فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
44

الشاعر محمّد المرزوقي وقصيدته الشعبية

العدد 44 - أدب شعبي
الشاعر محمّد المرزوقي  وقصيدته الشعبية
كاتب من تونس

موضوع هذا الدرس هو قصيدة من القصائد الشعبية المفردة التي أنشأها الشاعر التونسي محمّد المرزوقي ولعلّه من المفيد- قبل طرق القصيدة وتناول متنها بالتحليل والاستقراء والاستنتاج والتأويل - أن يتلبّث المرئ بعض التلبّث ليقف وقفة تعريفية موضوعها الشاعر وهو محمّد بن مصطفى بن عليّ، وقد ولد بالعوينة1 التابعة لمدينة دوز2 الصحراوية في 22 سبتمبر 1916 وتوفّي بتونس في 14 نوفمبر 1981. حفظ محمّد المرزوقي القرآن الكريم بمسقط رأسه ثمّ اتّجه إلى تونس العاصمة ليلتحق بالتعليم الزيتوني عام 1930 وتابع الدروس التي كانت تقدّم بالمدرسة الخلدونية3 وأحرز منها عام 1935 ديبلومها كما أحرز الشهادتين الزيتونيتين الأهلية4 ثمّ التحصيل5 سنة 1944.

لمحمّد المرزوقي شخصية متعدّدة الأبعاد، ويظهر ذلك من خلال التكوين الذي اكتسبه وكذلك من خلال نشاطه الذي لم يقتصر على مجال واحد، ذلك أنّه انخرط في العمل الصحفي الذي كان يعدّ مذنبا من مذانب النضال التي تصبّ في جدول الحركة الوطنية المتنامية في ذلك الوقت وقت الاستعمار الفرنسي. والحاصل أنّ محمّدا المرزوقي أديب6 وشاعر7 ومؤرّخ8 ومحقّق مخطوطات 9 وحافظ ذاكرة تاريخية 10 وأدبية11 وشعبية12 وقد ترك مكتبة ثريّة متنوّعة تربو على ثلاثين عنوانا ممّا يكسب آثاره بعدا موسوعيا إلى حدّ معتبر.

على أنّ الجانب الذي يعنينا أكثر من غيره هو الجانب المتّصل من قريب أو من بعيد بالتراث الشعبي سواء من حيث التنظير أو من جهة الإبداع. ويمكن للمرء أن يذكر في هذا الصدد خاصّة مؤلّف «مع البدو في حلّهم وترحالهم» 13 وكتاب «الأدب الشعبي في تونس»14. ويتبيّن من مجمل ما تقدّم أنّ هذا الأديب ظلّ بدويا حتّى النخاع كما يقال. ويظهر ذلك من خلال اهتماماته وأنشطته وتآليفه سواء منها ما اتّصل بالتمثّل النظري أو ما تعلّق بالممارسة الإبداعية.

ويمكن القول إنّ محمّدا المرزوقي بدوي الأصل والمنشإ والتربية والثقافة بما هي تمثّل وممارسة. ينتمي إلى قبيلة «المرازيق»15 وهي منبع الشعر تاريخيا وواقعيا، فمنطقة «دوز» التي يقطنونها تعتبر من أهمّ مواطن الشعر الشعبي16 ومخازنه في القطر التونسي شأنها في ذلك شأن منطقة «المزّونة»17 أحد مواطن قبيلة «المهاذبة»18 حيث مازال الشعراء متمرّسين وناشئين ينشدون الشعر ارتجالا في مختلف الموضوعات والمعاني والأغراض والقوالب19.

ومجمل القول في القصيدة التي نقبل على تحليلها إنّ بيئتها العامّة الحاضنة لها بيئة بدوية صرف وذلك تبعا لثقافة منتجها.

قُدّم إلينا أحيانا من القصيدة أبيات تمهيدية ثلاثة هذا نصّها:

ركبت20 ركوب21 الفراسين

لحقت22 خليل غزاته23

رمّاية 24 النبل25 بالعين

حربات26 على الصدر جاته27

فكّت28 سلاحه مسيكين29

وبشعورها30 كتّفاته31

وتنهض الأبيات بوظيفة مخصوصة تتمثّل في تهيئة المستمع لتقبّل القصيدة شكلا ومضمونا. والأبيات الثلاثة - في هذا المقام- عبارة عن شعار يُرفع وعنوان يُوضع لإعلان متّجه القصيدة والإفصاح عن طابعها. فيتهيّأ السامع تهيّؤا نفسيا ويتقبّل متنها في نوع من الانسجام من حيث يدري ولا يدري.

وفي ما يلي نورد القصيدة بعنوانها ونصّها متبوعا بشرح لعدد من عباراتها:

عيون سود مكحولين

عيون سود مكحولين32 ع33 المسميّة34

قرابيل35 مليانين36 كبّوا 37 فيّ

***

عيون سود ع المشكاية38

منهم عذابي ومحنتي وشقاي 39

شبّوا40 قداي41 اللطف يا مولايَ42

ردفوا43 رداي44 ومزّقوا جواجيّ45

عامين مالقيتش طبيب لدايَ46

واللّي فحصني زاد47 على ما بيّ

***

ما لقيت من داواني

عامين في سحر العيون نعاني

كلّ من يراني يقول هذا فاني48

لو كان جاني تغتفر هالسيه49

لكن هجرني وما بغى50 يهواني

مكر51 مكر خلّى52 كبدتي مشويه53

***

قرابيل في يد مدلّل54

ولد رمح55 قلبه ع العدّو متغلّل56

راكب57 مخلخل58 كيف بيه تزلزل59

حرّم وحلّل لا عطف ع الحيّه60

نوّض61 قتل الأوّل الثاني كمّل

خلّى جنايز ع الوطى62 مرميّة 63

***

هكاك64 كيف كووني

عيون ولفتي65 حربات في مكنوني 66

زادوا محوني67 بسحرهم سحروني

خلّوا عيوني دموعهم مجرية 68

يا هل ترى69 بعد ما قهروني

يسخفش70 صاحبهم ويرفق بيّ

جاءت قصيدة «عيون سود مكحولين» في قالب معيّن من الشعر الشعبي يسمّى الملزومة المثنّاة تتألّف من طالع يشتمل على غصنين اثنين تليهما الأدوار وعددها أربعة يتكوّن كلّ دور منها من ستّة أغصان، ويسمّى الغصن الأخير من الدور « المكبّ» ويتّفق مع الطالع في القافية.

ويمكن رسم هيكل القصيدة العامّ على الصورة التالية:

ـــــــــــــــــــــــــــــــ ا ـــــــــــــــــــــــــــــ ا الطالع

ــــــــــــــــــــــــــــــ ب ــــــــــــــــــــــــــــــ ا

ــــــــــــــــــــــــــــــ ب ــــــــــــــــــــــــــــــ ا

ــــــــــــــــــــــــــــــ ب ــــــــــــــــــــــــــــــ ا الدور 1

ــــــــــــــــــــــــــــــ ب ــــــــــــــــــــــــــــــ ا

ــــــــــــــــــــــــــــــ ب ــــــــــــــــــــــــــــــ ا

ــــــــــــــــــــــــــــــ ب ــــــــــــــــــــــــــــــ ا الدور 2

ــــــــــــــــــــــــــــــ ب ــــــــــــــــــــــــــــــ ا

ــــــــــــــــــــــــــــــ ب ــــــــــــــــــــــــــــــ ا

ــــــــــــــــــــــــــــــ ب ــــــــــــــــــــــــــــــ ا الدور 3

ــــــــــــــــــــــــــــــ ب ــــــــــــــــــــــــــــــ ا

ــــــــــــــــــــــــــــــ ب ــــــــــــــــــــــــــــــ ا

ــــــــــــــــــــــــــــــ ب ــــــــــــــــــــــــــــــ ا الدور 4

وقد جاء البيت الأوّل مصرّعا71 والتصريع في الشعر عند صاحب (اللسان) هو تقفية المصراع الأوّل مأخوذ من مصراع الباب وهما مصراعان72. قال الأزهري: «والمصراعان من الشعر ما كان فيه قافيتان في بيت واحد»73 أي أن يجعل الشاعر عروض الشعر كضربه. «وإنّما وقع التصريع في الشعر ليدلّ على أنّ صاحبه مبتدأ إمّا قصّة وإمّا قصيدة»74.

ولعلّ هذه الدلالة المزدوجة تنطبق على قصيدتنا هذه إذ تروي قصّة من القصص التي تنطلق منذ البيت الأوّل بجملة اسمية إخبارية مبتدؤها وصف وخبرها حدث. لا شيء يظهر في المشهد سوى عينين سوداوين مكحولتين ولا شيء يحصل سوى طلق ناري مدوّ يصيب الجسم في الصميم إصابة مكينة.

ولعلّ أقرب صورة إلى الأمرين معا وآلفها معنى وأوفاها مغزى ما يعبّر عنه الفرنسيون بقولهم «ضربة الصاعقة»75. أمّا العرب فيعبّرون عنه «بالحبّ من نظرة واحدة»76 كما يذهب إلى ذلك ابن حزم الأندلسي في مؤلّفه «طوق الحمامة في الألفة والألاّف». إنّها نظرة واحدة تصدر من العينين صدور طلقة الرصاص من البندقية. يذكر الشاعر صاحبهما في الافتتاح وهو «المسميّة» ثمّ يذكر في الاختتام هذا الصاحب بقوله «صاحبهم» ويعني بهذه العبارة صاحب العينين.

لا شيء يذكر عن الإطار المكاني اللهم ما يوحيه المقام الذي يُماشي الساحات الفسيحة والفضاءات المفتوحة ومن بينها الصحراء في اتّساع أرجائها وترامي أطرافها ووعث ما بها من مفازات وملمّات وأهوال لا يطيقها إلاّ أصحاب الشدّة وذوو البأس. ومن عجب أنّ صاحبة العينين بما هما مصدر للتعبير الوجداني ومعبر للتواصل الإنساني لا تظهر بصفتها جسما مجسّما. وفي مثل هذا المنحى التصويري نوع من الترفّع عن الأوصاف الحسّية والأشكال المادّية، فلا بدن يلوح ولا جسد يظهر ولا أطراف تُلحظ ولا أوصال تبدو. صحيح أنّ لها صفات لكنّها صفات في عمومها متعالية، فهي حسب نسختي القصيدة المتوفّرة «المسميّه» باعتبار شهرتها السائدة وصيتها الذائع. وهي «المسويّة» بالنظر إلى استوائها واعتدالها وكمالها، وهي «المعفيّة» بصفتها مصونة في حرز حريز لا تمتدّ إليها يد المقترب ولو أراد ذلك وسعى إليه، وهي «العربيّة» نظرا إلى شريف أصلها وكريم محتدها وصافي بداوتها طهارة وعفّة، وهي المشكاية77 التي يعزّ نيلها ويصعب إدراكها، فشأنها أقرب إلى السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا لصفاتها المتّسمة بالتغيّر المنعوتة بالحؤولة الدائمة والمحبّة من جانب واحد.

ومجمل الصفات المذكورة قلّما تجتمع في شخص واحد، وهي مماهية للكمال مقاربة للمثالية. ولا يفوتنا في هذا الباب أن نقيس البون الشاسع الذي يفصل بين هذه الرؤيا للمرأة من جهة وما لحق بعض الأشعار الشعبية التونسية من قبلُ من إغراق في الوصف الحسّي وإسراف في السطحية ومبالغة في الابتذال الذي يصل أحيانا إلى أقصى درجات الإسفاف المعبّر عن الانحدار التامّ وعن سخافة العقل وبهيمية العاطفة وفساد الذوق وانحطاط النفس78. وهنا يبرز الردّ العملي والتصوّري على تلك الحقبة التي ازدُريت فيها بعض القصائد الشعبية وابتُذل فيها الفنّ الوطني وما ينجرّ عن ذلك من نيل لذاتيتنا الألقة وثقافتنا الناصعة وحضارتنا الإنسانية المتطوّرة. ولقد شعر التونسيون بأنّ هويّتهم الثقافية مهدّدة إلى حدّ كبير، وذلك بالنظر إلى مساعي السلطات الاستعمارية الفرنسية إلى فرض إرادتها على المجتمع التونسي. والمعروف أنّ الفرنسيين - خلافا لثقافة الانجلو - سكسون ونهجهم الذريعي - يعوّلون كثيرا على التسرّب الثقافي وعلى تأثير الثقافة لإقناع البلدان المولّى عليها بأنّ منوال الفرنسيين الثقافي هو الأنموذج الحضاري الأرقى الذي يتعيّن اتّباعه وتبنّيه. وممّا زاد النخب الثقافية التونسية خشية على سلامة الجسم الثقافي الوطني ومناعته أنّ عددا من المنتمين إلى الجاليات الأجنبية المتعاظمة من الإيطاليين وحتّى من المواطنين المحلّيين من اليهود قد انخرطوا في مثل ذلك المشروع الاستعماري سواء كان ذلك بإرادتهم أو بغير إرادتهم ودون وعي منهم. وقد ضاق مثقّفو تونس ووطنيوها ذرعا بتلك الهوّة السحيقة التي تردّت فيها جوانب من الثقافة التونسية خاصّة من حيث مضامينها الهابطة وسجلّها اللغوي المسفّ وقيمتها المتدنّية في جملتها.

وممّا يسترعي الانتباه مظاهر الطباق اللفظي ومتمّمها وهو المقابلة المعنوية، هذه المقابلة التي تقسم القصيدة شطرين عموديين متلازمين من مبتدئها إلى مختتمها. يلمح اللامح طرفين متقابلين كارّ وفارّ لاحق وملحوق سالب ومسلوب كاتف ومكتوف غالب ومغلوب آسر وأسير صائد وطريد ظالم ومظلوم جاذب ومجذوب تابع ومتبوع مُعذِّب ومُعذَّب فاتن ومفتون مبادر بالأفعال ومُتلقّ لها قوّي وضعيف مُمزِّق ومُمزَّقٌ هاجر ومهجور شاو ومشويّ كاو ومكويّ قاتل ومقتول طاعن ومطعون قاهر ومقهور مبعث للأحداث من جهة ومستقرّ لها من جهة ثانية.

ويتأكّد هذا المنحى الثنائي عندما يقبل المرء على تحليل القصيدة تحليلا صوتيا للوقوف على بنيتها في أدنى مستوياتها اللغوية. وفي هذا الصدد يجد الباحث أنّ مجمل المقاطع الطويلة يظهر على المقاطع القصيرة فعدد الأولى 267 وعدد الثانية 69، وبذلك تكون نسبة الثانية من الأولى ما مقداره 26.5 % مقابل 63.5 %. ويعني ذلك -في ما يعني - أنّ القصيدة -في مجملها - غنائية الطابع على وجه العموم. غير أنّ الدارس إذا التفت إلى ما بداخل المقاطع الطويلة من تصنيف ألفى المقاطع الطويلة المنغلقة طاغية على المقاطع الطويلة المنفتحة، فعدد الأولى 150 وعدد الثانية 117 أي بنسبة 56 % مقابل 44 %. ولمثل هذا الطغيان - ولو كان نسبيا- دلالته التي تعكس نوعا من الثنائية التي فيها حظّ من الكفاف ونصيب من التعادلية، وبهذا يضحي للقصيدة عند تدبّر عدد من مظاهرها نوع من الثنائية التي يمكن أن نقول إنّها عبارة عن وجه وقفا إن جاز القول وصحّ التعبير، ذلك أنّ المقاطع الطويلة المنغلقة تفيد في مجرى العادة التماسك والصلابة والقوّة والعزم والجلاد والحزم ورباطة الجأش والحسم إضافة إلى خفّة الروح ومراح الفارس وأرن الجواد دون أن نقصي الخاصيّة الثانية التي تؤدّيها المقاطع الطويلة المنفتحة والتي تفيد بطء الحركة وتأوّدها وترنّحها وتثنّيها وميلانها وميسانها وتردّدها بما يناسب الطابع الغنائي وهو الطابع الثاني. وعند هذا الحدّ تبدأ معالم القصيدة في الظهور وتتّضح شيئا فشيئا ملامحها المخصوصة القائمة على الثنائية التالية: نشيد الملحمة من ناحية ومغنى المأساة من ناحية أخرى.

وعلى هذا النحو برزت خاصّية القصيدة هذه حتّى قبل تناول السجلّ المعجمي الزاخر في واديه الأوّل بأدوات الحرب ومعدّاتها وآلاتها ومتعلّقاتها وأسلحتها التقليدية منها والعصرية ومنها النبل والحربات والرمح والقرابيل أو الغدّارات إلى جانب الأعمال الحربية كركوب الجواد سواء كان مضمرا79 أو مصرّحا به80 أو بتوجيه السهام وتسديد الضربات والتدبير الماكر لحيل المبارزة بما يصيب الأهداف إصابات مكينة نافذة قويّة عنيفة تخترق «الجواجيء» وتمزّق الأحشاء وتشوي الأكباد وتكوي الأبدان وتُجري الدموع.

واللافت للانتباه هو الطاقة التحويلية الهائلة التي تؤدّيها صيغ التعدية و الجعلية وأفعال التحويل81 التي تنقل الطرف المقابل من حالة إلى أخرى، هذه الطاقة التي تجعل من الفاعل قوّة قاهرة مطلقة النفوذ الذي لا يلتزم بقانون إلاّ إذا كان من وضعه هو دون غيره تحريما وتحليلا.

ويجد المرء مقابل هذه المظاهر الملحمية عددا من المظاهر المأسوية فيها كثير من الآلام والمحن وأشكال الشقاء والعذاب المتواصل المتصاعد بما هو تحريق وكيّ وتمزيق وشيّ. نجد لكل ذلك صدى أليفا في خلجات العواطف وخفقات الوجدان، وذلك من خلال الأسلوب الإنشائي القائم بالوظيفة التأثيرية التي ينهض بها النداء82 والدعاء83 والتمنّي84.

وعلى هذا النحو تتواصل الثنائية الهيكلية: ثنائية الملحمة والمأساة لتخترق القصيدة عموديا من مبتدئها إلى منتهاها، هذا المنتهى الذي يبقى مفتوحا على احتمالين أحدهما موجود هو اليأس وبرده وثانيهما منشود هو الأمل في أن يعطف صاحب القرار على المحبّ ويرفق به ويرقّ له وهذا هو المتمنّى.

ومثلما استهلّت القصيدة بفضاء مفتوح ومساحة حرّة وإطار رحب أوحاه المقام العامّ تُختتم القصيدة بانفتاح على مختلف الاحتمالات الملحمية أو المأسوية أو كليهما معا.

وكأنّ هذا الفضاء الرحب هو الذي يوائم وظيفة الشعر الجوهرية المتمثّلة خاصّة في عدم الالتزام بالقيود وقلّة الوقوف عند الحدود. ويظهر ذلك خاصّة في أن يحيط الشاعر بالأمر بنوع من الإيحاء فلا يتحدّث عن الذات بقدر ما يصف أثرها الصاعق ولا يدري المرء على وجه التحديد أهو أثر في صاحب المأساة أم هو أثر في المحيط الإنساني بأجمعه حتّى لكأنّنا عند سماع نداء الاستصراخ ودعاء الاستغاثة نرى رأي العين الأعناق مشرئبة والجوارح متحفّزة والأيدي ممدودة والأكفّ مفتوحة في ترقّب وانتظار وخشية آملة لإرادة صاحب الشأن، ذلك أنّ الشعر في جوهر وظيفته ليس أن يقول الشاعر كلّ شيء بل يوحي كلّ شيء ويحلم النفس85 حسب ما يراه بعض النقّاد86 المتمرّسين بقضايا الشعر.

وفي ما يتّصل بالقصيدة من حيث حبكتها الفنّية يمكن القول إنّها تعمّ المتن بأكمله على غرار بنيتها الهيكلية من جهة الجنس الأدبي، ويمكن القول كذلك إنّها قائمة أساسا على التكثيف، هذا التكثيف الذي يشمل المفردات87 ويؤول بدوره إلى تكثيف معنوي. ولا يتوقّف الأمر عند ذينك الحدّين بل يتجاوزهما إلى التكثيف المجازي88 ثمّ إلى التكثيف الإيقاعي القائم على القوافي الداخلية89 أو ما يسمّى بالترصيع. وهذا التكثيف القائم على أكثر من مستوى90 هو الذي يضفي على القصيدة نصيبا من التماسك وحظّا من الانسجام الداخلي الذي يجعل لحمتها مبرمة ونسيجها محكما كأحسن ما يكون الإحكام ويخرجها في أجمل الصور الفنّية.

وتروي الملزومة في مجرى العادة قصّة من القصص مثلما هو الحال في قصيدة الحال.

وإذا تسنّم الباحث شرفا من أشراف الأدب ليلقي نظرة إجمالية على سبيل مقارنة هذه القصيدة الشعبية بالقصائد الماثلة في الأدب سواء منها ما أُنشد أو ما غُنّي ألفى لها وشائج جامعة لا تكاد تميّز بين هذه والأخرى سواء من حيث الجنس الأدبي أو من حيث الأسلوب الفنّي.

أمّا من الناحية الأولى فلا فرق يذكر بين قصيدة الحال وأبيات أبي الهيجاء جوهر بن عبدالله العدني91 إذ يقول [الطويل]:

إذا جيّش الأحباب جيشا من الجفا

بنينا من الصبر الجميل حصونا

وإن ركبـــوا خيل الصـدود مغيرة

أقمنا عليها للوصال كمينــا

وإن جرّدوا أسيــافهم لقتالنــا

لقيناهمُ بالذلّ مذعنينـــــــا

وإن لم يروا في ودّنا ووصالنـا

صبرنا على أحكامهمُ ورضينـظا

والحقّ أنّ قصيدة محمّد المرزوقي تبدو أقلّ بحثا وصنعة وأقوى جزالة وأكثر حيويّة وحرارة وأشدّ توهّجا.

وأمّا من الناحية الثانية فمثلما يعرض الأعشى ميمون92 عن المشبّه (وهو الممدوح) ويقبل على المشبّه به (وهو نهر الفرات) يستدبر شاعرنا الحبيبة ونخوتها ويستقبل الفارس المحارب ليختصّه بستّة غصون (وهو ما يقابل ستّة مصاريع أو ثلاثة أبيات) في نوع من التوسّع الغنائي والاستطراد الهادف إلى توفية الحبيبة نصيبها من الفتنة والفتك وحظّها في الحوك والتأثير الراجعين إلى حقل الفروسية ومقوّماتها مع الفرق الماثل في تمجيد المبارز الفرد في مواجهة الجيش المجيّش.

يقول محمّد المرزوقي في الدور الثالث من القصيدة:

قرابيل في يد مدلّل

ولد رمح قلبه ع العدّو متغلّل

راكب مخلخل كيف بيه تزلزل

حرّم وحلّل لا عطف ع الحيّه

نوّض قتل الأوّل الثاني كمّل

خلّى جنايز ع الوطى مرميّة

وهذا النوع من المجاز ربّما كان نوعا من أنواع الاستعارة في معناها العامّ على الأقلّ، إنّها الاستعارة الترشيحية أو الاستعارة المرشّحة التي لا تقلّ شأنا عن تلك التي استقلّها الأعشى ميمون بن قيس شكلا تعبيريا طريفا وذلك في قوله وهو يمدح هوذة بن عليّ الحنفي [ المتقارب]:

فأنت الجواد و أنت الّذي

إذا ما القلوب ملأن الصدورا

جدير بطعنة يوم اللقاء

يضرب منها النسا النحورا

و ما مزبد من خليج البحار

يعلو الإكام و يعلو الجسورا

بأجود منه بما عنده

فيعطي الألوف و يعطي البدورا 93

أو في قوله في توسّع أوسع وهو يمدح قيس بن معد يكرب [ المتقارب]:

أخو الحربِ لا ضرعٌ واهنٌ

ولمْ ينتعلْ بقبالٍ خذمْ

وما مزبدٌ منْ خليجِ الفرا

تِ جونٌ غواربهُ، تلتطمْ

يكبّ الخليّة َ ذاتَ القـلا

عِ قد كادَ جؤجؤها ينحطمْ

تكأكأ ملاّحها وسطها

منَ الخوفِ كوثلها يلتزمْ

بِأجْوَدَ مِنْهُ بِمَا عِنْدَهُ

إذا ما سماؤهمْ لمْ تغمْ 94

وبالعودة إلى استعارة محمّد المرزوقي الترشيحيّة تجدر الإشارة إلى أنّها ذات قيمة في ذاتها من ناحية سجلّها المجازي وفي وظيفتها من ناحية أخرى إذ لم تكن رياضة أسلوبية أو ترفا بلاغيا يغلب عليه طابع الاستعراض والتعالم بل كانت عبارة عن تعبير مخصوص يهدف إلى تجسيم قاعدة أساسية من القواعد المميّزة لجنس الملحمة. إنّها قاعدة تكبير البطل وتضخيم أعماله وتفخيم آثاره مدى وبقاء، فقد خصّ الشاعر بطل القصيدة الفذّ بستّة أغصان كاملة غير منقوصة ليضفي عليه ما شاء من صفات الكمال والجلال.

ومثل تلك المضامين والمعاني وما صاحبها من صيغ بلاغية ومن أشكال تعبيرية وأساليب فنّية تؤدّي نداء المستصرخ البائس ودعاء الداعي الملهوف وكأنّنا نرى المستصرخ الملهوف جسما مجسّما ترتجف أطرافه وتهتز جوارحه وترتعش فرائصه وترتعد أوصاله رافعا كفّيه تضرّعا وخضوعا وكأنّنا نستبطن دقائق نفسه الحرّى ومهجته المكلومة وقد مُزّق كلّ ممزّق وذهبت نفسه حسرات على حاله ومآله. أمّا إذا خضع المحبّ للأمر الواقع واستكان لإرادة القوّة المسيطرة فإنّ نفس المحبّ تستكين في لذّة أليمة إن شئنا أو ألم لذيذ إن أردنا إلى أقصى درجات القرار. ليرّق الحبيب لحال المحبّ ويرأف به ويشفق عليه.

ويكاد المستمع في عديد المواطن يلمس في عبارات محمّد المرزوقي نغمات انتفاضة الاستفهام الإنكاري وصولة النفي القاطع وتبكيت الاستحالة الجازمة.

ومهما يكن من أمر اجتهاد الواصف لعمل الشاعر فإنّه يبقى قاصرا لا يفي بالحاجة ولو في حدودها الدنيا، ذلك لأنّ الوصف ليس من جنس الموصوف الذي هو من مجال السماع والإحساس اللذين يعجز عنهما الكلام ويقف دونهما. وعلى هذا النحو ينتقل المتقبّل وهو يتابع مراحل الملزومة «عيون سود مكحولين» من ملحمة الحبّ التي حملتها القصيدة إلى فضاء آخر أوسع أرجاء وأرحب أفقا، إنّه ملحمة الفنّ التي حملها الشاعر محمّد المرزوقي في استجابة أليفة حميمة لمشروع فنّي ورؤيا ثقافية نهضت بهما مدرسة الشعر الرائدة في ردّ نظري وإجرائي على ما تهدّد الشعر الشعبي من محاولات التغريب والتهجين وهكذا وفّق الشاعر محمّد المرزوقي في الدفاع عن ذاتية وطنه وثقافته وهويّته الحضارية كما أفلح في السموّ بشعره إلى مراتب الإبداع الفنّي الأصيل ذي القيمة الخالدة.

الهوامش

1 - العوينة هي أحد الأحياء الثلاثة لمدينة دوز والحيّان الآخران هما دوز الغربية ودوز الشرقية.

2 - دوز: إحدى مدن ولاية قبلي بالجنوب التونسي، وتبعد عن العاصمة التونسية باتّجاه الجنوب حوالي 550 كيلومترا. تتميّز مدينة دوز بمناخ صحراوي حارّ وجافّ، ولها واحة ممتدّة وتتبعها العديد من القرى. كانت دوز إلى وقت قريب تعرف باسم المرازيق لأنّ أغلب سكّانها ينحدرون من قبيلة المرازيق العربية، و تنقسم دوز إلى ثلاثة عروش كبرى وقد سكنها إلى جانبهم عروش أخرى أهمّها: الشتاوى والعجامنة والكمايلية التي عاشت في المنطقة قبل ومع وصول المرازيق.

3 - المدرسة الخلدونية: تقع في تونس العاصمة هي أوّل مدرسة ذات طابع تجديدي تمّ إنشاؤها في تونس سنة 1896 من قبل حركة الشباب التونسي بقيادة بشير صفر. كان الهدف منها إعطاء ثقافة علمية في وسط المجتمع الثقافي العلمي وخصوصا خرّيجي جامع الزيتونة ذلك أنّ تعليمهم ديني فقط. كانت تُدرّس فيها علوم الجغرافيا والرياضيات والحقوق إلى جانب اللغتين العربية والفرنسية. كانت تموّل من خلال هبات وتبرّعات يقدّمها أعضاء حركة الشباب التونسي. في 20 سبتمبر 1903 قام المجدّد والمفكّر محمّد عبده بزيارة المدرسة وقدّم بها محاضرة.

4 - شهادة الأهلية هي ما يعادل شهادة ختم الدروس الإعدادية.

5 - شهادة التحصيل هي ما يقابل شهادة الثانوية العامّة أو الباكالوريا كما يقال في منطقة البحث.

6 - لمحمّد المرزوقي مجموعات قصصية، وهذه عناوينها «عرقوب الخير» صدرت عام 1952 و»في سبيل الحرّية» صدرت سنة 1952، و» بين زوجين» صدرت سنة 1975 و»جزاء الخائنة» صدرت عام 1946.

7 - ولهذا الأديب مجموعات شعرية وهذه عناوينها «دموع وعواطف» وهو ديوان صدر عام 1946 ومجموعة «بقايا شباب» صدرت سنة 1966، و«مختارات من شعر المهرجانات» وهو من جمعه وتحقيقه، صدر عام 1969 و«بورقيبيات» صدرت سنة 1981.

8 - من مؤلّفاته في مجال التاريخ كتاب «معركة الزلاّج» وهو كتاب مشترك مع الجيلاني بن الحاج يحيى أرّخا فيه للمصادمات التي وقعت عام 1911 بين التونسيين والقوّات الاستعمارية حول مقبرة الزلاّج وصدر عام 1981 - «الدغباجي، حياته وأعماله»، وقد أرّخ فيه لأحد أشهر المقاومين التونسيين، وصدر عام -1969 «ثورة المرازيق»، بالاشتراك مع عليّ المرزوقي، طبعة 1979 - «دماء على الحدود»، وقد اهتمّ فيه بثورة عام 1915 بالجنوب التونسي وعلى الحدود التونسية الليبية- «صراع مع الحماية»، وموضوعه حركة المقاومة التونسية عند الاحتلال عام 1881، وقد صدر عام 1973- «عبد النبي بلخير: داهية السياسة وفارس الجهاد»، وقد اهتمّ فيه بأحد أعلام الجهاد الليبي ضدّ الإيطاليين، وصدر عام 1978 - «قابس جنّة الدنيا»، وقد أرّخ فيه لمدينة قابس، وصدر عام 1962- الطاهر الحدّاد حياته وآثاره، بالاشتراك كذلك مع ابن الحاج يحيى، وقد صدر هذا الكتاب عام 1963.

9) حقّق محمّد المرزوقي ديوان الفيتوري تليش: وهو عبارة عن  شعر شعبي قدّمه وشرحه وحقّقه ، وقد صدر عام 1976- «مؤنس الأحبّة في أخبار جربة»، لمحمّد أبو راس، وقد صدر سنة 1960- «الرحلة الصحراوية عبر أراضي طرابلس وبلاد التوارق» لمحمّد بن عثمان الحشائشي، وقد علّق عليها وراجع ترجمتها إلى العربية محمّد المرزوقي وصدرت سنة 1988- «ديوان الحكيم أبي الصلت أميّة بن عبد العزيز الداني 460- 529»، جمعه وحقّقه وقدّم له محمّد المرزوقي، وصدر عام 1974- «جريدة القصر وجريدة العصر» للأصفهاني بالاشتراك مع الجيلاني بن الحاج يحيى.

10 - من مؤلّفاته في هذا المجال كتاب «الشعر الشعبي والانتفاضات التحرّرية»، صدر سنة 1971.

11 - ممّا ألّف محمّد المرزوقي كتاب «عبد الصمد قال كلمات»، نشر سنة 1970 ومؤلّف «مختارات من محلاّت شاهد»، وقد صدر سنة 1969.

12 - ممّا يندرج في هذا الباب كتاب «الجازية الهلالية»، وهو عبارة عن قصّة من التراث الشعبي، وقد صدر هذا الكتاب سنة 1983 وكتاب «على هامش السيرة الهلالية: دراسة ونمادج»، وقد قدّمه رياض المرزوقي. صدر هذا الكتاب سنة 2002.

13 - هذا الكتاب عبارة عن عرض مستفيض لحياة البدو بالجنوب التونسي»، وقد جمع فيه عادات البادية التونسية، صدر هذا الكتاب سنة 1984.

14 - صدر هذا الكتاب سنة 1967، وفيه إلمام بالشعر الشعبي من كافّة جوانبه النظرية والإجرائية.

15 - المرازيق: ينتسب المرازيق إلى مطر بن راشد بن سليمان بن مساوي بن نشوان بن حدجه بن مرزوق بن عليّ»عجيم» بن هشام بن الغز بن مذكر»مذكو» بن يام ابن دافع بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن جنوان بن نوف بن همدان بن مالك بن زيد بن أوثلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

* انتقل المرازيق من بادية نجد في أواخر القرن العاشر للهجرة إلى ساحل عُمان. وعن طريق رأس الخيمة التي كانت تسمّى آنذاك جلفار، وانتقلوا بصحبة القواسم في سنة 1169 للهجرة إلى برّ فارس المشهورة بشيبكوه بالسفن الشراعية، الوسيلة المتوفّرة آنذاك. وكان يرأس القبيلة في ذلك الانتقال الكبير راشد وسليمان ابنا مطر بن راشد المرزوقي. ونزلوا في مكان معروف اليوم بقرية دوان الغربية أو (كافرخون)، ومنها لينتقل أغلب أفراد قبيلة المرازيق برئاسة كبيرهم: راشد بن مطر المرزوقي إلى مكان آخر يسمّى اليوم قرية مغوه لاتّساع ضواحيها وصلاحية موقعها للسكن، وهي تقع على ساحل الخليج العربي، شرقي جبل يسمّى جبل اليارد، وتبعد عنه مسافة 7 كيلومترات تقريباً. ومع وفود القبائل العربية إلى المغرب العربي نجد اليوم حضورا قويّا للمرازيق بالجنوب التونسي خاصّة بمحافظة قبلّي كما انتشر المرازيق بمدن أخرى في تونس وقد سمّيت بعض الأماكن باسمهم.

16 - يُذكر منهم حسب الأسبقية في الترتيب الزمني سالم أبو خفّ وأحمد البرغوثي ومحمّد الطويل وعلي عبد العظيم والحبيب بن عبد اللطيف وعليّ الأسود المرزوقي وبلقاسم عبد اللطيف وبشير عبد العظيم ورمزي خليفة وأيّوب الأسود والناصر بن عون.

17 - إحدى معتمديات ولاية سيدي بوزيد تقع بها محميّة بوهدمة وهي من أهمّ المحميّات الطبيعية بالبلاد التونسية، أغلب سكّانها من بطون قبيلة المهاذبة يذكر منهم (أولاد سيدي مهذّب).

18 - تنتمي قبيلة المهاذبة إلى القبائل الرحّل المتواجدة بالبلاد التونسية منذ عدّة قرون وإنّ وجود هذه القبائل الرحّل ضمن مجموعة معيّنة لم يكن أبدا مرتبطا بأرض لها حدود واضحة فوجودها يعود أساسا إلى ارتباط رمزي ومعنوي متعلّق بالعائلة أو بالعشيرة أو بالمعتقدات أو سلالة الأجداد لذا فإنّ ما يسمّى بأرض المهاذبة أو أراضي أي قبيلة أخرى لا يمثّل في الواقع إلاّ الأماكن التي يتواجد فيها المهاذبة بكثرة في فصلي الخريف لحراثة الأراضي إذا أمطرت أو في فصل الصيف للحصاد.

ويستقرّ معظم المهاذبة في مجال جغرافي محدّد نسبيّا وهو جهة الصخيرة اليوم حتّى وادي العكاريت ومن جهة المزّونة حتّى البحر الأبيض المتوسط.

وهو ينحدرون من سلالة سيدي مهذّب أحد رجال الدين القادمين من المغرب الأقصى وبالتحديد من الساقية الحمراء خلال القرن السادس عشر. وقد عهد له الحفصيون ( الأمير أبو زكرياء الحفصي ) بتهذيب مكتبة جامع الزيتونة وقد كلّف من قبله بتسوية النزاعات التي تفاقمت بين القبائل المتواجدة بمنطقة الأعراض حيث تمرّ الطريق الشهيرة الرابطة بين المشرق والمغرب العربيين وقد نجح في تهدئة الأجواء, وهذه القبائل هي الهمامة و بني يزيد و المثاليث ثمّ أقام مسجده الشهير الذي أصبح منارة للعلم والسلم.

19 - يُذكر منهم بوزيان بن زنون المهذّبي وابناه عليّ وعبد النبي وكذلك الحاج عبد السلام الكيدي والشاهد الأبيض وعمر النيفر وأحمد السايح والمولدي هضب والأزهر بن الوافي ومحمّد الغزال الكثيري.

20 - ركبت: امتطت صهوة الجواد.

21 - ركوب الفراسين: مفعول مطلق وظيفته بيان النوع أي نوع الركوب، وهو ركوب المقاتلين. والفراسين جمع مفرده فارس، وهذا النوع من الجمع يفيد في هذا المقام التمرّس والمهارة والتفنّن، ومن ذلك الفعل المضارع يتفرسن: بمعنى يبدي براعته وتفنّنه من خلال حركاته البهلوانية.

22 - لحقت خيل: التحقت به على سبيل الكرّ والهجوم.

23 - غزاته: غزته. وهذا النوع من التصريف دارج في عدد من المواطن بالقطر التونسي وبعدد من أقطار المغرب العربي. ويقتضي أن يبقى الفعل على حاله في صيغة الماضي ويضاف إليه الضمير. وكأنّ التفاعل لا يحصل بين العنصرين ( الفعل والضمير)، وكأنّ هذه الآلية في التصريف معمول بها في القطر العراقي الشقيق لكن في صيغة الماضي عندما يقال مثلا: أكلَوْا فيبقى الفعل الماضي على حاله ويضاف إليه الضمير دون أن يقع التفاعل الصرفي بين العنصرين ( الفعل والضمير).

24 - رمّاية: صيغة مبالغة على وزن فعّال، وتفيد الإكثار من الرمي.

25 - النبل: «السهام وقيل: السهام العربية وهي مؤنّث لا واحد له من لفظه، فلا يقال نبلة، إنّما يقال سهم ونشّابة» (لسان العرب، مادّة نبل).

26 - «والحربة: الآلة دون الرمح وجمعها حراب» (لسان العرب، مادّة حرب).

27 - جاته: بمعنى جاءته، وجاءت على صدره بمعنى أصابت صدره.

28 - فكّت: «وفككت الشيء: خلّصته، وكلّ مشتبكين فصلتهما فقد فككتهما» (لسان العرب، مادّة فكك). والمعنى هو افتكاك السلاح ونزعه من صاحبه.

29 - مسيكين: تصغير مسكين، ويفيد هذا التصغير أنّه في حالة يرثى لها خاصّة وقد سلب سلاحه والسلاح هو أثمن ما يمتلكه الفارس وأنفسه.

30 - شعور: جمع شعر، ويفيد الجمع هنا كثرة الشعر وكثافته.

31 - كتّفته: شدّت يديه»والكتف شدّ اليدين من خلف وكتف الرجل كتفا وكتّفه: شدّ يديه من خلفه بالكتاف، والكتاف: ما يشدّ به» (لسان العرب، مادّة كتف).

32 - مكحولين: اسم مفعول من كحل. « الكُحْل: ما يكتحل به. قال ابن سيده: الكُحْل ما وُضِع في العين يُشتَفى به، كَحَلَها يَكْحَلها ويَكْحُلها كَحْلاً، فهي مَكْحولة». (لسان العرب، مادّة كحل).

33 - ع: اختصار لحرف الجرّ على، ع المسميّة أصلها على المسميّة.

34 - المسميّة: اسم مفعول من سما: لها سمة ولها اسم بمعنى أنّها بارزة ذات شهرة وصيت.

35 - قرابيل: جمع مفردهُ قرَبيلة، وهي سلاح ناري شأنه شأن البندقية ويمتاز باتّساع الفوهة، وأصل تسميتها من اللاتينية سواء كانت عبارة ايطالية أو فرنسية Carabine ويقال غدّارة أو قربينة، وقد أبدلت النون لاما.

36 - مليانين: جمع مليان، وأصلها ملآن. غير أنّ العرب في مجرى عادتهم ينفرون عادة من نطق الهمزة وكثيرا ما يقبلون على تعويضها بحرف الياء أو الواو أو الهاء، فيقولون بنّاي عوض بنّاء أو توليف عوض تأليف ومسهول عوض مسؤول. مليانين: عامرتان بالبارود معبّأتان بالذخيرة.

37 - كبّوا فيّ: أُفرغت فيّ.

38 - المشكاية: صيغة مبالغة من فعل مشك والمشكاية هي التي تكثر من الوعود وتؤجّلها باستمرار ولا تفي بعهد من العهود. ويجوز أن يكون هذا الفعل إبدالا من بشك (ابن منظور، لسان العرب مادّة بشك) الذي يفيد عدم إتقان العمل ممّا يضفي عليه صفة الإهمال واللامبالاة. ويتمثّل الإبدال في تعويض حرف بأخر كتعويض الباء بالميم وهذا التغيير جار حتّى في الأسماء، من ذلك أن يقال لمدينة مكّة المكرّمة بكّه. وقد ورد ذلك في القرآن الكريم، سورة الفتح، الآية 24 وسورة آل عمران الآية 16.

39 - شقاي: شقائي.

40 - شبّوا: اتّجهوا.

41 - قداي: في اتجاهي، من فعل قدا (لسان العرب، مادّة قدا).

42 - اللطف يا مولاي: أسال الله اللطف. وكأنّ البليّة قد حلّت وحُمّ القضاء وكأنّ الخلفية هي مضمون الدعاء المأثور: اللهم لا نسألك ردّ قضائك ولكن نسألك اللطف فيه.

43 - دقّوا: ثبّتوا أو أعلنوا.

44) بلايَ: بلائي بمعنى المصيبة التي أبتلي بها.

45 - جواجي: جواجئي: أحشائي وهو جمع مفرده جؤجؤ وجمعه جآجىء وقد أبدلت الهمزة واوا. والجؤجؤ هو الصدر، ومثل مجتمع رؤوس عظام الصدر. (لسان العرب، مادّة جأجأ).

46 - دايَ: دائي.

47 - زاد على ما بيّ: ضاعف ما حلّ بي من ضنى ومعاناة.

48 - فاني: فان من فني يفني فناء بمعنى بلِيَ وتلاشى ونحف وضعف وهو يسير إلى الموت.

49 - السيّة: السيئة. الخطأ الذي قد يصل إلى حدّ الخطيئة.

50 - بغى يبغي: يعني في منطقة البحث أراد أو رغب واشتهى.

51 - مكر: أبى وامتنع.

52 - خلّى: ترك ووذر.

53 - مشويّة: اسم مفعول من شوى يشوي بمعنى اكتوى كيّا بالغا.

54 - مدلّل: اسم مفعول من دلّل بمعنى ممتاز أو من الطراز الأوّل في المهارة والإتقان لأساليب القتال وفنون الحرب.

55 - ولد رمح: ناشئ في هذا المجال، مجال الحرب، والرمح آلة من آلات القتال (لسان العرب، مادّة رمح).

56 - اسم مفعول من غلّل بمعنى في صدره غلّ، وهو مغتاظ أشدّ الغيظ وكأنّه موتور يطلب ثأرا.

57 - راكب: فارس ممتط صهوة الجواد.

58 - مخلخل: اسم فاعل من خلخل بمعنى فتيّ قويّ متين وكأنّه يحدث بحركته زلزالا أثناء السير.

59 - حرّم وحلّل: بيده الحكم وبيده التشريع منعا وإحلالا.

60 - الحيّة: الكائن الحيّ، النفس الحيّة.

61 - نوّض:أطلق النار، أصلها من الثلاثي المجرّد ناض ينوض نوضا كقولهم « ناض البرق ينوض نوضا إذا تلألأ» وناض بمعنى تحرّك، والنوض الحركة (لسان العرب مادّة نوض).

62 - الوطى: أصلها الوطاء بمعنى الأرض (ابن منظور لسان العرب مادّة وطأ).

63 - مرميّه: اسم مفعول من رمى بمعنى ملقاة (ابن منظور، لسان العرب مادّة رمى).

64 - هكّا أو هكّاك: بمعنى هكذا أو على هذا النحو أو بهذه الطريقة وعلى هذه الصورة وبهذه الكيفية.

65 - ولفتي: أليفتي أو أليفي بمعنى حبيبتي المؤالفة ( ابن منظور، لسان العرب، مادّة ألف).

66 - مكنوني: اسم مفعول من كنّ: كياني الداخلي، أحشائي ( ابن منظور،لسان العرب، مادّة كنن).

67 - محوني: بمعنى محني وهي جمع مفرده محنة أي الامتحان والبليّة والمعاناة والمكابدة (ابن منظور، لسان العرب مادّة محن).

68 - مجريّة: اسم مفعول من فعل جرى، والمعنى هو دموع مجراة أو دموع جارية (ابن منظور، لسان العرب مادّة جرى).

69 - يا هل ترى؟: بمعنى هل ترى؟

70 - يسخف: فعل مضارع من سخف بمعنى رقّ لي وأشفق عليّ. وأصل فعل سخف يفيد الضعف.

71 - ابن منظور، لسان العرب، مادّة صرع.

72 - ابن منظور، لسان العرب، مادّة صرع.

73 - ابن منظور، لسان العرب، مادّة صرع.

74 - ابن منظور، لسان العرب، مادّة صرع.

75 - وهي ما يعبّر عنه لدى الفرنسيين بعبارات Le coup de foudre

76 - ابن حزم الأندلسي، طوق الحمامة في الألفة والألاف، 13.

77 - ربّما كانت عبارة المشكاية في أصلها مصدرا ميميا من شكا يشكو شكوى وشكا وشكاة بمعنى أنّها مصدر لشكوى العشّاق.

78 - هذه تقريبا مجمل النعوت التي لحقت عددا من المقطّعات الشعرية (أحمد خالد، أضواء من البيئة التونسية على الطاهر الحدّاد، 75).

79 - يظهر ذلك في قول الشاعر: «ركبت» أي ركبت جوادا.

80 - وصف الجواد بعبارة «مخلخل» الدالة على القوّة المزلزلة كما أوحته العبارة اللاحقة «تزلزل».

81 - تدّل على ذلك أفعال «خلّى» و «خلّوا» و «خلّى».

82 - يا مولاي.

83 - اللطف.

84 - يا هل ترى من بعد ما قهروني يسخفش صاحبهم ويرفق بيّ.

85 - الإيحاء وإحلام النفس هما تقريبا جوهر الشعر ويعبّر بعض الفرنسيين عن ذلك بقوله» faire rêver».

86) شارل أوغستان سانت ـ بوف (Charles Augustin Sainte-Beuve) كاتب وناقد فرنسي وُلد في بولوني سور مير في 23 ديسمبر عام 1804. تميّز أسلوبه بالدقة، وكان نقده يعرف بالنقد البنّاء وكان مبنّيا على التاريخ الطبيعي للفكر. وقد صنّف الباحث الفرنسي جان ـ بيير ريشار منهج سانت - بوف النقدي إلى ثلاثة مستويات وهي: الأنا المبدعة (الشخص)، والإبداع (العمل الأدبي)، والسيرة الذاتية (البعد التاريخي للأنا والعمل الأدبي) وأشار سانت ـ بوف إلى أنّ العمل الأدبي ما هو إلا نتاج أنا أخرى غير التي تظهر في عاداتنا ومجتمعنا وحياتنا. وتوفّي في باريس يوم 13 أكتوبر عام 1869.

87 - مثال ذلك قوله: عيون سود مكحولين.

88 - وجه الشبه بين القرابيل والعينين خاصّة في السواد والاتّساع والفتنة الفاتكة.

89 - مثال ذلك المشكاية- وشقاي.

* وقوله: قداي- مولاي-رداي-داي.

* وقوله كذلك: داواني- نعاني-يراني- فاني-جاني-يهواني.

* وقوله أيضا: مدلّل- متغلّل- مخلخل-تزلزل- وحلّل- الأوّل كمّل.

* ومن ذلك: كووني-مكنوني-محوني-سحروني-عيوني-قهروني.

90 - منها ما هو لفظي ومنها ماهو مجازي ومنها ما هو ايقاعي ومنها ما هو متعلّق بالاستعارة المرشّحة أو الترشيحية التي تتجلّى في الدور الثالث لتضفي عليه تكبيرا وتضخيما وتفخيما وتمجيدا بما يناسب الجنس الملحمي.

91 - أبو الهيجاء جوهر بن عبد الله العدني توفّى سنة 626 هـ م 1229/ سكن مدينة عدن، وأصله من مدينة (الجَنَد)، ضاحية مدينة تعزّ. عالم متصوّف. كان في بداية أمره يعمل حمّالاً في أحد أسواق مدينة عدن، أخذ في بعض العلوم حتّى انتهت إليه مشيخة الصوفية في مدينة عدن ونواحيها خلفًا للشيخ سعد الحدّاد.

92 - الأعشى570م - 629م ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي، أبو بصير، المعروف بأعشى قيس، ويقال له أعشى بكر بن وائل والأعشى الكبير. من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية وأحد أصحاب المعلّقات.

* كان كثير الوفود على الملوك من العرب، والفرس، غزير الشعر، يسلك فيه كلَّ مسلك، وليس أحدٌ ممن عرف قبله أكثر شعراً منه. وكان يُغنّي بشعره فسمّي (صناجة العرب).

* قال البغدادي: كان يفد على الملوك ولا سيّما ملوك فارس فكثرت الألفاظ الفارسية في شعره. عاش عمراً طويلاً وأدرك الإسلام ولم يسلم، ولقب بالأعشى لضعف بصره، وعمي في أواخر عمره.مولده ووفاته في قرية (منفوحة) باليمامة قرب مدينة الرياض وفيها داره وبها قبره.

93 - الأعشى، الديوان، 88-89.

94 - الأعشى، الديوان، 198-199.

المصادر والمراجع:

* الأعشى، الديوان، دار صادر بيروت 1994.

* محمّد بوذينة، ، روّاد الشعر الغنائي في تونس، الطبعة 2 دار سيراس للنشر (المطابع الموحّدة)، تونس 1993.

* أحمد خالد، أضواء من البيئة التونسية على الطاهر الحدّاد.

* المختار المستيسر، ، نشأة الرشيدية من المعلن إلى المخفيّ، مطبعة بونو برانت، تونس 2014.

* ابن حزم الأندلسي، طوق الحمامة بين الألفة والألاّف، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، طبعة 2012

المراجع باللغة الفرنسية:

* http://sidimhedheb.over-blog.com/article-19-63135349.html

* http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=ssd&shid=200

* https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D9%82_

الصور

* الصور من الكاتب .

1 - https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B2%D9%88%D9%82%D9%8A

أعداد المجلة