فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
50

أوروبيانا : توثيق إلكتروني للتراث الأوروبي

العدد 50 - آفاق
أوروبيانا :  توثيق إلكتروني  للتراث الأوروبي
كاتب من الجزائر

استهلال:
أوروبيانا مكتبة رقمية أوروبية وُلِدَتْ في العام 2008 بفضل سعي المفوضية الأوروبية وجهود المتعاونين معها. تضم أوروبيانا المصادر الرقمية لجميع المؤسسات الثقافية في دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين. ويبلغ عدد العناوين الرقمية المتوافرة فيها 53 مليون عنواناً. وهي الأنموذج الأمثل في مجال توثيق التراث الغربي لأنها استطاعت أن توحد جهود القائمين على هذا التراث في بلدان الاتحاد الأوروبي كافّة، على الرغم من اختلاف لغاتها1 وعاداتها؛ فقد استطاعت إنجاز مشروع ضخم خُصِّصت له مبالغ طائلة وأحرِز نجاحاً باهراً، فكيف تمّ إنجاز هذا المشروع ؟ وما هي أهدافه؟ وكيف استطاع القَـيّمون عليه تخطي الصعوبات اللغوية والمادية لبناء هذه المكتبة الأوروبية النموذجية؟ وما هي المراحل التي مر بها؟ هذه الأسئلة وغيرها سنجيب عنها عبْر المحاور التالية:

1. بداية مشروع أوروبيانا
2. أهداف مكتبة أوروبيانا
3. تمويل مكتبة أوروبيانا
4. الجانب القانوني المسير لأوروبيانا
5. الأرصدة المكونة لأوروبيا
6. التواصل التقني بين المكتبات والمؤسسات المكوّنة للأوروبيانا
7. آفاق وتطلعات القائمين على مكتبة أوروبيانا
- المستفيدون من مكتبة أوروبيانا
- هل توجد أرصدة عربية أو حول العالم العربي في أوروبيانا؟
8. خاتمة

الخطوات الأولى في المشروع:
مع انتشار المكتبات الرقمية في العالم، ومع الغزو المهول الذي عرفه مشروع «مكتبة غوغل» الأمريكي للكتاب، الذي انطلق في بناء مشاريع واتفاقيات تعاون مع مكتبات عالمية، من ضمنها مكتبات فرنسية مثل مكتبة مدينة ليون2، ومع مكتبات أوروبية، جعلت غوغل يزحف إلى أرصدتها ليرقمنها. في مواجهة هذا الغزو، حرص وزراء الثقافة الأوروبيون على حماية تراثهم المشترك، فوضعوا خطة لإنشاء مكتبة رقمية أوروبية عام 2004، بإيعاز من رئيس الجمهورية الفرنسية جاك شيراك ورئيس إسبانيا والبرتغال وشركائهم الآخرين في أوروبا، الذين كان يقلقهم زحف غوغل على تراثهم من جهة أولى، واستيلاء غوغل على الثقافة الرقمية من جهة ثانية.

في هذا الصدد أكد جون- نويل جوناني Jean-Noël Jeanneney، مدير المكتبة الوطنية الفرنسية السابق، متسلّحاً بقولةٍ شهيرةٍ للرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول: «السوق ليست أعلى من الوطن والدولة، بل الدولة والوطن هما اللذان يتحكمان في السوق»3، أنّ ما يهم غوغل هو رقمنة «المحتويات باللغة الإنجليزية غير مبالٍ بالمادة السادسة من إعلان اليونسكو التي تنص على تعدد الثقافات وحرية الرأي، وتعدد وسائل الإعلام، والمساواة في التعبير الفني، والمعرفة العلمية والتقنية، بما فيها تلك المتوافرة على شكل رقمي، وإتاحة وسائل التعبير والنشر لكل الثقافات»4. وفي هذا التأكيد موقفٌ نقديٌّ واضح تجاه هيمنة غوغل، وهو موقف يعكس قلق معظم مسؤولي المكتبات الوطنية الأوروبية.
مشروع أوروبيانا هو مشروع أوروبي موحّد أسهمت فيه كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي5. وقد أقرّت المفوضية الأوروبية بأن مبادرة غوغل في مشروع الكتاب، دفعت الدول الأوروبية إلى التساؤل عن مصير تراثها. ولعبت المكتبة الوطنية الفرنسية دورا مهما في تنشيط المشروع الذي انطلق سنة 2006، على حدّ قول مديرها السابق جوناني: «بدأ يظهر جليا أن بداية المشروع وانطلاقه ومواصلته في العام 2006، شجّع على وضع محتويات مئات آلاف الكتب على الأنترنيت، وكذلك محتويات الصحف والمجلات في جميع بلدان قارتنا، من أجل رقمنتها ونشرها وتوزيعها6.

وفي سنة 2007 وبمناسبة معرض الكتاب الفرنسي، قدمت المكتبة الوطنية الفرنسية مشروعا مجسدا لموقع المكتبة الرقمية الأوروبية التي حملت اسم «أوروبيانا». ومنذ بدء المشروع، تمّ جمْعُ 12000 وثيقة خالية من الحقوق، على شكل البحث الضوئي، منها 7000 كتاب هي من أصل رصيد المكتبة الوطنية الفرنسية من موقع «غاليكا»7، والباقي من «مكتبة هنغاريا الوطنية، والمكتبة الوطنية البرتغالية»8. لذا فإن المسؤولين الأوروبيين وحّدوا جهودهم في سبيل تشييد مكتبة رقمية أوروبية تحفظ ذاكرتهم الجماعية وتصونها. على أن ثمّةَ فرقٌ كبير في طبيعة مشروعهم الموجه أساساً «للمنفعة العامة، وليس له أي غرض ربحي»9، فدور هذه المكتبة ـ كما يؤكد القيّمون عليها ـ هو «تشجيع العلم ونشر الثقافة والمعرفة مجاناً ومن دون تمييز، خلافا لمشروع «غوغل بوك» الذي بدأ مجاناً ثم تحول إلى مشروع تجاري ضخم يدر على أصحابه ملايين الدولارات بعدما وقَّع مسؤولو محرك البحث الأمريكي عقدا مع جمعية الناشرين الأمريكيين (guide) بقيمة 126 مليون دولار لبيع مؤلفاتهم على الشبكة»10.

انطلاقا من هذه المعطيات وغيرها، كان هناك ما يبرّر خشيةَ الأوروبيين من مشروع غوغل، وكان لزاماً عليهم أن يعملوا على إيجاد صيغة لحفظ تراثهم خوفاً من أن يعبث به غوغل كما يشاء، من دون أن يكون لهم في ذلك رأيٌ ولا قرار. ولذا فقد نفّذ الأوروبيون مشروعهم التعاوني في إنشاء مكتبة ثرية وغنية بتراثها المتنوع، فأرادوا أن يتولّوا رقمنته وإنجازه بأنفسهم، وألّا يتركوا الآخرين يقومون به بالنيابة عنهم، فعملوا على وضْع خطة تضمن نجاح هذا العمل، «مخطط كامل شمل جميع المراحل، من أخذ التطور التقني بالحسبان، من دون إغفال الجانب الإنساني، في رقمنة الكتب، إلى منح التقدم في البحث العلمي، وإيجاد تعاون تقني بين الدول الأوروبية المساهمة في هذا المشروع الذي خطى خطوات جبارة»11.

أهداف أوروبينا:
وضع المخطط أهداقاً واضحة لمشروع أوروبيانا، تتلخّص في تقديم الإرث الثقافي والتاريخي المشترك لدول هذه القارة التي خاضت حروباً مريرةً فيما بينها، مثل الحربين العالميتين، فنتج عن ذلك كم هائل من محفوظات الأرشيفات والكتابات والأفلام والصور التي تشهد وتؤرخ للمعطيات التاريخية والثقافية والسياسية والفنية والفكرية والفولكلورية والتراثية، لهذه الدول.

بدأ التحضير للمشروع على مراحل، فتم الاتفاق في أوّل الأمر، على إعداده ودراسته من قبل المكتبات الوطنية الأوروبية لسبعة وعشرين دولة، في العام 2006، بالاعتماد على بوابة «المكتبات الأوروبية». وفي السنة التالية تمّ إيجاد صيغة للتعاون وفي تمويل المشروع ورسم أهدافه على المَدَيات القريبة والمتوسطة والبعيدة، فاتُّفِقَ على رقمنة مليوني كتاب ووضعها في متناوَل المستفيدين، بحلول العام 2008. وفي العام 2010 تمت رقمنة أربعة عشر مليون كتاب، مع إلحاق محتويات إضافية كالصور والأرشيف. وفي العام التالي بلغ عدد المحتويات المرقمنة تسع عشرة مليون وثيقة. وجرى الاتفاق على أن يصل العدد إلى ثلاثين مليون وثيقة بحلول العام 2015، ورقمنة القسم الأعظم من التراث الغربي بنهاية سنة 2025.

فاجأ التقدم العملي والعلمي حتى القيّمين على المشروع، إذ انضمّ إليه وشارك فيه وسانده أكثر من ألف وخمسمائة مؤسسة ثقافية أوروبية. ثم بعد تدشين البوابة وافتتاح خط التواصل مع أوروبيانا، حصلت على خمسة عشر مليون مادة من مكتبات وأرشيفات ومتاحف أوروبا، التي دعمت المشروع والتحقت به»12.

تركّزت الجهود في البداية على تطوير التقنيات الرقمية والاستفادة من الخبرات الأوروبية المختلفة، فكل الدول أوروبية دخلت عالم الرقمنة وقطعت فيه أشواطاً بعيدة، فدعمت المشروع بدراسات واستشارات وبلجنة «العقلاء» سهرت على المعطيات اللغوية واللسانية والتقنية والقانونية للسير بالمشروع بخطى ثابتة وموضوعية. جرى التدشين الفعلي لموقع أوروبيانا في شهر نوفمبر 2008، لكن الفترة التجريبية مُدِّدَت بسبب وجود مشكلات تقنية منذ الساعات الأولى من افتتاح الموقع. ومع أن الدخول إلى الموقع قُدِّر بأكثر من عشرة ملايين مستفيد في الساعة، في حين كان ينتظر أن يكون العدد أربعة ملايين فقط، فقد جرى تأجيل الانطلاقة الحقيقية للموقع إلى العام 2010، لاسيّما أن ميثاق المكتبة ينص على الهدف التالي: «إنشاء تراث ثقافي أوروبي متعدد اللغات، على شكل مرقمن يُتيح الوصول إليه عبر الأنترنيت، ومجاناً بالنسبة إلى الكتب الخالصة من الحقوق»13.

تجدر الإشارة إلى أن هذه المكتبة متوافرة بثلاثة وعشرين لغة أوروبية أساسية للاتحاد الأوروبي، ضمن بوابة متعددة التخصصات، وما بين المؤسسات التي تضمن الوصول إلى جمهور واسع وطنياً وأوروبياً ودولياً.
كما جعلت أوروبيانا من أهدافها جرد الكتب والوثائق الاصلية التي لا زالت في «حوزة الأشخاص والخاصة بالفترة من 1914 إلى 1918 لرقمنتها وتوفيرها وتقديمها على موقعها، وهو مشروع يحتوي على أكثر من أربعمائة ألف وثيقة أصلية وخاصة بالحرب العالمية الأولى»14.

هدف المكتبة الأساس الثقافي هذا، حثّ عليه مجموعة من رؤساء المؤسسات الفرنسية الكبرى مثل المكتبة الوطنية الفرنسية، والقصر الكبير، ومتحف اللوفر ومركز جورج بومبيدو، حيث نشرت هذه المؤسسات نصاً بعنوان «أوروبا والرقمنة: لا ننسَ الثقافة»، «بوصفنا مسؤولين عن مؤسسات ثقافية وطنية، نرى أن من واجبنا التمسّك بمشروع أوروبيانا الثقافي، الذي يرمز إلى التعدد الثقافي في قارتنا، وإلى الثروة التي لا تنفد من إرثها وعظمة إبداعها الرائع. في وقت يتساءل فيه مواطنونا حول ماهية أوروبا، علينا أن نحفظ للثقافة المكانة التي تليق بها، في مشروع أكثر حيوية من أي وقت مضى»15. ولئن دلّت هذه الرسالة الموجهة إلى وزيرة الثقافة ومن خلالها إلى رئيس الجمهورية الفرنسية، على شيء، فهي تدلّ على مدى تعلّق مسؤولي المؤسسات الثقافية، ونعلّق سائر المساهمين في مشروع أوروبيانا، بتعزيز وتقوية واهمية الجانب الثقافي لهذا المشروع الاستثنائي الذي يعتبر تحديا وواجبا كبيرين، ويهدف إلى جمع الكنوز الثقافية المرقمنة للمكتبات والمتاحف ومراكز الأرشيف للدول السبع والعشرين المكونة للوحدة الأوروبية. وهذا ما أكدته فيفيان رودينغ Viviane Reding عضو الاتحاد الأوروبي، والمكلفة بمجتمع المعلومات والإعلام حينما قالت: «تمنحنا أوروبيانا رحلة في الزمان وعبور الحدود... وتصل الأشخاص بتاريخهم... أوروبيانا تعدد ثقافي أوروبي يُتيح الوقوف في وجه العملاق الأمريكي غوغل»16، وهي تسمح بالاكتشاف وتقاسم الإمكانيات والسفر بين مجموعات الموروث الثقافي الأوروبي للمكتبات والمؤسسات الثقافية والأرشيف والمتاحف ومؤسسات السمعي البصري والصور والحصص التلفزيونية والإذاعية والتسجيلات الصوتية مرورا بأرشيف الأخبار التلفزيونية17.

استطاعت أوروبيانا منذ بداية العام 2016 أن «تتيح الوصول إلى أكثر من ثمانية وأربعين مادة (نصوص، صور، صوت، أفلام، أرشيف تراثي، فولكلوري»18، هذه المشاريع والاهداف المهمة تحتاج إلى أموال ضخمة، فكيف تم تمويل هذا المشروع الضخم الذي يحتاج إلى مبالغ طائلة؟ وما هي الإمكانيات المرسومة لمواصلة العمل على هذا المشروع الطموح في ظل التطور التقني السريع؟

تمويل أوروبيانا:
رُصِد لمشروع أوروبيانا أكثر من 250 مليون يورو، صُرِفت على مراحل: المرحلة التجريبية (2005 ـ 2008)، تلتها مرحلة التركيز على تطوير التقنيات الرقمية، وهي المرحلة التي تتطلب أموالا باهظة تجعل المشروع في مستوى التحديات ومتطلباتها، فهو تجربة فريدة من نوعها تمنح آفاقا اقتصادية جديدة في مجال الاتصال الرقمي، غايته المنفعة العامة. وعليه فإن تمويل أوروبيانا يخضع إلى مساهمة أعضاء الاتحاد الأوروبي ووزارات الثقافة للبلدان الأعضاء، حيث يتولّى كل بلد رقمنة الآثار الخاصة به، وتحميلها على موقع أوروبيانا. غير أن التمويل لم يكن في الحجم المطلوب على المستوى الأوروبي والمحلي في كل دولة. وقد أعلنت المفوضية الأوروبية، على لسان فيفيان ريدينغ المكلفة بشؤون الإعلام ومجتمع المعلومة، أنها رصدت 120 مليون يورو لدعم المشروع في الفترة الواقعة بين 2009 و 2010. لكن هذا المبلغ أثار استياء بعض المهتمين الذين رأوه دون المطلوب. وقد اعترفت ريدينغ، الفخورة بأوربيانا، بالصعوبات التي واجهت المشروع»19، الذي جاء في إطار تحديات ثقافية كبيرة، وخاصة في مواجهة خدمة غوغل «الاستفزازية» Google books، وعليه فإن الدول الأعضاء حاولت تجاوز هذه الإشكاليات وطالبت بالتزام كل دولة دفْع مستحقاتها بشكل دائم ومستمر. وتبقى فرنسا أكبر دولة ممولة للمشروع تليها ألمانيا. وظلت مساهمات بعض الدول قليلة، في حين أن فرنسا تبوّأت المركز الأول بمبلغ مائتي ألف يورو عام 2008 ومائة ألف يورو سنة 2011»20.

ومع ذلك، «تتقدّم رقمنة التراث الأوروبي بوتيرة متفاوتة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي، حيث المالية العامة تتراجع في كل هذه الدول، مما يؤدّي في كثير من الأحيان إلى اتخاذ تدابير لتشجيع التكامل بين التمويل العام والخاص وفقا لتوصيات «لجنة حكماء» الاتحاد الأوروبي. وترى هذه اللجنة أنه «ما زال أمامنا عملٌ كثير يتعيّن القيام به لجعل التراث الأوروبي المشترك في متناول أكبر عدد ممكن، وبشكل أفضل، مع تطوير الخدمات التي تلبي تطلعات مواطنينا»21.

طلبت المؤسسات الفرنسية في ضوء المفاوضات بشأن الميزانية، بعد العام 2013، بأن تكون «ميزانية الاتحاد الأوربي داعمة على الدوام لأعمال مؤسسة أوروبيانا، كجزء من تمويل محدد.»22. ومنذ ذلك العام والاتحاد الأوروبي يحرص على تمويل المشروع حتى من قبل المؤسسات سواء كانت من القطاع العام أم من القطاع الخاص. كما طالبت «لجنة الحكماء» الدول الأعضاء بالسخاء في تقديم المساعدات لتوفير المسح الضوئي لأوروبيانا المجاني»23.

الجانب القانوني المسيِّر لأوروبيانا:
يتطلب مشروع بهذه الضخامة وبهذا الطموح تسييراً قانونياً واضح المعالم، نظراً إلى أنّ لكل دولة من دول الاتحاد الأوروبي قوانينها الخاصة والمختلفة. ومن أجل اتخاذ تدابير توحّد الرؤية القانونية لمشروع أوروبيانا تمّ التعمق في دراستها، ولاسيّما بعد العاصفة الإعلامية التي أثارها غوغل الأمريكي، حينما راح يَعِد الناس والحكومات برقمنة المحتويات الثقافية ليضعها في متناول العالم أجمع. غير أن رجال القانون الأوروبيين اكتشفوا بأن القانون الأمريكي يسمح لغوغل بذلك، وإنْ إلى حد ما، لأنه لا يأخذ بشكل صادق حقوق المؤلفين والمحتويات المرقمنة؛ ولأن نهجه ربحي أكثر مما هو ثقافي. وقد أثار هذا الموضوع كثيراً من الاحتجاجات والانفعالات وردود الفعل، ومنها الردّ بإنشاء مشروع أوروبيانا كمكتبة رقمية مجانية. وعليه فإن الأوروبيين بعد مناقشات مستفيضة ودراسات دقيقة، وبعد الاعتماد على رجال قانون وضعوا «ميثاقا» يسيّر هذه المكتبة مراعين فيه خصائص كل بلد أوروبي ومطالبه الخاصة. فكان على أوروبيانا احترام «حقوق الملكية الفكرية، بما في ذلك حقوق الفنانين». ويشدّد أعضاء البرلمان الأوروبي على ضرورة الحفاظ على سلامة الأعمال لتكون لجنة أوروبيانا قادرة على اقتراح المصنفات المحمية بموجب حقوق المؤلف، وكذلك أعمال الطباعة والأعمال الثقافية التي تُسمى بـ«اليتيمة» ولا تُعرَف أسماء مؤلفيها؛ فقد طُلِب من «أعضاء البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية» وضع اقتراح تشريعي بشأن رقمنة وحفظ ونشر المصنفات اليتيمة التي من شأنها وضع حد لحالة عدم اليقين القانوني الحالي ووضع قاعدة بيانات أوروبية لهذه الأعمال»24. وهذا يعكس وعي الساهرين على مشروع أوروبيانا، وحرصهم على حقوق المؤلف، وسهرهم على إيجاد جانب تشريعي يسير المكتبة ويأخذ بعين الاعتبار التطورات التقنية وانعكاساتها على الجانب التشريعي بشكل موضوعي.

تقدم الرقمنة فرصة فريدة لمنح المحتوى التراثي الثقافي حياة جديدة، بعدما وضعته في متناول المجال العام، وأضْفت عليه شكلاً جديداً يتكيف مع وضعه القانوني، لأنه يتيح إعادة استخدامه في ظروف متاحة للجميع. لذا، بعد افتتاح أوروبيانا بسنة واحدة، بات «من الواضح أن المكتبة الرقمية الأوروبية الغنية بأكثر من 15 مليون محتوى من المكتبات ودور المحفوظات والمتاحف في أوروبا، نفذت عدة مشاريع تتيح الحفاظ على الطبيعة المفتوحة للمجال العام برقمنته والافراج عن حقوق المحتوى والبيانات الوصفية»25. فمحرك البحث «يسمح بالولوج إلى النص، والحواشي، وترتيب النتائج، والبحث المتقدم». من هذا المنطلق، فإن المكتبات والمؤسسات المشاركة أو الملتحقة بأوروبيانا مطالبة بالالتزام بعدد معين من المعايير الفنية والقانونية. وعلى رأسها «الترخيص CCO 26 الذي له تأثير بالِغ، لأنه يؤدي إلى التخلي الكامل عن الحقوق، بأنواعها كافّة (حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، والحق في قاعدة البيانات، وقانون العلامات التجارية وقانون البيانات العامة، وما إلى ذلك). وفيما يتعلق بالمعلومات، فأول شيء هو معرفة قواعد البيانات الصحيحة، وحق البيانات العامة. وهذا الترخيص يحترم مبادئ البيانات المفتوحة، حيث أعلنت أوروبيانا عزمَها على الدخول في برنامج البيانات المفتوح الذي سوف يلعب دورا رئيسيا في تطوير الويب الدلالي»27، وقد تم الاتفاق في شهر أبريل 2010 على أن تلتزم أوروبيانا نصاً على شكل «ميثاق» للمجال العام، يشدد على أن رقمنة الآثار الموجودة في الحقل العام لا تنشئ حقوقا إضافية، لان هذه المحتويات المتوفرة على شكل رقمي، لا تؤدّي بعد رقمنتها، إلى حقوق إضافية. وقد وقّع مسؤولو أوروبيانا في الدول السبع والعشرين على اتفاقية قانونية تسيّر عملية رقمنة المحتويات الثقافية وجعلها في الحقل العام عبر موقع مكتبة أوروبيانا، الذي نجد فيه إشارة إلى كل كتاب موجود في الحقل العام. ومع نظام المسح الضوئي يمكن للمستفيد البحث في النصوص وفي أخذ المعلومات بسرعة، كما يمكن نسخُ فقرة أو حواشي أو صور وما إلى ذلك.

تخضع مكتبة أوروبيانا الرقمية لرقابة المؤسسة الهولندية والمفوضية الأوروبية والتي يشرف عليها مجموعة من رجال القانون، والمختصين في مجال الرقمنة.

الأرصدة المكونة لا وروبيا:
تم الاتفاق في البداية على رقمنة الكتب الموجودة في الحقل العام، وأُسِّس لهذا الغرَض برنامجٌ باسم «الحاسب» يتيح، عبْرَ نافذة، مجموعةً من الأسئلة يُجاب عليها بذِكر عنوان الكتاب، وتاريخ النشر، وسنة وفاة الكاتب، الخ... يقدم هذا «الحاسب» كشفا قانونيا حسب نوعية المحتوى والقانون المتَّبَع في مكتبة البلد اللذي يوجد فيه الكتاب، وهو إضافة نوعية متاحة على الحقل العام بترخيص من EUPI.

اتَّسع المشروع ليشمل الآثار ومقتنيات المتاحف والأرشيفات والصور والوسائل السمعبصرية والجرائد والمجلات والملفات الوثائقية، وكذلك الأرصدة النادرة مثل أعمال ومجموعات عمالقة الموسيقى الأوروبية وكتابها وفنانيها ومصوّريها. وهكذا تنوّعت الأرصدة وجعلت من أوروبيانا مكتبة متنوعة الوسائط واللغات (23 لغة) وتتميز بثراء أرصدتها المختلفة لتقدم للمستفيد، مجاناً، بانوراما من الذاكرة الجماعية والتراث الثقافي والتاريخي الأوروبي. تحتوي المكتبة على 77 مليون كتاب، ولا يزال إثراء المكتبة بالكتب يتزايد كل يوم بأرصدة جديدة. وفيها 24 مليون ساعة لوثائق سمعية بصرية، و358 مليون صورة، و75 مليون أثر فني، و 10 مليارات صفحة أرشيفية29.



هذه الأرصدة تتيح للمستفيدين الغوص في عالم من الأرصدة الثرية الآتية من أكثر من 2200 مؤسسة أوروبية متنوعة الاختصاص، وقد التزمت جميعاً برقمنة آثارها المحفوظة بشكل تقليدي، لجعلها متاحة على الموقع وضمان «حمايتها على شكل رقمي متطور ضمن أجيال الرقمنة المستقبلية»30، أي مراعاة التطورات التقنية حفاظاً على الآثار التي تمت رقمنتها، وصَوْنها من التلف، وضمان وجودها المستمر الذي يتطلب متابعة يومية على عدة أبعاد: تطور الحاسوب وانعكاساته القانونية ومراعاة تطور البيئة الرقمية مما يسمح بمواصلة تقاسم ملايين المحتويات الرقمية والذي يفتح شبكة جديدة تكون في متناول جمهور الباحثين والمتعلمين. وهو جهد أوربي مشترك يتركنا نصل إلى مؤلفات فيكتور هوغو، أو إلى تسجيل قديم لإذاعة «بي بي سي»، أو ذخائر أخرى مثل أرشيف وكتب فترة القرون الوسطى، أو الحروب التي وقعت في أوروبا، أو إلى أغاني تراثية، أو قطع فنية نادرة، أو تراث شعبي، من موسيقى، ومسرح، ورسومات فنية قديمة، أو آثار لمواقع تراثية، تثمّن هذه الذاكرة الجماعية الأوروبية، وذلك بإيعاز من أوروبا بعد ان استعمرت بعض دولها مجموعة دول في العالم، فأرصدة المكتبة تقدم كل هذا التراث بمختلف صيغه وتعبيراته تتيحه للمستفيدين من مختلف دول العالم بشكل افتراضي.

التواصل التقني بين المكتبات والمؤسسات الأوروبية:
يُسيّر مكتبة أوروبيانا الرقمية «لجنة حكماء» تجتمع دوريا لمناقشة التطورات القانونية والمادية والإدارية للمكتبة، وتقوم بدراسة جميع المسائل المتصلة بالرهانات المرتبطة بالرقمنة، وبشأن شروط إمكانية الوصول إلى التراث الرقمي والمحافظة عليه، وعلى قضايا حق المؤلف. ويساعدها في ذلك أمناء المكتبات الوطنية الأوروبية في متابعة التطورات التقنية وأمور الفهرسة، وفي مراجعة الأعمال المنجزة أو التي في طور الإنجاز. كما يساعدها مهندسون في الإعلام الآلي ينسقون مع بقية الأعضاء لوضع الأعمال المرقمنة على موقع أوروبيانا في متناول المستفيدين، وفقاً للنموذج التالي الذي يُظهِر علاقات التواصل بين المكتبات الوطنية ومكتبة أوروبيانا.



تعمل المؤسسات المشاركة على إثراء المكتبة من الجانب التقني من أجل توفير الفضاء اللغوي للباحثين والمستفيدين حتى يصلوا إلى المواد التي يرغبون في الاطّلاع عليها، إذ يؤكد الدكتور نبيل علي، خبير المعلومات، بأن علاقة اللغة بالحاسب هي «علاقة منفعة متبادلة، فعلى جبهة اللغة يُستخدَم الحاسب حاليا لإقامة النماذج اللغوية وتحليل الفروع اللغوية المختلفة. ومن أمثلة تطبيقات الحاسب في مجال اللغويات الصرف الحاسوبى والنحو الحاسوبى والدلالة الحاسوبية والمعجمية الحاسوبية وعلم النفس اللغوي الحاسوبي»31. ويرى المفكّر نبيل علي أن «علماء الحاسب اقتبسوا، في تطويرهم للغات البرمجة، الكثيرَ من أسس اللغات الطبيعية. وهم يسعون بدأبٍ إلى التقريب بين هذه اللغات الاصطناعية واللغات الطبيعية بُغْيَةَ تسهيل التعامل مع الحاسب، من دون وسيط برمجي؛ فالهدف الأسمى لبرمجة الحاسب هو أن يتعامل الفرد معه مباشرة بلغته الطبيعية بدلا من اللغات الاصطناعية»32. ويتم هذا العمل بعد تحديد سياسة المعطيات وتنظيم المشاركين عبر رابط يدمج المشاريع الأوروبية، ويضعها في النهاية في متناول المستفيدين، على غرار نموذج تنظيم قوة الإدماج.

وهذا من بين الأسس التي تعتمدها المكتبات الرقمية في تقديم مادة متنوعة بلغات مختلفة مثل أوروبيانا. وانطلاقاً من هذا التطور، أثْرَت المكتبة الأوروبية مشروعها بمجموعة مشاريع إضافية موجَّهة إلى عالم البحث العلمي واقتراح خدمات جديدة. وتتوزع أوروبيانا على خمسة مواقع مختلفة: أوروبيانا (البوابة الثقافية)، أوروبيانا ريجيا Europeana Regia (المخطوطات في العصور الوسطى وعصر النهضة)، أوروبيانا الصحف (10 ملايين صفحة من الصحف الرقمية، بالنص الكامل)، أوروبيانا الأصوات (الأصوات والموسيقى، وما إلى ذلك)، ومجموعات أوروبيانا الفريدة 1914-1918. وذلك بانتظار التحسينات اللازمة التي من شأنها أن تعطي في النهاية بعدا أوروبيا حقيقيا لهذا المشروع الثقافي الكبير33.


كما عملت أوروبيانا على تحسين موقعها الذي أصبح على الشكل التالي:


إن النجاح الذي أحرزته أوروبيانا ناجمٌ عن تضافر الجهود من خلال الروابط التقنية التي أدَّت، بعد تفكير مليٍّ وجهد متواصل، إلى إنجاز هذه المكتبة العملاقة.Europeana, la bibliothèque numérique européenne

آفاق مكتبة أوروبيانا وتطلُّعات القيّمين عليها
بعد النجاح اللافت الذي أحرزته أوروبيانا، أخذ القيّمون عليها يفكرون في انتهاج آفاق عملية جديدة أمام الباحثين في شتى المجالات الفكرية والعلمية والعلوم الإنسانية، وذلك عن طريق علاقة الحاسوب باللغة المتطورة على الدوام. وبحسب التقرير الصادر في شهر جانفي (كانون الثاني) 2016 «تحتوي أوروبيانا اليوم على 48838151 من الأعمال الفنية، والكتب، وأشرطة الفيديو والأصوات من المجموعات الرقمية الآتية من أكثر من 3300 مؤسسة أوروبية 34، مثل المكتبة الوطنية الفرنسية، أو متحف اللوفر. وتعلن الصفحة الأساسية عن تحسين أدوات البحث، وإضافة معطيات جديدة للبحث عن الصور، مع الحفاظ على التركيز على أهمية اللون»35.

طوّرت مكتبة أوروبيانا بوابة جديدة مخصصة للباحثين والأكاديميين تمّ إنجازها في العام 2012. وهي تُتيح الوصول إلى كل المحتويات الرقمية التي جمَعها مشروع أوروبيانا المكتبات: «تقدم هذه البوابة مجموعة واسعة من الخدمات المصمَّمة خصيصاً لتلبية احتياجات الباحثين. بالإضافة إلى كتلة من البيانات الببليوغرافية المتاحة بشكل طبيعي من خلال شبكة من المكتبات الوطنية. ولهذه الصيغة مجموعة مزايا في مجالات عدّة، كتقاسم الموارد (بين الأساتذة والطلاب، على سبيل المثال)، وقراءة القوائم، وفهرسة النص الكامل وتحديثه... كما أنها تسمح للباحث بأن يطَّلِع تلقائيا على إضافات و مجموعات تتَّصل ببحثه السابق». ما يعني أن أروبيانا لم تبقَ في إطار تقديم المادة المرقمنة فحسب، بل طورت أدوات جديدة كاستجابة جزئية للتطور السريع، بوصفها مدخلا متعدد التخصصات ومشتركاً بين المؤسسات التي تسعى للوصول إلى أوسع جمهور. كما أنها توفّر للباحثين نوعية عمل راقية: «نحن نعرف من التجربة أن الباحثين سوف يكونوا أكثر متعة لتحسين أبحاثهم بدقة، واثقين من العثور على ما يريدون»36، بحسب تصريح أوبريه إيسكاند Aubéry Escande (المسؤول عن الإعلام وعن علاقة مكتبة أوروبيانا بالصحافة) يشدد فيه على «أهمية تحديد احتياجات الباحثين والأكاديميين بشكل صحيح قبل إطلاق البوابة الإلكترونية، والتي سوف تكون قادرة على التكيف مع البيئة الرقمية، ومع أساليب عمل المستخدم. وذلك من خلال واجهات برمجة التطبيقات. إن قلب نشاط المكتبة الأوروبي أوروبيانا هو التجميع. ونحن لا نملك المحتوى، وإنما نحن نمنح حق الوصول؛ فما نحاول القيام به هو العثور على أفضل طريقة للوصول إلى تقديم الخدمات المناسبة إلى الجامعات الأوروبية في عموم أوروبا، ولكن إلى كل المهن أيضاً»37.

إن نجاح المسؤولين عن أوروبيانا والمعاونين معهم في سائر القطاعات الثقافية والفكرية والتقنية، منحهم ثقة جعلتهم يطمحون إلى مشاريع أخرى ممكنة التحقيق في الواقع العملي بشكل حقيقي وملموس، كالمشروع المنتظَر إنجازه في العام المقبل 2020، هو الاهتمام بميدان التربية وإنشاء علاقة بين وزراء التربية ومشروع «إيدوتيك»، ما يسمح بشكل خاص للمعلمين والطلبة بمعرفة إلى إي مدى يستطيعون الذهاب في « تقاسم ونشر أعمالهم. فالبحث يسمح لهم بفرزٍ للنتائج، عبر البحث في النص والصورة والصوت والفيديو، والتحقّق من حقوق البحث (هل يمكن لي استخدامه؟) حسب البلد، من خلال اللغة، ومن خلال مؤسسة شريكة، أو عبر مجمع المحتويات»38، وقد تمّ ذلك بإنشاء موقع خاص بالمحتويات الرقمية ذات العلاقة مع التربية كما نرى في التصميم التالي:


وتواصل أروربيانا العمل على إنشاء فضاء للإبداع، وتعمل على تقديم مقترحات لدراستها وتقييمها ماديا وقانونيا لتدخلها بعد ذلك إلى ميدان البرمجة.

1) جمهور المستفيدين من أوروبيانا:
جمهـور واسـع ومتنوع بتنوع المحمولات المرقمنة والمتوافرة على موقع المكتبة، وهي تطمح إلى أن يكون جمهورا واسعا وعريضاً يضمّ مختلف الشرائح الاجتماعية والثقافية فجمهور العامة يجد فيه علاوةً على التنوّع وسهولة الاستفادة وبسـاطـة الوصـول، يجــد الـترفـيه أيضـاً ولـذة رؤيـة الكـتـاب والشـعور به«عبـر الشـاشـة»39. وجمهور المطّلعـين والباحثـين يجـدون فيـه المـواد التي تساعدهم في أبحاثه. وأمناء المكتبات يجدون فيه كل ما يمكّنهم من «متابعة، تطور الرقمنة والاسـتفادة مـن الفهـارس الـذكـية الـتي تعـزز الاكتشاف في مجال علم المكتبات والتوثيق»40، فقد أدى إثراء أرصدة المكتبة بمحتويات جديدة إلى تنوّع الجمهور بتنوع الآثار المرقمنة، ليشمل الباحثين والطلاب والمعلمين والمؤرخين ورجال الفـن والسـينـما الـخ. إذ تسـعى هـذه المكـتبة إلى تقديم جميع جوانب الآثـار مـن المتـاحف والمعارض والمكتبـات والأرشــيــف الأوروبــي. عـلاوة عـلـى اكتشاف التراث الأثري للعصر الحجري القديم مررورا بالعصور الأخرى وصولا إلى العصر الحديث، بما في ذلك التراث المنقول وغير المنقول، والمناظر الطبيعــية الأثـريـة والمحفـوظـات الأثـريـة. كمـا تتيح مجموعة من المنحوتات من عصر النهضة إلى قائمة السرياليين، ومن فن النحت الروماني القـديـم إلـى الفـن المعاصر، تجعلك تـستـكشـف الفنانين والأعمال الفنية من جميع أنحاء أوروبا. وعليه يمكن أن يفتـخر المشـرفـون على مكـتبـه أوروبيانا بتقديم الماضي المشترك لأوروبا لبناء المستقبل بفضل العديد من مبادرات المقيمين عليها، لأنها كمشروع ملموس تقدم اكتشاف أو إعادة اكتشاف التراث الثقافي الأوروبي، ويحاول هذا المشروع أيضا إحياء ديناميكية الإبداع وتعزيز التعاون والشراكة بين البلدان الأوروبية في المجال الثقافي الذي يساعد في تثمين وتمتين هذا الفضاء السياسي والاقتصادي.

2 ) هل توجد في أوروبيان محتويات حول العالم العربي؟
هل توجد في أوروبيانا محتويات حول العالم العربي والإسلامي؟ الإجابة على هذا السؤال تقتضي فهم أهداف ومشاريع هذه المكتبة التي تقدم الإرث الثقافي لأوروبا، وهو إرث غني ومتداخل مع ثقافات وحضارات أخرى من ضمنها العالم العربي الإسلامي، وبالتالي فالتعريف به ليس من مهامها، بل تضع ما تمّت رقمنته في المكتبات الوطنية الأوروبية من كتب ومحتويات سقطت في الحقل العام، وما كتب أو حقّق أو رسم أو اقتني ويتناول العالم العربي، ومعظمه باللغات الأوروبية، وعلى مقدمها اللغة الإنجليزية ثم اللغة الفرنسية، نظرا إلى العلاقات السياسية والاقتصادية بين أوروبا والعالم العربي الإسلامي. ولا ننسَ أن فرنسا وانجلترا استعمرتا مناطق من هذا العالم ورصدتا لذلك أرشيفات وكتابات وأفلام وتحقيقيات صحفية. هذه المواد نجد بعضها متوافراً على موقع أوروبيانا، علاوةً على كتابات رحّالة عرب حول أوروبا، باللغتين الفرنسية والإنجليزية، تمت رقمنتها. باختصار ما هو متوفر على شكل رقمي في هذه المكتبة نابع من العلاقات الدبلوماسية الغربية العربية، ومن ضمن المعطيات التاريخية كمشاركة المغاربيين في الحربين العالميتين، أو المطامع الاستعمارية في مغرب العالم العربي ومشرقه.

فعند البحث تحت عنوان العالم العربي، على موقع أوروبينا، نجد أكثر من 500 كتاب، كما نجد مراجع شتّى في مجال الصورة، والفيديو، وآثار، ورسومات، ويعود معظم هذه المحتويات إلى فترات قديمة، وبلغات أوروبية متعددة موجودة ضمن مقتنيات المؤسسات المشاركة في هذه المكتبة التي يمكن تصفّحها على الموقع:
http://www.europeana.eu/portal/fr/search?page=4&q

لم نجد أثراً للمؤسسات العربية الناشطة في الغرب كشريك لهذه المكتبة، ربما لأن ما تقدمه ما زال حديثا ولم يدخل في الحقل العام، وأن ما هو موجود لديهم من كتابات قديمة متوفرة في المكتبات الوطنية الغربية، فاستغنوا عن التعامل مع هذه المؤسسات العربية. وربما لأن هذه المؤسسات لم تعلن نيتها في العمل مع هذه المكتبات لكي تكون ضمن هذا المشروع الأوروبي الهادف إلى إيصال الموارد الببليوغرافية والرقمية الآتية من المكتبات الوطنية في أوروبا ومن المؤسسات الأوروبية المشاركة فيها.

خاتمة
تعتبر تجربة أوروبيانا من بين التجارب الناجحة، لأن المسؤولين عنها استطاعوا أن يقفوا في وجه زحف «غوغل» الأمريكي على محتوياتهم برقمنتها بطريقة ربحية، لا تمت بصلة إلى تطلع الأوروبيين الذين أرادوا توفير المحتويات للمستفيدين مجانا. فقد كان جون مونيه Jean Monnet رجل الأعمال والسياسي الفرنسي الذي قاد حركة توحيد أوروبا الغربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ولذا فقد لُقِّب بـ»أبو المجموعة الأوروبية») كان يقول: «لو أُعيد التفكير في بناء الوحدة الأوروبية لوَجَبَ علينا أن نبدأ بالثقافة»، لِما للثقافة من أهمية في التقريب بين الناس وخلق جسور التواصل والحوار وتبادل الأفكار. لقد غدت مكتبة أوروبيانا بمثابة مكتبة رقمية أوروبية، بعدما كانت مجرّد حلم تحقق بفضل تضافر جهود الأوروبيين جميعاً.

وبهذا الجهد المشترك أنتقل مشروع أوروبيانا من الحلم إلى اليقظة ووفر لجميع عشاق الفن اكتشاف مجموعة ضخمة من أكثر من 58 مليون وثيقة وجعل ثروات مئات المتاحف والمكتبات في مختلف بلدان المجتمع الأوروبي في متناول الجميع.

الهوامش

1. خلافاً لما لوحدة اللغة والعادات والتقاليد في الدول العربية وفي التراث المشترك الذي يجمعها. هذه الوحدة يخونها غياب إرادة سياسية مشتركة ورؤية مستقبلية جامعة. وبذلك تتشتت الجهود العربية لتصبح الفرقة سيدة الموقف، على الرغم من التقدم التقني الذي يُلِحُّ في فرض الوحدة وتضافر الجهود العربية، وعلى الرغم من وعي كثير من الباحثين العرب، الذي يظهر ذلك جليا في توصياتهم المتكررة وفي اجتماعاتهم ومؤتمراتهم في كثير من المؤسسات العربية مثل الأليكسو، ومؤسسة الفكر العربي، ومجامع اللغة العربية، وبعض الجامعات العربية التي تخطو خطوات معتبرة في ميدان الرقمنة. لاسيّما أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، اليونسكو، قد اعترفت بأن اللغة العربية تلقى اهتماما أوروبيا وعالميا، وتحتل المركز السادس كأكثر اللغات انتشارا في العالم.
2. تم إبرام اتفاقية بين غوغل ومكتبة مدينة ليون الفرنسية، التي تزخر بمحتويات ثرية تتركها تحتل المرتبة الثانية بعد المكتبة الوطنية الفرنسية، ومع مكتبات غربية سواء في بريطانيا أو سويسرا أو دول أوروبية أخرى.
3. Trois bibliothèques européennes face à Google : Aux origines de la bibliothèque numérique (1990- 2010) de Caelle Béquet. - Paris ; école des chartes-2014, p, 207.
4. Trois bibliothèques européennes face à Google : Aux origines de la bibliothèque numérique (1990- 2010) de Caelle Béquet. - Paris ; école des chartes-2014, p
5. هذا التضامن الأوروبي كان وليد رد فعل لدى المسؤولين الأوروبيين لوضع حد لغطرسة المحرك الأمريكي غوغل دفعهم في التفكير الجدي في بناء مشروع بديل ألا وهو مشروع أوروبيانا،
6. Quand Google défié l’Europe ? Plaidoyer pour un sursaut, de Jean- Noel Jeanneney. - Paris : mille et une nuits ; 3e édition – 2010, page 137
7. Gallica هو اسم موقع للمكتبة الرقمية النابع للمكتبة الوطنية الفرنسية ويعرف رواجا كبيرا نظرا للنجاح المنقطع النظير الذي يعرفه لدى الباحثين في فرنسا وأوروبا والعالم. وهو يقدم تجربة علمية وعملية نموذجية. بدأ العمل عليه في العام 1995 في ظروف البيئة الرقمية لذلك الوقت، حيث تمت رقمنة المحتويات على شكل صورة، مما جعل أنصار غوغل في الساحة الفرنسية يوجّهون سهام نقدهم لتلك المبادرة. لكن االمكتبة الوطنية أفادت من تقدم آليات الرقمنة، ودخلت في قراءة النص عن طريق "المسح الضوئي"، وأعادت مراجعة الثمانين ألف كتاب التي تمت رقمنتها على شكل صورة.
8. موسوعة ويكيبيديا، على الرابط التالي: https://fr.wikipedia.org/wiki/Europeana
9. المرجع نفسه.
10. إطلاق أوروبيانا، أول مكتبة رقمية لكنوز التراث الأوروبي، أنيسة مخالدي.. أنظر الرابط:
- http://www.gazire.com/cms/news-action-show-id-282.htm
11. Quand Google défie l’Europe ? Plaidoyer pour un sursaut, de Jean- Noel Jeanneney. - Paris : mille et une nuits ; 3e édition – 2010, page 138
12. موسوعة ويكيبيديا الرابط: https://fr.wikipedia.org/wiki/Europeana
13. موسوعة ويكيبيديا الرابط: https://fr.wikipedia.org/wiki/Europeana
14. المرجع نفسه.
15. Le Monde, 15 juillet 2013
16. La bibliothèque numérique européenne "Europeana" est maintenant en ligne, note de Bruxelles du 20 novembre 2009
17. Ibid.
18. "ما هي أوروبيانا" مقالة بالفرنسية (Qu'est-ce qu’Europeana) منشورة على الانترنت:
- http://www.bnf.fr/fr/professionnels/cooperation_europeenne/a.europeana_tel_centre_impact.html
19. أوروبيانا، تراث القارة العجوز رقمياً، خضر سلامة، جريدة الأخبار بتاريخ الخميس 20 تشرين ثاني، 2008
20. Sur Europeana, voir le lien, http://www.culturecommunication.gouv.fr/Politiques-ministerielles/Industries-culturelles/Dossiers-thematiques2/Numerisation-des-contenus/Sur-Europeana
21. Le Monde, 15 juillet 2013.
22. Industries et cultures, voir le lien du ministre de la culture ; http://www.culturecommunication.gouv.fr/Politiques-ministerielles/Industries-culturelles/Dossiers-thematiques2/Numerisation-des-contenus/Sur-Europeana
23. Ibid.
24. Europeana: élargir la médiathèque en ligne en respectant le droit d'auteur, voir le site parlement européen, http://www.europarl.europa.eu/sides/getDoc.do?language=fr&type=IM-PRESS&reference=20100223IPR69351
25. Carnet de veille et de réflexion d'un juriste et bibliothécaire ; L’architecture juridique ouverte d’Europeana, voir lien ;
- Lhttps://scinfolex.com/2011/10/10/larchitecture-juridique-ouverte-deuropeana/
26. إ يسمح معيار cco للباحث أو القارئ بالوصول إلى المعلومة بسرعة ويعرف ما إن كان الكتاب متوفرا أم لا، ويحدد له مكان وجوده.
27. Carnet de veille et de réflexion d'un juriste et bibliothécaire ; L’architecture juridique ouverte d’Europeana, voir lien ;
- lhttps://scinfolex.com/2011/10/10/larchitecture-juridique-ouverte-deuropeana/
28. رمز يعني استشارة تجارية
29. موسوعة ويكيبيديا الرابط: https://fr.wikipedia.org/wiki/Europeana
30. نفس المرجع
31. الدكتور نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات: رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي، الكويت، عالم المعرفة، 2001، ص 67.
32. الدكتور نبيل علي، المرجع نفسه، ص 70.
33. Nouvelle interface pour Europeana, la bibliothèque numérique européenne, par Guillaume de Morant voir « media web », du le 27 Janvier 2016, page 3
34. نلاحظ أن عدد المؤسسات الملتحقة بمكتبة أوروبيانا يتزايد باستمرار مما يظهر اقتناعهم بهذا المشروع الذي أصبح الكثير من الملاحظين يطلقون عليه "المكتبة الأوروبية الوطنية الافتراضية"، لأنها ركّزت عملها على الذاكرة الجماعية للقارة الأوروبية.
35. Europeana relooke sa plateforme, qui devient Europeana Collections, de Clémence Jost, Voir archimag du 28-01-2016, page 16
36. Europeana Libraries: une collaboration à visée universitaire, de Samuel Miller، voir lien ; http://www.inaglobal.fr/education-formation/article/europeana-libraries-une-collaboration-visee-universitaire
37. Europeana Libraries : une collaboration à visée universitaire, de Samuel Miller , voir lien ; http://www.inaglobal.fr/education-formation/article/europeana-libraries-une-collaboration-visee-universitaire
38. Ibid.
39. Etude sur les usages et les attentes relatifs à l'interface de consultation de la future Bibliothèque numérique Européenne, rapport moral, bibliothèque nationale de France, 2007, page 39
40. Ibid. page 40

المراجع

- Trois bibliothèques européennes face à Google : Aux origines de la bibliothèque numérique (1990- 2010) de Caelle Béquet. - Paris ; école des chartes-2014.
- Quand Google défié l’Europe ? Plaidoyer pour un sursaut, de Jean- Noel Jeanneney. - Paris : mille et une nuits ; 3e édition – 2010
- le quotidien Le Monde du 15 juillet 2013
- La bibliothèque numérique européenne «Europeana» est maintenant en ligne, note de Bruxelles du 20 novembre 2009
- Bibliothèques numériques logiciels et plates formes. - de Mathieu Andro, Emmanuelle Asselin, Marc Maisonneuve.- Paris : ADBS.- 2012
- 6- Etude sur les usages et les attentes relatifs à l'interface de consultation de la future Bibliothèque numérique Européenne, rapport moral, bibliothèque nationale de France, 2007
- 7- Europeana relooke sa plateforme, qui devient Europeana Collections, de Clémence Jost, Voir archimag du 28-01-2016
- Nouvelle interface pour Europeana, la bibliothèque numérique européenne, par Guillaume de Morant voir " media weeb", du le 27 Janvier 2016
- Qu'est-ce qu’Europeana, voir le lien suivant :
- http://www.bnf.fr/fr/professionnels/cooperation_europeenne/a.europeana_tel_centre_impact.html
- Sur europeana, voir le lien, http://www.culturecommunication.gouv.fr/Politiques-ministerielles/Industries-culturelles/Dossiers-thematiques2/Numerisation-des-contenus/Sur-Europeana.
- industries et cultures, voir le lien du ministre de la culture ; http://www.culturecommunication.gouv.fr/Politiques-ministerielles/Industries-culturelles/Dossiers-thematiques2/Numerisation-des-contenus/Sur-Europeana
- Carnet de veille et de réflexion d'un juriste et bibliothécaire ; L’architecture juridique ouverte d’Europeana, voir lien ;
lhttps://scinfolex.com/2011/10/10/larchitecture-juridique-ouverte-deuropeana/
- Europeana: élargir la médiathèque en ligne en respectant le droit d'auteur, voir le site parlement européen, http://www.europarl.europa.eu/sides/getDoc.do?language=fr&type=IM-PRESS&reference=20100223IPR69351.
- La bibliothèque numérique européenne: du rêve à la réalité, de Viviane Reding, voir site commission européenne ; http://europa.eu/rapid/press-release_SPEECH-08-621_en.htm
- موسوعة ويكيبيديا، الرابط التالي: https://fr.wikipedia.org/wiki/Europeana
- إطلاق أور وبيانا، أول مكتبة رقمية لكنوز التراث الأوروبي، أنيسة مخالدي.. أنظر الرابط:
http://www.gazire.com/cms/news-action-show-id-282.htm
- أوروبيانا، تراث القارة العجوز افتراضيا، خضر سلامة، جريدة الأخبار بتاريخ الخميس 20 تشرين ثاني، 2008
- الدكتور نبيل علي. - الثقافة العربية وعصر المعلومات: رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي. - الكويت. - عالم المعرفة. -2001

 الصور

1. https://petitepointplace.tumblr.com/tagged/folk-costume
2. https://fr.wikipedia.org/wiki/Europeana#/media/Fichier:Wiki-loves-art-nouveau-europeana-banner.gif

أعداد المجلة