فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
46

قيادة العمل الأهلي العالمي لحماية التراث الشعبي خطة العمل والتحديات

العدد 46 - التصدير
قيادة العمل الأهلي العالمي لحماية التراث الشعبي  خطة العمل والتحديات
كاتب من البحرين

في عام 2016 أثناء انعقاد اجتماع الجمعية العمومية للمنظمة الدولية للفن الشعبي (IOV) بمدينة (برغامو) الإيطالية، قدم الشاعر علي عبدالله خليفة خطة عمل طموحة أطلق عليها (حان الوقت للتغيير) Time to Change ترجمت إلى ثمان لغات، وتهدف إلى إعادة النظر في رسالة المنظمة الدولية ورؤيتها وأهدافها الاستراتيجية، وقدمت الخطة تحليلاً رباعياً لمكامن القوة والضعف والفرص المتاحة والتهديدات المحتملة، واعتماد خطوات إجرائية للتغيير في غضون أمد زمني محدد بالعام 2020، وتضمنت الخطة عشرين هدفاً كل هدف يلبي متطلبات التحليل الرباعي المشار إليه، مع تطوير الهيكل التنظيمي ولائحة النظام الداخلي، وإنشاء خمس مفوضيات، وابتداع سبل جديدة للدعم المالي، مع العمل على زيادة دعم الاتحاد الأوروربي، ودعم مجلس شيوخ المنظمة، إلى جانب دعم الرعاة الدوليين، كما اعتمدت الخطة التواصل بكافة أشكاله المبتكرة أساساً للتشغيل، مؤكدة أهمية تطوير الموقع الالكتروني للمنظمة، وإنشاء قاعدة بيانات عريضة، تجعل من تدفق وتبادل المعلومات والبيانات والأخبار بين القارات والدول والأقاليم وفروع المنظمة بكل بلد من بلدان العالم أمراً متاحاً ويسيراً وبدون أية تكاليف.

كانت خطة (حان الوقت للتغيير) تستند إلى رؤية علي عبدالله خليفة الشخصية لتطوير منظمة دولية ساهم في تأسيسها في العام 1979، ورأى أن الوقت قد حان لبث روح جديدة فيها، عبر إعادة النظر في اللوائح والأنظمة التي مضى على وضعها سنوات عديدة منذ الخطوات الأولى للتأسيس، والتي ما عادت تصلح للتكيف مع المتغيرات الجديدة في عالم اليوم. مثل إعادة هيكلة فروعها القارية في أوروبا الشرقية وأفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، والاهتمام بقطاع الشباب، وتنمية الموارد المالية، وتعزيز البحوث العلمية، ودعم الحفاظ على فنون وحرف الدول الفقيرة، والعناية بتراث المهجرين واللاجئين وضحايا الحروب، وتكريم الرواد وإبراز دورهم.

ولتعميق تلك الرؤى والأفكار اتفق علي خليفة مع الراحل مارسيل أولبرنت (بلجيكا) وقتها على استقطاب نخبة من أعضاء المنظمة القياديين للمشاركة في بلورة هذه الخطة ودراسة سبل تنفيذها واستطلاع ما يمكن أمامها من معوقات، فشارك قياديون من فرنسا وهولندا والنمسا وبلغاريا وتونس وإسبانيا في اجتماع عقد منتصف أغسطس 2016 بمدينة أندورف بجمهورية النمسا نوقشت خلاله أمور عديدة لدعم وتأييد مسارات تغيير وتحديث العمل بالمنظمة.

وقد أسفر اجتماع الجمعية العمومية للمنظمة بمدينة (برغامو) الإيطالية عن اتخاذ قرار مهم باعتماد خطة (حان الوقت للتغيير) وفوز مملكة البحرين بمقعد الرئاسة بنسبة أصوات قاربت 89 %، وانتخاب الشاعر علي عبدالله خليفة رئيساً للمنظمة الدولية للسنوات من 2017 إلى 2020، واعتماد المنامة مقراً رئاسياً للمنظمة.

لم يكن أمام علي خليفة سوى قبول التحدي الكبير في أن تتولى البحرين قيادة العالم في تسيير حركة الاهتمام بالتراث الشعبي لتأكيد هوية الشعوب الوطنية. والتحدي الحقيقي كان في كيفية تحويل الخطة الطموحة التي تقدم بها إلى مشاريع وبرامج واستقطاب العالم كله لدعم تنفيذ هذه البرامج، وكيفية تأسيس المقر الرئاسي للمنظمة في البحرين، وطلب العون من الجهات الرسمية لتقديم ما يمكن من تسهيلات ودعم لإنجاح العمل خلال السنوات الأربع القادمة التي سيدير خلالها هذه المنظمة الدولية.

استطاع علي خليفة بما توفرت لديه من حنكة إدارية وخبرة حياتية إدارة فريق عمل احترافي ومتجانس لتأسيس المكتب الرئاسي في البحرين وأن يضع المنظمة الدولية للفن الشعبي من خلاله في وهج جديد، وجعلها في قمة النشاط والتألق، وأن يسلط عليها الضوء الإعلامي عربياً وعالميا.

قد تكون هذه المنظمة الدولية لم تقدم طوال سنوات تأسيسها ما قدمته في السنتين الماضيتين من نشاط ملحوظ وبارز إعلامياً، بدءاً باعتماد إمارة الشارقة مقراً اقليمياً للمنظمة، تأكيداً على دور الشارقة في حفظ ورعاية الثقافة الشعبية والتراث الشعبي غير المادي وحفظ وصون التراث.. إلى إنشاء مبنى جديد للمكتب الاقليمي للمنظمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ليتولى إدارة فروع المنظمة في 21 بلداً منها 18 بلداً عربياً بالتعاون مع مكتب رئاسة المنظمة في مملكة البحرين.. إلى إصدار موسوعة كتاب (الحكايات الشعبية البحرينية: ألف حكاية وحكاية) بإشراف الدكتورة ضياء الكعبي وبالتعاون مع (الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر) وجامعة البحرين، والتي تعد أكبر مجموع حكائي شعبي على مستوى الوطن العربي تم حتى الآن، ويتألف من 2500 صفحة موزعة على خمسة مجلدات من القطع الكبير.. وإلى تنظيم المؤتمر العلمي الأوربي 14 حول «الثقافة الشعبية وثقافات العالم » في نوفمبر 2016 بجمهورية النمسا إلى جانب الندوة العلمية العالمية حول (الثقافة الشعبية ومسارات المستقبل) التي أقيمت في إمارة الشارقة 2019 وناقشت بحوث نخبة من علماء وخبراء الفولكلور وأساتذة العلوم الإنسانية، والتي رافقت اجتماع الجمعية العمومية للمنظمة برعاية كريمة من سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الاتحادي الأعلى حاكم الشارقة، وبحضور 700 مندوباً يمثلون مختلف دول العالم.. إلى تطوير الموقع الالكتروني للمنظمة، وطباعة ونشر العديد من الكتب والمطبوعات المهمة في مجال التراث الشعبي كان من أهمها إصدار سجل توثيقي لتاريخ المنظمة من خلال حياة قطبها المؤسس الراحل ألكسندر فايجل.

إن انتخاب أول رئيس للمنظمة الدولية للفن الشعبية من منطقة الخليج العربي، واختيار مملكة البحرين مقراً رئاسياً لها، وإبرازها كدولة تستند إلى تاريخ وحضارة عريقة، فبقدر ما في ذلك من تحد للعديد من الظروف يجب أن يكون مصدر فخر لنا جميعاً، وهذا يتطلب التفكير جدياً في تقديم الدعم اللازم لتسهيل أعمال المكتب الرئاسي للمنظمة الذي يعمل بصفة تطوعية من قبل فريق مؤمن بأهمية تولي مملكة البحرين رئاسة هذه المنظمة الدولية.

إن خطة (حان الوقت للتغيير) يمكن أن تتحقق، وفق الخطة الزمنية الموضوعة لها، إذا توفرت الإرادة السياسية، والإرادة الواعية، بأهمية الاستمرار في عمل المنظمة الدولية عبر توفير الدعم الرسمي والإعلامي والمالي، الذي يعتبر الشريان الحيوي لديمومتها وتحقيق التغيير المنشود، فتكون البحرين بذلك محورا وأيقونة.

أعداد المجلة