فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
20

القصيدة الشَّعبية في ليبيا فنٌّ وثقافة وتأريخ

العدد 20 - أدب شعبي
القصيدة الشَّعبية في ليبيا  فنٌّ وثقافة وتأريخ

الأدب الشَّعبي.

ما الأدب الشَّعبي : إنَّه ذلك الأدب النَّابع من الشعور الإنساني الخالص، المخاطب للوجدان الجمعي للكيان البشري بما هو قريب منه ألا وهو لغة الحياة اليومية، ومن هنا جاء لزوم وصفه بالشَّعبي للتفريق بينه وبين الأدب الفصيح الذي يعتمد اللَّغة الفصحى لغة فنيَّة، في حين يعتمد الأدب الشَّعبي اللهجة لغة فنيَّة، ويقوم هذا التصنيف على رؤية أرى أنَّها جديرة بالإفصاح عنها ومن ثم الإقرار بها، وهي أنَّ الأدب العربي ومنه الشعر (ديوان العرب) أدب شعبي في أصله

إذ إنَّه جاء بلغة الأقوام المحلية (المقابلة للهجات في عصرنا) فكانت آليته التعبيرية التَّصويرية الرئيسة ؛ فالأدب العربي كلُّه (أدب شعبي) وما الأدب الشعبي في عصرنا إلا خطاب الإبداع الفني عبر الكلمة للعامة، ولا يعني هذا أن نضع الأدب الفصيح كالشِّعر مثلاً في مقابله من حيث إنَّه خطاب الإبداع الفني عبر الكلمة للخاصة ؛ لأنَّ كلا الشريحتين يتذوقان النَّوعين الأدبيين ويتعاطيان معهما وفق المعرفة والتَّجارب الشُّعورية المتبادلة، وإن كان ميزان الرواج والتعاطي يميل لصالح الأدب الشَّعبي.

حق لا مِراء فيه هي الشهادة للشعر الشعبي بالأصالة الفنيَّة والقوة التَّعبيريَّة التَّصويريَّة ذات الأثر البليغ في المتلقي من حيث كثافة المعنى، ودلالة المضمون، وبراعة التَّصوير للمشاهد المنقولة بعناية إبداعية مميزة تتشكَّل عبر تعاضد حاستي السمع والبصر لإغناء التجربة الشعورية للمتلقي تأسيسًا على التجربة الشعرية للشاعر ...

يمتزج في القصيدة الشَّعبية الليبية (التعبير) بـ (التَّصوير)  إذ  تتناسل الألفاظ والمعاني فتنتج  لوحات فنيَّة معبرة تتشكَّل ألوانها من اللغة والصورة الشعريتين.

 

  ونبدأبقصيدة نموذج وشاهد عيان إبداعي تأريخي لما فيها من الفنيَّة التعبيرية والبلاغة التصويرية المجسدة لحقبة صراع بين الحق والباطل، بين وليِّ الأرض والمحاول اغتصابها منه. بين المحتلِّ الإيطالي والمجاهد الليبي. لقد أفلح الشَّاعر في جعل قصيدته تزاوج بين فنِّي الكلمة والرَّسم ؛ إذ إنَّها ـ بالرغم من أنَّ الكلمة - لا الريشة- هي أداة نسج المعاني والإيحاءات ـ إلا أنَّها كوَّنت عددًا كبيرًا من اللوحات الفنيَّة:

ـ طايع لهم كيف طوع الوليَّة

ـ  نرمي الطاعة صباح وعشيَّة

ـ نشيل في الوسخ والمويَّة

ـ معيشة ذليلة

ـ جَلْدِ الصبايا وجلودهن عرايا

ـ ورَبْطِ النساوين طرحي عرايا

ـ اضربوهم.. ولا تصنعوهم.. وبالسيف في كل شي خدموهم

ـ وكم طفل عصران م السوط ذاح.. حاير دليلة

ـ ليلة طويلة.. ظلامها غطا ضي قاز* الفتيلة.

كما رسَّخت كمًّا واسعًا من الثقافات الشَّعبية العربيَّة بعامة والليبية بخاصة، وفي الوقت عينه رصدت كمًًّا كبيرًا من ثقافة المعتدي المحتل (الإيطاليون) المنزوعة الخُلُق وبخاصة فيما كان منهم ضد الأهالي المعتقلين في معتقل (العقيلة) الواقع وسط ليبيا حيث سيق إليه الأهالي من الشيوخ والنساء والأطفال من شرق ليبيا بمسافة تزيد عن الألف (كم) مشيًا على الأقدام وسحبًا من الرِّقاب. وما كان في المعتقل أنكأ وأبشع: سوء معاملة، ووحشية سلوك وقهر وإذلال متعمدين، وما للمعتقلين العزل عتاد إلا الإيمان بالله.

لقد صورت هذه القصيدة الأحداث وسجَّلتها كلَّها فكانت معيناً فنياً وتأريخيًّا ومحدداً لنمط ثقافة الشعب التي نلتمس بعضًا منها في هذا على سبيل العينة. قال الشَّاعر في مبتدأ قصيدته وقدأحسن الابتداء:

«مابى مرض غير دار العقيلة..وحبس القبيلة

    في دلالة واضحة على ثقافة التعاضد والتكافل الاجتماعيين التي هي من أجلِّ الثقافات الشَّعبيَّة للمجتمع البدوي المنتج للأدب الشعبي، إذ إنَّها تشكلُّ أبرز ملامحه والسِّمة الأنصع فيه ؛ إذ كانت القبيلة ـ ولا تزال ـ الوعاء الاجتماعي المقابل للأسرة بل هي الأسرة على نطاق أوسع، وإذا ما لحق خير بالقبيلة ابتهج له الكلُّ ونال منه الجميع ؛ وأمَّا إذا حلَّ بالقبيلة أو إحدى الأسر المكونة لها سوء قسَّم الأهلون وقعهم بينهم فكان كلّ واحدٍ منهم هو المصاب بالبلاء ذاته، وهو ما يجسده هذا البيت الذي جاء في مطلع القصيدة وكان ردًّا على سؤال سائل للشاعر عن حاله بعد ما رأى الحزن والإعياء يظهران على ملامح وجهه وينهكان حركته ؛ فبادره قائلاً: خير إن شاء اللَّه. إن شاء اللَّه ما بك مرض؟ فردَّ الشَّاعر بعد صمت قطعه إلحاح السَّائل: «مابى مرض غير دار العقيلة.. وحبس القبيلة»؛ فكان الجواب بدءَ ملحمة شعريَّة فنيَّة تاريخية اسمها: صبر الليبيين وفظاعة المحتلين (مابي مرض).

   ويواصل الشَّاعر سرد القصة البغيضة الموجعة لاعتقاله وآله وقد عاونه في صوغها آخرون؛ فيقول مبينًا ثقافة البدوي الليبي في رفض الاعتداء على النساء تحت أيِّ مسوِّغ، وما يتعرض له من ألم نفسي إذا ما وقع ذلك؛ فيقول: «مابي مرض غير فقد الرجال.. وفنية المال.. وحبسة نساوينَّا والعيال». فَقْدُ الرِّجال: أي هلاكهم، إمَّا في قتال المحتل في معارك الكرَّ والفرِّ في الجبل الأخضر والكفرة وغيرها من أرض ليبيا ؛ وإمَّا إعدامًا وجوعًا وإنهاكًا في المعتقل بالإضافة إلى سلبِّ ممتلكاتها كلِّها والاعتداء على النساء وحبسهن وعيالهن كيلاً للمهانة كون القتل مرات عدة عند المسلم أهون من انتهاك حرماته ولو بكلمة وهي ثقافة دينيَّة خالصة. عربيَّة بدويَّة أصيلة، وكان المحتلون يعلمون ذلك فيفعلونه عن عمدٍ لتكثيف الإذلال.وبيان عجزهم ـ وهم مكبلون بالأغلال ـ عن حماية نسائهم والذود عنهن؛ فصَّور ذلك أبلغ تصوير بقوله:

«مابي مرض غير ضرب الصبايا.. وجلودهن عرايا.. ولا يقعدن يوم ساعة هنايا»

«ولا يختشوا من بنات السمايا.. بقول يارزيلة.. وعيب قبح ما يرتضى للعويلة»

ومن ثم أعقبه بذكر ممارسة بشعة أخرى تخالف ما عليه نهج النَّفس العربيَّة الأبيَّة من رفض للضيم والانصياع لأيِّ كان غير الخالق فما بالهم بمغتصب الأرض والعرض، ولهذا وقع أكبر وأعم على الفوارس. يقول: «والفارس اللي يقدع المال.. نهاره جفيلة.. طايع لهم كيف طوع الحليلة»وفيه ذكر لثقافة اجتماعيَّة سائدة هي: الطَّاعة المتناهية التي تبديها الزوجة (الحليلة) لزوجها، ولا شك في أنَّها مستمدة من العقيدة الإسلاميَّة.

وثقافة حبُّ الموت المستور دون حاجة لإثقال كاهل الغير بأعباء المعاناة حين العجز بعد قوة ومنعة، وكذلك الجود والوفاء وهما من أبرِّ شيم العربي البدوي، ذلك في قوله: «مابي مرض غير طولة لجالي.. وضيعة دلالي.. وفقدة أجاويدهم روس مالي»ثمَّ يشرع في ذكر أسماء بعضهم من ذوي الصِّلة العمرية والحميمية، وصلة القربى، ويبين بعض فضائلهم وصفاتهم التي عرفوا بها ؛ ويعقِّب بذكر فاجعته فيهم ؛ فيقول:

يونس اللي كيف صيت الهـلالي..كرسي القبيلة.. امحمد وعبد الكريم العزيلة

وبو حسين سمح الوجاب المـوالي..والعود ومثيله.. راحوا بلا يوم ذايب ثقيلة

مابي مرض غير غيبة أفكاري..وبينة غراري.. وفقدة ضنا السيد خيوة مطاري

موسى وجبريل سمح السهاري.. أسياد الخويلة.. ماينطروا بقول داروا عويلة

وثقافة الارتباط الروحي بالخيل المعقود بنواصيها الخير، وربط فقدها بإهانة البنت والاعتداء على المرأة، وهو الموت مضاعفًا في عقيدة العربي الثَّقافية كون الخيل من أجلِّ العتاد الحربي الذي يمكن من صدِّ الأعداء ودحرهم، والحيلولة دون المسِّ بأعراضهم وأموالهم وتسخيرها لأغراضهم بغيًا وجبروتًا، وهو ما صوَّره في هذين البيتين اللذين يتمِّمان اللوحة الفنيَّة التي تثبت سوء المعاملة وما ينجم عنها من قهر للرجال، وهو ما نكاد نراه رأي العين في التَّراكيب اللُغوية التي أخذ التَّرصيع فيها دورة إيقاعية بليغة مؤثِّرة (بناتي ـ هناتي ـ مواتي ـ عتاتي ـ مثيله ـ جفيله)؛ إذ يقول:

«مابي مرض غير خدمة بناتي.. وقلة هناتي.. وفقدة اللي من تريسي مواتي»

«ووخذة غزير النصي بوعتاتي.. العايز مثيله.. يهون علي القلب سلعة جفيلة»

ومثل هذا البديع البلاغي في القصيدة كثير، بل إنَّه مثل بنية إيقاعية في القصيدة فجاءت اللغة الشِّعريَّة على أساس من مفردات شائعة في اللهجة الليبيَّة تشترك في الأصوات. ومن ذلك قوله:

مابي مرض غير شغل الطريق.. وحالي رقيق.. ونروح وما طاق البيت ريق

مابي مرض غير قل المحامي.. ولينة كلامي.. وهينة أجاويد روس ومسامي

وريحة اللي خايلة باللجامي.. غريمة الهميلة.. منقودة التناسيب نقدة الريلة

...

    وقد تضمَّنت الأبيات ـ أيضًا ـ تشبيهات فنيَّة بليغة كتشبيه سوء الحال لانعدام الصحة والغذاء بالرقة في الشيء الذي لا يحسب له حساب سواء أكان ذلك في السُّمك أم في الطول والعرض أو الوزن. ويتكئ ـ أخرى ـ على فاعلية التَّشبيه في بناء الصُّور الشعريَّة حين يشبه صغار القبيلة وهم يساقون للمعتقل عنوة وللموت سبقًا وإصرارًا بيد المحتل ؛ بالتمر المتساقط من شجرته بعد نضجه واستوائه وحدد لذلك زمنًا (النهار) وداله أنَّهم يؤخذون بسهولة ويسر وفي جماعات لضعفهم وقوة الآلة الحربيَّة للمحتل المستخدمة في غزو الوطن والتنكيل بأهله.  يقول:

مابي مرض غير فقد الصغار..أسيــاد العشار.. اللي لقطوا كيف تمر النهار.

 كما استعار الرِّيق وهو لازمة للمخلوق وبخاصة البشري (الإنسان) ليمنحها للجماد الممثل في البيت (المسكن) ليُشيع فيثبت دلالة العوز والهلاك في استخدام بارع لأسلوب الحذف ؛ إذ إنَّ الأصل في القول: (ماطاق* البيت شيء يبل الرِّيق). في نفي وجود مطلق لأي شيء يؤكل أو يُشرب في دلالة على العدم المُدقِع بأقل تعبير.

   وفي بيت آخر نجده يستعير صفة من النبات (اليابس) التي يوصف بها حال انقطاع الحياة عنه لسبب ما، حيث التَّغير يصيب شكله في دلالة على استشراء الموت فيه. وقد اشتق لفظها من فصل الصَّيف التَّالي لشهر الربيع حيث النضارة والحيويَّة اللتان يبطلهما الصَّيف (صايف) بعد انتهاء دورهما في إنجاز مهمة الإيراق والإثمار ؛ وأمَّا في حالة الإنسان فتشير إلى مرحلة العجز والهرم، لكنَّ، ماذا يكون الأثر إذا ما حلَّ الصَّيف بمرحلة الطفولة في حين محله الكِبر. يقول الشَّاعر:

وكم طفل عصران م السوط ذاح..حاير دليلة..يا نويرتي صاف**من دون جيلة

   لقد عللَّ الشَّاعر سبب التَّداخل الموسمي العمري الذي أوصله لاستعارة صفة النبات للإنسان، وأيِّ إنسان ؛ إنَّها الإنسان في بدء عمره حيث البراءة والنضارة وهما الضِّدان لما ساق من وصف (صاف). مستخدمًا لغة الحياة اليومية في نسيج لغته الشِّعريَّة، منجزًا سياقًا جماليًّا عبرالبلاغة في التَّصوير والفنيَّة في التَّعبير.

 

ويشفُّ مجمل القصيدة وفكرتها العامة عن كثيرمن اللوحات الفنيَّة، فما القصيدة إلا معرض فنّي يقرأ ويُرى بما فيها من صور شعريَّة عميقة الأثر، ولوحات فنِّية معبَّرة تشع إيحاءات تعبيرية عن واقع مرير عاشه الشَّعب الليبي في حقبة تاريخية امتدت فترة من الزمن   (1928 ـ 1931م). وتسلِّط الضوء على الفترة الزمنية التي أنشئ فيها معتقل العقيلة الذي حشر الآلاف من الليبيين داخل أسواره الشَّائكة بعد أن اقتيدوا إليه عنوة وسيرًا على الأقدام لمئات الكيلو مترات من شرق البلاد. حقًا. لقد كانت القصيدة كتاب تاريخ لليبيا موثوق البيان. لافتة لدور الأدب الشَّعبي في ليبيا وأهدافه وأغراضه كواحد من وسائط التدوين والاتصال والتَّواصل بين مختلف العصور، وبتعدد الأجيال وتواليها.

    لقد بنيت القصيدة على حزمة من الدلالات والعلامات المبينة بالإثبات لجملة من مكونات شخصية المواطن الليبي ؛ القول «طايع لهم كيف طوع الوليَّة» دال قوي على أن الشخصية الاعتبارية في المكون المجتمعي الليبي للرجل حيث الطاعة التامة له من قبل الطرف الآخر الأنثى، لذا شبه الحالة التي عليها الشاعر ورفاقه وما يلحقهم من هوان يتقبلونها ـ راضخين ـ كرهًا بحالة طاعة المرأة (الزوجة) لزوجها؛ فهي طاعة عمياء. وهذا يرسم معالم المكون الأسري ونمط العلاقة فيه.

وفي القول: «جَلْدِ الصبايا وجلودهن عرايا» و «ورَبْطِ النساوين طرحي عرايا» دلالة أهم خصائص المكون النفسي للإنسان الليبي الذي يشترك فيه مع العربي ؛ وهو الغيرة والحميَّة وهو ما جعل المحتل الإيطالي اللعين البغيض يقدم عليه لعلمه بمدى الأذى النفسي الذي سيحدثه هذا التَّصرف كنوع من العقوبة المؤثرة لانعدام التأثر عن الليبي بالعقاب الجسدي مهما كانت درجة الشدة فيه والإيلام منه وهذا دال قوي على بشاعة المحتل الأوربي ؛ إذ تكرر هذا الجرم في كلِّ بلد عربي تعرَّض للاحتلال. وفي ذلك توحد في مكونات الشخصية العربية.

مابى مرض غير دار العقيلة..وحبس القبيلة وفي هذا دلالة قوية على نمط المكون الاجتماعي في ليبيا كون الليبي لا يتأثر لنفسه وحسب بل وللآخرين أيضًا وهذا مؤشر قوي على التكافل الاجتماعي الأقوى

       ومن قوله: مابي مرض غير فقد الصغار..أسيــاد العشار.. اللي لقطوا كيف تمر النهار نستقي دلالة بزوغ شخصية الليبي من صغره وسيطرته على محيطه ؛ فقوله: أسياد العشار، أي أسياد الإبل وما لهذه المرتبة من قيمة تنبع من قَدْرِ المسود وهي (الإبل) وللمرحلة العمرية دلالتها في التكوين والنشأة. مضافًا لذلك دلالة الصبر على طعام واحد لقلته وهو الذي جعله تشبيهًا لهم «كيف تمر النهار» وفي التشبيه دلالة على الطريقة التي كان يعتقل بها هؤلاء الصغار ويحشرون في مكان ضيق فوق بعضهم كما التمر وهو حمَّال دلالة أخرى وهي القدرة على التحمل والجلد وهي ميزة للمجاهدين باختلاف أعمارهم.

يعرف الكلُّويدرك أنَّ الشِّعر الشَّعبي يقوم أساساً على اللَّهجة، فهي مادته التي يكوِّن منها تراكيبه، ووسيلته التي يعبِّر بها عن انفعالاته، ويجسِّد بها صوره. إنَّه أدب الشَّعب للشَّعب ؛ فهو «شكل مهم وحيوي ورفيع القيمة من أشكال التعبير بما حمله في ثناياه من أبعاد متعددة تعد في مجملها انعكاساً للتجارب الإنسانية وتعبيراً عنها، ما يبرهن على أن ثمة علاقة بين الشعر والمجتمع «(1). وتنبع قوته الفنيَّة من كون اللهجة المقول بها (الشَّرق ليبيَّة) تعدُّ من أقرب اللهجات للغة  العربيَّة، فلو تتبعنا شعر الشَّعراء الشعبيين في الشَّرق الليبي لأدركنا الكثافة العددية للمفردات الفصيحة التي استعملها الشَّعراء دون قصد إدخالها، إنَّما جاء استخدامها على سبيل أنَّها مفردة من لهجة القوم، لذا لا يمكن اعتبارها مقحمة إقحاماً. كما أنَّ المتلقي العادي لا يستهجنها، ولا يحس بغرابتها فهو الآخر ينطق بها في حديثه العابر. ويمكننا إذا ما خضنا في قصيدة من الأدب الشعبي أن نستشف بيسر عمق التكافل، ونلمس صور التَّفاعل بين اللُّغة واللَّهجة، فالألفاظ المشتركة، والمعاني المتقاربة لا تحتاج للرجوع إلى المعاجم، أو لبذل جهد في إيجاد صور التَّطابق، حيث إنَّ تناولها في اللَّهجة يكون بالصورة ذاتها في اللُّغة  دونما حاجة إلى تَحريف. ولكي نؤكِّد ما نقول بالشواهد نستشهد بقصيدة شعبية لواحدٍ من أشهر شعراء برقة (شرق ليبيا) وأبرعهم في الأغراض الشعرية كافة ؛وسنقف على الكم الكبير من الألفاظ الفصيحة الواردة في هذه القصيدة، التي تبرز مدى العلاقة الوثقى بين اللُّغة، ولهجة الشَّرق الليبي، وعنوانها: (مكاتيب مو قل تدبير) من إبداعات الشَّاعر الشَّعبي الليبي (خالد رميلة الفاخري). وهو يدرك قبل غيره أنَّ ما يقدمه من إبداع هو موجه بالضرورة إلى المتلقي في البيئة ذاتها التي يعيش فيها، والتي ينهل من معين أحداثها، لذا فهو معني بأن يوجه خطابه إليهم باللُّغة التي يفهمونها، والتي لا يحتاجون إلى وسائط تساعد في فهم ما يُطرح من قول، مما يضعف درجات التَّواصل بينهما، فالألفاظ التي يستخدمها الشاعر هي ذاتها التي يتداولها العامة، أي: هي لغة الحياة اليومية. وبالوسيطة ذاتها يخاطب وجدانهم الجمعي وهو على ثقة بالتَّعاطف معه كون تجربته الشُّعورية المنشأة بفعل واقع مؤثر بما يتركه من حرقة وكدر تتلاقى وتتلاقح مع تجارب المخاطبين بما يملكون من علاقة طيبة ببطلها وأساس موضوعها (الإبل)فيتوحدون في مكابدة محنة مشتركة، ويشاطرون الشَّاعر الألم والحسرة. وهو يجذبهم إليه أكثر ببراعة الوصف وأمانة النَّقل.

  وإنِّي لأعدُّ هذه القصيدة من (معلقات الشِّعر الشَّعبي العربي)، والشّاعر هو أحد معتلقي (معتقل العقيلة) الذي نصبه الإيطاليون كأكبر وأبشع سجن جماعي. ولقد أسس هذا المعتقل بجوار مهبط لطائرات المُغتصِب، أنشئ بالقرب من كوخ من الزنك وهو ما يطلق عليه الليبيون لفظ (برَّاكة) فسيقت التسمية على المهبط فعُرف عندهم باسم (برَّاكة الطير). والطير في لهجتهم (مفرد طيارة) وهي الطائرة. ومن هنا تبدأ قصة القصيدة ؛ فعندما أنشأ الإيطاليون هذا المعتقل استغلوا هذا المهبط لحجز حيوانات المعتقلين كونه يقع بالقرب من منطقة العقيلة التي نُسب المعتقل إليها. وكان الشَّاعر ذا علاقة حميميَّة بالإبل وكانت نوقه من ضمن المواشي المعتقلة هي الأخرى «وكان يشاهد بعينيه تلك الحالة المؤلمة التي تعيشها الإبل، من تقييد لحركتها ونقص في طعامها وشرابها، وإساءة لمعاملتها من قبل الجنود الإيطاليين الذين كلفوا بحراستها فحز ذلك في نفس الشاعر وآلمه إيلامًا شديدًا فأنشأ قصيدته..» (1) التي يقول فيها:

 

 

بعـــد مَـــرَاضْـــها في عَـــفَــا دَيْر          بَدري شْمُوسْ والعــام خايبْ

عَفـــَا  بَغـــُو طـــــالــق بْهَــــــارير         نُوَّاره مْسَـــــوِّي ضْبَايبْ

شــمَاريـــخ رُوْسّــــن بعـــــاثــــــير        وهن تْقــــول فلاَّت رايب

اللــــي تْجــيه تَنْــســـــاه وتحير             عَ اللِّي حـــذاه لاخر يعايبْ

تَلْقـــى الخْلــف فيـــه الخوارير             علي ذْْراه شــــايل صلايب   

تقــــول فــــوق منــــه  كــــوادير           غارقــــــات فيه الجنايب

وتلقــــى فيـــه هـــشّ المـــواخير           تيـــــار ثديها تقول عايب

جَشَّا، حنينــها  في التّقـــاذيــــر             علي حْــــوارها بالرجايب

نواقــــيس ضـــــرب النقـــــاقير            أجْراس فِيشْـــطه يوم نايب

يَبـــقـــن ألوانْـــها فيه تصـــوير             تفصيل لونهـــا بالخَضايب

البيـــض كيــف قلب الجّمـامير              اللي نَشُوْ باثمــــار طايب

وفيـــهــــن عـــــتــــاتي دواويــــر          سبيب ســـود داير قضايب

والحمــــر لكَّ صــــبــاغ تمـــرير          والاَّ دمـــوم سفك  النشايب

والــــزرق كــيف فحـم البوابير             والاَّ صباغ نيل  العصــايب

والخضـــر كيف طبع الجنازير             جنـــان فوق بردي سكايب

والصفــــر كيف جمَّـاعة القير              نحله مير والجبـــح طايب

ســــبيب شــــعلـــها مـــالتغنـزير           يوري ألــــوان  العجايب

حســــك مغــــربيَّة مشــــاتــــير            عليه جـــاد غيث السحايب

بـــــدريه وفُــــــورار وامشـــــــير          علي أثر مارسه  جن عصايب

قْمــــــاشـــــات مـــــن شـد بوزِيـر         حْجـل حْجُول  بيض اللهايب

ومعــاهـــــن تفـــــاصيل كشـمير           علي لـــون ريش العبايب

وفحـــلهــا إن زف البــــنــــــادير           وْتَمَّتْ جــــلايب جلايب  

تجــــيه كيف عرض الطـوابير             تْشَّـــــالى مشالاة عايب

تحـــليق الفْـــــرَق والمجــاســــير           عليه كيف طـــار النّدايب

وهـــــو كــــيف ماتلبــــس المـــير          اللِّي من أميـــار العَرايب

بــــرنــوس مَلــفْ زقْـزا تبيطير            نواشين ريِّس كتــــايب

تصــــريدة أنيــــــابه صفـــافير             تجيب قرن منـــه ذهايب

ومْـــــباتَّـــــــــــــا في قـــواريـــــــــر               هشيم طلح روسَــه عكايب

وداويـــــــــن فـــيـــهــــن عقــــاير         غلاظ عشب نابت خَصـايب

*****

واليــوم عنــــد بـــــرَّاكة الطَّير             جفا  يا عراض الجنـايب

أنــــتِ فيــــه ما تنظــــــري خير           واحْنا نزمطوا في هزايب(1)

*****

 

 

    شرع الشَّاعر ـ ومن المفردة الأولى ـ في التأريخ للحقبة التي يذكرها للأجيال اللاحقة شعرًا ؛ فحدَّها بظرفي الزَّمان ( بعد) الذي جاء في صدارة القصيدة و(اليوم) الذي أوقف به السرَّد التَّابع للظرف الأول. يقول في البيت الأوَّل:

 

بعد مَرَاضْــــها في عَفَا دَيْر               بَدري شْمُوسْ والعــام خايبْ

    ثمَّ يعقِّب على ما ذكره من سرد لنمط العيش الذي كان سائدًا قبل كتابة القصيدة، في وصفَ للحالة التي كانوا عليها هم وأنعامهم وبخاصة الإبل مصدر الزهو والخير ؛ فيقول:

واليــــوم عنـــد برَّاكة الطَّير              جفا  يا عراض الجنـايب

أنــتِ فـيــه مـــا تـنظـري خير            واحنا نزمطوا في الهزايب

ولـوكـان مـوتنـا جت بتحرير             معاعهم وفي عون طايب

القـنُـو فــوق ســبّق مشــامـــير            جانبات والا جنايب

مـــرة يطـــوّحـــن بالمنــاظـيـر           ومرَّة يخلطن في لدايب

ولا حـبـسـنـا وهــا التـقـهــيــر            وفقدة مسامي حبايب

م المغـــاربـــة والعـــــواقــــيــــر         سماح العنا والدَّرايب

*****

 حـــلال البـكــا وجـبـد الغوير            عليهم وشيل الترايب

مكــاتـيــب مـو قـــل تـــدبــيــر            فراسين راحو ذهايب

مـــرار قـطــف روس النُّواوير           خلَّى الوجه والراس شايب

اللــي مـا جـلا وخـش السـرير            مشى لوطن ثاني غرايب

والقـاعدين تحـت التَّغـصـوير             وما لهم مالرَّوم نايب

جــزا وحـبــس ديما وتقــريـر             وكل يوم وحدين جايب

*****

   ففي هذه الأبيات التي صُفَّت ألفاظها ومعانيها وراء ظرف الزمان (اليوم) المحدِّد للمكان (المعتقل) المبين لحالة قطاع واسع من الليبيين يضعنا الشَّاعر في أجواء التَّاريخ من فجاج بلاغيَّة توصلنا إلى حقيقة الانقلاب في الأوضاع ومسبباتها وما نجم عنها من تغير انحداري في الأحوال بعامة وأحوال الإبل ـ الملهم ـ بخاصة.

... إنه يبرهن على أسلوب الحياة البدوية الهانئة في مقابل همجية المغتصب ذي الثقافة النَّزَّاعة صوب السَّيطرة والوأد لكِّل ما هو جميل وبأي أسلوب قمعي.

إنَّ بدء الشَّاعر بذكر حال الإبل في الرخاء حدث لتضخيم الفجوة في تبدل الحالفي الواقع، وهو ما خصص النِّصف الثاني من القصيدة للكشف عنه، وبيان ما لحقهم من المذلة والمهانة والسوء، وما لحق بأنعامهم من تنكيل، ليقارن المتلقي بين الوضعين، ويدرك حجم المعاناة ؛ لأنَّ انتقال الحال من صورة إلى أخرى مغايرة لها أشدُّ إيلاماً من سوء الحال الدائم.

   إنَّ هذه القصيدة التي أورد بعضًا منها هي في الواقع ملحمة وصفية تصويرية، تصور الواقع الذي كان يعيشه الشَّاعر، والذي شهد - كما ذكر الشَّاعر- نمطين مختلفين من العيش: حياة رغدة هانئة انعكس أثرها على أنعامه التي اختص منها الإبل لقربها الشديد منه، ولارتباط البدوي بها ارتباطاً يوازي العلاقة بالولد، ولذلك آثرها الشاعر في التناول لما للحديث عنها، ووصف حالها من عميق الأثر في نفس المتلقي الذي يكنَّ لها الحميميةذاتها. ولم يفت الشَّاعر ذكر الخيل المعقود بنواصيها الخير لما لها من دور في الجهاد ورمزيَّة العز.

    وقد جاءت القصيدة ـ كما قدَّمنا ـ باللهجة ذات الجذور اللغوية الرَّاسخة مستفيدة من دلالات الكلمات وحسن تآلفها الذي نسج نسقه إبداع الشَّاعر بتمكنه من انتقاء المتجاورات اللفظية حشوًا وقافية حتى غدت القصيدة قطعة موسيقية موشحة بايحاءات صوتيَّة ودلالية. ولوحة فنيَّة نصفها الأول يضاد نصفها الثَّاني كما الموت ضدٌ للحياة.

   وبالوقوف مع بعض ألفاظها وتبيين معانيها سيتضح لنا بجلاء ما فيها من فنيَّة لغويَّة، ومدى العلاقة الوطيدة بين اللَّهجة واللُّغة في هذا الحيز المكاني من الوطن العربي. والكلمات الفصيحة التي وردت في هذه القصيدة الشعبية التي تعتمد اللَّهجة لغة شعرية هي: 

• مراضها: ويعني بها الشاعر المكان الذي ترتع فيه. أي مرتعها، والرياض والرَّوض والروضات في اللُّغة: المكان النَّضر كثير الخضرة والخير. يقول الله تعالى «والذين آمنوا وعملوا الصَّالحات في روضات الجنَّات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير»(1).

• بدري: المطر عندما يبادر بالهطول في أول موسم الأمطار. والبدري في اللُّغة: المطر قُبَيْلَ الشِّتاء. وإضافة لفظ شموس إلى بدري للدَّلالة على علاقة درجة حرارة الشمس، بسرعة الإنبات، حيثُ إنَّ الأرض لا تزال تحتفظ بالحرارة التي اكتسبتها من الشمس صيفاً، مما يساعد في سرعة نمو النبات. 

• شموس: جمع شمس. والشمس واحدة لكن قصد الشاعر: شمس كلِّ موسم.

• العام: معناها واضح، وهي في اللَّهجة كما في اللُّغة.

• خايب: عديم التفكير والتَّدبر، الحريص على الحصول علي أي شيء دون تقدير، شديد الرَّغبة، ولا تقنين لديه في الأمور، فهو طالب زيادة دائماً. ومقصد الشاعر بوصف العام بالخايب أنَّ أمطاره غزيرة زادت عن حدِّها، فهي تنهمر دون تقنين، مما ينعكس ذلك على (المراض) فيكثر العشب، وتنمو الأشجار التي تتغذى عليها المواشي، ولهذا مردودٌ طيبٌ على هيئتها. والخايب اسم فاعل من خاب، وفي اللُّغة: خائب، ولكن استبدلت الهمزة ياءً للتخفيف. ودلالة الكلمة في اللَّهجة تضاد معناها في اللُّغة، حيث إنَّها في الفصحى تعني الخاسر الذي لم يحصل على شيء.  

• بَغُو: يقصد الشَّاعر أن الأمطار سرعان ما أنتجت نباتاً، والنبات في أول خروجه فوق سطح الأرض - وهو معنى الكلمة في الفصحى - كان له شكلٌ مميز في النضارة والكثافة.

• طالق: تعني مخرج الشيء من ذاته، ومعممه في المحيط ليترك أثراً. وفي اللُّغة: أطلق يده بخير: فتحها بالخير ليكون لعطائه أثراً.

• بهارير:  جمع بهرة، والبهرة هالة الضوء، وقصد الشاعر أنَّ  النوَّار من أثر الماء، وحرارة الأرض قد نما سريعاً، وصارت ألوانه المتمازجة تصدر هالة فوقه كأنها كتلُ الضَّباب . وفي اللُّغة بهَرَت الشمس بهوراً: أضاءت

• ضبايب: جمع لهجوي لكلمة: ضباب، ومثلها بهارير

 • شماريخ: الشُمرُوخ في اللُّغة: الغصن الدقيق الذي ينبت في أعلى الغصن الغليظ، وهذا ما عناه الشَّاعر، ويتضح ذلك من إضافة كلمة «روسن» أي رؤوس هذه النباتات. كما أنَّ الشمروخ تطلق في اللَّهجة على الفتى في أوجِ ينعه. وتطلق على العرجون الطري المتدلي من النخلة.

 • بعاثير: من كثرتها وتنوعها كأنها مبعثرة، وهي أيضاً جمع لهجوي مشتق من الفعل «بعثر»

 • تقول: فعل مضارع، لكنه هنا لا يعني المضارعة ؛ إنَّما وظِّف أداةً للتشبيه.

 • فلاَّت: شديد الانسكاب. انفلت الشيء. فُقِدَتْ السيطرة عليه.

 • رايب: الحليب في مرحلة التخمُّر وهي المرحلة التي يصير بعدها لبناً

 • الّلي: اسم موصول لَهجوي، يقابله في الفصحى: الذي - التي.

 • تجيه: من الفعل جاء. أي: تجيء إليه، أو تأتي إليه.

 • تنساه: من النسيان، وفعله تنسى

 • تحير: تحتار. أي: تختلط عليك الأمور، فلا تعرف أين توجه بصرك من فرط الجمال المحيط بك.

 • حذاه: بمحاذاته. أي: بجواره، أو محاذاته.

 • يعايب: يقصد بها. يتباهى عليه.

 • تلقى: ترى وتجد.

 • ذراه: جمع ذروة، وهي أعلى سنام البعير، وذروة الشيء: أعلاه.

 • صلايب: أي مصلوبة فوق الإبل. فكلَّ جزء من الأمتعة المحمولة في جانب من البعير، كهيأة المصلوب.

 • غارقات. من الغرق.

 • الجنايب: جنبا البعير. فعندما يشد الحبل الذي يوثق به الهودج يتوارى في وبر البعير، وفي ذلك دلالة على السمن، والسمن دال على الخير ووفرة المرعى.

• هش: اللين السَّهل

 • المواخير: جمع لهجوي مفردة «مؤخرة «

• تيار: الدَّفق الشَّديد. وكذلك. علو الرِّيح والموج.

• ثديها: فصحى معروفة المعنى.

• عايب: كأنه من كثرة اندفاع الحليب به عيب وهو الثُّقب الذي يسمح باندفاع الشيء المحفوظ خارج الوعاء المحفوظ فيه.

• جشّا: أي التي ترفع صوتها من حزن أو فزع على صغيرها.

• حنينها: عطفها على جنينها وخوفها عليه.

• حوار: ابن النَّاقة

• الرجايب: التَّرجيب في اللُّغة: التَّعظيم، وترجيب الأم لولدها: تعظيمها وتدليلها له حباً وحنواً بترقيصه في الهواء، مصحوباً بالغناء.

• نواقيس: أي أن حنين النَّاقة على ولدها كأنه ضرب على الآلات للتنبيه، وهو ما يفعله النَّصاري في الدَّير.

• النقاقير: محرفة عن النَّقر على آلات الغناء. فهو يريد أن يقول: إنَّ صوتها يشبه الضرب على الآلات الموسيقية.

• أجراس: جمع جرس.

• يوم نايب: يوم فرح. والبدو يقولون على الفرح: مناب

• يبقن: أصلها يبقينَ.

• تصوير: تشكيل

• تفصيل: توضيح

• الخضايب: الخضاب: الخِضابُ: ما يُخْضَبُ به مِن حِنَّاءٍ.

• قلب: لب

• الجمامير: الشَّحْمةُ التي تكون في رأْس النَّخْلة يُكْشَطُ عنها اللِّيفُ، فتؤكل.

• نشُُو: لا يزال طرياً في بدء النشأة.

• أثمار: جمع ثمرة

• طايب: طاب، نضج ولذَّ.

• عتاتي: العاتي، الجبَّار. ويراد باللفظة هنا القوية.

• سبيب:  والسَّبِـيبُ من الفَرَس: شَعَر الذَّنَبِ، والعُرْفِ، والنَّاصِـيَةِ.وقد استعاره الشاعر للأبل كناية عن القوة والعز.

• قضايب: والقَضيبُ من الإِبل: التي رُكِـبَتْ، ولم تُلَيَّنْ قَبْلَ ذلك. أي: التي لم تُرَضْ؛ وقيل هي التي لم تَمْهَرِ بعد. بينما الشاعر يقصد بها هنا: كتلاً كثيفة كأنها قضبان مرصوصة.

• لكَّ: نوع من الصباغ الأحمر اللون.

• دموم: جمع لَهجوي للدَّم.

• سفك: إراقة

• النشايب: النُّشَّابُ: السِّهامُ.

• البيض، والحمر، والزرق، والخضر، والصفر، والشعل: ألوان النوق.

• البوابير: مفردها: بابور، وهو القطار، وقد شبَّه الشاعر شكل النوق الزرقاء بلون الفحم الذي كان وقوداً لوسائل النقل في الماضي.

• صباغ: المادة التي يُلون بها.

• نِيل: نوع من الألوان، وهو الأزرق القريب من السواد

• العصايب. العِصابةُ: العِمامةُ، فالعَمائمُ يقال لها العَصائبُ، وهي ما يعصب به الرأس. والبدو في الشَّرق الليبي غالباً ما يعتمون بعمامات زرقاء.

• طبع: ختم

• جنان: جمع جنة، وهي البستان، والبدو يلفضونها بالتَّصغير «جنينة «

• بردي: المجرى الذي تتدفق معه المياه.

• سكايب: من سكب، وهو شديد الدَّفق والاندفاع

• جمَّاعة: صيغة مبالغة، وهي جمع لهجوي لـ «جمَّاع «الذين يجمعون العسل.

• القير: العسل في شمعه.

• نْحَله. حمع نحلة. وفي الفصحى ينطق: نَحْلُهُ.

• شعلها: هي التي لونها يشبه لون شعلة النَّار. والأشعل في اللغة: الفرس حينما يكون في طرف ذنبها بياض.

• يورِِّي: من أراه الشيء. وهي هنا بمعنى يطرح .

• العجايب: الأشياء العجيبة

• حسك: أعواد رفيعة رقيقة كالإبر تعلو رؤوس حبوب القمح والشَّعير. وهي تشبه الشَّعْرَ لكنها صلبة، ولقد جعلها الشاعر، وصفاً لسبيب الإبل كما ذكر.

• مغربيّة: نوع من القمح يميزه امتلاء حبته.

• مشاتير: الشَّتَرُ انقلابٌ في جفن العين، واستخدمه هنا كناية على امتلاء السنبلة بحبوبها، فأصبحت تطرح خارجاً.

• جاد: منح وأعطى بسخاء.

• غيث: مطر.

• السحايب: جمع سحاب، وأصلها السحائب، وإبدال الهمزة ياءً للتخفيف.

• بدريَّة: أمطار أول الشتاء، والبدري، هو القدوم باكراً.

• فورار: شهر فبراير: وهو المشهور بشدة صقيعه حتى أنهم يقولون في أمثالهم: «فورار يباعد الجار عَ الجار، ويبوِّل العجوز حذا النار.

• امشير: شهر قبطي، ويقع في موسم الأمطار.

• علي اثر: مضافاً إليه أثر ما لحق به

• مارسه: شهر مارس. وهو الشَّهر الذي تكتمل فيه الأمطار، وينفع الحبوب، ويجعل الموسم خصباً. ويقولون في شأن قيمته للزرع: مارس يطلع الزرع الكارس، ويقولون أيضاً: «إن كان زرعك زين وراه مارس، وإن كان زرعك عطيب وراه مارس.

• جن: بمعنى: جئن.

• عصايب. عصابات من السحب هي التي هجمت بغزارة على الأرض، فأمدتها بالأمطار التي حسَّنت هيأتها، والوصف كلُّه يعود على «سبيب شعلها «الذي شبهه بسنابل القمح. 

• قماشات: جمع قماش.

• حِجْل: البياض الذي يلحق الرجلين.

• اللهايب: يشبه لون التحجيل، بلون لهب النار.

• ومعاهن: معهن.

• تفاصيل: أنواع وأشكال.

• كشمير: نوع معروف من القماش، ينسب إلى كشمير.

• ريش العبايب: جمع لطائر: أبو عبعاب «، وهو ما يعرف في الفصحى بـ (الهدهد)، وهو المعروف بجمال ريشه.

• فحلها: جملها

• زفَّ: ضرب بسرعة. زفَّ القوم، ضربوا بأرجلهم مسرعين.

• البنادير: جمع بندير، وهو الدَّف، ويستخدم كثيراً في المدائح النَّبوية.

• تمَّت: تمَّ بمعنى: أُنْجِزَ، وهي هنا بمعنى أصبحت.

• جلايب: أصلها جلائب، ومفردها جلوبة، وهي المجموعة من الإبل التي تساق لغرض جلبها إلى السوق، وهي دالُّ على الكثرة.

• تجيه: تأتيه.

• كيف: مثل.

• عرض: يقصد بها الاستعراض.

• الطوابير: جمع طابور.

• تشّالى:  شالت الناقةُ بذنَبِها تَشولُه شَوْلاً وشَوَلاناً وأَشالَتْه، أي رفعته، وهي تفعل ذلك أثناء شبعها، أو عند طلب النِّكاح أو رفضه.

• مشالاة: المشالاة عند البشر تكون برفع الأيدي إلى أعلى، وهي إمَّا تكون للمناداة، أو تعبيراً عن الحزن الشديد لغايب قريب أو حبيب، والغياب هنا يراد به «الموت».

• تحليق: تلتف حول الجمل على شكل حلقة.

• الفرق: الفِرْقَةُ من الإِبل، ما دون المائة، ويريد الشاعر هنا الإبل السمينة.

• المجاسير: الجسورة، وهي التي ترغب الفحل وتطلبه.

• الندايب: الحلقة التي تقيمها نساء البدو حول من مات لها ولد، أو أب، أو زوج... يندبن معها حالها. وقد شبه الشاعر التفاف النوق حول الجمل وتدافعها حوله، بحالة هؤلاء النسوة مع اختلاف الأسباب.

• العرايب: جمع لهجوي للفظ العرب «الأعراب «

• برنوس: البُرْنُس: كل ثوب رأْسه منه مُلْتَزِقٌ به.

• تبيطير: تطاول وتفاخر.

• كتايب: أصلها كتائب. ومفردها كتيبة.

• تصريد: الصَّرد: الصوت.

• صفافير: مفرها صفارة. آلة بنفخ فيها فتصدر صفيراً.

• تجيب: تحضر.

• قرن: طرف.

• ذهايب: متباعدة، والذَّاهب هو الذَّي يخطئ الطريق، أو من يحيد عن الصَّواب.

• مباتا: مكان مبيتها ليلاً.

• قوارير، جمع قارة، والقارَةُ: الجُبَيْلُ الصغير الأسود المُنْقَطع عن الجبال. وجمعها: قور.

• هشيم: ما يَبِس من الوَرَقِ والأغصان وتكسر وتحطَّم.

• طَلح: الطَّلْحُ شجرة طويلة لها ظل يستظل بها الناس والإِبل،وورقها قليل ولها أَغصان طِوالٌ، ولها شوككثير. تأْكلالإبل منها أَكلاً كثيراً. يكثر نموها في الأودية، وبخاصة في الصحراء.

• روسه: رؤوس أغصان الطلح.

• عكايب: منحنية من طولها. كناية على الخصب.

• وداوين: جمع وادي، والأصل: أودية، أو وديان.

• غلاظ: الغليظ: الكثيف المكتنز. والصَّلب الشديد. وأمر غليظ: أمر عظيم. غلاظ عشب: عشب قوي النبتة عظيم الساق والأغصان.

•  نابت: ظاهر فوق الأرض.

• خصايب: خصب نضر. عطاؤه عظيم من أثر الأمطار المتتالية عليه.

• جفا: هلاك.

• الجنايب: الأجناب.

• تنظري: ترينَ الأصل: تنظرين. وليس المقصود النضر المادي ؛ إنَّما النَّظر المعنوي.

• نزمطوا: الزمط: البلع سريعاً.

• عَوْن: مساعدة

• يطوحن: يرمين. طوَّح الشيء: رمى به في الهواء.

• الشوايب: الشوائب ـ جمع شائبة.

• ذايب: ضد جامد 

   لقد جمعت هذه القصيدة الشَّعبية حسن اللُّغة إلى يُسر اللهجة وهذا بذاته يحمل شهادة القدرة العالية للشعر الشَّعبي في ليبيا على الأثر والتأثير وسهولة الانتشار في البلاد العربيَّة كون اللُّغة واحدة بخلاف اللهجات. وإنَّ ذلك معطى قويّ على أنَّ هذه القصيدة ومثيلاتها ذوات قيم فنيَّة ذات تأصيل لثقافة عربيَّة مشتركة أوحت بها مضامينها.

    وبما تقدَّم تعدُّ القصيدة شاهداً على مدى التَّكافل اللَّهجوي اللُّغوي لما تحويه من الألفاظ الفصيحة التي يستخدمها العامة في لغتهم الدَّارجة، ودون دراية بمعنى الفصحى من أساسه. ومن خلال حصر هذه الألفاظ، ومقابلتها بالفصيح الوارد في المعاجم ـ كما أوردنا ـ نقف على حجم التَّفاعل بين الاثنتين، ونكاد نجزم بأنَّ أغلب الألفاظ فصيحة الأصل، ويسهل التَّعرف عليها؛ لأنَّها لا تحتاج إلى تحريف أو تصحيف كي تُطوَّع، فهي منسابة بتلقائية. وقد لاحظنا في هذا الحصر المبدئي تغلغل الفصحى في اللَّهجة البدوية، حيثُ إنَّ أكثر من ثلثي ألفاظ هذا الجزء من القصيدة فصيحة. أو أنَّ اللُّغة تأثرت باللَّهجة فأخذت عنها كثيراً من ألفاظها، وهذا التأثر والتَّأثير بين هذه وتلك هو من صنع التَّكافل، وأسس التَّفاعل ؛ فتأسس على ضوء ذلك بنيان واحد مرصوص يعضدُ بعضه بعضاً. ولو أنَّ المساحة تسنح لأفضنا في القول عن عمق العلاقة ومتانتها، لكننا نؤجل ذلك لحين تمكننا من توسيع هذا البحث ليكون دراسة أعمَّ وأشمل.            

      ونذكر في ختام التناول لهذين النموذجين من الشِّعر الشَّعبي مسألة لافتة تكمن في التوارد الشُّعوري في تجربتي الشَّاعرين الذي يحضر بقوة في ختام القصيدتين: قصيدة (ما بي مرض )، وقصيدة (مكاتيب مو قل تدبير)؛ إذ جعل كلٌّ منهما الدعاء والرجاء برحيل  المغتصب الذي سيقود ـ حتمًا ـ إلى زوال العذاب ؛ فالأول يدعو بصيغة مباشرة قائلا:

طالب الكريم اللي عليه اعتمادي.. يعجل بشيله.. قبل لايفوتن ثلاثين ليلة

   وأما الثَّاني فيتخذ أسلوب تقليل الشَّأن لسرعة التَّلاشي خطابًا يضمِّنه دعاءه بالرَّحيل العاجل كما يرحل الطلَّ سريعًا كما حلَّ. يقول:

واللِّي عاد جرَّ المقادير            ولكل شي جاعل سبايب

نعن غمامها طل وبطير          بعون من رياح الهبايب.

 

 

 

الملاحق

(أ)

قصيدة: مابي مرض

 

مابى مرض غير دار العقيلة       وحبس القبيلة        وبعد الجبــا من بلاد الوصيلة

مابي مرض غير حد النكاد      وشوية الزاد     وريحــــة اللي مجبرة بالسواد

الحورة اللي صار العناد.. عناتها طويلة.. لهــــا وصف ما عاد تاجد مثيله

مابى مرض غير واجد مرايف..والحال صايف.. على عكرمة والعدم والسقايف

وحومة لفاوات عز العطايف.. حتى وهي محيلة.. تربى المهازيل جلة خــويلة

مرايف علي عكرمة والسراتلي..دمعي نهيلة.. زواعب علي لحيتى سـال سيله

مابى مرض غير مطرى الحرابي.. خيرة أصحابي.. الضرابين والمكــوعظ ينابي

ركـــــابين كل حمرة دعابي.. الطايح تشيله.. نضيدة رفاقة قبلوا جميلة

مابي مرض غير فقد الرجـــــال.. وفنية المال.. وحبسة نساوينا والعيال

والفارس اللي يقدع المـــال.. نهاره جفيلة.. طايع لهم كيف طوع الحليلة

طايع لهم كيف طوع الولية.. إن كـانت خطية.. نرمي الطاعة صباح وعشية

نشيل في الوسخ والموية.. معيشة ذليـــلة.. مفيت ربنا يفزع يفك الوحيلة

طايع لهم كيف طوع الوصيف..نسيت الوظيف.. بعد بقيتي كنت ظاري عفيف

نصبي بلا حيل عندي خفيف.. نشيل الثقيــلة.. نزازي مزازاة من زين حيلة

مابي مرض غير فقد الغوالي.. أسياد المتالي.. سماح العضــادات فوق العوالي

راحوا حساب شي تافه قبالي.. ولا لقيت حيلة.. نشالش بها نين راحوا دقيلة

مابي مرض غير طولة لجالي.. وضيعة دلالي.. وفقدة أجاويدهم روس مــالي

يونس اللي كيف صيت الهـلالي.. كرسي القبيلة.. امحمد وعبد الكريم العزيلة

وبو حسين سمح الوجاب المـوالي.. والعود ومثيله.. راحوا بلا يوم ذايب ثقيلة

مابي مرض غير فقد الصغار.. أسيــاد العشار.. اللي لقطوا كيف تمر النهار

الضرابين للعايب صدار.. نواوير عليه.. ما ينطروا بقول ناسا ذليلة

مابي مرض غير شغل الطريق.. وحالي رقيق.. ونروح وما طاق البيت ريق

وسواطنا قبال النسا في الفريق.. وقبيناز طيلة.. ما طاقنا عود يشغل فتيلة

مابي مرض غير ضرب الصبايا.. وجلودهن عرايا.. ولا يقعدن يوم ساعة هنايا

ولا يختشوا من بنات السمايا.. بقول يارزيلة.. وعيب قبح ما يرتضي للعويلة

مابي مرض غير غيبة أفكاري.. وبينة غراري.. وفقدة ضنا السيد خيوة مطاري

موسى وجبريل سمح السهاري.. أسياد الخويلة.. ماينطروا بقول داروا عويلة

مابي مرض غير طولة ريافي.. ووثقة كتافي.. وصبري بلا كسب ميل الشعافي

وتريسي اللي ع السوايا يكافي.. خيار القبيلة.. عشا للجواريت كحيلة

مابي مرض غير بعد العمالة.. وحبس الرزالة.. وقلة اللي م الخطا ينشكي له

وغيبة اللي يحكموا بالعدالة.. النصفة قليلة.. والباطل على الحق واخذ الميلة

مابي مرض غير خدمة بناتي.. وقلة هناتي.. وفقدة اللي من تريسي مواتي

ووخذة غزير النصي بوعتاتي.. العايز مثيله.. يهون علي القلب سلعة جفيلة

مابي مرض غير فقدة نواجع.. ونا مانراجع.. اللي لفهن لاجفا لامواجع

ولا ينظروا غير حكم الفواجع.. وريقة طويلة.. ولسان مرشر منضرب الثقيلة

مابي مرض غير قل المحامي.. ولينة كلامي.. وهينة أجاويد روس ومسامي

وريحة اللي خايلة باللجامي.. غريمة الهميلة.. منقودة التناسيب نقدة الريلة

مابي مرض غير سمع السوايا.. ومنع الغوايا.. وفقدة اللي قبل كانوا سمايا

وربط النساوين طرحى عرايا.. بسب لهقليلة.. يديروا لهن جرم مافيه قيلة

مابي مرض غير قول اضربوهم..ولا تصنعوهم.. وبالسيف في كل شي خدموهم

ومقعد مع ناس مانعرفوهم.. حياة عليلة.. إلا مغير ماعاد باليد حيلة

مابي مرض غير زمط العلايل.. وديما نخايل.. علي خيلنا والغلم والشوايل

وخدمة بلا قوت والسوط عايل.. معيشة رزيلة..علي أثر الدباويش جوّا للعويلة

مابي مرض غير فقد الملاح..ودولة القباح.. اللي وجوهم نكب وأخرى صحاح

وكم طفل عصران م السوط ذاح.. حاير دليلة.. يا نويرتي صاف من دون جيلة

مابي مرض غير كسر الخواطر.. ودموعي قواطر.. ووشنات مادونهن من يساطر

الراعي معقل جمال القناطر.. فحولة كحيلة.. وطالق قعادين فوق الخويلة

مابي مرض غير حبس المسامي.. وميحة أيامي.. وكابو علي ضرب لجواد دامي

يصبي يناديك بلسان حامي.. ولغوة هزيلة.. تخاف يعدمك قبل لا تشتكيله

وشوخة ردي لصل شوت منامي..حتى وهو عزيلة..يبيعك علي شان حاجة قليلة

مابي مرض غير فوت الحدود.. ووقاف سود.. وشبردق ملوي على رأس عود

لا حيل لا قادرة لاجهود.. لشيل الثقيلة.. زاهدين في العمر لوجا وكيلة

مابي مرض غير برمة أفلاكي.. وهلبة أملاكي.. وضيق دار واشون قاعد متاكي

الفارس اللي كان يوم الدعاكي.. ذرا للعويلة.. يساسي ورا قرد مقطوع ذيله

وكل يوم الظلم نا ننوض شاكي.. ونفسي ذليلة.. وكيف المرا مانفك العقيلة

مابي مرض غير ميلة زماني.. وقصرة لساني.. وما نحمل العيب والعيب جاني

وتريسي اللي قبل بيهم نقاني.. جمال العديلة.. ثقال روزهم يوم ذايب ثقيلة

على أثر ياسهم روجتي من مكاني.. ليلة طويلة.. ظلامها غطا ضي قاز الفتيلة

مابي مرض غير فقدة بلادي..وشي من اريادي..نواجع غرب في خيوط السعادي

طالب الكريم اللي عليه اعتمادي.. يعجل بشيله.. قبل لايفوتن ثلاثين ليلة

الدايم الله راعى المجمم.. طغى ضي ظلم.. العاصي علي طول ما يوم سلم

لولا الخطر فيه بيش نتكلم.. ونعرف نشيله.. ونعرف نبين ثناه وجميلة

         

         (ب)

                 قصيدة:مكاتيب مو قل تدبير

 

بعـــــد مَرَاضْــــها في عَفَا دَيْر           بَدري شْمُوسْ والعــام خايبْ

عَفــــَا  بَغُـــــو طـــــالق بْهَارير          نُـــــــوَّاره مْسَـــوِّي ضـــــْبَـــايبْ

شــمَـــاريخ رُوْســـّن بــعـــــاثير          وهـــن تْقـــول فـــلاَّت رايــــــب

اللــي تْجــيــه تَنْســـاه وتحير              عَ اللِّــي حـــذاه لاخــر يعايبْ

تَلْقى الخْلف فيـــه الخوارير       علـــــي ذْْراه شــــــايـل صلايب   

تقـــول فــوق منــــه  كــوادير    غـــارقــــــات فــيه الجــنايــب

وتلقـى فيـه هـشّ المـــواخـير             تيــار ثــديـهـا تقــول عــايــب

جَشَّــا، حنينــها  في التّقاذير      علــي حــْـوارهـا بـالـرجــايـب

نواقــيس ضـرب النقـــــاقـير     أجْــراس فِيشْـطـه يـوم نـايب

يَبـقـن ألـوانْـها فيـه تصـــوير     تفصــيل لونـهــــا بالخَـضــايب

البيض كيف قلب الجّمـامير               اللــي نَشــُوْ باثـمــــــار طــايــب

وفيهــــــن عتــــــاتي دواويــــر   ســبـيـب ســـود دايــر قضـايب

والحــمــر لــكَّ صـبــاغ تمرير           والاَّ دمـــــوم سـفــك  النشايب

والزرق كيف فحــم البوابير              والاَّ صــباغ نيـــل العـصــــايـب

والخضر كيف طبع الجنازير     جنــان فـــوق بـــردي سـكـايب

والصفر كيف جمَّـاعة القير              نحـلـه ميـــر والجـبـــح طــايب

ســبـيـب شـعـلـــها مالتـغـنـزير   يــــــوري ألـــــــوان  العــجــايب

حســك مغـــربيَّة مشـــــاتـيـر     عــليـه جـاد غـيـث السـحــايب

بدريـــه وفُــــورار وامـشـــــير           علـي أثر مارسه  جن عصايب

قْمـــاشــات مـن شــــد بوزِيــر           حْجــل حْجُـول  بيض اللهايب

ومعــاهـن تفاصــيل كشــمير             علـــي لـــــون ريــــش العبـــايب

وفحـلهـــا إن زف البنـــاديـــر            وْتـــَمَّـــــتْ جـــــلايب جــــلايب  

تجيه كيف عرض الطوابير      تْـــشَّـــــالى مشــــــالاة عــايـــب

تحــلــيق الفْـرَق والمجـــاسير             عليـــه كيــف طــار النّــــدايـب

وهـــو كيــف ماتلبـــس المـــير           اللِّـــي مــن أمـيـــار العـــَـرايب

برنوس مَلفْ زقْـزا تبيطـــير            نـــــواشــــين ريِــــّس كتــــــايب

تصـريدة أنيــــابه صفـــافير             تجــيب قـرن منــــه ذهــايــب

ومْبــــاتَـــّـــا في قــــــواريــــــــر         هشيم طلــح روســَه عـكــايب

وداويــــن فــيــهن عـــقــــــايـر   غلاظ عشب نـابت خَصـايب

واليــوم عنـــد بـرَّاكة الطَّير       جــفـا  يــا عـراض الجـنـايب

أنـــتِ فيــه ما تنظـــري خير             واحــنا نزمطـوا في الهـزايب

ولوكان موتنا جت بتحريــر      معــــاعـهـــم وفي عــون طايب

القنُـــو فوق ســـبّق مشــــامير    جــــانـــبـــــات والا جــنــــايب

مرة يطـــوّحن بــالمنـــاظـــــير   ومــــرَّة يخــلـــطـن في لـدايب

ولا حــبســنا وهـــا التقــهــير     وفـقـــدة مســــامـــي حــبايب

م المغــــاربـــة والعــــواقـــيـــر          ســـمـــاح العنــــا والـــدَّرايــب

كسَـــّارة خشــوم الخــنــازيــر    ولطــــام كـــل مسرف وعايب

أجواد ف الرّفق مالهم نظير              يحـاموك والبـخـــش ثـايــب

وْهَل طفل عصران الضمـــير    ســـليم مــن جميـع الشــوايب

وركابـة علــي كــــل فـنــتــيــر   حـصى لرض فِ يـديـه ذايب

عليه سرز مكسـي بالحــريــر    ورْكَـــابْ حـمــر طالق شهايب

غزيـر النـصــي بوجراجـــير     عـريض صـدر وافي النجايب

علــي مــرافـــه بولشــــابـيـــر            منــين خــمــلـــه بــالنــهـــايـب

قنـــاد للطـــواريــر والديـــــر     ويــن مــا شــبا جـَنْ هـــذايـب

وعذار  بالقصــب والتكـارير     قـصـــابـيــه فيـهــن زعــايـــب

وخلاس تونسـي بـو نواويـــر    وبـدود كـيـف رق الضــرايـب

وهل بيــوت ملفـا خطاطــــير    واليــــوم عــاد راحــن زرايب 

حــلال البكا وجـبـــد الغوير              عـلــيــهــم وشـــيــل التـــرايب

مكــاتـيــب مـو قــــل تــدبـيــر            فـــراســـــين راحــــو ذهـــايـب

مرار قـطــف روس النُّواويـر            خلَّى الوجه والراس شـايـب

اللي ما جلا وخش الســريـر              مـشــــى لوطـــن ثاني غرايب

والقاعدين تحت التَّغصوير               ومــا لـهـم مــالـــرَّوم نــــايــــب

جزا وحبـس ديـمـا وتقريـر               وكــل يــوم وحـــديـن جــايب

وحـق بـو قـبـب بيض الجير              وكــل شـــيخ عـــابــد وتــايـب

عليـهـم إن جـبـت التـفـاكـير              دمــــوعــي يتــــمَّن سـكـــايــب

وتخـطـــر عــليَّ مـخـــاطـــير            الليــــل نـــاخـذه بـالحسـايب

واللِّــي عـــاد جــرَّ المقــاديـــر           ولـكــل شــي جــاعـل ســبايب

نـعـن غـمـامـهـا طــل وبـطــير           بــعــون مـن ريـــاح الهـبـايـــب

وصــلاتي بـعـد هـا التـفـكـير             عـلــى شـفـــيع يــوم العــتايب

 

خاتمة

خير رسول لإبداع الإنسان هو الشِّعر، وأقرب الشِّعر وأبلغه وقعًا في النَّفس ما كان قريبًا من لغة المخاطب، وبما أنَّ السَّواد الأعظم المخاطبين شعرًا شعبيًّا فالأمر لا يقبل إلا الذيوع والانتشار بمدٍّ شعوري تأثيري كونه يحمل ـ إلى جانب يسر فهمه عند المتلقي ـ جوانب مهمَّة من حياته يدونها بأسلوب بليغ ذي نبر خاص وتنغيم أخص يجعل حفظه سهلاً الأمر الذي يترتب عليه ترديده كلَّ حين وهو ما يجعله سهل التوليد من الحافظة كما يجعله مرجعيَّة تاريخيَّة وفنيَّة لا تعدلها وثيقة أخرى.

   وبحق هذا من وقفنا عليه وعنده في هاتين المعلقتين الجديرتين بالذكر والتأمل أبدا، فقد كانتا راصدتين لواقع أليم عاشه شعب مُسالم، فرض عليه أن يتجرع كؤوس مرارة، وأن يقع تحت رحمة معتدٍ أثيم لا يتوانى في انتهاك حرمة حياة الآمنين في أوطانهم. وقد وضعنا بفضل إبداع الشَّاعرين في قلب هذه المرحلة من التَّاريخ، وما دار فيها؛ فسجلتا لنا ملاحم بطولية في مقابل ممارسات عدوانيَّة لم تنج منها حتى البهائم.

  وما زاد من قيمة القصيدتين أنهما صيغتا بلغة شعريَّة راقية استخدمت فيها حشود من التَّعابير البلاغية والصُّور البيانية السِّاحرة للعقول المحفزة للمشاعر كما استعان الشَّاعران بريشة فنان لرسم مشاهد تصويرية لأهوال المعتقل لن تقدر الأيام والليالي بكرِّها وفرِّها أن تمحوها من ذاكرة التَّاريخ.. ونستخلص من ذلك نتائج عدة، أهمها:

ـ الشعر الشعبي في ليبيا ذو حضور قوي في تأريخه لتاريخها

ـ   الشعر الشعبي في ليبيا له الصَّدارة في الحركة الأدبية في هذا البلد على امتداد تاريخه وحتى عصرنا.

ـ كم المعاناة التي لحقت بالشَّعب الليبي كانت ستبقى طي وقتها لولا هاتين القصيدتين ومثلهما كثير في الموروث الأدبي.

ـ القصيدتان معرض فنيُّ متجوِّل بما فيه من لوحات معبرة يمكن تخيلها بمجرَّد قراءة البيت الشِّعري.

ـ براعة واضحة امتلكها الشَّاعران في نسج التراكيب وتعبئة الجمل بدلالات مشحونة بمعان معبِّرة مؤثِّرة يسهل استخلاص قيمها الفنيَّة.

 

 

أعداد المجلة