قبل سنوات احتجنا لسائق بحريني من حملة الثانوية العامة فتقدم إلينا ستة التقيتهم واحدا واحدا واخترت من هو أفضل تحصيلا للعلامات المدرسية فكان مقدم الطلب من أقنعني هدوؤه وتهذيبه وحضوره اللافت. وأذكر بأنني سألته لماذا لم يتوجه لمواصلة دراسته الجامعية ؟ فأجابني بهدوء بأنه لا يملك مصاريف الجامعة ويحتاج ماديا إلى العمل، فاحترمت إجابته.
خلال سنوات عمله كسائق أبدى مهارات في تولي أعمال العلاقات العامة حين تكليفه بمرافقة الضيوف وفي حسن إدارته لما يصادف من الأمور الطارئة والتصرف بتهذيب عفوي لحل ما يمكن أن يعترضه من مواقف حرجة أو مشكلات طارئة مما كـوّن له صداقات شخصية مع أغلب الضيوف من مختلف المستويات ، فكان ذلك ملفتا.
في سبعينيات القرن الثامن عشر، قدم الفيلسوف الألماني يوهان جوتفريد هردر (Johann Gottfried Herder) طريقة جديدة للنظر إلى مكونات الثقافة الشعبية؛ من حكايات وتقاليد منقولة شفهياً، وموسيقى وأداء حركي، ومختلف ضروب الفنون، مرتأيا بأن هذه الثقافة الموروثة، تعدُ بمثابة العمليات العضوية المتجذرة لأية ثقافة. ليجيء بعدهُ الكاتب البريطاني وليام تومز (William Thoms)، ويصوغ مصطلح «الفلكلور»، الذي بزغ في مقالتهِ المنشورة بدورية (The Athenaeum)، في أغسطس، عام (1846)، حيثُ استبدل المصطلحات الدارجة كـ «الآثار الشعبية»، و»الآداب الشعبية»، بهذا المصطلح الجديد، حاثاً الباحثين على ضرورة جمع هذا الإرث، المتصل بالثقافة الشعبية، والذي ما زال حياً آنذاك.
أي تجانسٍ هذا الذي يتحكم في علاقة الإنسان بطائرٍ جارح، في صداقةٍ استثنائية بين الصقر والصقّار، وفي تفاعلهما وثقتهما معاً بمسرح الطبيعة الحيّة؟
أي تفاعلٍ هذا الذي يُظهر لنا قدرة الإنسان على التحكم بطيرٍ جارح، قد يختفي في لمح البصر خارج نطاق قدرة أي إنسان عن الرؤية، لكنه مع ذلك يعود دائماً إلى قبضة يد صقاره؟
الزائر لبلاد الصين لا بد له وأن يُعجب بهذا التعدد البشري، والتنوع الثقافي وبهذه الطبيعة البالغة الاختلاف في عدة جوانبها. ومشاهدات هذا الزائر ستصادف الغرابة الإبداعية التي تجعل من هذه الزيارة مثار الإعجاب والتأمل.فالصين على إتساعها كبلدٍ، وما بها من هذا التنوع البشري، رغم اختلافه، مؤتلفاً في انسجام إنساني وطبيعي ساعدت ظروف المعيشة على خلقه وتثبيته.
يُعدّ الأدب الشعبي الرابط الصحّي والحيوي بين الماضي والحاضر والمستقبل، والحاضن في الوقت نفسه، لأفراح الإنسان وأحزانه، ولعقله الباطني، والمعين لفهم إنسانيته أولاً، وللوعي بأهمية مشاركته فعل الحياة مع أخيه الإنسان ثانيًّا؛ فالعقل الباطن بحسب عالم النفس السويسري كارل يونغ(1) (Carl Jung/ 1875–1961)، «ليس مجرد خزّان للماضي، بل هو مليء ببذور الأفكار والمواقف في المستقبل»(2).
على الرغم من تعدد التفسيرات والأبحاث التي تحاول رصد أصول الحكاية الشعبية، فإن حقيقة هذه الأخيرة (بحكم كونها شعبية) لا يمكنها أن تستوطن فضاءات التاريخ والجغرافيا. وإنما تستوطن اللازمان واللا مكان . لكونها وليدة تجربة كونية تصاغ وفق تصورات وقوانين تختلف عن تصورات وقواعد العالم الواقعي. إنها خطاب مشترك بين الشعوب بمختلف مستوياتها الاجتماعية: من الأمير إلى الإنسان العامي الفقير. إنها تمثل لقاء الماضي بالحاضر. تربط الإنسان بماضيه وجذوره في الأزل. وليس في التاريخ فحسب.
عرف الإنسان الشعر بواسطة اللغة، وكما عرف الشعر اهتدى إلى الموسيقى لأنه «لا يوجد شعر بدون موسيقى يتجلى فيها جوهره وجوّه الزّاخر بالنغم، موسيقى تؤثر في أعصاب السامعين ومشاعرهم بقواها الخفية التي تشبه قوى السّحر، قوى تنشر في نفوسهم موجات من الانفعال، يحسون بتناغمهم معها، وكأنما تعيد فيهم نسقا كان قد اضطرب واختل نظامه»(1). فالمرء ومنذ الساعات الأولى ليومه في صراع مع الحياة، وفي اشتباك حاد مع متطلباتها، لذلك فهو يحتاج بين الفينة والأخرى إلى ما يساعده على مواجهة المشاكل.
لقد تأَسَّستْ عن الرجال الزرق صورة أسطورية، تطغى عليها المسحة الفلكلورية، غطَّتْ أغلب الجوانب المضيئة الأخرى عن الملثمين، وإن كانت في تلك الصورة زوايا مدح وثناء كالشجاعة، وفنون القتال، والارتحال، والموسيقى، وكتب عن تقاليدهم وعاداتهم الشيء الكثير خاصة باللغات الأجنبية غير العربية، وظل «أدبهم» المكتوب بالعربية، والطارقية معا طي النسيان، ولما يكتشف العالم تلك الحلقة المفقودة من تاريخ الشعر العربي بع(1)، ذلك المنجم الغني الذي أبدعته الموهبة الطارقية بين رمال الصحراء الكبرى في إقليم «أزواد» شمال مالي، فهو عبارة عن تراث شعري غزير، بكْرٍ لم تطرقه أقلام الباحثين، ويستدعي الحديثُ عنه مشاريعَ بحثٍ عديدة، مثل الموضوع الذي بين أيدينا (الصُّورة الشعرية).
يرجع تاريخ زيارة الأقباط للأماكن المقدسة في القدس منذ اكتشاف الملكة هيلانه للصليب المقدس فى عام 325م وتأسيسها لكنيسة القيامة واشتراك البطريرك القبطي أثناسيوس في تدشين هذه الكنيسة مع بطريركي انطاكية والقسطنطينية .
وكذلك قصة مريم المصرية التي ذهبت إلى القدس مع بعض المسيحيين لزيارة الأماكن المقدسة سنة 382م وتحولت من إنسانة خاطئة إلى قديسة واستقرت هناك وذاع صيتها(1) وبعد وفاتها تم تشييد كنيسة باسمها .
أنجز المُستعرب الفرنسي ألفريد بل (Alfred Bel) سنة 1905، بمناسبة انعقاد المؤتمر الرابع عشر للمستشرقين في الجزائر العاصمة، دراسة مُطولة حول طقوس الاستمطار إبان الجفاف لدى المغاربيين(1)، وهي دراسة أساسية لاشتمالها على وصف دقيق لطقوس الاستمطار التي كاد يطويها النسيان، لولا المسارعة إلى تسجيلها مطلع القرن العشرين. ذلك أن المؤلفات التاريخية العربية، إن لم نخطئ، لم تنطق بكلمة عن الطقوس المحتفل بها خارج التقويم الإسلامي. فهل تلك الطقوس هي المذكورة بطريقة غير مباشرة في الإدانات التقليدية التي أصدرها عدد من المتعلمين في حق العادات الشعبية، المُصنّفة تحت التسمية العامة والسهلة للغاية وهي «عوائد العامة»؟