الأثرية شيوعاً في المواقع الأثرية التي جرت فيها أعمال التنقيبات الأثرية (عبيدات 2010: ).

التنور
التنور هو أيضاً عبارة عن موقد للخبز (شكل 3-4)، يصنع من الطين المخلوط ببعض المواد، مثل الطين الذي يستخدم في صناعة الطابون. ويصنع أيضاً على مراحل، تبدأ من الأسفل نحو الأعلى كما هو الحال في صناعة الطابون. إلا أنه يختلف عنه من حيث الشكل، فالتنور يأخذ تقريباً شكل الجرة الكبيرة بدون رقبة وواسعة الفوهة holemouth Jar. تتراوح أحجام التنور فمنها ما هو صغير الحجم ومنها كبيرة الحجم، وقد يصل ارتفاعه إلى 1م أو أكثر، وعرضه يتراوح بين 40-50سم. ويستخدم التنور صغير الحجم حالياً للأغراض المنزلية، في حين أن التنانير ذوات الأحجام الكبيرة تستخدم لأغراض تجارية في المخابز والمطاعم.
ليس للتنور قاعدة من نفس مادة الطين، فهو يثبت بعد الانتهاء من عملية التصنيع والجفاف على قاعدة حجرية، وفوق مستوى سطح الأرض. وعادة ما يكون له فتحة صغير في أسفله لإخراج الرماد (شكل 3). وبعد تثبيته في مكانه الدائم، فوق القاعدة الحجرية، يحاط بما يشبه الجدار من الطين والحجارة الصغيرة (شكل 4ب)، لحمايته وللمحافظة على الحرارة بداخله، أثناء عملية تشغيله.
تتم عملية الخبز بوضع (إلصاق) الأرغفة على جدران التنور الداخلية، وليس على قاعدته كما هو الحال في الطابون. وتكون عملية إعداد الخبز من خلال وضع الأرغفة، تباعاً، على ما يشبه المخدة الدائرية، ثم تدفع بقوة لتلتصق على جدران التنور الداخلية.
كما يختلف التنور عن الطابون من حيث طريقة وآلية استخدامه، فهو لا يحتاج إلى عملية إحماء مستمرة (تزبيل)، كما هو الحال في الطابون (عبيدات 2010)، وإنما يحمى قبيل الاستخدام مباشرة، باشعال الوقود في أسفله من الحطب وغيره من مواد الوقود الصلبة، ويمكن الخبز أثناء عملية اشتعال الوقود. كما أن التنور يمكن إحمائه باستخدام أنواع أخرى من الوقود مثل النفط والغاز، خاصة تلك المستخدمة في الوقت الحاضر في المخابز والمطاعم.
بالإضافة إلى التنانير الطينية، فقد أصبح التنور يصنع حديثاً من المعدن، بشكل البرميل أسطواني الشكل، وبأحجام مختلفة، واستخدامه شائع في العديد من الدول العربية وخاصة في منطقة الجزيرة العربية. ويستخدم هذا التنور، سواء في المنازل أو في المطاعم، لإعداد الخبز، وطهي بعض الأطعمة، التي لا تتم إلا بواسطته، مثل المندي على سبيل المثال. ويستخدم في تسخين هذه الطوابين الوقود الصلب من الحطب، كما يمكن لها أن تعمل باستخدام الوقود البترولي وخاصة الغاز.  
لم يكن التنور معروفاً أو مستخدماً، من قبل سكان القرى، في منطقة شمال الأردن، في فترة القرن الماضي. إلا أنه دخل حديثاً، في العقود القليلة الماضية، وأصبح مستخدماً في بعض المخابز العامة والمطاعم. ويعتقد بأن فكرته قد دخلت من خلال بعض العمالة الوافدة التي تعمل في هذه المنشآت، وأن النماذج المستخدمة لم يتم تصنيعها محلياً وإنما جلبت جاهزة من سوريا.
أما في العصور الأثرية فيبدو أن التنور كان معروفاً في هذه المنطقة. فقد أشارت مكويتي إلى أن التنقيبات الأثرية، في بعض المواقع، قد كشفت عن وجود أمثلة عديدة من التنور في منطقة شمال الأردن. أحدها، على سبيل المثال، عثر عليه في موقع تل إربد الأثري، ويعود للعصر البرونزي المتأخر Late Bronze Age، (حوالي 1550 ق م) (McQuitty 1984: 261, Pl. III: 3).
وتذكر مكويتي أن المعلومات الأثرية المتوافرة من بعض هذه المواقع الأثرية، تشير إلى أن هذا النمط من المواقد عادة ما يكون قائماً لوحده، بارتفاع حوالي 1م، يبنى من الطين بشكل الجرة. ويوضع الوقود على قاعدته، حيث يوجد فتحة صغيرة لإخراج الرماد. ومن خلال البقايا المكتشفة من هذه المواقد، ترى مكويتي أنه من المحتمل أن التجويف الداخلي للتنور الذي يشبه الجرة كان يشكل أولاً ثم يتم إحاطته بما يشبه الجدار، ثم يكسى أو يدعم من الداخل بالكسر الفخارية وبالرماد (McQuitty 1984: 261). وهذا يشبه وإلى حد كبير آلية تصنيع التنور واستخدامها في بعض المناطق السورية في العصر الحاضر. ففي دراسة حول المواقد الطينية في سوريا أعدتها نور هيمانز Noor Mulder-Heymans في التسعينيات من القرن العشرين بعنوان: “Archaeology, axperimental archaeology and ethnoarchaeology on bread ovens in Syria” أشارت إلى أن أنماطاً مختلفة من المواقد الطينية (الطابون والتنور)، لا تزال تصنع وتستخدم في مناطق مختلفة من سوريا، وإلى أن كلا النوعين كانا يستخدمان جنباً إلى جنب وفي نفس الوقت في بعض البيوت في بعض القرى. كما أشارت إلى وجود ورشة لتصنيع التنور، في إحدى القرى السورية في منطقة ريف دمشق، تبيع منتجاتها من التنور مختلفة الأحجام، للأهالي وأحياناً لبعض المخابز والمطاعم، سواء داخل سوريا أو خارجها من الأردن ولبنان والسعودية (Mulder-Heymens 2002: 207).

الوقادية:
الوقادية هي أيضاً عبارة عن نمط من المواقد الطينية، وهي شبه البرميل يبنى من الحجارة الصغيرة والطين، بارتفاع حوالي 70-80سم، وينتهي من الأعلى بشكل القبة (شكل 5). وتقسم الوقادية أفقياً إلى جزأين، بواسطة لوح من الصفيح المستوي (شكل 5، 6 أ- ب). الجزء السفلي وهو مكان وضع وإشعال الوقود من الحطب وبقايا النباتات، والعلوي هو مكان وضع الأرغفة للخبز، حيث توضع الأرغفة فوق السطح المعدني.
وهناك نماذج وأشكال مختلفة من الوقادية، منها ما تكون جدرانه مبنية كلياً من الطين (شكل 6 ب). وهذا النمط يشبه الطابون، إلى حد ما، من حيث طريقة تصنيعه. فهو يصنع من الطين المخلوط ببعض المواد الأخرى، إلا أنه يبدو أن عملية تحضير الطين والتصنيع لم تكن تتم بعناية كبيرة كما هو الحال في الطابون.
لوحظ بأن بعض النماذج من الوقادية تكون مزودة بفتحة علوية، ربما لاستخدام الوقادية لأغراض الطبخ، حيث يوضع وعاء الطهي فوقها مباشرة، وفي هذه الحالة يمكن وضع الوقود في الجزء العلوي من الوقادية، وتغلق هذه الفتحة العلوية بلوح معدني أو حجري عندما يقتصر الأمر على تحضير الخبز.
ويخلف أيضاً قطر هذه الفتحة العلوية من نموذج لآخر، فهي قد تكون صغيرة في بعض النماذج، وواسعة في نماذج أخرى، كما هو الحال في النموذج الموضح في (شكل 6ب). ويبدو أن وظيفة هذا النموذج كانت أساسية لكل الطهي وتحضير الخبز على حد سواء.
تختلف طريقة عمل أو تشغيل الوقادية عن الطابون، وهي عملية آنية، حيث لا تحتاج الوقادية إلى عملية إحماء مسبقة وطويلة، وإنما يتم إيقاد النار قبيل الاستخدام مباشرة، وبعدما يسخن السطح المعدني، الذي لا يحتاج إلى وقت طويل لكي يكتسب درجة حرارة مناسبة لإنضاج الخبز، تصبح الوقادية جاهزة للعمل. وهي بهذا الخصوص تشبه طريقة عمل الصاج.
ينتشر استخدام الوقادية، في الوقت الحاضر، بشكل رئيسي في قرى منطقة الأغوار، علماً بأنها يمكن أن تكون موجودة أحياناً في بعض القرى غير الغورية. ففي الدراسة التي أعدها نبيل على عن تصنيع المواقد الطينية في ثلاثة قرى في منطقة عجلون (عرجان والعامرية وبللاص) أشار إلى مراحل تصنيع الوقادية في هذه القرى (Ali 2009: 12, Fig. 2)، كما أشارت نور هيمانز إلى انتشار استخدام الوقادية في مناطق مختلفة من سوريا (Mulder-Heymens 2002: 207).
يعود انتشار استخدام الوقادية في منطقة الأغوار، بشكل أوسع منه في المناطق الأخرى، ربما إلى وفرة الحطب سريع الاشتعال، من الجذوع والأغصان من الأشجار التي يتم تقليمها، والذي يمثل الوقود الرئيسي لهذا النوع من المواقد، وندرة مواد الوقود الأخرى مثل مخلفات الدواب (الزبل) والتبن، والتي تتوفر بشكل أكبر في المناطق التي يكثر فيها الزراعات الحقلية من الحبوب.
كما يمكن أن تكون درجات الحرارة العالية في منطقة الأغوار، خاصة في فصل الصيف، سبباً في اختيار الوقادية، والتي توضع في الهواء الطلق في فناء المنزل (شكل 7)، وتظلل بعريشة، بينما يحتاج الطابون إلى حجرة خاصة به، تكون درجة الحرارة بداخلها عالية، وهي من المستلزمات الأساسية لعمل الطابون والمحافظة عليه.
أما بالنسبة للعصور القديمة فلا تذكر الوقادية سوى قليلاً، ولعل السبب وراء ذلك هو أنها كانت لا تعمر كثيراً، لأنها كانت تصنع من مواد سريعة التحلل والخراب. أحد النماذج الأثرية من الوقادية المصنوعة كلياً من الطين والمحفوظة جيداً عثر عليها في طبقات العصر الحديدي في موقع دير علا الأثري (شكل 7)، ويبدو أن قرصاً من الفخار كان يقوم مكان الصاج المعدني (McQuitty 1984: 261, Pl. III: 1).
ومن الجدير بالذكر أن موقع دير علا الأثري يعد من أغنى المواقع الأثرية بمخلفات المواقد الطينية، تعود للعصر الحديدي، ففي دراسة بعنوان The Iron Age Bread ovens from Tell Deir Alla، تناولت إفلين ستين Evline J. van der Steen مخلفات المواقد الطينية التي تعود للعصر الحديدي من موقع دير علا والتي صنفت تحت مسمى تنور وليس وقادية كما ذكرت مكويتي. وأشارت إلى أنه تم العثور على بقايا (51) واحد وخمسين موقدا، خلال أعمال التنقيبات الأثرية في الموقع والتي أجريت في الفترة من 1976 وحتى 1987م، وصل ارتفاع بعضها إلى حوالي 70سم (van der Steen 1991: 135). ومن خلال النموذج الموضح في (شكل 8)، يتبين أن هناك أوجه شبه كبيرة بينها وبين الوقادية الحديثة (شكل 6ب)، فكلاهما مصنوع من الطين، وكلاهما من منطقة دير علا، مع اختلاف الفترات الزمنية التي تعود لها كل من هاتين الوقاديتين واختلاف الشكل بينهما.

المواقد غير الطينية
بالإضاقة إلى هذه الأنواع من المواقد الطينية، فقد عرفت أنواع أخرى من المواقد وتقنيات أخرى استخدمت لإعداد الخبز في الأردن وغيرها من مناطق بلاد الشام.

الصاج المعدني
وهو أيضاً نوع من المواقد المستخدمة لإعداد الخبز المعروف بخبز الشراك، إلا أنه ليس من فئة المواقد الطينية. تقنية عمل هذا الموقد تشبه وإلى حد بعيد تقنية الوقادية، وهو يتكون من لوح معدني بشكل القرص، محدب الشكل، سمكه حوالي 1-2مم، وقطره حوالي 60سم. يوضع (ينصب) فوق ثلاثة حجارة متقابلة، متوسطة الحجم تسمى “اللدايا” مفردها “لدية”، بحيث يكون السطح المحدب نحو الأعلى. ووظيفة هذه الحجارة الثلاثة هي رفع الصاج عن سطح الأرض ولتكوين فراغ أو حيز تحت الصاج لإيقاد النار. وتوقد النار تحته من مواد الوقود الصلبة المختلفة سريعة الاشتعال، مثل أغصان الأشجار والنباتات والحشائش الجافة، وهو لا يحتاج إلى وقت طويل ليصبح ساخناً، إذ سريعاً ما يصبح جاهزاً للخبز.
وهو يعد الموقد الأساسي، وربما الوحيد، لدى سكان مناطق البادية بالدرجة الأولى، كونه قابلا للحمل والنقل من مكان لآخر، ويعمل بما يتوافر في البيئة المحلية من أعشاب وبقايا نباتات جافة.
كما أنه كان واسع الانتشار في كافة القرى الأردنية، حتى تلك التي كان لديها مواقد طينية مثل الطابون والوقادية. فهو يمتاز أولاً بسرعة وسهولة إعداد خبز الشراك، الذي يعد من عجينة سريعة التحضير ولا تحتاج إلى أن تكون خامرة عند الخبز، والذي لا يمكن إعداده في المواقد الطينية، والذي يدخل كمكون أساسي في بعض الأكلات الشعبية مثل المنسف، بوضع طبقة من عدة أرغفة منه تحت الأرز، واللزاقيات والرشوف على سبيل المثال.
كما كانت بعض ربات البيوت في القرى تلجأ أحياناً إلى خبز الشراك، سريع التحضير، عندما ينفذ مخزون البيت من خبز الطابون لإطعام أفراد عائلتها.
ترق قطع العجين على صبق أو سطح مرشوش عليه كمية من الدقيق، ثم ترق بتقليبها بين راحتي اليدين حتى تصبح رقيقة، سمكها حوالي 1ملم، وقطرها بين 40-50سم، ثم توضع فوق الصاج المعدني. ولقلة سمكها لا تحتاج سوى إلى دقائق قليلة حتى تنضج.
ما يزال خبز الشراك مستخدماً في الوقت الحاضر، ويعد في المخابز الحديثة. وقد شاع استخدامه في المطاعم، حيث يقبل عليه بعض الناس من قبيل التغيير، أو لأنه مناسب أكثر من بقية أنواع الخبز لتحضير بعض أنواع الوجبات السريعة. وقد تم الاستعاضة عن أنواع الوقود الصلبة مثل الحطب، بالوقود البترولي مثل الغاز لتسخين الصاج وإعداد خبز الشراك.

الموقدة
ويقصد بها أي مكان توقد به النار، فوق سطح الأرض، لأي غرض كان، مثل التدفئة أو الطهو، دون الحاجة إلى موقد معين. وتستخدم هذه التقنية لإعداد الخبز في الأماكن البعيدة عن القرى، عندما يتعذر الحصول على خبز الطابون أو خبز الشراك. وعادة ما يعده الحصادون أو الرعاة أو الصيادون، عندما يتواجدون في أماكن بعيدة عن أماكن سكناهم.
ويعرف الخبز المعد بهذه الطريقة بتسميات تختلف من منطقة إلى أخرى، فهو يعرف بخبز النار أو قرص النار (المجالي 2002: 101) أو خبز الطبابي (Gebel et al. 1994: 313)، أو “العربود” (القسوس 1994: 67)، أو القرصة.
يعد العجين، ولا داعي لأن يكون مختمراً، ويجهز الرغيف بشكل القرص الدائري، ويكون في العادة سميكا. ثم توقد النار، من أي مواد وقود صلبة متوفرة، مثل الحطب والجلة، وبعد أن تصبح جمراً، يمهد في وسطها مكان لوضع قطعة العجين، وتدفن بالجمر والرمضاء المتبقي. وبعد فترة كافية لإنضاج الخبز. يزاح الرماد بعدها جانباً لإخراج رغيف الخبز، وينظف مما علق به من رماد. ويؤكل هذا النوع من الخبز عادة لوحده، أو مهروساً مع الحليب أو السمن البلدي، في حال توفر أي منهما.
ومن الجدير بالذكر أنه في حال عدم توفر وعاء لعجن لإعداد العجين يمكن أن يعجن فوق صخرة أو لوح حجري نظيف وأملس، أو فوق كيس أو فوق طرف رداء. كما يمكن أن توقد النار فوق لوح من الحجر، أو فوق الصخر، وبعد أن يصبح ساخناً توضع قطعة العجين فوقه وتدفن بالجمر والرماد.

خلاصة
المواقد الطينية، بغض النظر عن استخداماتها ووظائفها، هي وسيلة من الوسائل التي ابتكرها الإنسان للسيطرة على النار، وتوظيفها لخدمته في أمور حياته اليومية. وهي قديمة جداً، حيث تعود أقدم الأدلة التي اكتشفت وتشير إلى استخدامها إلى الفترة المعروفة بالعصر الحجري المتوسط Middle Paleolithic (100,000 – 40,000 B.C.) وقد عثر على هذه الأدلة في موقع أثري يعرف بكهف كليزورا Klisoura Cave، الواقع في جنوب اليونان. كما عثر فيه أيضاً على بقايا مواقد طينية في الطبقات التي تعود للفترة الزمنية التالية، وهي العصر الحجري القديم العلوي أو المتأخر Upper Paleolithic (40,000 – 20,000 B.C.) (Karkanas et al. 2004: 515-516, Fig. 3, 4).
أما في منطقة بلاد الشام فإن أقدم الأدلة على معرفة الإنسان بالمواقد الطينية تعود لبداية العصر الحجري الحديث Neolithic period (c. 8500-4500 BCE)، كما أشارت نتائج التنقيبات الأثرية في موقع بسطة الأثري، الواقع في جنوب الأردن.  حيث عثر في هذا الموقع على العديد من الكسر التي أشير إليها، على أنها كسر طابون taboon sherds  (Gebel et al. 2006: 80, 85, 86, 89). ثم أصبحت مخلفاتها بعد ذلك، من بين الموجودات الأثرية الشائعة في العديد من المواقع التي تعود للعصور الزمنية المختلفة التالية، وحتى الوقت الحاضر. مما يؤكد على أن استخدام المواقد الطينية كان متواصلاً، ودون توقف، عبر كافة هذه الفترات الزمنية.
بالإضافة إلى الطابون، فقد عرفت منطقة بلاد الشام، وعلى مر العصور، أنماطاً أخرى من المواقد الطينية، مثل التنور والوقادية. وكل منها يمتاز بخصائص معينة، من حيث المواد الأولية التي استخدمت في صناعته، ومن حيث طبيعة استخدامه. وقد تبين أن كل نوع من هذه المواقد كان شائعاً في منطقة (مناطق) معينة. ففي المناطق الأردنية، على سبيل المثال، كان الطابون شائعاً في المناطق المرتفعة، في حين أن الوقادية كانت شائعة في المناطق الغورية. وهذا يعزى ربما إلى نوع مواد الوقود المتوافرة محلياً. هذا بالإضافة إلى العوامل المناخية السائدة في كل منها.
علماً بأن كلا من الطابون والتنور قد لوحظ استخدامهما أحياناً، جنباً إلى جنب وفي المنزل الواحد، في بعض المناطق السورية (Mulder-Heymens 2002: 207).
من خلال مقارنة مخلفات المواقد الطينية التي تم العثور عليها في المواقع الأثرية، والتي تعود لعصور مختلفة، بالمواقد الطينية المعروفة في الوقت الحاضر، تبين وجود أوجه شبه كبيرة، من حيث الشكل والمواد المستخدمة في صناعتها. مما قد يشير إلى استمرارية ثقافة المجتمعات القروية الفلاحية، عبر كل هذه العصور، في هذه المناطق (عبيدات 2010 ).
في الوقت الذي ترجع فيه تصنيع واستخدام بعض المواقد الطينية مثل الطابون والوقادية، والتي أوشكت حتى على الاندثار، ما زالت المواقد الطينية المعروفة بالتنور شائعة في الوقت الحاضر، بل وشاع استخدامها تجارياً في المخابز والمطاعم الحديثة. وهذا يعزى على الأغلب إلى أنواع الوقود التي يمكن أن تستخدم في عمل كل منها. فالطابون والوقادية بحاجة إلى الوقود الصلب، الذي أصبح غير متوافر، بسبب تراجع الأعمال الزراعية التقليدية، في حين أن التنور يمكن أن يعمل باستخدام الوقود البترولي مثل الغاز، على سبيل المثال.

الهوامش والمراجع

1 - وجمعها في اللهجة الدارجة في هذه المنطقة فرانه (أفران).
2 - الرسومات من إعداد الباحث. الطوابين في شكل: (1-2)، هي من موجودات متحف سمرقند، في جامعة آل البيت.
3 - الصور (شكل 6: أ- ب) من أرشيف الباحث، وتعود لعام 1987.
4 - تم معالجة الصورة، لتوضيحها، من قبل الباحث، حيث أن الصورة الأصلية كان يعوزها ذلك.
5 - اللدايا، ومفردها لدِيّة، وتعرف أيضاً بالهوادي، وهي ثلاثة حجارة تثبت على أطراف الموقد (الموقدة) ليتم وضع الوعاء، مثل القدر أو الصاج، لترفعه قليلاً عن الأرض والنار، ليكون هناك مجال لدس الوقود من الحطب أو غيره، ولبقاء النار مشتعلة. واللدايا حجارة تؤخذ من ذات المكان، من الحجارة التي لا تتأثر بالنار، متقاربة من حيث الحجم، بغض النظر عن شكلها، تكون مناسبة لوضع الوعاء بشكل ثابت ومستقر ومتوازن، لضمان عدم ميل الوعاء. واللدايا عند العرب قديماً هي الأثافيّ، وواحدتها أثفية، كما هو مذكور في معاجم اللغة. وقد قيل في أحد الأمثال العربية القديمة: ثالثة الأثافي، وفي أحد الأمثال العامية الحديثة: “القِدْر ما بركب إلاّ على ثلاثة”.

قائمة المصادر والمراجع
العربية:
أبو الشعر، هند.
إربد وجوارها (ناحية بني عبيد) 1850-1928م. منشورات جامعة آل البيت وبنك الأعمال، عمان.
عبيدات، ضيف الله.
2010 الطوابين في منطقة شمال الأردن، دراسة أثرية اثنوأركيولوجية. المجلة الأردنية للتاريخ والآثار، مجلة علمية عالمية فصلية متخصصة ومحكّمة تصدر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والجامعة الأردنية، العدد الرابع من المجلد الرابع: 171-198.
القسوس، نجيب سليمان.
1994 ملامح من التراث الشعبي في محافظة الكرك. منشورات جامعة مؤتة.
المجالي، فراس دميثان.
2002 السجل المصور للتراث الشعبي الكركي. كتاب الشهر (49)، سلسلة ثقافية تصدرها وزارة الثقافة. المملكة الأردنية الهاشمية.

الأجنبية:
Adams, R.B.
1999 The Development of Copper Metallurgy During the Early Bronze Age of the Southern Levant: Evidence from the Faynan Region, Southern Jordan. University of Sheffield.
Ali Nabil.
2008 Ethnographic Study of Clay Ovens in Northern Jordan, Pp. 8-16 in Hans G. Gebel, Zeidan Kafafi and Omar Ghul (ed.), Modesty and Patience, Studies and Memories in Honour of Nabil Qadi (Abu Salim) Yarmouk University, Monograf of the Faculty of Archaeology and Anthropology, Volume 6. ex oriente, Berlin (2008).
Alperson-Afil, N., Richter, I., Goren-Inbar, N.
2007 Phantom hearths and the use of fire at Gesher Benot Ya’Akov, Israel. PaleoAnthropology: 1-15.
Bar-Yosef, Ofer.
1998 “The Natufian Culture in the Levant, Threshold to the Origins of Agriculture”, Evolutionary Anthropology 6.5: 159 -177.
Belfer-Cohen,  A. and Hovers, E.
2005 The Ground Stone Assemblages of the Natufian and Neolithic Societies in the Levant - A Brief Review Journal of The Israel Prehistoric Society 35: 299-308
Binford, L.
1996 Hearth and home: the spatial analysis of ethnographically documented rockshelter occupations as a template for distinguishing between human and hominid use of sheltered place. In: Conard, N.J., Wendorf, F., eds. Middle Paleolithic and Middle Stone Age settlement systems. A.B.A.C.O. Edizioni, Forlì, Italy, pp. 229–239.
Black, D.
1931 Evidence of the use of fire by Sinanthropus. Bulletin of the Geological Society of China 11: 107–108.
Brain, C. K.
1993 The occurrence of burnt bones at Swartkrans and their implications for the control of fire by early hominids. In: Brain, C. K., ed. Swartkrans: a cave’s chronicle of early man. Transvaal Museum Monograph, Pretoria: 229–242.
Brain, C.K., Sillen, A.
1988 Evidence from the Swartkrans cave for the earliest use of fire. Nature 336: 464–466.
Budja, Mihael.
2006 The transition to farming and the ceramic trajectories in Western Eurasia: from ceramic figurines to vessels. In: Mihael BUDJA (ed.) Neolithic Studies 13, Documenta Praehistorica, Vol. 33: 183-201.
Clark, J. D. and Harris, J . W. K.
1985 Fire and its roles in early hominid lifeways. The African Archaeological Review, 3: 3-27.
Daviau, P.M.M.
1992 Preliminary report of the Excavations at Tell Jawa In the Madaba Plains (1991), Annual of the Department of Antiquities of Jordan (ADAJ) XXXVI: 145-162.
Gamble, C.
1999 The Palaeolithic Societies of Europe. Cambridge Universtiy Press, Cambridge.
Gebel, H.G.K.; Nissen, H.J. and Zaid, Z..
2006 Basta II. The Architecture and Stratigraphy. Bibliotheca neolithica Asiae meridionalis et occidentalis and Yarmouk University, Monograph of the Faculty of Archaeology and Anthropology, Volume 5. ex orienta, Berlin.
Gebel H.G., hahme F., Hermansen B. Dahl and N. Qadi
1994 Brotbacken in Basta. Das Altertum 39: 301-316.
Goldberg, P., Bar-Yosef, O.,
1998 Site formation processes in Kebara and Hayonim caves and their significance in Levantine prehistoric caves, pp. 107-125. In: Akazawa,T.,Aoki,K.,Bar-Yosef,O. (Eds.), Neandertals and Modern Humans in Western Asia. Kluwer Academic Publishers, New York.
Goldberg, P., Weiner, S., Bar-Yosef, O., Xu, Q., Liu, J.,
2001 Site formation processes at Zhoukoudian, China. Journal of human evolution. 41: 483-530.
Goren-Inbar, N., Alperson, N., Kislev, M.E., Simchoni, O., Melamed, Y., Ben-Nun, A., Werker, E.
2004 Evidence of Hominin Control of Fire at Gesher Benot Ya’akov, Israel. Science 304: 725–727.
Gowlett, John .A. J.
1999 Lower and middle Pleistocene archaeology of the Baringo Basin, pp. 123-141. In: Andrews, P., Banham, P. (Eds.), Late Cenozoic Environments and Hominid Evolution: A Tribute to Bill Bishop. Geological Society, London.
2006 The early settlement of northern Europe: fire history in the context of climate change and the social brain. Comptes rendus Palevol. Vol. 5, Iss. 1-2: 299-310.
Harris, J. W. K. and Herbich. I.
1978 Aspects of early Pleistocene hominid behavior at East Lake Rudolf, Kenya. Geological Background to Fossil Man, ed., W. W. Bishop. Geological Society, London. Special Publication. 529-547.
Harris, J.W.K. and Gowlett, J.A.J.
1980 Evidence of early stone industries at Chesowanja, Kenya, pp 208-212. In Leakey, R.E. and Ogot, B.A. (eds.) Proceedings of the 8th Panafrican Congress of Prehistory and Quaternary Studies, Nairobi, 1977. TILLMIAP, Nairobi.
Homès-Frédericq D.
1992 Late Bronze and Iron Age evidence from Lehun in Moab. pp187-202 in: P. Bienkowski, ed. Early Edom and Moab, the beginning of the Iron Age in Southern Jordan. Merseyside: Sheffield Archaeological Monographs 7.
Ibrahim, M. M. and G. Kooij, van der.
1997 Excavations at Tall Deir ‘Alla; seasons 1987 and 1994. Annual of the Department of Antiquities of Jordan (ADAJ) 42:95-114.
1986 Excavations at Tell Deir Alla, Season 1984. Annual of the Department of Antiquities of Jordan (ADAJ) 30: 131-145.
1979 Excavations at Tell Deir ‘Alla, Season 1979. Annual of the Department of Antiquities of Jordan XXIII:41-50.
James, R.,
1989 Hominid use of fire in the lower and middle Pleistocene. Current anthropology. 30, 1-26.
Karkanas P, Koumouzelis M, Kozlowksi J.K., Sitlivy V, Sobczyk K, Berna F, Weiner S.
2004 Aurignacian clay hearth structures in Kleisoura cave 1. Antiquity 78 (301), 513-525.
Karkanas, P. Shahack-Gross, R., Ayalon, A., Bar-Matthews, M., Barkai, R., Frumkin, A., Gopher, A., Stiner, M.C.
2007 Evidence for habitual use of fire at the end of the Lower Paleolithic: site-formation processes at Qesem Cave, Israel. Journal of Human Evolution 53: 197–212.
Kenyon, K.M. and Holland, T. A.
1981 Excavations at Jericho, Vo. III. London: British School of Archaeology in Jerusalem.
1983 Excavations at Jericho.Volume 5. The Pottery Phases of the Tell and Other Finds. London: The British School of Archaeology in Jerusalem.
Kooij, van der and Ibrahim, M. M.
1989 Picking up the Threads...A Continuing Review of Excavations at Deir Alla, Jordan. Leiden: University of Leiden, Archaeological Centre.
Lensen C.J., Gordon R.L. and Mcquity A.M..
1985 Excavations at Tell Irbid and Beit ras. Annual of the Department of Antiquities of Jordan (ADAJ) XXIX: 151-159.
Mazar,  A.
1997 Four thousand years of history at Tel Beth-Shean: an account of the renewed excavations. Biblical Archaeologist (BA) 60/2: 62-76.
1999 The 1997-1998 excavations at Tel Rehov: Preliminary report.Israel Exploration Journal (IEJ) 49:1-42.
McBrearty, S., Brooks, S.A.,
2000 The revolution that wasn’t: A new interpretation of the origin of modern human behavior. Journal of human evolution. 39: 453-563.
McQuitty, Alison
1984 An Ethnographic and Archaeological Study of Clay Oven in Jordan. Annual of the Department of Antiquities of Jordan (ADAJ) XXVIII: 259-267.
Meignen, L.,
1993 L’ abri des Canalettes. Un habitat mouste´rien sur les grands Causses (Nant Aveyron). Fouilles 1980e1986. Monographie du CRA, 10. Editions du CNRS, Paris.
Meignen, L., Bar-Yosef, O., Goldberg, P., Weiner, S.
2001 Le feu au Paléolithique moyen: recherches sur les structures de combustion et le statut des foyers. L’exemple du Proche-Orient. Paléorient 26: 9-22.
Meignen, L., Bar-Yosef, O., Speth, J.D., Stiner, M.C.,
2006 Middle Paleolithic settlement patterns in the Levant, pp. 149-169. In: Hovers, E., Kuhn, S.L. (Eds.), Transitions before the Transition: Evolution and Stability in the Middle Paleolithic and Middle Stone Age. Springer, New York.
Mulder-Heymans, Noor
2002 Archaeology, axperimental archaeology and ethnoarchaeology on bread ovens in Syria. Civilizations 49: 179-221.
Potts, T.F, Colledge, S.M. and Edwards P.C.
1985 Preliminary Report on a Sixth Season of Excavation by the University of Sydney at Pella in Jordan 1983/84. Annual of the Department of Antiquities of Jordan (ADAJ) XXIX: 181-210.
Preece, R.C., Gowlett, J.A.J., Parfitt, S.A., Bridgland, D.R., Lewis, S.G.,
2006 Humans in the Hoxnian: habitat, context and fire use at Beeches Pit, West Stow, Suffolk, UK. Journal of Quaternary Science 21: 485-496.
Rigaud, J.P., Simek, J.F., Ge, T.,
1995 Mousterian fires from Grotte XVI (Dordogne, France). Antiquity 69: 902-912.
van der Steen, Eveline J.
1991 The Iron Age Bread ovens from Tell Deir Alla. Annual of the Department of Antiquities of Jordan (ADAJ) XXXV: 135-153.
Rolland, N.,
2004 Was the emergence of home bases and domestic fire a punctuated event? A review of the middle Pleistocene record in Eurasia. Asian Perspective, Vol. 43: 248-280.
Rowlett, R.M.
2000 Fire control by Homo erectus in East Africa and Asia. Acta Anthropologica Sinica. 19 (Supplement): 198–208.
Solecki, R.S.,
1995 The cultural significance of the fire hearths in the Middle Paleolithic of Shanidar Cave, Iraq, pp. 51-63. In: Johnson, E. (Ed.), Ancient People and Landscapes. Museum of Texas Tech University, Lubbock.
Stiner, M.C.
2002 Carnivory, coevolution, and the geographic spread of the genus Homo. Journal of Archaeological Research (J Archaeol Res). 10: 1-63.
Thieme, Hartmut.
1997 Lower Palaeolithic hunting spears from Germany. Nature 385: 807–810.
Veropoorte, Alexander.
2001 Places of art, traces of fire: a contextual approach to anthropomorphic figurines in the Pavlovian (Central Europe, 29-24 kyr BP) (Archaeological Studies, Leiden University, No. 8, Dolne--Vestonice Studies No. 6).
Vieweger, D. and Häser, J.
2007 Five Thousand Years of Palestinian History on One Settlement Mound,  Near Eastern Archaeology, 70/3: 147-167.
2009 Tall Zirā‘a – Excavations on a multi-period site in Northern Jordan. Abhath Al-Yarmouk “Hum. and Soc. Sci.” Volume 25, Number 3: 655-680.
2010 Wep Site of  The German Protestant Institute of Archaeology (www.deiahl.de//spring_campaign_2009_on_tall_ziraa)
Wrangham, R.W., Jones, J.H., Laden, G., Pilbeam, D., Conklin-Brittain, N.L.
1999 The raw and the stolen: cooking and the ecology of human origins. Current Anthropology 40: 567–594.
Wright K.
1991 The origins and development of ground stone assemblages in Late Pleistocene Southwest Asia. Pale´orient 17:19-45.
Yassine K.
1984 The open court sanctuary of the Iron Age I Tell el-Mazar Mound A. Zeitschrift des Deutschen Palästina-Vereins (ZDPV) 100,108-118.
1988 Archaeology of Jordan: Essays and reports. Department of Archaeology, University of Jordan.

أعداد المجلة