فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
1

اندثار الفنون الموسيقية البحرية من الواقع الفني الخليجي

العدد 1 - موسيقى وأداء حركي
اندثار الفنون الموسيقية البحرية من الواقع الفني الخليجي
كاتب من الكويت

من المعلوم أن الحياة في الخليج تنقسم إلى مرحلتين، مرحلة ما قبل النفط، ومرحلة ما بعد النفط، ولقد مرت الكويت بظروف جعلت مرحلة ما بعد النفط، سابقة لمرحلة تلتها وهي مرحلة الغزو، الذي ترك أثرا حادا، وانكسارا في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، وقد أثر هذا الانكسار بشكل واضح فيما يقدم من فنون موسيقية أو تشكيلية، وحتى العمارة لحق بها شيء من هذا الانكسار.

وبشكل عام فإن منطقة الخليج، ومنها الكويت، حافلة بفنون متعددة، بحرية وبرية، مما أعطى ميزة فنية لهذه المنطقة، صارت من خصائصها المميزة. والإنسان بطبيعته، ينتمي إلى البحر، وبعد ذلك يبدأ التفاعل مع الحياة البحرية، والأصل أن فنون الإنسان تتشكل من خصائص الحياة البرية، ولما صار الإنسان الخليجي إنسانا بحريا، نقل هذه الفنون البرية إلى البحر، وأدخل عليها مستلزمات هذه النقلة البعيدة المدى، وقد شكلها الإنسان الخليجي وأضاف عليها وحورها لتتفق مع البيئة البحرية التي انحاز إليها. ومع الزمن صارت هذه الفنون فنونا بحرية تمتاز بأساليب موسيقية خاصة، بحسب ظروف الخليجي مع البحر، على سطح سفينة، أو على ساحل، في صيف أو شتاء، فكل هذه الظروف الزمانية والمكانية تترك أثرها في فنون الإنسان الخليجي.

صارت فنون الخليجيين فنونا مرتبطة بفعاليات الناس وفي تفاعلهم مع البحر بحسب الأغراض المختلفة، وارتبطت هذه الفنون ارتباطا عضويا بكل الأنشطة التي يمارسها أهل الخليج في حياتهم البحرية، ترافق هذه الفنون بناء السفينة، وإنزالها البحر، والسفر إلى الغوص في موسم الغوص، والعودة في زمن القفال، فصارت هذه الفنون كأنها طقوس دينية يانس لها البحارة، وتشكل جزءا من ثقافتهم.

ونفصل بعض ما أجملنا:

فنون بناء السفينة قبل نزولها إلي البحر كثيرة، لعل من أهمها فن طلاء السفينة وهو فن زمنه بطئ يتلاءم مع هذا العمل، ولذا سمى هذا الفن (بالسنجي ) وهذه التسمية تطلق على كل ما هو بطئ وثقيل فنقول مثلا شاي سنجين أي شاي ثقيل. ويتحول العمل بعد ذلك إلي السرعة. بعد انتهاء طلاء السفينة يفرح البحارة ويغنون غناء يطلق عليه (الشبيثي ) وهو غناء سريع نوعا ما يعبر عن الفرح والسرور بهذا العمل المضني.

وغناء السنجني يبدأ عادة بالاستهلال:

نوفلين يا الله بالكرامة

يا مسلمين صلوا على النبي

بيت الرسول مكة يا مدينة

وبعد أن يتم العمل في طلاء السفينة يقوم بعض البحارة بقلب قدور الشونة إعلانا لانتهاء العمل، ثم يتحول الغناء من السنكني إلي الشبيثي" وهو غناء للترويح عن النفس من عناء العمل، فيعلن اللحن أولا بالطيران ثم يقوم النهامة بالغناء:

لي خليل حسين يعجب الناظرين

جيت أنا أبغي وصاله كود قلبه يلين

وعندما تستعد السفينة للرحيل يصطف البحارة على جانبي السفينة وذلك لنشر المجاديف يغني في هذه الحالة فن جميل ثم القيام بالتجديف، ذو إيقاع يوازن بين نهاية شطرة بيت الشعر، وجر المجداف والنحبة المساعدة على العمل.

دمعي تحدر على وجناي وأستاهل

وهلال سعدي أبدما بان واستاهل

هذا جزا من رابع الأنذال يستاهل

رابعت صاحب ذهب اليوم فضه قلب

يحقلي لأسطر الديكان فوق قلب

إن كان هذا وذا يطلى لي قلب

أنا الذي استحق الصلب واستاهل

 

ونظرا لطول فترة جر المجداف فيغني البحارة :

ما أغفر أنا أخطاءك حبك في ضميري انزاح

من حيث جرح في قلبي ما بري وانزاح

أنسيت ذاك الطرب وذاك اللعب وانزاح

قلب قسى شي فعلت أنا من بد

الضرس ليمن رقل من شلعة لا بد

انظر إلي الغيم لي هب الشمال انزاح

 

وتستمر هذه الحالة إلي أن تصل السفينة إلي المنطقة التي يتوفر فيها الريح لدفع السفينة وهنا يخرج البحارة الشراع حيث يغنون على خطف الشراع بالإيقاعات السريعة التي تبدأ بالابتهالات والصلاة والسلام على الرسول، ثم أنغام سريعة تساهم برفع الشراع بسرعة ونشاط:

هيلي يا سيدي هيلي لا والله اتكلنا

على الله كريم تعلم بحالي علمك بسود

الليالي يوم الحشر يا سنادي يا غايتي

يا هل الدين مولاي نظرتك بالعين

توفي ديون الثقالي يا موفي الدين يا

يا الله يا الله يا الله ويلي يا سيدي شلنا

اتكلنا ربي عليك اتكالي عزيت يا من له

الملك الوذ بك يا محمد ذخري وغاية

مرادي إحنا ضعوف ومساكين توفي

ديون علينا الأولى والتوالي ياالله

وتمخر السفينة وتتنوع الأعمال سواء تنزيل الشراع واستخدام الشراع الصغير (الجيب ) ترافق ذلك فنون كثيرة ومتنوعة حسب العمل المقام. ففن الدواري مثلا جاءت تسميته من الدوران حول الساري لوضع حبل المرساة الطويل داخل السفينة:

هي با لله هو يا يلي

يا مال يا سلام

اللي مالي يا سلام

هو لو بالله بادي يا سلام

يا رب سهل علينا يا سلام

خير من الله يجينا يا سلام

يفرح لنا الأهل والجار يا سلام

هيلي يا بالله ما لي يا سلام

كذلك نسمع غناء لمة جيب حيث يتم طي الشراع الصغير.

الرؤيا الموسيقية للفنون البحرية :

هنا في هذه العجالة سنتحدث عن موسيقى وإيقاعات هذه الفنون سواء فنون العمل أو فنون الراحة ونقدم مثالين لهذه الفنون :-

1 - السنجني :

من أهم هذه الفنون وذلك لثرائه الموسيقي. وهو الوحيد الذي يمتاز بوحدة إيقاعية مقدارها 64 وحدة وهذه تتطلب حسا فنيا ماهرا لمعرفة تفصيل هذه الوحدات الإيقاعية ولذا استطاع الفنان البحري توزيع هذا الفن على عدة آلات إيقاع فمن رأس الطبل، إلي كل أشكال آلات الإيقاع المتوفرة سواء الصاجات، أو الهاون، أو التصفيق، ناهيك عن الآلات الإيقاعية الأخرى كالطبول والطيران. وبعد ذلك يتحول هذا الفن إلي فن الشبيثي حيث تعلنه آلات الطيران ثم يتم الدخول إلي اللحن الرئيسي وإيقاعه 4/4.

2 - رفع الشراع:

الفن الثاني الذي سنتناوله هنا هو فن الخطفه أي رفع الشراع وهو من الفنون البحرية الأساسية وحقوله الموسيقية 4/16 حيث يبدأ النهام الأول باستهلال (يا الله يا الله يا الله) ثم يتناوب ذلك مع النهامة الآخرين وهم حوالي ثلاثة عادة وذلك مع نخبه من بقية البحارة، إلي أن يدخل الطبل معلنا اللحن الرئيسي تساعده الأيدي بالتصفيق، ويستمر هذا الإيقاع الجميل إلي أن يتم رفع الشراع.

تأثير إنتاج النفط على التغيرات الاجتماعية والفنية:

لعب إنتاج النفط والازدهار الاقتصادي دورا كبيرا في تغيير أسلوب حياة الناس. مصدر التجارة البحرية من إنتاج اللؤلؤ الدخل كان من إلي السفر التجاري. هذه الحرف وعائدها الاقتصادي الذي لا يستلم منه البحار إلا الفتات جعلت البحار مدينا للتاجر طول العمر بل أصبح هذا الدين يورث في الكويت وبعد النفط تغير هذا المفهوم الاقتصادي وأصبح للبحارة الذين تحولوا من مهنة البحر إلي الاشتغال في شركات النفط دخول ثابتة استعادوا منها حريتهم الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية. ولقد لعب النفط دورا كبيرا في ازدهار الحياة الثقافية فقد طاف دول الخليج الكثير من أساتذة التنوير العرب الذين أرسوا حياة ثقافية علمية جديدة لم تكن موجودة من قبل .

فتح التحول الاقتصادي أفاقا جديدة للحياة التجارية، فبعد أن كان البحار يقصر حياته التجارية على الهند وأفريقيا أصبح بعد النفط يتاجر مع أنحاء العالم مما ساهم في كثير من المعرفة وتطور الأسلوب الحياتي الذي يمهد لدورة الحياة الثقافية الجديدة ومع دخول كثير من الثقافات سواء العربية أو العالمية مما أدي إلي تشجيع طلب العلم في الدولة العربية. كذلك توجه أهل الخليج للعلم في دول خارجية لمخرجات ثقافية جديدة لعبت دورا كبيرا في تقبل المد العربي السياسي ومن ثم التحول إلي القومية العربية وازدهار الفكر الثقافي في المنطقة.

لم يقف الموسيقيون المعاصرون أمام هذه المتغيرات متفرجين لما يدور حولهم فقد لعبوا دورا كبيرا في التغيير الفني وتطور الفن على أيديهم بصورة رائعة ساهمت في ترسيخ الفنون الموسيقية التراثية، فقد أتجه معظم الموسيقيين إلي الحاضرة، وخاصة بغداد والهند وذلك لتسجيل اسطوانات لأعمالهم الموسيقية فحافظوا على هذا التراث، واعتبرت أعمالهم المسجلة هي البنك الأساس للحفاظ على هذه الفنون ثم تطور هذا التسجيل ليتم في دول الخليج مما أدى إلي الحفاظ على معظم التراث الموسيقي للمنطقة.

تحول بعض سادة الغناء في البحر إلي الغناء الحديث فأبدعوا وأجادوا فيه، كما تحول بعض منهم إلي التأليف الموسيقي فكتبوا ألحانا رائعة استطاعت أن تصل إلى التراث الموسيقي وتقدمة بصورة علمية لحنا وأداءا.

استطاع الفنانون بعد سماع الكثير من الفنون العربية أن يتأثروا بهذه الفنون، وحاول الكثير من الفنانين محاكاتها، مع استخدام الآلات الموسيقية المتنوعة، كما أطلع الفنانون على أنواع متعددة من المقامات العربية غير المعروفة لمنطقة الخليج فاستطاعوا بذلك كتابة أعمال موسيقية خالدة تمتاز بالطابع الموسيقي العلمي الذي اعتمد في أساسه على موسيقى التراث.

كما استطاع هؤلاء الفنانون باستخدام الإيقاعات البحرية، كتابة الأغنية الحديثة مما ساهم في تأصيل الفن الموسيقي الخليجي، فقد استطاع الفنانون المعاصرون لهذه الفترة تنقيح بعض الألحان التراثية وإعادة كتابتها بأسلوب حديث. أدي كل ذلك إلي إبداع العمل الفني وسرعة تطوره وإلي إزياد طموح الفنانين وبالتالي السعي لتسجيل الموسيقى بالات موسيقية حديثة، فقد سافر الفنان سعود الراشد إلي القاهرة عام 1958 لتسجيل أغانية بمصاحبة الفرقة المصرية وذلك بطلب من إذاعة صوت العرب فقد سجل خمس أغاني: فز قلبي، وصوت " ماناح ورق " من الحانه ومن الألحان التي طورها صوت " يا ليلة دانة " وصوت " في هوى بودي وزيني " وصوت " لولا النسيم " هذه الأعمال لاقت الكثير من النجاح مما أدى إلي الإسراع في تكوين الفرقة الموسيقية لإذاعة الكويت ذات الآلات الموسيقية المتنوعة عام 1959، والتي لعبت دورا كبيرا في تسجيل العديد من الألحان الجديدة، كما ساهمت بالازدهار الفني الموسيقي لمطربي الخليج، فقد زار الكويت الكثير من المطربين الخليجين والعرب وذلك لتسجيل أعمالهم الموسيقية، مما جعل الكويت قبله للمطربين منذ 1960.

ساعدت هذه النهضة الفنية الكبيرة على اتجاه كثير من الفنانين لدراسة الموسيقى وخاصة في مصر مما أدى إلي صياغة موسيقى علمية حديثة ساهمت في تطور الموسيقى .

المتغيرات التي ساهمت في اندثار الفنون البحرية:

أولا : تغير مكان الأغاني :

لعل من أهم هذه المتغيرات تغير الأسلوب المعيشي للناس، بعد ما كان الاعتماد على اقتصاد البحر والذي ارتبط به الفن الغنائي ارتباطا كليا، تغير هذه النمط الاقتصادي مما ساهم مساهمة كبيرة في اندثار كثير من هذه الأنواع الغنائية وخاصة غناء العمل، سواء على اليابسة، أو على سطح السفينة. تغير المناخ الاقتصادي ومعه تغير المناخ الفني فلم يعد البحارة يغنون فنونهم المحببة إليهم وذلك لعدم وجود الرابط الاقتصادي لهذه الألحان وبالتدرج اختفت ألحان السنجني واليامال وغيرها من فنون العمل وذلك باختفاء المهنة والضرورة النفسية لأداء هذه الأعمال ومن ثم ساهم ذلك في اندثار هذا النوع من الغناء لكن على الرغم من ذلك حاول البحارة نقل هذه الأغاني إلي اليابسة في محاولة منهم للحفاظ عليها فأصبحوا يتخيلون هذا الواقع البحري على اليابسة وصاروا يغنون هذه الأغاني خارج نطاقها الفني فقدمت مبتورة وغير صادقة على الرغم من مسرحة هذه الأغاني بإعادة تمثيلها وتصويرها لكن اختفاء الحاجة المهنية لها أدى إلي اختفائها تدريجيا من الساحة الفنية .

ثانيا : أسلوب أداء هذه الأغاني :-

يمتاز أسلوب الأغاني البحرية بالأداء الجماعي فنسمع في كثير من الأحيان أغاني تؤدى بأكثر من مغن (نهام) كما يساهم البحارة بترتيلاتهم ونحبهم في هذا الأداء الجماعي والذي يتطلب مجموعة متجانسة فنيا تؤدى هذه الأغاني بهذا الأسلوب وبإتقان.

كما أن الغناء الجماعي يوحد العمل ويزيد في إنجازه بالسرعة المطلوبة مما جعل لهذه الأغاني أهمية أدائية جماعية للمحافظة على الإيقاع الموسيقي وإيقاع العمل أي إيقاع العمل المطلوب أداؤه .

وبتطور الغناء واعتماده على الآلات الموسيقية واهتمام كثير من المؤلفين الموسيقيين بالتصوير الموسيقي، أو اعتمادهم على أداء مطرب واحد أسوة بالغناء العربي الحديث ابتعد الكثير من أفراد الكورال البحري عن فنونهم وذلك لتقصير المؤلفين من الاستفادة من هذا الكورال، ومن ثم كتابة موسيقى حديثة تستعين بهؤلاء أصبح فن المغني الفرد مع الأوركسترا هو الفن السائد وهذا بدوره أدى لعزل الكثير من الفنون البحرية ذات الغناء الجماعي مما ساهم في تجميدها وانزوائها.

ثالثا :الشعر الغنائي :

اعتمدت الفنون البحرية على شعر المويلي والزهيري بأنواعه المتعددة وببروز نهضة ثقافية عربية ساهمت بوجود شعراء شباب يعتمدون اللغة العربية الفصحى في الكتابة فضلا عن أن الصور الشعرية التي اعتمدها هؤلاء الشعراء ذات مدلولات حديثة تتلاءم والغناء الفردي مما أدى إلي انزواء شعراء العامية الذين انتهجوا أسلوب المويلي والزهيري في كتابة أغانيهم. تحول الذوق العام والأسلوب الشعري والصور الشعرية إلي التغني بالوطن والهيام بتعبيرات حديثة تلقفها الناس بسرعة لأنها تعبر عن الواقع الحالي بطابعه الحديث.

رابعا : المرأة والغناء :

بوجود وسائل الإعلام المتنوعة وسفر كثير من الناس إلي الخارج سمع الكثيرون أغاني متنوعة تغنيها المرأة وذلك على عكس أغاني المرأة عندنا المرتبطة بالتراث، فأصبح لابد وان يتحول المجتمع ويستمع إلى غناء المرأة فى غناء حديث بدلا من الغناء الرجالي وقد سمى د. عبد الله الجسمي ذلك بذكورية الفن الغنائي، فكل الغناء البحري لا يغنيه إلا الرجال، وذلك للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلي ظهور هذه الفنون حتى عندما نقل البحارة فنونهم إلي اليابسة ظلت ذكورية، وذلك بسبب ظروفها وطابعها المتمثل بالعمل وباجتماع الرجال في دواوينهم وكذلك ساهمت الظروف الدينية والاجتماعية التي تطالب بانفصال المرأة عن الرجل بالبعد عن هذا الفن.

ساهم التطور الاقتصادي والثقافي إلي تعلم المرأة ثم ظهورها في ميدان العمل ونجاحها فيه كما ساهم وفود كثير من المطربات العربيات إلي الخليج بالانتباه لهذه الظاهرة ومن ثم إفساح المجال للمطربات المحليات بأخذ مكانتهن الفنية فظهرت الحاجة إلي التغيير من الغناء الرجولي إلي الغناء النسائي. نجحت المرأة في ذلك مما أدى إلي احتكار كثير من النساء الغناء وأصبح لهن أفضلية خصوصا بوجود صوت ذي طابع نسائي لم يعتده كثيرا أهل الخليج. كذلك م أمتهن حرفة الغناء جاء بأسلوب جديد وطابع موسيقي علمي ساهم بازدهار الفن وانتشاره لكن للأسف ساهم باندثار الفنون البحرية ذات الطابع الرجالي وانزواء هذا الفن في الدواوين الخاصة لمريديه.

خامسا : الفنون البرية:

الفنون البرية ساهمت أيضا باندثار الفن البحري وذلك باهتمام المسئولين بهذه الفنون البرية وخاصة فن العرضة الذي اعتبروه فن الحرب الذي لابد وأن يشارك فيه المسؤولون وذلك اعتزازا ببدويتهم كما أن العرضه وهي رقصة جماعية رجالية يستمتع المسؤولون بالمشاركة فيها وذلك لإبراز نفوذهم وقوتهم . ساهم ذلك الاهتمام بالفنون البرية بابتعاد الفنون البحرية التي تمتاز بالمشاركة الجماعية غير المحسوبة فالكل في الغناء البحري سواسية سواء مشاركته بالغناء أو التصفيق، هو فن نابع من القلب يبتعد عن الفوارق والمفاخرة.

سادسا : وزارة الأعلام :

ساهم المسؤولون الجدد في وزارة الإعلام بالابتعاد عن هذه الفنون وذلك بسبب فرض ذوقهم الخاص على ما يقدم بوسائل الإعلام من الإكثار من الأغاني العربية، والابتعاد كليا عن الأغاني التراثية وذلك لاعتقادهم أنها قديمة وأن وسائل الإعلام يجب أن تقدم الحديث ولذا فإن هذه الفنون انزوت في ادراج وسائل الإعلام وأصبحت تقدم في أوقات ميته لا يسمعها الناس مما أدى إلي بعد الناس عن هذه الفنون وعدم متابعتها وذلك بإحلال فنون وافدة كثيرة محلها.

الخلاصة:

فنون الخليج الموسيقية حوار حميم بين البر والبحر. ومن الطبيعي أن تنطبع فنون البحر بمشاق الرحلة، وحط الرحال. سديم البحر العظيم الواسع شكل ساحة الصوت والإيقاع. صحب البحار في كل خطوة من خطوات المغامرة، وكل لحظه من لحظات السكينة. تواشجت مفردات الحياة اليومية من أفراح وأحزان في داخل الصوت، والإيقاع البحري. وكان من الطبيعي بعد ذلك ومع الخبرة الزمانية والمكانية أن تتأصل هذه الفنون في النفوس. وبقدر ما يصبح من الصعب انتزاع تفردها الجميل، تقع علينا مسؤولية الحفاظ عليها كما أبدعها روادها.

ولكن حدث التبدل، ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا المسخ لهذه الثروة الإبداعية المسموعة، بما تحمله من وجدان نقي نادر.

وبقدر ما بدلت الثروة البترولية نمط الحياة الاجتماعية، ففتت بعض رواسخ هذا الفن الأصيل، بقدر ما ساهم الاتصال بالعالم الخارجي في الأخذ بالضعيف منه في فنون السما ، والتشكيل والتعبير.

بالتالي تعرضت هذه الثروة الوجدانية العظيمة للتغيرات الآتية :

أولا : تبدل الأداء والغناء بحكم تغير موقع السكن واقتصاره على البر.

ثانيا: تغير أسلوب الأداء الجماعي والمترابط إلي الفردي المعزول.

ثالثا :- تغير الصياغة الشعرية بما يتفق مع هذه الفردية.

رابعا :- دخول الصوت النساني الفردي في غير موضعه على فنون جماعية رجالية، فحدث الخلل أو الضعف أو المسخ.

خامسا:- طغيان الفنون البرية بما وفد عليها من ألوان الغناء المتبني للسرعة، أو الخفة، أو الضعف، أو المسخ .

سادسا:- وزارات الإعلام وتشجيعها هذه الألوان الممسوخة من الفنون السطحية، وإغفالها عمدا تقديم الأصيل.

والنتيجة المؤسفة هو تعرض هذا التراث النغمي والموسيقى الأصيل للنسيان، أو الضياع، أو الانقراض. ولعل دعوتي هذه تجد من يتحمس لوضع خطة علمية دقيقة للحفاظ على ما بقى لدينا من فنون الأصالة.

أعداد المجلة