تُعدّ الموسيقى مظهرا من مظاهر النشاط الإنساني، وهي من أبرز الفنون التي يميل إليها الإنسان للتّعبير عمّا يخالجه من مشاعر، باعتبار أنّها تكشف أكثر من غيرها من الفنون عن ثقافة وفكر المجتمع. وبالتّالي، يمكننا القول بأنّ الموسيقى هي ممارسة تعبيريّة تزخر بمعان وصور وأحاسيس ساهم في إبداعها الإنسان لتكون ذات خصوصيّة ثقافيّة مميّزة. والموسيقى الشّعبيّة هي حصيلة تراث من الألحان المتأتّية من إبداع فطري انبثق من كيان المجتمع ووجدانه لتحمل جملة من الخصائص الثقافيّة والفنيّة تَبرز لنا خاصّة في البناء اللّحني وأسلوب صياغته وأدائه وأيضا في الممارسة التي يكون قد غلب عليها الطّابع الجماعي. وباعتبار أنّ الموسيقى الشّعبيّة جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمع، فهي تمثّل في اعتقادنا المدخل الرئيسي الذي يمكننا من كشف وفهم خصائص ومميّزات هذا المجتمع خاصّة إذا ما تمّ اعتبارها نموذجا لتلقائيّة الإبداع الفنّي المميّز الذي يتمثّل حسب اعتقادنا في تناقل الألحان الشّعبيّة والحفاظ على خصائصها وتقاليدها ويعكس ويعبّر أوّلا وأخيرا عن ثقافة المجتمع المنتج لذلك الإبداع1.
لم يأتِ نهوض الحركة الفنية للغناء والموسيقى العربية الذي شهده تاريخنا المعاصر، بدءا من عصر النهضة العربية في أواخر القرن التاسع عشر، ومروراً بالربع الأول من القرن العشرين، وانتهاء بنهاية الربع الثالث منه حيث بدأ العد التنازلي لاُفول عصرها الذهبي؛ نقول: لم يأتِ هذا النهوض من فراغ لولا أنه وليد تراث فني عظيم العراقة يضرب بجذوره التاريخية القريبة إلى حضارتنا العربية الإسلامية التي كانت بدورها وريثة تراث من فنون الحضارات الكبرى التي نشأت على أراضي الوطن العربي، وعلى الأخص في مشرقه، كالفرعونية في مصر والبابلية والسومرية في وادي الرافدين.
عرف الإنسان الرقص منذ أقدم العصور، فأصبح أحد وسائل التعبير عن حاجاته العاطفية، واتجاهاته الذاتية، وتصوراته لما في الكون والطبيعة من ظواهر، وما إعتقده من قوى تسيطر على هذة الظواهر وتؤثر على أنماط حياته1، وإستمر هذا النوع من الفن ملازماً له في التطور والارتقاء مروراً بالحضارات التى مرت بها الشعوب والأمم. إن الرقص لم يكن مجرد أشكال مختلفة من الحركات طبقاً لإيقاع معين فحسب، إنما فن روحي يعتمد على إحساس الإنسان ومشاعره، لذلك نجده دائماً ما يصدر في صورته التلقائيه بطريقة عفوية في التعبير، ليحقق المتعه والحيوية في أدائه كلما دعت الحاجة إليه، فتظهر وظيفته الفنية والجمالية والإجتماعية التى يؤديها من خلال قدرة الإنسان على إبراز انفعالاته بالحياة واستجابته لوحي الطبيعة وما يحيط بها من عناصر، فالرقص لغة كمثل باقى اللغات، لكنها صامتة غير مدونة أو مكتوبة، حيث لا يستخدم فيها أبجديات الكلمات، إنما تعتمد في الأساس على الحركة، فالحركة من أبسط أنواع التعبير عن الإنسان وما يقوم به من نشاط، لذلك يعتبر فن الرقص من أقدم أنواع الفنون التى إرتبطت بحياة الإنسان وأكثرها شمولاً.