فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
13

الحكاية الشعبية في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج العربي

العدد 13 - أدب شعبي
الحكاية الشعبية في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج العربي
كاتبة من البحرين

دراسة في الأنساق الثقافية والتأويل لأربع مجموعات حكائية شعبية.

عد الحكاية الشعبية نوعاً سردياً شفاهياً أنتجته الذاكرة الجمعية البشرية في سلسلة متصلة من التداول وذلك في سعيها الدؤوب لفهم علاقة الإنسان بمنظومة الكون من حوله وبالأنظمة الثقافية الحاكمة لمجتمعه شأنها في ذلك شأن أشكال التعبير الشعبي المتنوعة مثل الأساطير والملاحم والسير الشعبية والأمثال والألغاز والنكات والأغاني الشعبية وغيرها.

بيّن الباحث الفولكلوري يان فانسينا Vancina ارتباط المأثورات الشفاهية بالمجتمع وبالثقافة اللذين أنتجاها مستشهداً على ذلك بعدد من الشواهد والأمثلة التاريخية الدالة من الموروث الشعبي الإفريقي؛ ففي بوروندي التي لا يوجد بها نظام حكم مركزي تقتصر المأثورات الشفاهية فيها على المأثورات الشعبية مثل الحكايات والأغاني والأمثال ولا توجد بها مأثورات شفاهية أنتجها مؤرخون رسميون1. أمّا في رواندا فالأمر مختلف إذ إن الملك هو المسؤل عن كل شيء، وهذا التنظيم السياسي يصاحبه تنوع كبير في المأثورات الشفاهية المرتبطة  به مثل«مجموعة الطقوس والقوانين الملكية لسلسلة النسب الملكية وشرعية حكم الملك والمدائح والقصائد الدعائية لتمجيد سلطة الملك إلى جانب التواريخ المحلية بالوحدات الإدارية المختلفة وبالهيئات. أمّا بالنسبة لعامة الشعب فإنهم يشجعون نفس أنواع المأثورات الموجودة في بوروندي وهي الحكايات والأغاني والأمثال الشعبية»2.

من جانب آخر  ينظر كليفورد غيرتزClifford Geertz إلى الإنسان بوصفه حيواناً عالقاً في شبكات رمزية نسجها بنفسه حول نفسه وبالتالي ينظر إلى الثقافة على أنها هذه الشبكات، وأن تحليلها يجب ألا يكون علماً تجريبياً يبحث عن قانون بل علماً تأويلياً يبحث عن معنى3”. «والثقافة بما هي شبكة من أنظمة الإشارات للتفسير والتأويل ليست قوة قاهرة وليست شيئاً تُعزى إليه سببياً أحداث مجتمعية أو سلوكات أو مؤسسات اجتماعية أو سيرورات عملية؛ بل هي نسق يمكن من ضمنه إجراء توصيف كثيف قابل للفهم لهذه الأشياء4».

 

لم يحظَ الاشتغال الثقافي والتأويلي للحكاية الشعبية العربية بالعناية الكافية من الدرس والبحث على الرغم من أهميته؛ إذ أن جلّ الدراسات الخاصة بالحكاية الشعبية العربية ركّزت على منهجية التحليل الشكلاني والبنيوي الجمالي في رصد الوظائف والبنى وأغفلت جانب المعنى في ارتباطه بالأنظمة الثقافية لهذا النوع السردي الشعبي الشفاهي وما يستتبع ذلك من اشتغالات تأويلية. ونستثني  من هذا الحكم بعض الدراسات الجادة التي أنجزت في مجال التأويل مثل: دراسة عبدالحميد بورايو للحكايات الخرافية للمغرب العربي. وهي دراسة تحليلية في معنى المعنى عن طريق منهجية روعي فيها التجانس والتدرج بين مختلف مستويات خطاب الحكاية الخرافية واستخراج المعنى الذي لا يبين عن نفسه دفعة واحدة، وإنما يتم استكشافه شيئًا فشيئاً من خلال تحليل يتميز بشيء من الصرامة ومراعاة الخصائص الذاتية للخطابات وربطها بالمحيط الثقافي الذي أنتجها وتداولها5

وخلص الباحث في دراسته إلى النظر إلى حكايات مدونته الخرافية بوصفها خطابا ثقافياً واحداً. ومن ناحية أخرى فإن هذه الحكايات الخرافية تمثل الوسيط الثقافي الذي سمح بانتقال المكونات الأسطورية من الخطاب العقائدي إلى الخطاب الثقافي ذي الوسائط الجمالية والطبيعة الفنية الهادف إلى الإمتاع إلى جانب تمثيلها الرمزي لمنطق الجماعة ورؤيتها للكون6».

 

ومن الدراسات التي عٌنيت أيضاً بالاشتغال التأويلي للحكاية الشعبية دراسة محمد الجويلي«انتروبولوجيا الحكاية: دراسة انتروبولوجية في حكايات شعبية تونسية»7.

وتقوم الدراسة على محاولة سبر مدلولات الحكاية الفولكلورية العميقة بربطها بالنظام الثقافي الشفوي والنظام الثقافي العام بما في ذلك المدوّن والمكتوب؛ أي نظام الثقافة العربية الإسلامية بخصوصياته الثقافية بالاعتماد على تحليل تأويلي يتخذ من المعطيات الأنتروبولوجية المنهجية ركيزته الأساس. يقول الباحث:»كان تعاملنا مع التحليل النفسي تعاملاً انتروبولوجياً يأخذ بعين الاعتبار أولاً طبيعة الموضوع بوصفه نصاً سردياً فولكلورياً وثانياً بوصفه نتاجاً لسياق ثقافي عام هو السياق العربي الإسلامي الذي يتشكل بدوره من سياقات تضيق دائرتها وتحتوي بعضها بعضاً وتتقابل فيما بينها»بدوي_حضري»»ذكوري_أنثوي»8.

وقدّم معجب العدواني في «مرايا التأويل: قراءات في التراث السردي» للحكاية الشعبية قراءتين تأويليتين لحكايتين شعبيتين تنتميان إلى جنوب شبه الجزيرة العربية. وقد تجلت أهمية الحكاية الشعبية عند الباحث في اشتمالها على كثير من الرموز الإشارية الثرية التي تدفع بالنصوص في إطار تلقٍ مناسب، يتجاوز النصوص التابعة إلى سياقاتها الحكائية وانعكاس ذلك في التأثير على تلقينا الأزلي لها9.

تسعى هذه الدراسة إلى إنجاز قراءة ثقافية وتأويلية للحكاية الشعبية العربية في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج العربي استناداً إلى التحليل السردي الثقافي. وقد آثرنا هذه المنهجية الثقافية التأويلية إيماناً منا بقدرتها على الكشف عن مدلولات الخطاب الحكائي الشعبي وتشكلاته الثقافية المعرفية التي صدر عنها. ولا يعني هذا الاختيار التقليل من شأن الدرس الشكلاني والجمالي البنيوي الذي يضيء مناطق القراءة الداخلية. وفي اعتقادنا أن تعاضد البنيوي الجمالي بالثقافي والتأويلي من شأنه أن يقدم دراسة متكاملة للحكاية الشعبية العربية لا نزال ننتظرها حتى الآن.

اقتصرنا في المدوّنة التطبيقية على أربع مجموعات حكائية شعبية تنتمي إلى شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي، وإن كان طموحنا أول ما بدأنا هذه الدراسة يتعدى هذه المنطقة المحدودة إلى  الحكاية الشعبية العربية بكاملها، ولكن طموحاً كهذا يصطدم بمعوقات كثيرة لعلّ من أبرزها صعوبة الحصول على  المجموعات الحكائية الشعبية العربية، وهي صعوبة ترتبط بدور النشر وبقاء بعض المجاميع الحكائية الشعبية رهن توزيع دوائر مختصة ضيقة جداً. ينضاف إلى ذلك أنّ تحليل مجموعات حكائية كبيرة ومتعددة يحتاج إلى جهود مجموعة من الباحثين الجادين وليس إلى مجهود بشري قاصر لباحث واحد فقط؛ أي أننا نتكلم هنا عن عمل منهجي بحثي مؤسسي نتمنى أن ينجز يوماً ما.

  تضم مدوّنتنا الحكائية التطبيقية أربع مجموعات حكائية شعبية هي:

1 - «أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب» للباحث السعودي عبدالكريم الجهيمان10.وتقع في خمسة أجزاء كبيرة من القطع الكبير تشتمل على أكثر من مائة حكاية شعبية. وقد مضى على إنجاز هذا العمل الآن أكثر من أربعة عقود. وقد آثر الأستاذ الجهيمان أن يدوّن هذه الحكايات المستقاة من قلب الجزيرة العربية؛ أي نجد بلغة عربية فصحى مبسطة كي ييسر تداولها لدى أكبر قاعدة قرائية عربية. وأطلق على الحكايات الشعبية تسمية «أساطير شعبية»، وهي تنقسم وفقاً لرأيه إلى «سالفة» ومعناها الحادثة الماضية التي سلفت وانتهت، و«سبحونة»، وهي اسم مشتق من مطلع الأسطورة ومبتداها الذي يكون غالباً بذكر الله وتمجيده وتسبيحه»11.

2 - «التبات والنبات: حكايات شعبية حجازية» للباحثة السعودية لمياء محمد صالح باعشن. وتقع في ستة أجزاء وتشتمل على مائة حكاية شعبية حجازية12.  وتختلف منهجية باعشن عن الجهيمان في كون مجموعتها الحكائية دوِّنت بمنطوقها الشعبي، أي العامية الحجازية وليس باللغة العربية الفصحى المبسطة كما فعل الجهيمان. وكان تسويغها لهذه المنهجية قائماً ومستنداً  إلى أن «قضية التدوين بالعامية تحكمها الأصول العلمية لرصد التراث التي تشدد على ضرورة توخي الحرص عند جمع التراث القولي وتسجيله بلغة المصدر من غير تعديل»13.

3 - «القصص الشعبي في قطر» لمحمد طالب سلمان الدويك. الجزء الثاني14. والكتاب هو في الأصل رسالة دكتوراة حصل عليها الباحث من كلية الآداب بجامعة القاهرة بإشراف نبيلة إبراهيم. وتتألف الدراسة من ثلاثة أبواب هي: مجتمع القص في قطر وأصول وأنماط ووظائف القصة الشعبية القطرية والقصص الشعبي في قطر(دراسة فنية). وقد أثبت الباحث المجموعة القصصية الشعبية التي اعتمد عليها في الدراسة والتحليل كاملة في الجزء الثاني من الكتاب بلهجة دارجة قطرية مطعمة بفصحى مبسطة. والذي يميز هذه الدراسة  أنها الدراسة الأولى والوحيدة حسب علمنا التي أُنجزت عن القص الشعبي القطري.

4 - «حزاوي أمي شيخة» للباحثة البحرينية أنيسة فخرو. ويقع عملها في أربعة أجزاء ويشمل مائة حكاية وحكاية شعبية بحرينية مدوّنة بالفصحى المبسطة مع بعض الكلمات بالدارجة البحرينية. والراوي الأصلي لهذه الحكايات هي جدة الباحثة الحاجة شيخة بنت بوراشد بنت عبدالملك. وتمثل هذه الحكايات الامتداد الكبير والمتسع للبحرين التاريخية من البصرة شمالاً إلى حدود منطقة الإحساء في شبه الجزيرة العربية . كما تمتد حكايات الكتاب لتشمل نجداً وعُمان واليمن. وأجواء الحكايات كما لاحظت الباحثة أغلبها تدور في بيئات رئيسية ثلاث:البادية والمدينة والقرية»15.

بعد قيامي بقراءة هذه المجموعات الحكائية الأربع لاحظت تشابهاً في عدد من الحكايات بينها؛ أي في نطاق الخليج العربي والجزيرة العربية كما لاحظت تشابهاً بين بعض حكاياتها وحكايات شعبية عربية من بلاد الشام ومصر. وهذا أمر غير مستغرب فيما يخص الحكاية الشعبية التي عرفت تداولاً ثقافياً نقلها  من خلال معابر التجارة والحروب والحضارة إلى أقاصي بلاد الدنيا. وهو ما يتصل بنظرية «الاستعارة» أو «النظرية الشرقية» التي تعد من النظريات الكلاسيكية لعلم الفولكلور والتي قدّمها المستشرق الألماني تيودور بنفيBenfy عام 1859. وقد أشار بنفي إلى التشابه اللافت بين الحكايات السنسكريتية والحكايات الأوروبية وحكايات الشعوب غير الأوروبية. ولا يرجع تشابه الموضوع في نظر بنفي إلى قرابة الشعوب وإنما إلى الصلات التاريخية الثقافية بينها أي عن طريق الاستعارة. ويشير بنفي إلى المراحل المتعددة التي كان للشرق فيها على وجه الخصوص تأثير قوي على الغرب الأوروبي حيث استمرت عملية الاستعارة هذه بشكل ملحوظ وخاصة استعارة الحكايات الأسطورية من الشرق(...). واعتبرت الهند القديمة هي المستودع الأساس الذي أمد الشعوب الأوروبية بمادة الإبداع الأدبي. ومن الهند رحلت الحكايات الأسطورية بالشكل الشفاهي أو المكتوب إلى فارس والجزيرة العربية وفلسطين ومن هناك عبرت البحر المتوسط إلى الغرب وأوروبا. وقد لعبت الشعوب المتاجرة كاليهود والعرب دوراً كبيراً في نقل الحكايات الأسطورية من الشرق إلى الغرب16. ومن الحكايات الشعبية في منطقة الجزيرة العربية والخليج العربي المتشابهة مع نظيراتها من الحكايات الشعبية العالمية سالفة «القطية» عند الجهيمان التي هي حكاية «حمده» عند فخرو. وهما  حكاية «سندريلا» العالمية مع ملاحظة أن رواية الجهيمان  لهذه الحكاية الشعبية تبين أنه أخذها عن راوٍ مثقف قرأ القصة ثم أعاد إنتاجها شفاهياً في حين أن رواية فخرو هي رواية خليجية شفاهية بحتة مع تشابه الحوادث الرئيسة مع الحكاية العالمية ونحن لا نعلم أيهما كان الأصل الأول!17

 

في المبتدأ الحكائي الشعبي:

قبل أن نشرع في تحليل مدوّنة الدراسة ارتأينا الوقوف عند بعض العتبات التاريخية والمنهجية ذات الصلة بموضوعنا عن الأنساق الثقافية والتأويل في الحكاية الشعبية. وستساعدنا هذه العتبات التاريخية والمنهجية في بيان موقع الحكاية الشعبية العربية من التراث السردي العربي قديماً وحديثاً من خلال بيان أنماط التلقي لهذا السرد الشعبي، كما أنَّ تجلية المصطلحات النقدية المركزية لهذه الدراسة وهي «الأنساق الثقافية»والتأويل ستساعدنا في عمل توطئة منهجية تقرب هذه المصطلحات من أفهام المتلقي أي متلقي الدراسة وتجلو له الغوامض.

الحكاية الشعبية العربية وموقعها من الموروث السردي العربي:

   تشترك الحكاية الشعبية مع السيرة الشعبية العربية في الأصل الشفاهي وتختلفان في عنصر الطول المميز للسير الشعبية العربية التي قد تطول لتكوّن متونها آلاف الصفحات. ونجد عند بعض الباحثين العرب المعاصرين خلطاً ولبساً واضحين في تحديد مصطلحي»سيرة شعبية»و»حكاية شعبية»؛ فقد أطلق فؤاد حسنين علي تسمية» القصص الشعبي» على الحكاية الشعبية والسيرة الشعبية، وخصّ السيرة الشعبية بأنها»قصص إسلامي»18. كما قام عبدالحميد يونس بإطلاق تسمية(حكاية شعبية طويلة» على السير الشعبية، وعدّ مصطلح»حكاية شعبية» مصطلحاً جامعاً مانعاً لأنواع سردية متنوعة تستوعب أنماطاً وأنواعاً متفاوتة، وتستهدف وظائف منوّعة منها الأسطورة، وحكاية الحيوان، وحكاية الجان والسير الشعبية العربية، وحكاية الشطار، والحكاية المرحة، وحكاية الألغاز19. والمتأمل في تعريف عبدالحميد يونس يجد أن عنصر الطول في السير الشعبية هو الذي لفت انتباهه فجعله علامة فارقة في التمييز بين السيرة والحكاية الشعبية.

أمّا فاروق خورشيد فقد تنبه على وجود فروق بين القصص الشعبي والسير الشعبية»فالقصص الشعبي كم هائل اهتم به المسامرون  وكتاب الأخبار والحكاءون منذ مطلع التاريخ العربي، ودوِّنت أعمال كثيرة منه، واستمد وجوده من المترسبات الشعبية العربية من الجزيرة وغيرها من أجزاء المنطقة العربية، كما استمد وجوده أيضاً من الوافد من الشعوب المجاورة والبعيدة على حد سواء»20. كما أشار خورشيد إلى وجود نسق مكاني يميز السيرة الشعبية عن سواها من الأنواع السردية المختلفة؛» فشخصية البطل في السيرة تمر بخمس مراحل هي: مرحلة التكوين، ومرحلة الفروسية أو المرحلة الذاتية، والمرحلة الأسطورية أو المرحلة الملحمية ومرحلة الامتداد»21. وعلى الرغم من اجتهاد خورشيد في الكشف عن سمات الحكاية الشعبية والسيرة الشعبية إلا أنه لم يشر إلى أصل مهم هام للحكاية الشعبية هو الشفاهية؛ فقد تدوّن بعض الحكايات الشعبية إلا أن الطابع الشفاهي يميزها حتى في تدوينها. كما أنها لا تثبت على صورة أو شكل قار وإنما تنتقل بين الدوائر الشفاهية والكتابية وهذا ما يميزها عن القصص المكتوبة. وتشترك السيرة الشعبية مع الحكاية الشعبية في الشفاهية على الرغم من الحديث عن أصول مدوّنة لبعض السير الشعبية. كما أن استيعاب القصص الشعبي لمتراكمات ثقافية عبر العصور يميز السيرة الشعبية أيضًا. ولهذا لا يعد الإدماج النصي الثقافي حكراً فقط على القصة الشعبية.

كانت نبيلة إبراهيم أكثر الباحثين العرب اقتراباً من تحديد ماهية الحكاية الشعبية؛ إذ تعدها شكلاً من أشكال التعبير في الأدب الشعبي إلى جانب الأسطورة والحكاية الخرافية الشعبية والمثل الشعبي واللغز والنكتة الشعبية والأغنية الشعبية. وقد اعتمدت نبيلة إبراهيم في مرجعيتها لتعريف الحكاية الشعبية على ما جاء في بعض المعاجم الأجنبية وخاصة المعاجم الألمانية التي تعرف الحكاية الشعبية بأنها»الخبر الذي يتصل بحدث قديم ينتقل عن طريق الرواية الشفوية من جيل لآخر، وهي خلق حر للخيال الشعبي ينسجه حول حوادث مهمة وشخوص من مواقع تاريخية»، أمّا المعاجم الإنجليزية فتعرفها بأنها حكاية يصدقها الشعب بوصفها حقيقة، وهي تتطور مع العصور فتتداول شفاهاً، كما أنها قد تختص بالحوادث التاريخية الصرف أو الأبطال الذين يصنعون التاريخ»22.

إنَّ الجامع بين هذين التعريفين كون الشعب هو المبدع و المتلقي معاً لهذا النتاج السردي القصصي أي الحكاية الشعبية. ولهذا فإن عنصر الرواية الشفاهية هو عنصر رئيس للحكاية الشعبية ينضاف إلى ذلك أن الحكاية الشعبية لها مرجعية واقعية أي أنها ليست بأسطورة أو من صنع الخيال، ولكن هذا لا ينفي طابع العجائبية الذي قد يميز أبطال هذه الحكايات الشعبية.23

- عٌرِفَ المتخيّل الشعبي العجائبي في الثقافة العربية الإسلامية مع بروز فئة القصاص الذين لم يمتثلوا لشروط القاص والواعظ والمذكر في الإسلام  وباتت تشكيلات القص العجائبي عندهم تتخذ آماداً واسعة وذلك باشتغالاتهم على القص الديني وإخضاعه لتحويلات نصية كبرى أخرجته من حيز العظة والاعتبار إلى حيز الكذب والمبالغة وتجاوز حدود المعقول. ويعد كتاب «القصاص والمذكرين»لابن الجوزي وكذلك كتاب»الباعث على الخلاص من أحاديث القصاص»للحافظ العراقي من أبرز الكتب التي حذرت من آفات القصاص وأرادت أن ترسم صياغة نظرية للقص في الإسلام لا ينبغي الخروج عليه وإلا عد القاص كاذباً ووضاعاً24. وعلى الرغم من سطوة الأحكام التي شكلتها السلطتان السياسية والدينية تجاه القص العجائبي إلا أن القص لم يمتثل لتلك الأحكام وكان حضوره بارزاً في النصين الشفاهي والكتابي. ويزودنا ابن النديم بطائفة كبيرة من القصص العجائبية التي راجت رواجاً منقطع النظير في عصره؛ أي في القرن الرابع للهجرة25. ويورد أبوحيّان التوحيدي في حكاية أبي القاسم البغدادي ذكراً لقصة البدوية وابن عمها ولكن هذه الحكاية لم تصلنا26. كما تفيدنا الإشارات الأدبية والتاريخية المتناثرة في مصنفات الكتب القديمة عن تشكلات الحكاية الشعبية كإشارة ابن تغري بردي(ت847) عن البطّال الذي يعد أحد الشخصيات الرئيسة في سيرة الأميرة ذات الهمة أنه»شهد عدة حروب وأوطأ الروم خوفاً وذلة».27 وللعامة حكايات ترويها عنه من مخترعات القصاصين» وجعل المقري حديث البطّال وألف ليلة وليلة من الأحاديث المشهورة في بلاد الأندلس28.

- في المصطلحات: في تحرير مصطلحات الدراسة:

سنستخدم في هذه الدراسة  بعض المصطلحات النقدية وأهمها مصطلحان هما الأنساق الثقافية والتأويل. يمكننا أن نحدد مفهوم الأنساق الثقافية cultural paradigmatic بأنها “نظم” systems بعضها كامن وبعضها ظاهر في أية ثقافة من الثقافات. وتتفاعل في هذه النظم العلاقات المجازية عن التذكير والتأنيث الثقافيين والعرق والدين والأعراف الاجتماعية والقيود السياسية والتقاليد الأدبية والطبقة وعلاقات السلطة التي تحدد المواقع الفاعلة للذوات. وهذه النظم ذات صلة وثيقة بإنتاج الخطاب الإبداعي والفكري وطرائق تلقيه. والأنساق الثقافية لا تقتصر على الأدب الرسمي أو المعتمدcanon في ثقافة ما، وإنما تتجاوز ذلك إلى الأدب غير الرسمي أو غير المعتمد=الشعبي29.

 

أمّا التأويل interpretation فيقصد به توضيح مرامي العمل الفني ككل ومقاصده باستخدام وسيلة اللغة. وبهذا المفهوم ينطوي التأويل على شرح خصائص العمل الفني وسماته مثل بيان النوع الأدبي الذي ينتمي إليه وبنيته وغرضه وتأثيراته. فالتأويل هو محاولة لوصف الكيفية الني نحقق بها فهم النصوص، ويعتمد فحص النص على خصوصية أفق القارىء الفرد وزمانه ومكانه30.

 

في التطبيق:

أولاً:الحكاية الشعبية وتحبيك التاريخ السردي:

مثّلت المصنفات التاريخية العربية القديمة جانباً كبيراً من تاريخ السلطة، وخضع المؤرخ العربي القديم لأنساق هذه السلطة سواء أكانت سلطة سياسية أو سلطة معرفية أو دينية. وهذا يعني أنّ تاريخا مسكوتا عنه غُيِبَ وأُقصي بفعل عوامل إيديولوجية وسياسية واجتماعية وثقافية تحكمت في بنية المجتمعات العربية والإسلامية. وقد مارست الجماعات المقصاة أنساقا مضادة للأنساق الحاكمة المسيطرة وأنتجت أنواعاً أدبية خاصة بها مثل الحكاية الشعبية والسيرة الشعبية والأمثال والشعر الشعبي مثل الموشحات والأزجال والمواليا. كما أنها توسلت بأنساق البلاغة الرسمية مثل الشعر ديوان العرب والرسائل في إنشاء بلاغة مفارقة تراوغ فيها البلاغة الرسمية المسيطرة31.

 

ولئن كانت السير الشعبية العربية هي النوع السردي الشعبي الذي نستطيع بواسطته تتبع التحبيك السردي الذي تخلقه الجماعات لنفسها وتنسجه نسجاً رمزياً لخلق متخيلها الرمزي وإنتاج بلاغتها الشعبية الخاصة بها نظراً لضخامة متونها التي تصل إلى آلاف الصفحات فإنَّ الحكايات الشعبية العربية تمثل هي الأخرى مدوّنة نصية لايُستهان بها لخلق هويات سردية للجماعات المتخيلة؛ أي خلق ذاكرة جماعية مشتركة من خلال التحبيك السردي الذي يدعم هويتها السردية بحسب تعبير بول ريكور32. وهذا التأويل الشعبي للتاريخ يخالف في كثير من الأحيان التواريخ الرسمية السلطانية العربية التي درج عليها المؤرخون العرب المسلمون في كتاباتهم والتي لا يأتي فيها الفرد إلا في سياق ارتباطه بالسلطان أو الخليفة. ولا يعني هذا الحديث أنّ كتب التواريخ القديمة ومصنفاتها أهملت الحديث عن الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في الأمصار الإسلامية فقد جاء حديث مستفيض عن هذه التواريخ،  ولكننا نعني السمة الغالبة على الكتابة التاريخية العربية القديمة في علاقتها بتواريخ السلاطين والخلفاء والأمراء.

 

وقعنا في المجموعات الحكائية الشعبية موضع البحث على حكايات شعبية أبطالها شخصيات مرجعية تاريخية جرى تحوير حوادثها وسماتها بما يتناسب مع الذاكرة الشعبية وتحبيكها السردي للتاريخ والحكايات هي كالآتي:

-حكايات شعبية عن أبي زيد الهلالي ونجدها: عند الجهيمان في سالفتي «عليا وأبوزيد» و»أبوزيد الهلالي وأمير وشيقر حديد»، وعند أنيسة فخرو في الحكاية الشعبية«بوزيد».

يقول عبدالكريم الجهيمان عن التاريخ الذي تخلقه الحكايات الشعبية التي أسماها أساطير أن الباحث» قد يجد في هذه الأساطير تاريخاً لما أهمله التاريخ فإنَّ المؤرخ قد لا يقول كل شيء وقد لا يتعمق في حياة الشعوب لمعرفة مشاكلها وآلامها وأحلامها. وفي هذه الأساطير منابع ثرة يستطيع القارىء أن يعرف منها أموراً كثيرة عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية وما إلى ذلك من الأمور التي قد تكون أسساً لدراسات منوعة عن حياة الآباء  والأجداد»33.

 

جاء الحديث عن السيرة الشعبية الهلالية في ثلاث حكايات شعبية كوّنت الجانب الأكبر من حكايات المرجعية التاريخية، ولا نستغرب كثافة ورود مرويات شعبية خاصة بالسيرة الهلالية في منطقة الجزيرة العربية والخليج العربي فقد انطلقت حوداث السيرة الهلالية من نجد في قلب الجزيرة العربية لتواصل حوادثها السيرية في بلاد الشام والعراق ومصر وإفريقية( الاسم القديم لتونس). وتعد السيرة الهلالية بحلقاتها الثلاث (الريادة والتغريبة وديوان الأيتام) السيرة الشعبية الأكثر انتشاراً في الوطن العربي؛ إذ تمتد «دائرة السرد الهلالي لتشمل المنطقة الواقعة من العراق شرقاً إلى المغرب غرباً، ومن سوريا شمالاً إلى جنوب الجزيرة العربية والسودان جنوباً. وقد وجد الباحثون قصصاً لا تزال تتردد في مناطق بغرب نيجيريا، وحول بحيرة تشاد وبلهجات اللغة العربية المحلية هناك «34.ويذكر الصويان أن البدو في نجد ينظرون إلى الهلاليين  كنظرتنا إلى قوم عاد إذ يقول عن البحر المشتق من الطويل والذي يسميه أهل نجد الهلالي:«وهذه التسمية يطلقونها_أي أهل نجد_ على كل ما هو قديم موغل في القدم، كانت نظرة أهل نجد المتأخرين إلى بني هلال لا تختلف عن نظرة العرب القدماء إلى قوم عاد»35.

 

يخالف تاريخ السيرة الهلالية(المتخيّل) الصورة التي رسخها بعض المؤرخين ومنهم ابن الأثير عن تنقلاتهم وتغريبتهم وإحلالهم الخراب في البلاد والعباد.  فالريادة تؤسس للجماعة الهلالية نسباً أسطورياً يصلهم بالأوس بن تغلب جدهم الأكبر المزعوم. كما يضفي الراوي على الجماعة الهلالية وانتقالاتها في الفضاءات المختلفة طابع القداسة. فكان لقاء هلال (الجد الأسطوري) بالرسول (صلى الله عليه وسلم) ودعاء فاطمة الزهراء لبني هلال بالتشتت والانتصار36. ولذلك فإنَّ المثل الشعبي العربي الدارج«وكأنك يابوزيد ماغزيت» يختزل هذه السيرة الشعبية العربية الوحيدة التي انتهت إلى التشتت بعد الانتصار بمقتل أبطالها الرئيسيين أبوزيد الهلالي سلامة والجازية أم محمد ودياب بن غانم37.

  يمكن النظر إلى الحكايات الشعبية الهلالية في منطقة الجزيرة العربية والخليج العربي بوصفها تمثل روايات هذه المنطقة عن السيرة الهلالية كما هي الحال في روايات عربية أخرى أخذت طابع الحكاية الشعبية القصيرة مثل الروايات الفلسطينية الشفاهية والروايات التونسية38.

حكايات شعبية ثلاث عن أبي زيد الهلالي39:

1- تقوم سالفة «عليا وأبوزيد»:

التي أوردها الجهيمان في أساطيره الشعبية40على قصة الحب التي جمعت بين قلبي عليا الهلالية وابن عمها أبوزيد الهلالي فارس القبيلة المشهور. وتحول العوائد القبلية دون زواج المحبين جرياً على عادة العرب. وتُزّوج المحبوبة من رجل ينتسب إلى قبيلة أخرى وترتحل وتفارق الديار. ويرتحل أبوزيد وراءها ويصطحب معه في رحلته ابن أخته عزيز بن خالد الذي يتنكر في هيئة عليا حتى لا ينالها الزوج، فيشعر الزوج أنه أمام رجل  ويستجيب لنصيحة امرأة عجوز  بجرح يد العروس اليمنى مع عرق الأكحل فإن كانت أنثى لم يضرها ذلك وإن كانت رجلاً سيموت. فيقطع أكحل عزيز ويغادر عزيز الديار مع أبي زيد بعد الاطمئنان على حب عليا لأبي زيد وإخلاصها له. وتتنهي قصة الحب لتبدأ قصة الغدر إذ»خشى أبوزيد على مركزه في العشيرة من هذا الشاب الذي تجمعت فيه كل مقومات الزعامة، وفكر بالأمر بجد وأهمية ...إن عزيز ابن أخته وعزيز أسدى إليه يداً بيضاء في هذه الرحلة لا يستطيع أي رجل أن يسديها إليه ومع ذلك فإن الزعامة إذا هددت لا تفكر في قرابة ولا تفكر في معروف وهي تضحي بكل عزيز ولو كان أباً أو أخاً أو عماً أو خالاً في سبيل المحافظة على الزعامة»41. ولذلك يدبر أبوزيد  الهلالي مكيدة لعزيز كي يتخلص من منافسته المرتقبة له فيجعله يجلب ماء من البئر ويبتل جرحه فيموت فيكفنه ويدفنه ويعقر راحلته عند قبره وينشد شعراً42:

 

دفقت على قبر الهلالي قربته

              وماها غدا يصيح من كل جانب

وحطيت على قبر الهلالي جوخته

             وتكتها تــذري عليهـا الهبايب

وحطيت على قبر الهلالي فتخته

              فــي موقع يشوفها كل صاحب

وعقرت على قبر الهلالي بكرته

              وخليتها تعتب حوالي النصائب

 

وعندما تلوح ملامح الزعامة على ابن عزيز الشاب يتحين أبوزيد فرصة الخلاص منه كما تخلص سابقاً من أبيه  فيدعوه إلى السباق بعد أن يضع تحت سرج فرسه مادة لزجة. تقول رواية الجهيمان:» ركب الفارس الزعيم وركب بجانبه الفارس الصغير وانطلقا بفرسيهما وجالا جولة وكل منهما ثابت على فرسه ثم جالا جولة ثانية وانحرف أبوزيد بفرسه فجد وكانت في غاية سرعتها فانحرفت فرس الفارس الصغير فزلَّ السرج من فوق ظهر الفرس وزلّ الفارس الصغير تبعاً للسرج وسقط على الأرض واندقت عنقه وسلك سبيل أبيه وراح ضحية الرجولة والشرف والنجابة»43. وتنتهي السالفة بأن «بقي أبوزيد مسيطراً على الحي ممسكاً بزمام الزعامة بكلتا يديه إلى أن جاء هادم اللذات ومفرق الجماعات».

 

2 - سالفة أبوزيد الهلالي وأمير وشيقر حديد44:

تصيب المجاعة ديار بني هلال فيطلب أبوزيد الهلالي من أفراد قبيلته أن يبيعوه بصفته عبداً أسود اللون إلى أمير وشيقر حديد وأن يقتاتوا بثمنه طعاماً، ويشد القوم رحالهم ويقصدون وشيقر ويبيعون أبازيد. ويعمل أبوزيد عند الأمير إلى أن يأتى بعد حين من الزمن نفر من قبيلة بني هلال وينادون على أبي زيد باسمه الحقيقي فيعرف الأمير قصته ويطلق سراحه ويأخذ منه عهداً ألا يغير على دياره. وبعد فترة يشتبك بنو هلال مع الأمير حديد في قتال ينشب بينهما ويلتزم أبوزيد بوعده، ويكاد الجيش الهلالي ينهزم فيقوم ذياب بن غانم بقيادة الجيش ويقتل الأمير حديد» وتتنهي الحكاية45.

 

 - الحكاية الشعبية»بوزيد» من فخرو46:

«كان يُعرف في قبيلة بني هلال شقيقان. الأكبر يدعى هلال ولديه ولد اسمه بوزيد والأخ الأصغر ويدعى ذياب. وكان ذياب يكن البغض والعداوة لأخيه حتى تمكن ذات يوم من قتله، وبعد أن قتله أمعن في غيه وتزوج زوجة أخيه أم(بوزيد).شعرت الزوجة بالقهر والظلم خاصة عندما لمست الفارق في التعامل بين والد ابنها بوزيد هلال وبين أخيه ذياب. فلقد كان زوجها المقتول والمغدور به شهماً نبيلاً محباً عطوفاً على عكس أخيه الذي كان عنيفاً وقاسياً. كظمت غيظها واتخذت أمراً في قرارة نفسها ألا وهو الانتقام لقد قررت أم بوزيد أن ترضع طفلها بوزيد رغبتها في الانتقام وتعلمه فنون القتال لكي ينتقم لها لمقتل أبيه من عمه. وكانت تردد مفتخرة بشجاعة ابنها«بوزيد سدرة والبدو عصافيرها كل من طار طيره ليا في ظلالها»(...) وبالفعل ما إن بلغ السادسة عشرة من عمره حتى طلبت منه أمه أن يقتل عمه، وفي اليوم نفسه أخذ بوزيد الخنجر وغرزه في ظهر عمه ذياب دون تردد ودون أن ترمش له  طرفة عين. وكان بوزيد بهي الطلعة ناصع البياض وكانت أمه من شدة خوفها من الحساد تطلب منه كلما أراد الرعي في الوديان مع أغنامه أن يطلي وجهه بالفحم الناعم لكي يبدو على هيئة عبد أسود ثم تسمح له بمرافقة أحد العبيد والخروج معه لرعي الغنم».

 

يعشق بوزيد عليا العامرية الجميلة التي يزوجها أهلها من رجل آخر ويرغب بوزيد في نيل محبوبته والزواج منها لذا يريد مرافقة أحد أبناء أخته وحين يتبين  عجز اثنين منهما عن عمل العصيدة التي يريدها بوزيد. وأخيراً يتمكن عزيز من عمل العصيدة ويرافق بوزيد إلى مضارب عليا .وتورد الراوية الأبيات الآتية منشدة على لسان عزيز والتي كانت سبباً في إيغار صدر خاله عليه:

 

«على يارقود الليل قعدوا تنبهوا

تره صابني من هوى الليل صايب

جرحت يا خالي في الإصبع الأجحل

وقصوا من راسي خيار البسايل

بت أنت ياخال في عناق المخلخلة

وبت أنا ابن أختك أجاسي الشدائد»

 

«يسلك بوزيد متعمداً كل الطرقات المزروعة بالزهور والرياحين لكي يتعفن جرح ابن أخته عزيز ويصعب علاجه فيصاب عزيز بالحمى ويكتب على هودج بدوي قصته كاملة ويوصيه بأن يمر بالهودج على ديار العامري فتعلم عليا بموته وتبكيه نادبة ثم يمر الهودج على ديار بني هلال فتقرأ ابن أخت عزيز الصغرى التي تعلمت القرآن ما كتب على الهودج فتخاطب بوزيد قائلة:وراك ياخالي تحاجينه وعقالك مايل وراك ياخالي تحاجينه ودموعك من الييوب سايل» فرد عليها بغضب:«غدي غديتي عني يعلج موت الوحي ماعندي يوم آدجه إلا الطيور تعي»47.

 

  لدينا في هذه الحكايات الشعبية الثلاث عن أبي زيد الهلالي صورتاين نقيضتاين الأولى صورة البطل الشجاع الذي يؤثر  قبيلته على نفسه ولو أدى به هذا الإيثار إلى بيع نفسه وفقدان حريته والدخول في أغلال العبودية والتخلي عن شرف الرئاسة القبلية أمّا الصورة الأخرى فهي على النقيض من الصورة الأولى المشرقة فالصورة الأخرى ترسم لنا شخصية بطل  يعشق السيطرة والرئاسة حتى لو أدى به هذا الحب إلى قتل أقرب المقربين إليه كما فعل أبوزيد في سالفة عليا وأبازيد وفي الحكاية الشعبية» بوزيد».

 

إن الصورة الأقرب إلى أبي زيد الهلالي  في السيرة الهلالية التي حملت اسم التغريبة هي صورته في سالفة» أبوزيد الهلالي وأمير وشيقر» حديد؛ فقد عُرِفَت عن أبي زيد الهلالي مهارة التنكر في شخصية الشاعر الجوال أو العبد أو شاعر الربابة أو راهب مسيحي أو درويش أعجمي أو مهرج البلاط48. كما عُرِفَ عن أبي زيد في التغريبة إيثاره قومه على نفسه وحادثة التنكر في زي عبد يُباع وردت في السيرة الهلالية49.

 

لقد حوّلت الحكاية الشعبية(سالفة عليا وأبازيد) شخصية أبي زيد الهلالي إلى شخصية دياب بن غانم الفارس الزغبي القوي الذي لا يأبه سوى بمنطق القوة المطلقة كي يحظى بالزعامة الهلالية  فيقتل كي يصل إلى هذه الزعامة الجازية  الهلالية رمز العقل والحكمة في القبيلة وأبي زيد الهلالي رمز الشجاعة والفروسية المرتبطة بالحيلة والدهاء اللتين نذرهما لخدمة قبيلته. أي مثلما  فعل أبوزيد في روايتي (الجهيمان) و(فخرو) عندما فرط  بشابين هلاليين من أقرب المقربين إليه  طمعاً في الوصول إلى الرئاسة القبلية.

 

تجعل رواية (فخرو) من ذياب بن غانم زوج أم أبي زيد الذي قتل أباه ويثأر أبوزيد من القاتل الذي هو عمه. وتسير حوادث الحكاية في التأكيد على ثيمة الشر والغدر التي تلبست أبازيد  وجعلته يقتل أبناء شقيقته الثلاثة. ويتناقض لون أبي زيد الأبيض في الحكاية الشعبية برواية( فخرو) مع لونه الأسمر أو الأسود في روايات السيرة الشعبية الهلالية.فقد كان اللون الأسود سبباً في إقصاء أبي زيد الهلالي عن قبيلته؛ فقد طلبت والدة أبي زيد خضرة الشريفة من الله أن يرزقها ولداً ذكراً يقهر الفرسان، ولو كان لونه مثل الغراب الأسود الذي رأته يطرد الغربان ويفتك بهم فاستجاب الله دعاءها». و كانت رغبة القوم متمثلة في إقصائه فالسيد لا يكون أسود اللون فلما رآه سرحان عضّ على أصابعه وقال لرزق: هذا الولد أسود مثل العبد ثم أنشد يقول50:

يامير رزق هذا خليفتك

              هذا أبوه عبــد أســـود

      سميته بركات فضاع الهنى

                  راح الفرح عنا وجاء الأنكد

يارزق قد ضيعت نسلك

                      والسعد ولى ونحسك يصمد

وحظي أبوزيد الهلالي بإعجاب قومه لشجاعته وبطولاته ولكن على الرغم من ذلك فإن الجازية الهلالية تعير عليا زوجة  أبي زيد بأنها«زوجة عبدنا51».

لا تذكر رواية الجهيمان الشعبية ردود علياء معشوقة أبي زيد  أفعالها على وحشيته وقسوته في حين أن رواية فخرو ردة فعلها بعد معرفتها موت عزيز بسبب خاله أبي زيد؛ تقول رواية فخرو: «وصل بائع الملح بهودجه إلى ديار علياء وصار ينادي بما أوصاه المحتضر قائلا:«من يبغي ملح؟عزيز مات، من يبغي ملح؟عزيز مات». سمعت المرأة العجوز المنادي فهبت مسرعة لتخبرعلياء. وكان يعمل في بيت شيخ القبيلة العديد من العبيد وكان بينهم عبد اسمه عزيز. وعندما دخلت العجوز على علياء وأخبرتها بالخبر المحزون صارت علياء تبكي وتردد قائلة:«ياناقل علم السوء ياناس خاسر». وفي تلك اللحظة دخل العبد عزيز عليها حاملا كأس ماء فتعثر وسقط عل الأرض.فصارت علياء تصيح وتندب قائلة»آيّة عليك ياعزيز،آيّة عليك ياعزيز».فردت عليها العجوز الشمطاء:«إبجاج على عزيز مو على عزّيز»52.

 

كليب ومهلهل أو حرب البسوس:

يورد الجهيمان سالفته عن« كليب ومهلهل»53 المستقاة من حوادث حرب البسوس التاريخية التي تعد من أبرز أيام العرب في الجاهلية. ويستبق آراء المتلقين حول متخيله السردي الشعبي ببيان ذيّل به سالفته السابقة ويقول فيه:«هذه القصة بنصها وفصها يتناقلها الصغار عن الكبار في الأوساط الشعبية بلفظها ومعناها وقد يكون في بعض نقاطها ما يوافق ما كتبه المؤرخون عن حرب البسوس وما تفرع عنها من حروب وقد يكون هناك نقاط فيما يتناقله المواطنون تخالف ما سجّله المؤرخون خلافا سطحياً أو خلافاً جوهرياً فاقرأ هذه القصة أيها القارىء الكريم على أنها إحدى الأقاصيص الشعبية التي يتناقلها الخلف عن السلف وتقبلها على علاتها أو صحح منها ما ترغب في تصحيحيه»54.

لا تختلف سالفة كليب ومهلهل كما رواها الجهيمان عن أخبار حرب البسوس كما رواه الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني55 ؛ فبسبب قتل كليب ناقة امرأة اسمها البسوس كانت في جوار قبيلة بكر يثأر منه  جسّاس زوج أخته وترفض قبيلة كليب تغلب الدية على لسان المهلهل . وهنا تتدخل الحكاية الشعبية لتبين رفض مهلهل المطلق الأخذ بدية أخيه كليباً إذ يقول لرسل قبيلة بكر: «أنا ليس لي مطمع في مال أتكثر به وإنما أريد سبع الشويهات البيض ليحتلبها ويعيش من  ورائها بنات كليب وأريد القعود الأعفر لينتقلوا عليه من مكان إلى مكان»56. وكان يعني من مقصده الذي فسره أحد شيوخ بكر أنه يريد بالشويهات البيض السبع بنات نعش ويقصد بالقعود الأعفر القمر57.واستمرت الحرب بين الحيين أربعين عاماً وكان لكليب بنات أكبرهن تدعى حمامة فكان مهلهل يقول في حروبه هذه الأبيات الشعرية:

ياحمامة باصريني

أذبح في كليب ألفين بعير

ولاتسوى أصيبعه الصغير 

 

وتتداخل حكاية مهلهل مع حكاية الشنفرى الذي أقسم أن يقتل من قبيلة بني سلامان مائة رجل  فيظفر بتسعة وتسعين رجلاً ويكمل المائة بعد أن دخلت شظية من جمجمة الشنفرى بعد قتله في رجل أحد بني سلامان الذي يلقى حتفه فتكتمل بذلك أسطورة الشنفرى58. تقول الحكاية الشعبية:«وأقسم مهلهل أن يقتل من بكر مائة رجل ثأراً لأخيه كليب ولما بلغ قتلاه من تغلب تسعة وتسعين رجلاً توقفت الحرب بين الحيين توقفاً قهرياً لموت مهلهل في الوقت الذي لم يفِ فيه بقسمه وتفرق الحيان في البلاد بعد أن أنهكتهم الحرب وأكلت زهرة شبابهم وأهلكت أكثر مواشيهم ولكن الله أراد أن يحقق قسم مهلهل فبعد عام من الأسفار والرحيل على مواطن المعارك عاد الحيان إلى مواطنهما ورأى رجل من بكر عظما يلوح من عظام قتلى قبيلة تغلب فأخذ العظم وحاول أن يكسره فوق ركبته وعندما ضغط على العظم بركبته انكسر العظم ولكنها انفصلت منه شظية دخلت في ركبة هذا الرجل فأحدثت جرحا وتعفن الجرح فأحدث تورماً وكبر التورم واتسع إلى أن تسمم الجسم كله فمات مقتولا بشظية من شظايا عظام أحد القتلى من تغلب فكان قتيل العظم هو تمام المائة من بكر الذي أقسم مهلهل أن يقتلهم ثأرا بأخيه»59.

تفترق حوادث السيرة الشعبية الخاصة بالمهلهل المسماة «بالزير سالم» في كثير من حوادثها عن أخبار حرب البسوس كما جاءت في كتاب الأيام لأبي عبيدة60والأغاني للأصفهاني في كون اشتغال حوادثها على المتخيل السردي الشعبي الذي اختلق شخصية الملك التبع اليماني وأخته سعاد الملقبة بالبسوس، واختلق أيضاً القصيدة الملحمية الطويلة التي تنبأ فيها التبع اليماني بحوادث الدنيا إلى قيام الساعة61. وفي الوقت الذي ضخمت فيه السيرة الشعبية الشخصية البطولية السردية للزير سالم أو المهلهل وهو أنموذج البطل المثالي الذي يصمم على بلوغ غايته حتى الرمق الأخير فإن أخبار حرب البسوس الواردة في المصادر التاريخية والأدبية التي أشرنا إليها تبرز المهلهل بتناقضاته وبهزيمته بما في ذلك موقفه من صديقه امرىء القيس بن أبان وتضحيته به62.

 

 

الحجّاج بن يوسف الثقفي في المتخيّل الشعبي:

 

يعد الحجّاج بن يوسف الثقفي واحداً من أبرز رجالات بني أمية وأشجع ولاتهم وأكثرهم صرامة قد تصل في كثير من الأحيان إلى القسوة الشديدة التي لا ترحم على خصومه. وقد عُرِفَ أيضاً ببلاغته التي صيّرته من أشهر البلغاء والخطباء الذين أنجبتهم العرب وجعله الجاحظ مثالاّ يقتدى به في الفصاحة والخطابة63. وللحجّاج تمثيلاته السردية في الموروث الشعبي خاصة في الحكايات الشعبية والنوادر وأخبار العرب.

 

أورد الجهيمان هذا المثل الذي تصحبه قصة سردية على عادة بعض أصحاب الأمثال عند شرح موارد أمثالهم ومضاربها.إذ يقول«مثل في حادثة جور:» الله يحلل الحجاج عند ولده: من المعروف المستفيض في كتب التأريخ وعلى  ألسنة الناس على مختلف طبقاتهم أنّ الحجّاج بن يوسف الثقفي كان ظالماً جبّاراً يقتل ويسجن ويسلب الأموال بلا محاكمة ولا رجوع لأي شرع أو نظام حتى صار ظلمه مضرب الأمثال وحديث الناس الحاضر منهم والبادي.عاش على هذا النهج طيلة أيام حياته وجاءه مرض الموت وأحس بدنو أجله فدعى ابنه وأنابه عنه بعد وفاته ثم أوصاه بأن يمشي بنعشه في طريق مستقيم من بيته إلى مثواه الأخير في المقبرة وكانت الشوارع كلها غير مستقيمة وسأله ولده عن الطريقة فليس في المدينة شارع واحد مستقيم فقال الحجّاج إن الطريقة أن تهدم جميع البيوت التي بيني وبين المقبرة فيسعى بجنازتي في طريق مستقيم من منزلي  إلى قبري. مات الحجاج وشق ابنه طريقاً مستقيماً من بيت والده إلى المقبرة وهّدم بيوتاّ كثيرة وسواها بالأرض بلا تقدير ولا تعويض وأحس الناس بظلم وجور من نوع جديد وبطريقة تعسفية ممقوتة بقي بعدها كثير من الناس بلا مأوى فنسوا ظلم الحجاج وجوره وشغلهم ابنه بهذه الحادثة وأمثالها عن التفكير في جرائم والده ومآسي حكمه.فأطلقوا هذا المثل الذي يترحمون فيه على الحجاج إذا قورن ظلمه بظلم ولده«الله يحلل الحجّاج عند ولده». هذا ما أراد الحجّاج وتصور وقوعه»64.

 تؤشر هذه الحكاية عند الجهيمان على ظلم الحجّاج وبغيه وجوره حتى في موته ولكن ابنه فاقه في الجور والطغيان حتى أصبح ظلم الحجّاج لا يُضاهى بظلم ابنه وبغيه. وربّما أنَّ الذاكرة الشعبية في شبه الجزيرة العربية لا تزال تختزن حكايات شعبية أتت بصيغة مفارقات وسخرية مضحكة من بعض الحكام والقواد من أمثال الحجّاج. وربما أتى هذا المتخيّل انتقاماً شعبياً من عرب الجزيرة العربية من الأمويين بسبب تهميشهم ونقل حاضرة الخلافة من المدينة المنورة إلى بلاد الشام، في حين أن مناطق عربية أخرى كبلاد الشام ومصر تربط الظلم وتختزله في نماذج لشخصيات من أصول غير عربية كالمماليك وسواهم وتنقم منهم بالسخرية وبتلقيبهم بالألقاب المضحكة.

 الأمير قطن بن قطن منقذ العشاق والمحبين:

أورد الجهيمان سالفة ولد العليمي مع الأمير قطن بن قطن65 كالآتي:

رجل تاجر من إحدى مدن القصيم يلقب بالعليمي وكان هذا التاجر يتعامل مع الآخرين بالدين فيعطيهم البضائع بقيمة أكثر من قيمتها بنسبة ثلاثين في المئة إلى خمسين في المئة على أن تسدد بعد عام واحد وهكذا جمع ثروة طائلة من الأموال وبعد وفاته بدّد ابنه الشاب ثروة أبيه وارتحل مع زوجته ابنة عمه إلى مدينة أخرى وعمل حطاباً. ورأت إحدى العجائز زوجته فبهرت بجمالها وأوعزت إلى ابن الأمير بخطبتها وأغرت أمها بتطليقها من زوجها ابن العليمي.فيستنجد ابن العليمي بالأمير العماني قطن بن قطن الذي قضى على ابن الأمير ليلة زفافه على زوجة ابن العليمي كما قضى على أمها وخادم الأمير الخاص. وتنتهي الحكاية بعودة الأمير قطن بن قطن إلى بلاده سالماً ومعه ضيفه الذي جاء إليه مستجيرا به من ظلم وقع عليه من قوم لا يستطيع أخذ الحق منهم. وبقي ولد العليمي بجوار الأمير قطن بن قطن ضيفا معززاً مكرماً ومعه ابنة عمه التي أحبها وأحبته.

يذكر سعد الصويان أن قطن بن قطن بن قطن بن علي بن هلال بن زامل من فرع الجبريين الذين حكموا شمال عمان في النصف الثاني من القرن العاشر للهجرة ويرجح أنَّ العليمي من وادي بني حنيفة في منطقة العارض66. «وقد حوّلت المخيلة الشعبية شخصية الأمير قطن بن قطن من شخص تاريخي إلى رمز أسطوري وشخصية خيالية تحاك حولها الكثير من الحكايات الطريفة بوصفه شخصية محبوبة جاذبة نذرت نفسها لمساعدة العشاق والمغرمين»67.ويتضح من الحكاية الشعبية هذه أن شخصية قطن بن قطن في المتخيّل الشعبي السردي لا تختلف عما نسجه الرواة عن شخصيات لها مرجعيتها التاريخية ولكنها أصبحت في الحكاية الشعبية أقرب إلى النمط الأسطوري المتخيل الذي يحضر متحرراً من قيود الزمان والمكان . وقطن في هذه الحكاية الشعبية يأخذ دور البطل المساعد  وقد تكون صلة الشاعر العليمي بقطن الذي ربما ساعده على استعادة زوجته ببذل الأموال له سبباً في خلق أسطورة الأمير العماني قطن التي تبالغ الحكاية الشعبية في وصف قوته الخارقة التي تعادل قوة أربعين رجلاً من الأشداء الأقوياء.

 ثانياً:النسق العقائدي في الحكاية الشعبية:

يمثل النسق العقائدي عنصراً بارزاً في الحكايات الشعبية العربية ومنها الحكايات الشعبية في منطقة الجزيرة العربية والخليج العربي. ويتحرك المتخيل الشعبي في إطار الدين الشعبي الذي  يتمثل في الممارسات والتصورات الدينية الراجعة إلى فئات اجتماعية اعتبرت ممثلة«للشعب»، والمتأثرة بأوضاع هذه الفئات وبقاعها الثقافي».68

أشار سعيد يقطين إلى كثافة المرويات السردية الشعبية الخاصة بالمتخيّل الشعبي للإمام علي بن أبي طالب في الوجدان العربي الإسلامي بغض النظر عن  المعتقد الديني سنياً كان أو شيعياً.69. فصورة الإمام في الثقافة الشفاهية التي تنتمي إلى الجنوب التونسي كما يذكر محمد الجويلي تأتي في سياق التأثر بالمقدس الشعبي للمتصوفة حول أولياء الله الصالحين لقبائل الجنوب السنية المالكية المذهب.70 وبالنسبة إلى صلاح الراوي يمثل الأمام علي محوراً مهماً من محاور الأنماط النموذجية للبطولة القتالية والأخلاقية والمعرفية في الوجدان العربي  لمكانته الخاصة المتمثلة في الوفرة الكثيرة من مفردات الثقافة الشعبية العربية71. وتمثل حكايات الإمام علي الشعبية في المتخيل الشعبي الشيعي صورة الزعيم الديني المعصوم  ذي الكرامات القادر على خلق الزمان الدائري الخاص به. وهو زمان ممتد في قلوب الشيعة في انتظار اكتمال الدورة «أي دورة غيبة الإمام ورجوعه»72.

 وعلى الرغم من كثافة المرويات السردية الشعبية بحضور الإمام علي بن أبي طالب في الثقافة الشعبية العربية على امتداداتها الواسعة إلا أنني لم أعثر في المجموعات الحكائية الشعبية موضع الدرس على حكاية شعبية يرد فيها الإمام علي ببطولته الخارقة وتمثيلاته الشعبية. ولعلّ جمعاً مستقصيا للحكاية الشعبية في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي يدلنا على تمثيلات الإمام في المتخيّل الشعبي خاصة في البحرين التي تحتفي فيها الأغاني الشعبية بحب آل البيت وحب الإمام علي بن أبي طالب ولا يفترق في هذا الحب عامة الشعب من السنة والشيعة73.

 وإذا كانت المجموعات الحكائية الشعبية لم تذكر حكاية واحدة عن الإمام علي بن أبي طالب  فقد احتفت بالموروث الصوفي لأولياء الله الصالحين. ووجدت في المجاميع الحكائية الشعبية موضع الدرس حكايتين شعبيتين تحتفيان بالسيد أحمد البدوي الذي يعد أبرز أقطاب الصوفية وهما «سالفة البدوي مع زوجة السلطان وقد أوردها الجهيمان74و حكاية «الشريفة خضرا» وقد أوردتها لمياء باعشن75.

 يورد الجهيمان «سالفة البدوي مع زوجة السلطان» برواية الشاعر الشعبي عبدالله بن صقية. وتقول الحكاية الشعبية للبدوي مع زوجة سلطان مصر: أن رجلا من قبيلة عنزة قد تزوج ابنة عمه وسكن قرية سميرا وقد رُِزقَ من زوجته ابناً واحداً اهتم به وأحبه وحرص على تربيته تربية صالحة كلها دين وأمانة وشرف(...). وشب الطفل حتى بلغ مبلغ الرجال وقرب موعد الحج وأحبت الوالدة أن يسافر ولدها إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج أولاً وثانياً ليرى ويسمع ويجرب فالأسفار تجلب الأصدقاء والمعارف كما أنها تعلم المرء على تحمل الشدائد ومعرفة الكثير من تجارب الحياة. وأعطت ابنها مبلغ ثلاثة آلاف ريال لشراء بضاعة من مكة.وصل الشاب إلى مكة وأدى فريضة الحج ثم تجول في أسواقها فسمع أحد المنادين يبيع الحكم الحكمة الواحدة بألف ريال فاشترى منه البدوي ثلاثة حكم بالمبلغ الذي أعطته إياه والدته كاملا  الحكم الثلاث التي اشتراها هي:«كل نفس وما اشتهت»و«إذا وافقك خير فوافقه»و«لعن الله خاين  أمانته». وعندما عاد الشاب البدوي إلى أمه وأخبرها بشراء الحكم الثلاثة أخذت ملىء يدها ترابا وقذفته في وجهه بقوة وعنف وغضب وقالت لقد خاب أملي فيك يامغفل فهرب الولد من أمه بعد هذه المقابلة العنيفة وتوجه مع القوافل المغادرة إلى  مصر. ووصل إلى العاصمة والتمس عملا فلم يجد ورأى مقبرة بجوارها بناء خرب فسكن فيه ونظفه ونظمه بحسب قدرته واستقر فيه وفرض ضريبة على الأموات جنيها ذهبيا كاملا وظن الناس أنه موكل من السلطان فصاروا يدفعون  إليه هذه الضريبة عن رضا وطيب خاطر إلى أن جاءت جنازة ابنة السلطان ففرض على أصحابها جنيها ذهبا فأخبروا السلطان واقتادوا البدوي إليه فقال البدوي للسلطان: إنني أهتم بالمقبرة وأحافظ عليها وأنظفها ثم إني عملت هذا العمل ولم يمنعني أحد من ممارسته فأنا كما قال المثل«قال من أمرك قال من نهاك» ثم إنني من ناحية أخرى أجمع هذه الضريبة للسلطان لم أفرط في جنيه واحد منها فهي عندي أمانة حتى يأتي صاحب الشأن فأعطيه إياها فأعجب السلطان بمنطقه وبتفكيره وجعله أميناً عاماً على القصور والحريم. وبعد ثلاث سنوات قضاها البدوي في خدمة السلطان كان خلالها موضع الثقة والأمانة والتجلة والاحترام انتدبه السلطان لمرافقة زوجته الشابة الجميلة التي يحبها حباً جما فوافق البدوي وبدأت زوجة السلطان الجميلة تراود البدوي عن نفسه فرد عليها البدوي بقوله :نحن في طريق حج وعبادة ولا يليق أن نشوب حجنا بأمثال هذه الأمورلا  يجوز ثم أن زوجك عظمة السلطان قد وثق بي وقلدني هذه الأمانة و«لعن الله خائن أمانته». وأمام إصرار البدوي طلبت منه زوجة السلطان كتمان الأمر فوعدها بذلك ولكنها صممت على الخلاص منه بالموت وأنقذته الحكمتان اللتان اشتراهما وعندما وصلا إلى مصر اتهمته زوجة السلطان بأنه راودها عن نفسها. وهنا يسرد البدوي على السلطان قصته وقصة الحكم الثلاث وماحدث مع السلطانة ويطلب منه أن يختبر صدق كلامه بمقابلة السلطانة التي عاتبها البدوي على ماجرى منها فما كان منها إلا أن أقرت بذنبها. واقتنع السلطان بأمانة البدوي ولكن البدوي كما تقول الحكاية الشعبية  النجدية عنه«فكر في طريقة يتخلص بها من خدمة السلطان فما وجد إلا طريقاً واحداً هو أن يتظاهر بالبله والجنون وهكذا فعل فقد صار في مبدأ الأمر يتظاهر بأنه صريع الجن ويهذي بكلمات لا معنى لها ولا تدل إلا على فقدان العقل .ثم صار يدور في الأسواق وهو في حالة من التبذل والذهول المصطنع الأمر الذي أبعده عن السلطان وقربه من عامة الشعب الذين كانوا يعتقدون فيه اعتقادات وينسبون إليه معجزات لا يسيغها العقل السليم.هذا البدوي هو السيد أحمد البدوي الذي لا يزال الناس يعتقدون فيه شتى الاعتقادات يجعلون قبره مزارا يقصدونه بشتى القرابين ويطلبون منه الشفاعة لهم عند رب العالمين في حل مشاكلهم الدنيوية والأخروية».

 حكاية»الشريفة خضرا»:

«كان يا ماكان كان في شريفة تعشق أنوار النبي من فضل طه والنبي أنسابها ربيتُ في تونس دي الشريفة  ياعرب تقرأ كلام الله بزاكي عقلها تقرأ كلام الله ومكتوب عالجبين بقدرة الله مين يقاسي زيها مركب غريب واقف على شط البحر،جا ابن سلطان النصارى وشافها دوّر وقال: يا رفقتي زاد بي الغرام خضرا الشريفة اليوم قلبي حبها يامين يجيب خضرا وياخد ما طلب؟ ياخد من الدهب المصفى وزنها. إلا عجوز مقبلة قالت:أنا. ما تلتقي غيري وأنا والله لها. وقال لها: خالة عجوز كيسين دهب، لكن عليكي بالشريفة تجيبيها قالت له: سمعاً وطاعة يا أمير بكرة صلاة الصبح أنا آتيك بها. صبح الصباح وإحنا نصلي على النبي إلا بداعي للشريفة في قصرها: سلام صباح الخير ياست العرب ست الشرايف والقبايل كلها قالت لها: يامرحباً خالة عجوز ياللي تطلبي حساننا قالت لها: ياستنا شفت العجب، سبعة مراكب ما رأينا مثلها، لكن هيا ياشريفة أتفرجي، على البحور إللي خلقها ربنا. نزلت خضرا على قباقيب من دهب هي وأربعين بنات شرايف زيها هي وأربعين بنات يصلوا على النبي مع العجوز يتسمعوا لكلامها وقال لها: يامسلمة شوفي العجب لا عاد تميلي إلى العتيقة وركنها وبنى لها قصرين عجيبة من الدهب دهب وفضة من الرواشين شغلها قالت له: ياكلب بطل دا الكلام إحنا معانا المصطفى هو جدنا  قالت له: قطع الجديد على القديم لا أقبل الكفرة ولا أقبل دينهم وأتغضب الملعون وأزداد به الغضب قال أجبدوها من ضفاير شعرها. قوام قوام شلوا الشريفة للعذاب أجبن سلطان النصارى وجابها راحت وقالت: سيدي أحمد غيثني! خضرا الشريفة ضايقة في أمرها إلا ودا البدوي تحرك به المكان إلا وعبدالعال جاها وقال لها: ياستنا جاكي الفرج بحق مين الخلايق كلها سوّر بيده الأوله شيخ العرب شل الشريفة والمماليك حولها سوّر بيده لتانية شيخ العرب وطبّق القلعة على سكانها يستاهل البدوي مية راية ذهب ودّى الشريفة  لحد قبة جده».

 - تكّون الحكاية الشعبية الأولى التي وردت عند الجهيمان  الرواية الشعبية  النجدية لسيرة الولي الصوفي السيد أحمد البدوي. فهذا الولي الصوفي المشهور بمصر والذي تعود أصوله إلى بلاد المغرب العربي أو الغرب الإسلامي كما  أكد ذلك بعض الباحثين في الموروث الصوفي76 يصبح في الرواية النجدية شاباً نجدياَ من قبيلة عنزة المشهورة يرتحل إلى مصر مصطحباً معه حكمه الثلاث التي ابتاعها من أسواق مكة المكرمة وأصبحت هذه الحكم بالنسبة إليه بمثابة طقوس العبور والتطهير التي حوّلته من حال البداوة بجفاء الأعراب إلى حال أخرى هي مرتبة الولاية الصوفية والقطب الصوفي بعد اجتيازه امتحانا عسيراً.  وكأنَّ حكاية البدوي عند الجهيمان تتداخل هنا مع حكاية أخرى هي قصة يوسف الصديق مع زُليخا زوجة عزيز مصر الواردة في القرآن الكريم في قصة يوسف فكما أصبح البدوي أميناً على خزائن السلطان وقصوره وحريمه يصبح يوسف الصديق أميناً على خزائن مصر كلها. وكما أغرت وزوجة السلطان الجميلة البدوي فلم يستجب له تغري زليخا يوسف فينجو من كيدها ومن إغرائها.

 أما في رواية لمياء باعشن عن قصة«خضرة الشريفة» فيتفاعل الموروث الشعبي مع تمثيلات الآخر الإفرنجي_الصليبي. فقد كوّنت المخيلة الشعبية العربية خزاناً رمزياً عن الأمم والشعوب الأخرى التي يأتي في مقدمتها الفرنجة بفعل الاحتكاك بهم في الحروب الصليبية التي امتدت فترة طويلة من الزمن.

 وتستمد الحكاية الشعبية اسم خضرة الشريفة والدة أبي زيد الهلالي من السيرة الشعبية الهلالية التي عرفت في متونها ذكراً لليهود وبعض ملوك الفرنجة النصارى. وتكون خضرة الشريفة في حكاية باعشن فتاة بكراً جميلة يطمع ملك الفرنجة في الاستيلاء عليها وتنصيرها«يامسلمة شوفي العجب لا عاد تميلي إلى العتيقة وركنها»؛ أي الكعبة الشريفة والركن الإبراهيمي فيبني الإفرنجي قصرين  كي تتوجه إليهما بالصلاة عوض الكعبة العتيقة وركنها الطاهر.فتستنجد خضره بالولي الصوفي القطب السيد البدوي الذي يظهر بكراماته فيقضي على الفرنجي ويعيد الشريفة إلى مكة.إن ظهور هذه الحكاية الشعبية ذات الموروث الصوفي في مجموعة باعشن أمر ليس بالمستغرب؛ فإقليم الحجاز عُرِفَ بالطرق الصوفية والاعتقاد بأولياء الله الصالحين لدى بعض الحجازيين إلى جانب كون مدينة جدة التي استقت الرواية منها حكاياتها تعد من المدن المهجنة بالأعراق والجماعات الإثنية المختلفة وفيها عوائل تعود جذورها وأصولها إلى مصر التي تزدهر فيها الصوفية ازدهاراً كبيراً77.

 ثالثاً: في المتخيل الشعبي الحكائي الخاص بالسلطة السياسية: 

   للحكايات الشعبية متخيلها السردي عن الحاكم أو السلطة السياسية ملكاً كان أو أميراً فهي لا تصور الملوك كما اعتادت كتب التواريخ السلطانية على تصويرهم بمآثرهم وعظمتهم وبطولاتهم وإنما تصور ملوكا على شاكلتها يتجسد فيهم العدل والذكاء والشجاعة والمروءة وليسوا  ملوكاً عاجزين78.

 وردت عند الجهيمان حكايات شعبية عدة تحمل اسم السلطان منها«سارق نعامة السلطان»:السلطان وابنته الوحيدة» و«قصة الغريب مع طائر بنت السلطان» و«البدوي مع زوجة السلطان» و«قصة مثل» على هامان يافرعون» و«ولد العليمي مع الأمير قطن بن قطن»و «بنت السلطان اللي شوفتها بمائة روبية»«سالفة السلطان مع سارق ثور السلطان»«سالفة عفارم أفندم»«سالفة بنت التاجر وابن السلطان»«أبوزيد الهلالي مع أمير وشيقر حديد»«الأمير الهارب والفارس الملثم»«البنات الثلاث وابن السلطان»:«سالفة رميزان مع شريف مكة».

 وعند لمياء باعشن جاءت الحكايات الشعبية الآتية«السلطان والدجاجة»«الأمير الحاوي»«الأمير المعشوق»«الملك يحيى».

 وعند الدويك«الطرار وبنت الشيخ» و«ابن السلطان» و«ابن السلطان والكلبة» و«وأولاد السلطان» «وبنت الملك والعجوز» و«بنت الوزير»«الصايغ وزوجة الوزير» و«بنت الحطاب والأمير»«قصة لغز ولد الوزير وولد الفقير»«قصة لغز من أنطق الأميرة»«أولاد الملك السبعة»«بنات الملك الثلاث».

 وعند فخرو «رش المطر ياشوقي» و«مليلة البان ولعيبة الصبر» و«البرغوث» و«شميعة ولد السلطان» و«الملك اللي له قرنين».

 يحرص الأمير أو السلطان في حكاياتنا الشعبية على إقرار العدل في بلاده كما تختفي بينه وبين طوائف شعبه الفوارق الطبقية التي تميز الخاصة عن العامة. فقد تصبح امرأة جميلة وذكية زوجة الأمير أو السلطان أو الملك رغم انتمائها إلى طبقة متدنية اجتماعياً كما تصبح ابن الملك زوجة لرجل من عامة الشعب أعجبت بأخلاقه وفروسيته وشهامته. وتحتفي الحكاية الشعبية بالحاكم العادل الذي  يبقى حاضراً في مخيلتها حتى بعد موته كما في هذه الحكاية الشعبية التي جاءت في مجموعة فخرو عن «البرغوث»79 :

 «يحكى في قديم الزمان كان البرغوث ملكاً عادلاً وكان محبوباً من شعبه لعدله وكرمه. وكان ملكاً متعاوناً مع الناس ومتواضعاً لا يترفع عليهم أبداً وذات يوم يلقى البرغوث مصرعه بعد أن سقط في العصيدة فخيِّم الحزن على مملكته فيمر رجل غريب على البلاد ويلمح الأشجار منزوعة الأوراق ولما يسألها : علامج ياشجيرة حاتتون؟ ترد عليه الشجرة بكل حزن وأسى:

 

آنه الشييرة حاتتون

                    وهــذي الغنيمــة  كاسرون

وهذي النهيرة ناشفون

                   وهــذي الحمامــة نــاتفون

وهذي البنية ناشرون

                     على البرغــوث يــوم مــات

 

رابعاً :فـــي المتخيــل الشعبـي الحكائــي عــن المرأة:

     تمثل المرأة عنصراً رئيساً في القص الشعبي فإلى جانب كونها المصدر الرئيس الأبرز لرواية الحكاية الشعبية فإنها ترد في هذه الحكايات بصور متنوعة وتقوم بوظائف عدة الأمر الذي يجعل اختزال المرأة في المتخيل الشعبي الحكائي في صورة نمطية واحدة أمر لا يستقيم مع تعدد صورها كما بينا قبل قليل. تركز الحكايات الشعبية موضع الدرس على بعض الصفات في المرأة منها العقل والمكر والكيد فقد جاءت بعض القصص عن مكر النساء وكيدهن إلى جانب مهارات الشطارة والعياقة80. والاحتيال والوفاء والخيانة والشجاعة والجمال والقبح. وقد تحتوي الحكاية الواحدة على أكثر من أنموذج أخلاقي نسائي والمقصد من ذلك إبراز المفارقات المتناقضة بين النساء ؛فغاية الحكاية الشعبية الانتصار لأنموذج المرأة الخيرة التي تنصر زوجه وأقاربها في حين يكون مصير المرأة الشريرة والخائنة الهجر وفي كثير من الأحيان التغييب بالموت. ومن العناصر الطريفة التي أشارت إليها حكاياتنا الشعبية موضوعة كيد النساء في مقابل كيد الرجال. وقد جاء هذا الموضوع عند الجهيمان في حكايات هي«سالفة أن كيدهن ضعيف»و«من مكايد الزوجة لأقارب زوجها.«سالفة شاب لم يتزوج حتى عرف مكايد النساء.». وعند الدويك«حيلة امرأة»و«مكر النساء».وعند فخرو»كيدانوه»و«أم المواقع».

 خامساً:الآخر في المتخيّل الشعبي الحكائي:

الحكاية الشعبية نوع سردي خاضع للأنساق الثقافية الحاكمة للمجتمع الذي أنتجها وخاصة في علاقة الذات مع الآخر القريب والآخر البعيد من خلال إنتاج تمثيلات ثقافية عنه قد تختزله في تنميطات معينة لا يخرج عنها. ومثال الآخر القريب في الحكايات الشعبية في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج العربي«العبيد الزنوج» الذين جاءت تسميتهم عند فخرو «بالبنابيس» وتعني الزنوج من منطقة ممباسا وزنجبار»، وكانوا يمارسون المهن اليدوية ذات الدخل القليل أو يعملون خدماً في بيوت الأسر الميسورة وكانوا يشتهرون لدى العامة بالغباء والكسل. وكان كثير من الأفارقة قد هاجروا من بلادهم أو تم بيعهم في سوق النخاسة لدول الخليج العربي عندما كانت تجارة العبيد مزدهرة آنذاك، وتدريجياً ومع الأيام استوطنوا فيها ونقلوا التراث الإفريقي إلى الخليج العربي»81.ويمثل العبد والعبدة في الحكايات الشعبية منزلة اجتماعية دنياً ولاتختلف تمثيلاتهم الثقافية عن متخيلهم في ألف ليلة وليلة وكامل المتخيل الشعبي العربي إذ يجمعون صفات اللؤم والخسة والغدر كما في الحكايات الشعبية الآتية:سالفة العبد الذي قتل عمه وهرب بزوجته وسالفة العبدة «التي انتحلت شخصية سيدتها الأميرة وتزوجت الأمير82 ». أو قد يمثلون الغباء كما في حكاية البنابيس والسمك83. وقد تنتصف الحكاية الشعبية في مواضع نادرة للعبيد كما في حكاية ولد العبدة الذي لم يتخلَ عن أخته غير الشقيقة84.

يحضر اليهودي في المتخيل الشعبي الحكائي بوصفه أنموذج اللؤم والخسة والغدر والجشع على الرغم من ندرة الحكايات الشعبية التي جاء فيها ؛ ففي المجموعات الحكائية الأربع لم أعثر سوى على حكايتين شعبيتين عن اليهودي جاءتا في مجموعة الدويك هما «لغز اليهودي» و»اليهودي التاجر والمرأة العفيفة»،85.فاليهودي في حكاية «لغز اليهودي»يختطف فتاة جميلة ثم يسترجعها أبوها ويأتي اليهودي إلى مجلس الأب وقال له:»سوف أحكي لك لغزاً إذا حليته أعطيك كل أملاكي وإذا لم تحله آخذ كل أملاكك، فقال الوالد:»قل ما عندك. قال: بفكرك في من طار واستطار وخلت مهايرها على الطوقان» ؛أي تركت أثرها على النوافذ. احتار الوالد في حل اللغز وأعطاه مدة خمسة أيام،وأخذ الرجل يفكر أياماً وليالي في حل الغز، واستغربت البنت من الوالد وطلبت منه أن يخبرها باللي شاغله، فقال لها القصة اللي جرت مع اليهودي فضحكت وقالت: هذا بسيط، وقالت له:قل له:» لو ما طار واستطار كان تمت عمايم أبوها في مجلس الرجال». وفرح أبوها بالحل ثم حضر اليهودي في الموعد المحدد مبكراً وهو مستانس ومبسوط، ولما شاف بشاير الفرحة على الوالد استغرب وقال له:» وش الجواب؟ فقال له الوالد الجواب. فأغمي عليه وأخذ الوالد الحال والمال». وفي الحكاية الأخرى»اليهودي والتاجر والمرأة العفيفة يراود التاجر اليهودي زوجة التاجر المسافر فتصده بعنف وتخبر زوجها ويحكم على التاجر اليهودي بالموت وتصادر أملاكه وتصبح ملكاً للمرأة».

الخاتمة:

   كان غرضنا من هذه الدراسة الوقوف عند جانب أهمله كثير من الدارسين للحكاية الشعبية العربية وهو التطرق «لمعنى المعنى» في هذه الحكايات من خلال الوقوف على أنساقها الثقافية الحاكمة لها. وقد بيّنت الدراسة أن المجموعات الحكائية الشعبية في المدوّنة التطبيقية حافلة بعددٍ من الأنساق الثقافية التي يصدر عنها المتخيل الشعبي الحكائي في تحبيكه السردي لتاريخ شعبي قد يفترق عن التاريخ الرسمي، وفي وقوفه كذلك عند النسق العقائدي والسلطة السياسية وتمثيلات المرأة و مفهوم الآخر عند الجماعة الشعبية وتأويلاتها المختلفة. وأحسب أن كل عنصر من هذه العناصر يحتاج بمفرده لدراسة مستقلة نظراً لثراء هذه الأنساق في دلالتها على البنى العميقة  للثقافة الشعبية التي هي أصل ورافد رئيس في تكوين العقل العربي.

 

الهوامش

1 - يان فانسينا ، المأثورات الشفاهية،ترجمة أحمد مرسي،ط1، القاهرة: دار الثقافة،1981.ص321

2 - المرجع نفسه،ص322.

3 -كليفورد غيرتز، تأويل الثقافات، ترجمة محمد بدوي،مراجعة الأب لويس وهبة،ط1،بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، كانون الأول (ديسمبر)،2009.ص 82.

4 -  كليفورد غيرتز، تأويل الثقافات،،ص 98.

5 -انظر:عبدالحميد بورايو، الحكايات الخرافية للمغرب العربي، دراسة تحليلية في «معنى المعنى» لمجموعة من الحكايات، ط1، بيروت:دار الطليعة،1992.ص 13.

6 -  المرجع نفسه، ص 123.

7 -  انظر : محمد الجويلي:انتروبولوجيا الحكاية، دراسة أنتربولوجية في حكايات شعبية تونسية،ط1، تونس: مطبعة تونس قرطاج،2003.

8 - المرجع نفسه،ص 50.

9 - معجب  العدواني، مرايا التأويل، قراءات في التراث السردي،ط1، الرياض،بيروت، الدار البيضاء:  النادي الأدبي بالرياض والمركز الثقافي العربي،2010.

10 - انظر:أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب،ط6،الرياض: دارأشبال العرب،2000. يعود جمع الحكايات والأساطير عند الجهيمان منذ1 أكثر ما يزيد على أربعة عقود.انظر الحوار الذي أجراه معه الباحث عبدالله العبدالمحسن،”حوار مع عبدالكريم الجهيمان”،مجلة النص الجديد،الرياض،العدد الثامن،ديسمبر 1998،.ص 178. وعن أساطير الجهيماان انظر: عبدالله العبدالمحسن، تداعي الواقع في الحكايات، أساطير الجهيمان نموذجا،الرياض،2005.

11 - أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب، تصدير المؤلف، ص 12.

12 - التبات والنبات، حكايات شعبية حجازية، جمع وتدقيق وإعداد لمياء محمد صالح باعشن،ط2،جدة،2008.الطبعة الأولى أنجزت سنة 1416  هجرية.

13 - التبات والنبات،ج1،ص11.

14 - محمد طالب سلمان الدويك، القصص الشعبي في قطر،ط1، الدوحة: مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية،1984.

15 - حزاوي أمي شيخة، مائة حكاية وحكاية،البحرين،2006. أشار الباحث المختص في الثقافة الشعبية إبراهيم سند  إلى الجمع الفردي والجمع الرسمي للحكاية الشعبية البحرينية كما أشار إلى عملية الجمع الميداني بإشراف بروين نوري عارف من مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربي في عام 1986. انظر إبراهيم سند،»»الحكاية الشعبية والمثل الشعبي»، ضمن الثقافة في البحرين في ثلاثة عقود، مسح ثقافي شامل لدولة البحرين،1961_1991، تحرير محمد يوسف نجم،وزارة الإعلام البحرينية،1993. ولكن للأسف لم يخرج هذا الجمع الميداني أي كتاب مطبوع ولا يزال الغموض محيطاً  بمصير تلك الحكايات المجموعة كما أخبرني بذلك الأستاذ علي عبدالله خليفة!

16 - محمد الجوهري، علم الفولكلور، الأسس النظرية والمنهجية،ط1،القاهرة: دار المعارف، 1981.ص 222.

17 - من المباحث الطريفة إشارة نبيلة إبراهيم إلى قصة سندريلا الفرعونية .انظر: عالمية التعبير الشعبي بحث منشور في مجلة فصول، المجلد الثالث، العدد الرابع، يوليو/ أغسطس/ سبتمبر 1983. الأدب المقارن(الجزء الثاني).

18 - انظر:فؤاد حسنين علي، قصصنا الشعبي،ط1، القاهرة: دار الفكر العربي،1974،صص44_70.

19 - انظر:عبد الحميد يونس، الحكاية الشعبية،ط1،  القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر،1968.ص10.

20 - انظر: فاروق خورشيد، الموروث الشعبي، ط1، القاهرة: دار الشروق،1992.ص142.

21 - انظر: المرجع نفسه،ص121.

22 - انظر:نبيلة إبراهيم، أشكال التعبير في الأدب الشعبي،ط3،القاهرة: دار المعارف،د.ت.ص134.

23 - ضياء الكعبي،السرد العربي القديم، الأنساق الثقافية وإشكاليات التأويل،ط1، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر،2005.ص170.

24 - انظر : عبدالله إبراهيم، موسوعة السرد العربي.الصياغة النظرية لموقف الإسلام من القص،ط1،بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر،ص ص112_117.

25 - انظر:كتاب الفهرست، المقالة الثامنة في أخبار المسامرين والمخرفين وأسماء الكتب المصنفة في الأسمار والخرافات،صص363_373.

26 - حكاية أبي القاسم البغدادي،أعادت طبعها بالأوفست مكتبة المثنى ببغداد لصاحبها قاسم محمد الرجب. جاء في مفتتح الحكاية على لسان الشيخ الأديب أبي  المطهر محمد بن أحمد الأزدي:»هذه حكاية عن رجل بغدادي كنت أعاشره برهة من الدهر فينفق منه ألفاظ مستحسنة ومستخشنة وعبارات أهل بلده مستفصحة ومستفضحة(...) فمن نشط لسماعها ولم يعد تطويل فصولها وفضولها كلفة على قلبه ولا لحناً يرد فيها من عباراتهم قصور معرفة يعيرني بها ولاسيما مع انتهايه منها إلى الحكاية البدوية الأدبية التي أردفتها بها».ص ص1و2.

27 -  النجوم الزاهرة،ج1،ص272.

29 - انظر:H.A.Aram Vesser.The New Histoicism;Reader,New York,London.Routledge.1994.pp1_14

30 - انظر :Hirsch,E.D.Jr.The Aims of Interpretation, Chicago, London.The University of Chicago Press.1978,pp27_28 وميجان الرويلي وسعد البازعي، دليل الناقد الأدبي، ط3، بيروت والدار البيضاء،2002.ص ص88.

31 - ضياء الكعبي، السرد العربي القديم،ص ص245_246.

32 - لمعرفة مفهوم الهوية السرديةNarrative Identity يمكن الرجوع إلى الوجود والزمان والسرد، فلسفة بول ريكور، ترجمة سعيد الغانمي،بيروت،الدار البيضاء:المركز الثقافي العربي،1998.

33 -  أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب، ج،2ص ص5و6.

34 - عبدالحميد حواس،»سيرة بني هلال على مائدة مستديرة»، مجلة الوادي، القاهرة مجلد 2 عدد 8 ديسمبر 1980،ص ص 74_77.

35 -  سعد الصويان، الشعر النبطي،ص249.

36 -  سيرة بني هلال،ص3.

37 -  انظر :ديوان الأيتام وهو الجزء الثالث من السيرة الهلالية.

38 - انظر: سيرة بني هلال، أعمال الندوة العالمية الأولى حول السيرة الهلالية،ط1، الدار التونسية للنشر، المعهد القومي للآثار والفنون، تونس،1990.

39 - دونت جميع الحكايات الواردة في المدّونة التطبيقية بتصرف مني طلبا للاختصار إلا إذا كانت الرواية موضوعة بين علامتي تنصيص لكلام مقتبس.

40 - أساطير شعبية،ج1،ص ص177_194.

41 - أساطير شعبية،ج1،ص188.

42 - المصدر نفسه،ج1،ص ص190_191.

43 - المصدر نفسه،ج1،ص193.

44 - أساطير شعبية،ج4،ص 307.

45 - تتشابه هذه الحكاية مع الحكاية التي أوردها طلال السعيد وهي مأخوذة من مجموعة الفهيد دون الإحالة إلى المصدر:طلال السعيد .حكايات من تراث البادية: أبوزيد  الهلالي»ص ص 15_19 :»هذه الحكاية ينسبها الرواة إلى أبي زيد الهلالي سلامة الفارس والشاعر المعروف وهناك أيضا من ينسبها إلى الخلاوي راشد الفلكي المشهور نظرا لتقارب الأسلوب الشعري بين الاثنين ولتقارب لهجة كل منهما للآخر ولكني أميل إلى أنها للهلالي لأسباب يطلب أبوزيد من قومه بيعه بوصفه عبدا ويقبضون الثمن ويستمر الهلالي في خدمة سيده الطيب إل أن ينشد يوما أمام سيده عازفا على الربابة:

يقول الهلالي والهلالي سلامه شوف الفجوج الخاليات تروع

ويقول الهلالي والهلالي سلامه  يبغي الطمع وهو وراه طموع

لابد عقب الوقت من لايح الحيا    من بارقن يوضي سناه لموع

إلى أن عرفه السيد وأطلق سراحه وأغدق عليه الهدايا وعاد أبوزيد لقبيلته».

46 - حزاوي أمي شيخة،ج4،ص242.

47 - أي اذهبي عني عسى أن يباغتك الموت فجأة، فليس معي شاهد على دك قبره إلا الطيور ويقصد العقبان والنسور. من شرح المؤلفة، هامش ج4،ص 265.

48 - ضياء الكعبي،السرد العربي القديم،ص311.

49 - انظر:تغريبة بني هلال.

50 - سيرة بني هلال،،ص 39. تذكر بريجيت كونللي Bridget Connelly أن تماهي الرواة والمتلقين مع سيرة بني هلال ومع أبي زيد الهلالي خاصة يبرز في بعض مناطق السودان وغانا وتشاد؛إذ يطيل الراوي الوقوف  عند ولادة أبي زيد الهلالي ولونه الأسود وما واجهه من إقصاء القبيلة ونبذها(The Gypsy on the Doorstep: ADirty Story or A Subversive Ggenealogy 1986 pp167_192

51 - سيرة بني هلال،ص 140.

52 - حزاوي أمي شيخة،ج4،ص264. عزّيز تصغير اسم عزيز وهو عبد علياء الذي تعثر وسقط على الأرض.

53 - أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب،ج1،صص237_244.

54 -  المصدر نفس،ج1،ص 244.

55 - انظر  أخبار حرب البسوس في الأغاني،بيروت:دار الثقافة،د.ت.الجزء الخامس .ص ص29_53.

56 -  أساطير شعبية،ج1،ص242.

75 -  المصدر نفسه،ج1،ص 143.

58 - انظر حكاية الشنفرى في الأغاني، بيروت: دار الثقافة،د.ت. الجزء الحادي والعشرون،ص217

59 - أساطير شعبية،ج1،ص144.

60 -  انظر حرب البسوس في كتاب أبي عبيدة المسمى الأيام.جمع وتحقيق: أحمد محمد عبيد،ط1،أبوظبي: هيئة أبوظبي للثقافة والتراث،2008.

61 -  انظر السيرة الشعبية المسماة»الزير سالم».

62 - انظر خبرحرب البسوس في كتاب الأغاني، الجزء الخامس،ص42..

63 - انظر خطب الحجّاج في البيان والتبيين.

64 - أساطير شعبية،ج2،ص273.

65 - أساطير شعبية،سالفة ولد العليمي والأمير قطن بن قطن،ج3،ص195 ومابعدها.

66 - الشعر النبطي،ذائقة الشعب وسلطة النص،ط1،بيروت،لندن:دار الساقي،2000.ص346.

67 - المرجع نفسه،ص 394.

68 - زهية جويرو،الإسلام الشعبي، ط1،بيروت:دار الطليعة،2007.ص7.

69 - السرد العربي، مفاهيم وتجليات،ط1،القاهرة:دار رؤية،2006.ص287. دعا يقطين إلى جمع النصوص المتصلة بعلي بن أبي طالب المتداولة والعمل من خلال ذلك على تشكيل»سيرة شعبية» له على غرار باقي السير.ص 292 من السرد العربي.

70 -  محمد الجويلي.البطل في الإسلام الشعبي: مثال علي بن أبي طالب في الثقافة الشفوية التونسية، قراءة أنتروبولوجية،تونس،2006.

71 - الثقافة الشعبية وأحلام الصفوة، ط1، القاهرة: مركز الحضارة العربية،2002.ص 56.

72 - الجابري تكوين العقل العربي،ص338 ومحمد الجويلي، الزعيم السياسي في المخيال الإسلامي بين المقدس والمدنس،122.

73 - عن مرويات الإمام علي الشعبية انظر: القصص الشعبي، مختارات خيري عبدالجواد،ط1، كولونيا،بغداد: منشورات الجمل،2010. الجزء الثالث، مغازي الإمام علي.

74 -  أساطير شعبية،ج2،ص 137.

75 - التبات والنبات،ج3،ص45.

76 - عن السيد البدوي انظر الرواية النجدية تخالف ماذكر عن السيد أحمد البدوي ونشأته انظر: النبهاني، جامع كرامات الأولياء،بيروت: دار الفكر،1993.ج1،ص512 . وقد استمعت في الرياض في مجلس نسائي  لسيدة من  شيخات قبيلة عنزة أن أحد أجدادهم ارتحل إلى مصر كعادة البدو في الترحال وهناك وافته المنية فدفن وكان اسمه حمد فأصبح قبره مزارا للولي الصالح حمد البدوي.

77 - انظر : مي يماني، مهد الإسلام البحث عن الهوية الحجازية، ترجمة غادة حيدر،بيروت: دار الساقي،2005.

78 - انظر:عبدالوهاب سامي،تصوير الحكاية الشعبية للملوك،أدب ونقد، القاهرة، العدد 26،،1996.صص106_108.

79 - حزاوي أمي شيخه،ج1،ص ص125_127.

80 - انظر سالفة  العجوز التي توفي زوجها وقطع معاشه في الجهيمان ، الجزء الثاني،ص 275الأرملة وهي شبيهة بحكايات دليلة المحتالة وبنتها زينب النصّابة في السيرة الشطارية التي حملت اسم «على الزيبق»مرجعية بعض الحكايات الشعبية ألف ليلة وليلة مع ورود شخصيات عجائبية كثيرة مثل الجن والعفاريت والغيلان والأدوات السحرية مثل ثوب الريش وجذع الشجرة الطائر الذي يخرق المسافات).

81 - حزاوي أمي شيخة،الجزء الثالث،ص205.

82 - انظر في مجموعة فخرو لعيبة الصبر.

83 - حزاوي أمي شيخة،ج3،ص 205.

84 - المصدر نفسه،الجزء الرابع،194.»ولد العبده).

85 - القصص الشعبي في قطر،ج2،صص95_96.

أعداد المجلة