جدلية المقدس والمدنس في الأشكال الفرجوية بالمغرب منطقة الغرب نموذجا (1)
العدد 21 - أدب شعبي
تمهيــد:
إن تاريخ أشكال الفرجة بمنطقة الغرب بجميع قبائلها هو امتداد لتاريخ الفرجة بالمغرب والثقافة العربية على وجه العموم، بمعنى أن أي شكل فرجوي هو نتاج ثقافة مغربية كانت سائدة وظلت محافظة على وجودها في صراع دائم مع التاريخ وتقلبات الحضارات و المظاهر والعادات والتقاليد الاجتماعية. ويتمثل فعل الفرجة بمنطقة الغرب في طقوس الأشكال الفرجوية التي تشكل تراثا شعبيا شفهيا فنيا متوارثا أبا عن جد، وهي في جوهرها تحمل ملامح فرجات تمثيلية هزلية قريبة المأخذ من القالب المسرحي: ( كحلقات اعبيدات الرمى) وحلقات الذكر لحفظة القرآن ومسامرات المتارف(2) وطقوس الطوائف الدينية، (حمادشة وجيلالة وعيساوة)(3). التي تعد طقوسها بدائية وغريبة الأطوار كالحضرة، والتحير و السقوط أرضا و المشي حفاة و ترتبط جميع طقوسها بطابع المقدس والمدنس.
علاوة على هذا توجد بمنطقة الغرب بعض العادات والتقاليد المقترنة بالمواسم الاجتماعية كسبع بولبطاين وسونا وتاغنجا وجبيد حبل...4
وأيضا هناك أشكال فرجوية مرتبطة بالرعي والزراعة، كـاشيراب واحابةب واطرسب واغميض البيضب واهاهب...5 ونشير هنا أن بعضا من هذه الأشكال الفرجوية قد زالت ولم تعد متداولة في تراث الثقافة الشعبية بمنطقة الغرب، كما أننا نلفي بعضا منها يتماثل بين جميع القبائل المغربية على سبيل المثال لا الحصر الحلقة وحفلات الأعراس والختان، وحفلات الأعياد الدينية ولا نلمس الاختلاف إلا في بعض الأشكال التي تشكل استثناء كجبيد حبل وهاه.6
الحلقــة:
يتجسد فعل الفرجة بشكل كبير بالمنطقة في فن الحلقة كظاهرة ظل مفهومها مرتبطا في مخيلة المجتمع الغرباوي برواد شيوخ فن اعبيدات الرما المحليين7 كان لها حضور قوي خلال خمسينات وستينيات القرن الماضي، وكانت أنشطتها تغطي جميع قبائل المنطقة في ساحات مدنها كساحة (سبيطار مولاي الحسن) وساحة مولاي يوسف وساحة الخيرية بالقنيطرة وساحة االجوطيةب بسيدي سليمان...وكذلك أسواقها التي كانت تمثل فضاءات كبيرة بمنطقة الغرب وتعد كذاكرة حية تحيل على سحرية المكان الذي كانت تقام فيه فرجة الحلقة بدءا بالأسواق الكبيرة سوق اأحد أولاد جلولب بجماعة سيدي علال التازي وسوق الاثنين بالقنيطرة وخميس الرميلة بجماعة دار الگداري، وأربعاء سيدي سليمان وسوق الأربعاء الغرب بسيدي عيسى، وثلاثاء مدينة سيدي يحي وغيرها من الأسواق الكبيرة والصغيرة .
كما تعد ظاهرة الحلقة بالمنطقة من أبرز الخصوصيات الفرجوية الفكاهية التي كانت متابعتها في الحقب السابقة تحظى بأهمية كبيرة من قبل ساكنة مدنها وبواديها، حيث كانت تجلب فضول الكثير من أفراد المجتمع الغرباوي فضلا عن هذا الطرح تشكل الصورة التي بقيت راسخة في الأذهان، كون الحلقة بمثابة مسرح شعبي شفهي صغير ومتنقل تقام أطوراها في فضاء شاسع وبشكل دائري، حيث يجتمع الرجال والنساء والأطفال، والعمال والتجار، والزوار، والمارة وجميع الشرائح الاجتماعية، في مكان الساحة التي يقدم فيها الحلايقي أدواره مشكلا فرجة اجتماعية يشارك فيها جمهور المتحلقين، وليس هناك بينهم وبينه أية فواصل، حيث يؤثثون فضاء الحلقة، إذ يصبحون بدورهم مساهمين في بناء العرض الفرجوي .
إضافة إلى هذا الطرح كان سكان المنطقة يتتبعون نشاط رواد فن الحلقة المشهورين على الصعيد الوطني، كحلقة الشيخ الرگراگي الملقب ا بالأقرعب والشيخ بوجمعة الملقب بگرگر، هذا الأخير الذي كان ينشط حلقته في جميع أسواق منطقة الغرب، وكان له حضور كبيرفي ساحة الهديم بمكناس فقد كان يجسد سلوك سلطات الاستعمار الفرنسي ويتقمص أحيانا في عروضه دور الشرطي الفرنسي ليندد بممارسته بطريقة ساخرة وتهكمية، وهناك أيضا الثنائي الزميميري وولد مطيشة اللذين كانا بدورهما ينددان بسياسة المستعمر الفرنسي عبر مواقف هزلية انتقادية لسلطات الاحتلال.
ويضيف هنا بوسلهام الگط الباحث في التراث الغرباوي أن الثنائي الزميميري كانا يجسدان المواقف الساخرة بين والمسلم اليهودي وبين المغربي والفرنسي وبين المناضل والواشي والمتخاذل وبين السجين والمخزني.8
هذا ونرى وجودا كبيرا لحلقة الملاكمة عند رائدها الشيخ اعيروضب المشهور بعمي االبزاويزب وحلقة ولد الجابوري الفكاهية...، إلا أن غياب توثيق الثقافة الشعبية الشفهية يحول دون تمككنا من إدراج كل الرواد في هذا المضمار. وتعد المعلومات التي استقيناها من قبل الرواة المجايلين للفترة التاريخية التي عاش فيها هؤلاء الشيوخ نموذجية مستمدة من الرواية الشفهية عن الشيوخ الكبار الذين جالسناهم عبر اللقاءات والحوارات الميدانية في مواسم أولياء الله الصالحين والأعراس والحفلات الموسمية. تتجاذبها جدلية المقدس والمدنس.
هذا وإن الحديث عن فن الحلقة بمنطقة الغرب غني بشتى الخصائص الفنية، وحضوره في الساحة الوطنية لا يخلو من أهمية لأنه يشكل تراثا شعبيا جديرا بالاهتمام والدراسة. هذا ويحمل تاريخ فن الحلقة عند الإنسان الغرباوي ذاكرة فرجوية مترسخة في الأذهان، وهي فرجة كانت أدوارها تتوزع عبر ثلاثة مستويات.
الفرجوي المحض: تسيطر فيه عناصر الضحك والإضحاك والسخرية والتهكم على لسان االقجايميب9.
الإرشادي التوجيهي: حكاية الأزلية والعنترية من قبل الراوي / الحكواتي ومداح النبي الذي ينخرط بالسامعين في أجواء روحانية تساكن المقدس وتجافي المدنس عبر الحكايات الشعبية أوسيرة الرسول والصحابة والتابعين.
التوعوي: من خلال كشف المستور من المواقف السلبية التي تصدر عن الطبقة الاستعمارية الفرنسية للمغرب أو بعض الانزلاقات السلوكية المسجلة في المعيش اليومي .وفق هذا المنحى ومن منظور الباحث الأنثربولوجي الأمريكي فيليب سكايلر أن فن الحلقة وصناع الفرجة كانوا في المجتمع المغربي يفصحون عن وظائف حية وهم يعبرون عن حضورهم باعتبارهم صحفيين وناقلين للأخبار من سوق إلى آخر ووعاظا يقدمون التوجيهات الأخلاقية ويفسرون النصوص الدينية
لشرائح واسعة من المتفرجين العاديين، وكوميديين يقدمون تعليقات اجتماعية وسياسية، أما الرواة فيقدمون دروسا وعبرا من التاريخ، فيما يحول الموسيقيون كل هاته الخطابات إلى أغان.10
وكانت فرجة الحلقة بمنطقة الغرب تجسد مسرحا شعبيا كبيرا، حيث كان جمهور واسع يلتئم حول االحلايقيب في فضاء منسجم وحميمي مشكلا دائرة متسعة ينخرط فيها الصغير والكبير والنسوة والرجال وكل الشرائح المجتمعية. وغالبية هذا الجمهور في انتمائه الطبقي من المجتمع البدوي، بيد أن الأمر قد تغير عندما هبت رياح الاستعمار الذي حول التراث المغربي الأصيل إلى بهرجة فلكورية مشوهة، وعمل على زج الفرجات الشعبية في جدران الإسمنت بظهور المسرح والسيمنا ووالسيرك.... ومن ثم تحول الشكل الفرجوي الدائري إلى فرجة نصف دائرية فقدت الكثير من عناصرها الفنية الثراتية وخصوصياتها الفكرية والثقافية.
فرجة الختان أو الطهارة11:
تعد هذه الفرجة عادة اجتماعية في العالم العربي والمغربي فهي لا تعدو أن تكون فرجة شعبية، تستمد دلالتها الفكرية والثقافية من المرجعية الدينية، لأنها سنة إسلامية تقترن بمقومات دينية ملتزمة، بيد أنها عبر توالي الحضارات والأحقاب والسنين، أخذت تعرف تطورا في البيوت عند الأسر المغربية، وفي منطقة الغرب أضحى الناس يلجؤون إلى ختان أبنائهم، عبر استحضار فعل الاحتفاء بعادات وتقاليد موروثة كتخضيب يد الطفل بالحناء وركوب الفرس والتجوال به في أزقة الحي مع حضور فرق شعبية للغناء والرقص والزغاريد وتختلف كل منطقة في المغرب حول طريقة تحضير هذا الاحتفال. لكن القاسم المشترك بينهما هو استحضار التقاليد والطقوس الشعبية الموروثة وهذا الطقس الاحتفالي (الختان) يعد بمثابة فرجة شعبية تشكل مسرحا ممتدا شبيها بمسرح (البولڤار) أو مسرح الشارع وكل لوحاته تجسد دلالات رمزية تحمل جملة من القيم الاجتماعية والإنسانية، حيث يشكل لباس الطفل الجلباب الأبيض مع بلغة بيضاء أوصفراء وسروال أبيض وطربوش أخضر، سينوغرافيا جمالية وديكور خاصا يحمل دلالات متنوعة، فالجلباب في لونه الأبيض يعني رمزية الرجولة والجمال والصفاء والطهارة. وأما الفوقية والطربوش فيتخذان اللون الأخضر، الذي يستمد دلالته من الدين الإسلامي الذي يجعل هذا اللون مميزا كما نجده في أضرحة أولياء الله الصالحين12 وكغلاف لأعلام الطوائف الطرقية كعيساوة وحمادشة وجيلالة وگناوة..إلخ. والطواف بالطفل في الشارع رمز للشهرة والمفخرة بالذكورة والفحولة ويبلغ الحفل ذروته حينما يحضر الحجام- الذي تمثل شخصيته رمزا لثقافة شعبية متعددة الوظائف كالحلاقة والتطبيب والختان... - ويتم وضع الطفل المحتفى بإعذاره في اقصعةب13 خشبية وتبدو أم الطفل في حالة خوف وهلع كأننا أمام مشهد درامي تستكمل أطواره الفرجوية بعملية الإعذار وبخفة يد الحجام فتنطلق زغاريد النسوة الضيوف في جو بهيج . وإن عملية الإعذار هذه لها دلالاتها القدسية وحمولتها الاجتماعية الموحية بانتقال الصبي من طور الطفولة إلى مبلغ الكباروالرجولة.
فرجة الزغاريت:14
يشكل حفل الزفاف االعرسب عقدا اجتماعيا وثقافيا وحضاريا وشعبيا تتوارثه الأجيال، ويتخذ عدة مظاهروعادات فرجوية بمنطقة الغرب، إذ لكل قبيلة خصوصياتها في هذا الاحتفال. بيد أنه مع بداية الألفية الثالثة صارت بعض أعراف العرس يتبدد بريقها، إذ أن فرجة الزغاريد لم تعد أساسية . في هذا السياق نقدم أهم مكوناتها التراثية الفرجوية التي يمكن إدراجها ضمن خانة الفرجات الشعبية التقليدية، فمباشرة بعد حفل الخطوبة يتقدم أهل العريس إلى بيت ا العروسب ليعلنوا الحسم في اختيار الزواج. ذلك أنه في المرجعية الإسلامية تعد الخطوبة فقط وعدا بالزواج، واالزغاريدب هي العلامة الرمزية الموضوعية التي تبشر بزواج العروسين. حيث تهدي أسرة العريس كهدية كبشا و(سكرا وحناء وبيضا وحلويات وتمورا...) وثياب فاخرة خاصة بالعروس كإعلان عن اقتراب موعد الزفاف. وكل ذلك عبر موكب احتفالي (كرنفالي) بهيج تقدم فيه موسيقى شعبية محلية تارة عبر استحضار فرق اعبيدات الرمي المصاحبة لآلة الكمان والبندير، وطورا عبر استحضار فرق التطبيل والتزمير في إيقاع منسجم مع نسوة متخصصات في االزغاريدب بمشاركة أطفال وشباب ورجال في عملية الرقص والغناء.
و من بين العلامات الرمزية الدلالية على هذا الحفل، كون موكب الزغاريد يعرف بأوراق النعناع التي تزين عود قصب تحملة فتاة أو إمرأة إعلانا عن اقتراب حفل الزفاف ونشير هنا أن زمن هذه الفرجة عادة ما يكون خلال نهاية فصل الربيع وبداية موسم الصيف والحصاد تيمنا بالعطاء والخصب والنماء ووفرة إنتاج المحاصيل الزراعية.
فـرجـة اطاطا15ب
ينتفي في هذه الظاهرة الفرجوية الاجتماعية مفهوم النزعة القبلية والعصبية التي كانت سائدة. فقبائل بني احسن تلتقي مع قبائل زمور مرة كل سنة ليجددوا مواثيق الصلح وأواصر الإخاء والوفاء وحفظ الكرامة والشرف بينهم16 ويعد موسم سيدي العربي البوهالي نقطة التقاء بين قبائل زمور وبني حسن. ويرجع هذا الإرث الاجتماعي بينهم إلى عدة سنوات. وحسب بعض الروايات الشعبية الشفهية أن الوالي الصالح سيدي العربي البوهالي كان صوفيا ولجأ إلى خلوة للتعبد، حيث إن رمزية هذه الخلوة تعد المصدر الرئيس، الذي تأسس عليه هذا الموسم حسب بعض الشهادات المحلية وهو يشكل مركز الحدود الجغرافية بين قبائل زمور وبني أحسن.
ومع توالي الحقب والسنين أضحى بمثابة حج سنوي يؤسس علاقات متينة لزوار القبيلتين. لأنهما يتواصلان، ويخلقان فيما بينهما أعراف المودة التي تدخل في إطار عادات وتقاليد وقيم اجتماعية موروثة غنية برموز ثقافية شعبية مقدسة . وفرجة هذا الموسم تتجسد في العادات التي يتمثلها ويشكلها أفراد القبيلتين، حيث إن موسم االطوايطب يعاد فيه تمثيل التاريخ القديم، تاريخ الغزو والحروب بينهما وكيفية الانتقال من حال الحرب إلى السلم إذ تعمل قبائل زمور وبني أحسن بالتجمع في فضاء الحقول مع قضاء سمر ليلي يمتد حتى الصباح يتخلله التمتع بموسيقى وفرجات ممسرحة لفرق اعبيدات الرمي الفكاهية هذا وإن القبيلتين يلتقيان في موكب جماعي يقيمان فيه فعل الرضاعة بين أبنائهما ويمشون حفاة ويعانق بعضهم الآخر بالبكاء ويتمددون على الأرض منتشرين تعظيما للحظة الوفاء وعقد الحلف ومناصرة بعضهم لبعض.17 ويقيمون مواثيق العهد والوفاء وحفظ السر وصون الكرامة وخلق أواصر الإخاء والمودة بينهما.18 وهما بهذه التقاليد يصنعان فرجة شعبية جماعية يمكن اعتبارها بمثابة أشكال فرجوية ممسرحة إن مضمون هذه الفرجة له بعد اجتماعي يستنطق التاريخ والذاكرة الإنسانية التي تسعى إلى نبذ العصبية والإقليمية والتشبث بالمقدس والتضامن بين أفراد الشعوب الكونية واستعادة ذاكرة العرب الرحل.
فرجة تاغنجة
إذا كانت ا تاغنجةب كلمة بربرية أمازيغية فإن تداوليتها، بمنطقة الغرب تأخذ نفس المضمون ونفس السياق، حيث إن طقس طلب الاستسقاء في الوسط البدوي يحمل تمثلات تقترن بشكل كبير مع طقوس سكان الأطلس الكبير بالمغرب، ويبدو الاختلاف فقط في جنس الملفوظات المعبر عنها في موكب طقس تاغنجة.
إن الإنسان الغرباوي في هذه العادة يستحضر السمات الفرجوية والأشكال المحلية القريبة من المشاهد التمثيلية، لأن الجمهور المشارك في هذا الطقس يقوم بأدوار تنحو نحو الإفصاح والتعبير عن آماله طلبا للغيث،و الرحمة، ونزول المطر، في مواجهة غضب الطبيعـة، وفي مصارعته لقوى القضاء والقدر.
تاغنجا حلات راسها
ياربي بلل خراسها
تاغنجا يا أم الرجا
طلب سيدي راه جا
هايا خالق المليص
تعطينا الشتا والغيص
أفيلا اعطشانا
يرويها مولانا19
هذه المقاطع الزجلية يرددها نساء وأطفال في موكب جماعي طلبا للمطر ونزول رحمة السماء، عبر مرور موكب تاغنجة بجانب مسجد القرية وأزقتها ومسالكها، وكل ذلك في جو يطبعه الخشوع والتقديس والخنوع تضرعا إلى الله طلبا للاستسقاء . ومن باب المقارنة، نجد بعض القبائل المغربية لها نفس العادات في طلب الغيث، فلغة خطاب التضرع إلى الخالق هو القاسم المشترك بينها .
مولانا نسعا ورضاك
و اعلى بابك واقفين
لا من يرحمنا سواك
يا أرحم الراحمين
أو قولهم:
ا غيثك غيتك يالله
ارحم اعبيدك يالله
كما اتجدر الإشارة إلى أن الاستسقاء كعادة قديمة مازالت بعض مظاهرها مستمرة إلى حدود يومنا هذا، وتعرف ب: اتاغنجةب ويطلق عليها كذلكب عروسة أنزارب، وهي عبارة عن دمية تتشكل من مغرفة مغطاة بلباس ، يخرج الناس بها- نساء وصبيانا- وهم ينشدون مرددات ويبتهلون طلبا للمطر، وللإعراب عن تفاؤلهم بهذه الممارسة، فإنهم يلجؤون إلى تبليل هذه الدمية بالماء، وفي وقت تجمع تبرعات الإطعام ولعلها عادة قرطاجية20.
إن خلاصة هذه الفكرة كما يرى عباس الجراري، تشير بأن اتاغنجةب أو طلب الاستسقاء عادة قديمة موروثة عن العهد القرطاجي، وربما تكون قبل هذا العهد، لكن الشيء الذي يميزها عن بعض العادات الأخرى هي اقترابها من الملحمة المسرحية، فخروج الناس نساء وأطفالا وشيوخا إلى المسجد وأزقة المدينة هو تعبير جماعي يكتسب دلالتين:
الأولى: ذات طابع ديني يرتبط بالابتهال إلى الخالق عبر كلمات معبرة.
الثانية: ذات طابع فرجوي احتفالي تتخلله رقصات وأغاني شعبية في هذا السياق نجد علي عقل عرسان يستحضر ملامح هذه الفرجة الدينية عند عرب الجاهلية، حيث كان ا من عادة أهل مكة في الاستسقاء، أنهم إذا أجدبوا وقحطوا واشتدت بهم الحاجة خرج من كل بطن منهم رجل، ثم يغتسلون بالماء ويتطيبون، ثم يلتمسون الركن ويطوفون بالبيت سبعا...ب21 إلى جانب هذا الطرح فهو يرى أيضا أنه احيال ظاهرة مسرحية فيها هدف الفن، وبعض مقوماته، وأساليب توصيله، وآثاره وتأثيراته الاجتماعية22.
هكذا تعد فرجة تاغنجا شكلا فرجويا ممسرحا اجتماعيا يهدف إلى تماسك الأفراد والمجتمع.
فرجة سبع بولبطاين23.
تلتقي هذه الفرجة مع التجليات الاحتفالية التي تلي اليوم الثاني من عيد الأضحى. وإذا كانت هذه الفرجة تتعدد أسماؤها عند كل قبيلة في المغرب، كبوجلود وبوسليخن، وهرمة وبيلماون...، فإنها تتخذ شكلا فرجويا وبهلوانيا بقبائل الغرب، وقد اعتمدنا في هذه الدراسة على بعض المعطيات، التي تم استقاؤها من محاورتنا لبعض الشيوخ الذين عايشوا هذه الفرجة عن كثب خلال مراحل الطفولة، فيقول أحدهم ا إن السبع بولبطاين هو شخصية تتنكر في صورة جسد غرائبي يثير الدهشة وهو يلبس جلد خروف ويضع على رأسه قرنين وبيده عصا وبجانبه غياط وطبال، يطوف في القرية لجمع صدقات العيد يتبعه الأطفال وهم يناوشونه تعجبا منه لأنه يبتدع أدوارا ورقصات عفوية تتخذ شكلا فرجويا يقترب من فعل المسرحةب. 24
إن فرجة االسبع بولبطاينب يغلب عليها الطابع الفرجوي الصاخب، ويتنكر فيها المشخص في صورة تثير الدهشة .
و إلى جانب مستويي الفرجة والرقص يرى الباحث عبد الله حمودي أن ظاهرة بوجلود حسب التعريف الشائع في الأطلس- ضاربة في عمق التاريخ، ذلك أن بلماون ممارسة للمجوس الذين كانوا يسكنون هذه الجبال قبل مجيء الإسلام وتحمل في أبعادها الدلالية سمة دينية أسطورية ترتبط بالمقدس وتنحو نحو المدنس من خلال ما تصدره شخصية السبع بولبطاين من ألفاظ مشينة.
وتجسد فرجة السبع بولبطاين أيضا في منطقة الغرب البعد الثقافي في المجتمع البدوي الزراعي، الذي تبدو علاقته مع الأرض، علاقة انسجام متكامل، لا يتحرك إلا وفق شروط أملتها الظروف المجالية، فالإنسان الغرباوي عرف عدة تحولات اجتماعية ساهمت فيها الطبيعة كالفيضانات والجفاف، فمنطقة الغرب تتميز بثروتها المائية والنباتية، وإن إبداعها الفرجوي مشدود بقوة إلى البعد الأسطوري والرمزي المنسجم مع الطبيعة الجغرافية وما تكتنزه من خيرات.
وعليه فإن دلالة فرجة السبع بولبطاين تنحو أبعادها نحو رمزية، قوة السبع/ الأسد.. بطل الغابة القوي.. فالرجل الذي يتحمل حمل مجموعة من االبطاينب الجلود الثقيلة هو الآخر يتميز بالقوة وبالصبر والاحترام.. وقد تركت هذه المسرحية الشعبية المعبرة.. أثرا في نفسية الكبار والصغار، الذين عايشوها أو عرفوها عن قرب في الواقع الغرباوي، وهم يمازحون أو يضحكون... مع هذا البطل الذي يزهو بنفسه وبمشيته المتميـزة وبحركاته المثيرة.25
وقد أسهب العديد من الباحثين المغاربة في دارسة الأضحية وما يليها من طقوس ونستعرض في هذا الصدد ما أورده الباحث نور الدين الزاهي في إحدى أبحاثه فهو ايرى أنه مع كل أضحية طقوسية يتم تحيين وتأويل واستعادة قصة قابيل مع هابيل( فعل القتل) وقصة ابراهيم الخليل مع ابنه اسماعيل( فعل الذبح).و كذا إعادة رسم موقع الأضحية داخل فضائها التخيلي بوضعها قربانا ( القرب من الله) وأضحية( ذبيح طقوسي) وتضحية(و هب النفس) ثم يستطرد قائلااتشكل القصة الابراهيمية في رأي فتحي بنسلامة نموذج ثقافة العرب المسلمين في طرح وحل مسألة العنف فبفضلها وضع الحد لاقتتال الأخوة، وصراعات الأب مع الابن مثلما تم بها إرساء معالم ومراكز القداسة والسياسة، مع الحدث الإبراهيمي الاسماعيلي تم إرساء البيت بوضعه مركزا قدسيا للمدينة وللمدينة (الكعبة) والأسرة بوصفها بيتا ومركزا أبويا والأمة بوصفها سليلة أب رمزي/ أب الإسلام وبتلك الكيفية تم الانتصار للأب والسلطة.26
إن فرجة االسبع بولبطاينب في إطار البحث التاريخي السوسيولوجي تستقي مادتها من كونها تعتمد على الدين المقدس، الذي يمرر فكرة السلطة الأبوية الرمزية. وتتخذ في دلالتها أبعادها السياسية. فهذه الظاهرة رغم كونها فكاهية، فهي علامة رمزية تعكس الصراع الدائر بين الإنسان مع محيطه الاجتماعي وقدره. وقد أشار أيضا الناقد المسرحي محمد أديب السلاوي أن السبع بوبطاين أو بوجلود كما يسمونه في قبائل فاس هو مهرج مسرحي، يرتدي عادة جلد الماعز، أو الغنم أو غيرها من أضحيات عيد الأضحى يضع على رأسه قرون بقرة، ويطلي وجهه بسواد الأدخنة ويتخذ من القش قناعا يخفي به ملامحه ويحيط رقبته بسبحة حلزون ويترك قوائم الخروف تتدلى من يديه، يتحول في الشوارع والأسواق، ويتغنى بالحكم والأمثال،
و الأشعار الصوفية، رفقة جوقة من العازفين على الغيطة والطبول، ويتبعه جمهور من الأطفال خاصة يعمل على إضحاكهم وتسليتهم، واللعب معهم بفطرية وسذاجة.27
إن التراث الشعبي الثقافي في منطقة الغرب، يحمل دلالات فكاهية وفرجوية، ومادته الخام هي البيئة التي تحيط بهذا الإنسان، الذي حملته المراحل التاريخية إلى هذه البقعة الجغرافية من العالم، فالأنهار، والغابات والمروج، والحقول، كلها عوامل بيئية جعلت من الفلاح القروي البسيط أن يتعايش في علاقة جدلية متباينة، تارة بالسلب: الفيضانـات والجفاف وتارة بالإيجاب: الزرع، والدرع ووفرة الإنتاج.
فرجة عيساوة
على غرار باقي القبائل المغربية كانت منطقة الغرب قبل عهد الحماية الفرنسية موئلا لبعض الطوائف الدينية. وبما أن الفتح الإسلامي ترك من ورائه فقهاء وعلماء كانوا يقومون بدور نشر الدعوة الإسلامية في أرجاء مناطق الغرب الإسلامي، فإن منطقة الغرب عاش فيها مجموعة من الأولياء والمتصوفة، كان همهم الوحيد هو التربية على أخلاقيات المجتمع الإسلامي وتعليم الفتاوي الدينية لعامة الناس. ومن أشهر أولياء المنطقة الولي الصالح الهادي بنعيسى المشهور ب االشيخ الكاملب دفين مدينة مكناس والذي اختلف الكثير من المؤرخين في نسبه الأصلي. فكما يرى عنه صاحب سلوة الأنفاس أن أصله يعود إلى قبائل الغرب فهو فهدي سفياني مختاري هو الشيخ الولي العارف المربي الشهير، مورد المريدين، ومفيد المسترشدين، صاحب الإجادة والتنويه ولإشادة ووالإجادة القطب الكامل الرباني الشائع ذكره وخبره وصيته عند الحاضر والبادي، وقيل عنهت:إنه سملالي وقيل إنه من أولاد أبي السباع... وهو شيخ الطائفة العيساوية بالمغرب وأحد المشايخ العظام الذي يقتدى بهم ويهتدى بأنوارهم وهديهمب28.
والباحث الفرنسي اروني برونيلب اRené brunelب ألف كتابا يعالج فيه الظاهرة العيساوية بشكل مستفيض، فيرجع أصول الشيخ الهادي بنعيسى إلى سفيان وبالضبط إلى قبيلة مختار التي ولد فيها، كما أورد معتمدا على وثائق مخطوطة أن الشيخ الكامل نزيل أولاد فهد، من قبائل مختار وبني احسن بمنطقة بالغرب.29
إن الطريقة العيساوية تعرضت مع مرور الزمن إلى تحريفات في قواعدها الصوفية بفعل زوال الشيوخ والأتباع والمريدين، فظهرت نتيجة لذلك أفعال وأدوار وسلوكات غير طبيعية خارجة عن مسالك المذهب الصوفي، كأكل الشوك، واللحم النيئ ومطاردة كل من يلبس السواد، وهذه الأدوار شكلت فرجة درامية بدائية ممسرحة عرفتها قبائل الغرب منذ زمن طويل ومازالت بعض من مظاهرها موجودة إلى يومنا هذا. وجاء في بحث لأدموند دوتي EDMOND DOUTTE أن أصول الطريقة العيساوية تعود إلى الاحتفال الرسمي في مدينة مكناس بالمولد النبوي، مركز نشأتها عند أبيها الروحي الهادي بنعيسى المعروف بالشيخ الكامل، كما أن أوصاف هذه الطقوس لايمكن تعدادها لما يعتريها من مشاهد مقنعة...30 وصور غريبة وسلوكات تتجاوب مع عالم الخيال والهذيان والجنون، وقد أثارت هذه العادات جملة من النقاشات حول أسبابها ودوافعها، جعلت من أتباع الطريقة العيساوية يتخذون هذا المسلك المنحرف كقاعدة في ذكر الله وعبادته.و من المظاهر ذات المنحى الدرامي الفرجوي الممسرح في الطريقة العيساوية بمنطقة الغرب:
الحضــرة:
حيث يجتمع زمرة من الرجال والنسوة في منزل أحد شيوخ الحضرة العيساوية، ويتم إحياء ليلة طقوسية يتم فيها تحضير وجبة عشاء وأكواب من الشاي توزع على الحاضرين. ويتم استهلال الحفل بحضور المقدم الذي يسمى في العرف العيساوي بالعلام، أي الذي يرفع (العلام) أثناء رفع (العادة) لإحياء موسم أحد أولياء الله الصالحين، ويقوم بدور المرشد والموجه، ويفتتح كلامه بالتهونية (التهلال)ت: ابابا سيدي... بابا سيدي لمن خليتوني ياحبابي...ب، وعلى هذا الإيقاع يردد جملة من المرثيات الشجية المحزنة لأحد الأهل الذين فارقوا الحياة في جو يسوده البكاء والعويل والنواح. كما أن جمهور الحاضرين يطلب التبرك بالاقتراب منه لتقبيل يده أو تقبيل عمود االعلامب، وهو عبارة عن عمود خشبي مزخرف بالنقوشات بني اللون في الغالب يكون مكسوا بأقمشة مزركشة، خضراء، وحمراء، دلالاتها تعبر عن عمق حضاري وإنساني يتجاوب مع الطقوس الدينية وأجواء فضاء الحضرة المقدس. كما أن رمزية هذه الزخرفة تنحو نحو التقديس والتعظيم لولي الله الصالح الهادي بنعيسى، الذي يعد المرجعية الأساس في حضرة عيساوة. وفي خضم هذا الفضاء الروحاني يقوم المقدم بتكوين دائرة من الرجال وبعض النسوة، وبعد البسملة ينطلق فعل الحضرة، بترديد قول يالله (ياهوالله، ياهوالله...) مرات متتالية مع الضرب على الصدر بشكل متقن، وبإيقاع متزن يخلق نبرة صوتية متوازية ترتاح إليها النفوس وتصغي إليها الآذان وتتفتح إليها القريحة للتقرب إلى الله عبر فعل الحضرة، وبعد ذلك تقوم إحدى النسوة بالنهوض واقفة، وتسقط أرضا مترنحة عبر إصدار عويل مخيف، يثير الرعب في الأطفال فيولون هاربين ويبدأ المقدم في تهدئة الرجال والنسوة المشاركين مشيرا إليهم بضرورة التوقف لإخماد نار الجذبة والارتياح، قصد خلق التوازن في الطقس العيساوي، الذي يستهل بطريقة منظمة، ويختتم بأسلوب ذكي يجعل الحاضرين بمنأى عن كل أذى من قبل محترفي الحضرة في حالة فزعهم وترنحهم وانهيارهم بالسقوط أرضا أو مطاردة من يلبس ثيابا سوداء .
في هذا الجو المفعم بتداخل الأدوار الروحانية تنتهي فرجة الحضرة بعد أن يكون الجميع قطعوا أشواطا من ليل طويل في ذكر الله مع الدعاء للصالحين، ولمقيم حفل ليلة الحضرة العيساوية.
وفي هذا السياق تعد الحضرة العيساوية فرجة شعبية شفهية ممسرحة لا تخلو من عناصر الدراما والمشاهدة الحية الممتعة والمسلية في نفس الآن. كما لا نستغرب إذا قلنا أن طقوس الحضرة العيسوية بكل أشكالها شبيهة بالطقوس الدينية عند الإغريق. وهذا الطرح هو ما توصل إليه بعض النقاد المغاربة ومنهم الباحثة نوال بنبراهيم، التي أكدت أن التشابه بين الفرجات الدينية المغربية والأشكال المسرحية البدائية الإغريقية يتمثل في بعض فرجات عيساوة وگــناوة نذكر منها: المشاهد التمثيلية التي تعرضها فرجات الأسود واللبؤات، والجمال والنوق والقطط والكلاب التي تشبه إلى حد بعيد مشاهد الجوقات المقنعة بأقنعة الماعز لدى اليونان، وربما يعود سبب هذا التشابه إلى أن كلتيهما تمتح من معين واحد وهو الدين وترتبط بالاحتفال الطقوسي.31
رفـع العـادة
إن مفردة العادة تعني عند عيساوة إحياء ذكرى رفع ا العلامب وهي تقليد قديم تقام وسط موكب كبير من طوائف عيساوة أثناء إحياء موسم ديني احتفاء بأحد الأولياء الصالحين على غرار الاحتفاء السنوي الذي ينظم بمكناس في ضريح الشيخ الكامل الهادي بنعيسى بمناسبة المولد النبوي، الذي تستمد منه الطوائف العيساوية مشروعية احتفالها وطقوسها المتوارثة. والمشهد الذي ترفع فيه العادة يكون مشهدا استعراضيا، ويمثل فرجة مفتوحة لكل الطوائف العيساوية المشاركة، بحيث يختلط الرجال بالنساء، مع ارتدائهم للون الأبيض بشكل موحد، وبجانبهم فرق موسيقية للتطبيل والتزمير على إيقاع عيساوي متوازن، له قواعد وضوابط، وفي رفع العادة تقدم الذبائح والقرابين، ويتم انطلاقها من مكان قريب من مزرعة كبيرة للشوك ويظهر شيخ المقدمين حاملا للعلام. وفي هذا الفضاء يوجد العيساويون الذين يتقمصون أدوارا حيوانية يكون فيها العيساويون إما جمالا أو نوقا يأكلون شوك التين الهندي بمعية النسوة اللائي يتقمصن دور اللبوءة. والغريب في الأمر أنهم لا يتأثرون بالجروح. وفي خضم هذه السنوغرافيا الدرامية الممسرحة تتعالى أصوات المقدمين في مدح الهادي بنعيسى والدعاء له (وا مولا مكناس/ واعياد عليه) وإيقاع التطبيل والتزمير يتوالى متدفقا في انسجام مع هذه الأصوات مشيا على أقدام حافية. وحين يقتربون من ضريح الولي المقام على شرفه إحياء الموسم يأكل العيساوي المتقمص لحيوان السبع لحم الخروف نيئا، وصوت الجمل يتردد رغاء( يكعكع) حسب العرف اللغوي التقليدي المتداول لجمهور المتفرجين واللبوءة تزأر والذئب يعوي.. والجمهور الغفير من الذين يشاهدون هذه الطقوس يكونون متأهبين للهرب خوفا من بطش السباع أو الألبية، وهذا الموكب الاحتفالي المتعدد الأصوات يفرز نوعين من المظاهر التقابلية والثنائية الضدية:
المقدس الديني: تذكر فيه الأمداح ويقرأ فيه أوراد حزب الشيخ الهادي بنعيسى. المدنس الدرامي: تؤكل فيها الأشواك واللحم النيئ أو المشي على الزجاج، ومعانقة الثعابين والتقاط العقارب في مشهد مثير. وهذان المظهران يشكلان ملحمة تراجيدية ظهرت إلى الوجود كبدعة في قبائل مختار منذ قرون متعددة.
حلقة )التجريد العيساوية(
يتعدد مجال الفرجة العيساوية بتعدد الصور والمشاهد التي تقدمها المناسبات ،فبالإضافة إلى ظاهرة رفع العلام والحضرة هناك حلقة االتجريد اوبعبارة أصح دائرة التجريد وحسب التعبير الشفهي لدى العيساويين (الـﮕـارة أو الـﮕـور)، وذلك أمام المقدم الذي يختار من يقوم بأداء دور السبع واللبؤة والجمل والناقة، حيث يكون هؤلاء حلقة دائرية الشكل وتستهل فرجتهم بالحضرة ومن يصل منهم إلى حالة هستيرية أو جنونية، يتم إبعاده من الدائرة جانبا لتنطلق اللعبة المسرحية، مع الجمل الذي يصدرأصواتا تعبر عن غضبه، واللبؤة تزأر تنذر بأخطار محتملة قد تهدد دائرتها والسبع يقفز من مكان إلى آخر داخل هذه الدائرة. وهذا الدور الحلزوني هو ما يطلق عليه في العرف العيساوي بالتجريد أو التجرد بمعنى الخروج عن الوعي الواقعي والحلول في عالم غيبي لا شعوري حيواني مسكون بالهذيان، والارتعاش، يتجاوز عالم الواقع وينخرط فيما هو فوق طبيعي، والهدف من وراء هذا التمسرح هو تكسير رتابة اليومي المعيش والمراهنة على خلق فرجة تطهيرية على غرار المسرح الإغريقي القديم الذي كانت أدواره تقوم على حل العقدة، وفك شفراتها قصد الوصول إلى عملية التطهير.