فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
45

رؤية سميوأنثروبولوجية لليلة الحنّاء مدينة تلمسان أنموذجا

العدد 45 - عادات وتقاليد
رؤية سميوأنثروبولوجية لليلة الحنّاء مدينة تلمسان أنموذجا
كاتبة من الجزائر
كاتبة من الجزائر

مقدّمة

الحنّاء لغةٌ، و«اللغة نظام من الرّموز»، وقيمة هذه الرّموز اللّغوية كما تقول الكتابات الحديثة تكمن في أنّها تقوم على العُرف؛ أي تقوم على ذلك الاتّفاق الكائن بين الأطراف الّتي تستخدمُها في التّعامل، ولذا فالرّموز وسائل اتّصال في إطار الجماعة1.

تعرض عالم الاجتماع الشهير Durkheim لأهميّة موضوع « الرمزية» وتناولها من جانب ديني. وركز على فكرة الاختلافات في النظرة إلى الأشياء نفسها، والتي تخلق معاني مختلفة. وقد كان دوركايم يُحاول دائما أن يبيّن في كتاباته بأن الرّموز تُشيرُ إلى القداسة، وبأنها لغة عبّر بها الإنسان عن مخاوفه أحيانًا أو طموحاته، أحيانًا أخرى. وأنّ الإنسان حتى مع العلم الحديث ستظلّ له مخاوفه وطموحاته، ومن ثمّ فإنّ اللّغة وما تنطوي عليه من رموز تُشيرُ إلى المقدّس وستظلّ مع تقدّم العلم جزءًا لا يتجزّأ من التُّراث الإنساني 2. وعن طريق الطقوس المليئة بالرموز يسعى الإنسان للتقرب من العالم المقدس لتهدئة اضطراباته وإعادة توازنه الداخلي الذي يمزقه اتصاله مع تقلبات العالم الخارجي.

أولا: تحديد المفاهيم

1)تعريف السيميولوجيا:

كلمة سيميولوجيا ( Sémiologie) في الأصل يونانية التألّيف من شطرين يحملُ الأوّل ( Sémio) المأخوذ من الكلمة اليونانية ( Séméion) معنى العلامة، ويحمل الثاني (Logia) معنى الدراسة والعلم وبذلك يكون معنى كلمة ( Sémiologie) علم العلامة أو العلامات أو علم دراسة العلامة أو العلامات. والسّيميولوجيا هي علم العلامات سواء أكانت لسانية أم غير لسانية يهتمُّ برصد العلامات المختلفة وبتصنيفها ببيان دلالتها، ويكشف القوانين الّتي تحكمها 3.

2) تعريف الحنّاء:

نبات شطرِي، مستديم الخضرة، غزير التفريخ ذو اللّون الأحْمر البُنّي، يصل طوله إلى 3 أمتار، تحتوي الأوراق على مواد جيليكوسيدية منها ( اللاّوسُون) Lawsone، و الهيدروكس ونفثوكينون، لها دور أساسي على التأثير البيولوجي طبيًا، وكذا مسؤوليتها على الصّبغة واللّون وتحتوي الأزهار على زيت طيّار زكيّ الرّائحة ومواد قابضة ومطهّرة هامة4.

3) تعريف الرّمز:

إنّه شيء يُذكّرٌ بشيء آخر، أو يأخذ مكانه أي هو ذلك الّذي يتعدّي معناه المباشر، أو هو كلمة قد تُمثل معاني أخرى أبعد من المعنى الحرفي لها5.

4) تعريف الشّعائر:

الشعيرة هي وحدة من التّعبير الرّمزي عن القيم والاتّجاهات، وهي في نظر Raymond Firth النّشاط الّذي يتبعه شكل محدّد من أنماط السّلوك، والغرض من ممارستها أو القيام بها تحقيق أغراض محدّدة6.

تاريخ ونشأة طقوس الحناء

كيف نشأت ومن أين جاءت طقوس ربط الحنّاء في مناسبة الزّواج؟

بعض الباحثين يرجعونَ نَشأتها إلى أسطورة إيزيس وأزيريس فيرون أنّ ليلة الحنّة تعود إلى زمن إيزيس وأوزيريس عندما عَمَد إله الشرّ (ستّ) إلى قتل أوزيريس طمعًا في الملك ومَزّق جسدَه إلى 14 قطعة ووزّعها على أقاليم مصر، فجمعت زوجته إيزيس أشلاءه من كلّ أنحاء مصر، فكانت كُلّما جمعت أشلائه، تصبغ يدها باللّون الأحمر، فاعتبر المصريون القدماء هذا رمزًا لــ «وفاء الزّوجة». فحرصَتْ الفتيات على تلوين أيديهنَّ قبل الزفاف رمزًا للوفاء7، كما سادَ الاعتقاد في الأساطير القديمة أن استعمال العروس للحنّاء ليلة الزّفاف كفداء وتعويض لدم البكارة التي تفقدها العروس في هذه اللّيلة8. وقد فُتحت فكرة الفدو مجالاً لأن يرمز بشيء لغَيره، لعلاقة ما بينهما في اللّون أو الشّكل، أو المادَّة (وهذا ما يجعل الحناء ايقونة للدم)، وقد استخدمت الحنّاء، وكغيره من الخطاب الأحمر بديلاً عن الدّم لتُغْمس فيه أطراف العروسين قبل الشروع بالفعل الخصبي»9 وهذا يدل على ان للحنّاء علاقة بدم بكارة العروس. وتخضيب أطراف العروسين الأيدي والأرجل بالحنّاء استعدادًا للزّفاف هو تعبير عن الانغماس الكُلّي في الفعل.

وقد تكون طقوس الحناء قد نشأت عن طريق التجربة الإنسانية حيث وَجد النَاس طرقا صائبة نجحت لإشباع حاجاتهم فبدأوا يُكرّرونها في كلّ مناسبة وتمسّكُوا بها مع مرور الزمن، فتبلورت وأصبحت عادة اجتماعية. فتجربتهم للحنّاء في الزّينَة والعلاج عُضويا ونفسيًّا (الحماية من الأرواح الشريرة) جعلهم يستعملونها في ليلة الحنّاء. وأصبحنا نحن نتوارث هذه العادة ونحاكي أجدادنا وآباءنا لا شعوريًّا ودُون وعي منّا10.

علاقة الشعائر بالرّموز

تلعب الشعائر دورا هاما في عملية الاتصال. وقد اعتبر إدموند ليتش Leach الباحث الأنثروبولوجي أنّ أحسن استخدام للشعائر يكون عند الإشارة إلى الجانب الاتّصالي للسّلوك. وهو يرى أنّ الثقافة مجموعة السّلوك الذي له وظيفة في المجتمع. والشّعائر لاَ تُمارسُ فحسب وإنما تُوحي بأشياء مع هذه الممارسة11.

وتعتبر الرّموز إحدى الصّيغ الأولية التي تُساعدنا في معرفة الأشياء، وترسخ بعض المعاني في الأذهان، وهي الوسائل الأولى لكي ندرك بها الأشياء، وكُلّمَا زادت معرفتنا بالرّموز كلّما زادَ إدراكنا لأنماط السّلوك المختلفة. وتمثل الرّموز الدّينية مكانة خاصّة لأنّها تُساعد على تماسك الجَمَاعات وترابُطها12.

وقد اعتبر فيكتور تيرنر Victor Turnor أنّ الرّمز هو أصغر وحدة للشعيرة، وهو الّذي يحتوي على صفات معيّنة فتوضّح السّلوك الشعائر، واعتبره الوحدة النّهائية لبناء معيّن في محتوى الشّعائر يُمكنُ ملاحظته من خلال الرّضا والقبول العام كما أنَّه يرتبط بفكرة أو بحقيقة معيّنة 13.

ليلة الحناء وشعائر المرور

الاحتفال بليلة الحناء لها معانيها، وهي تحمل في مضمونها كثيرا من المدلولات الاجتماعية والثقافية والنفسية على حدّ سواء، إذ يُفرض على كلّ مجتمع إنساني عند الانتقال إلى مرحلة أو مكانة القيام ببعض الشعائر والطقوس باعتبارها علامات وإشارات تمارس في مناسبات خاصّة بها. ورغم التطوّر التكنولوجي لا زالت الحنّاء تحافظ على مكانتها (وإن حدث بعض التغيّر فيها) وهذا يدل على استمرارية وظيفتها في المجتمع. فلا زالت عادة الحنّاء تتوارث من جيل إلى جيل وهذا ما يُدْلي بقيمتها وأهمّيتها عند المجتمع التلمساني ويقول «cassiner».

« إنّ قيمة العلامات والإشارات ليست فيمَا تُمثّل، ولكن فيما تتعدّاه، فكلّ إشارة، وكلّ علامة تحملُ في مضمونها معنى معيّن يكون هدفها الأوّل والأخير توصيلها للآخرين»14.

إنّ انتقال الإنسان من مرحلة عمرية إلى مرحلة أخرى ومن منصب ومكانة إلى منصب ومكانة أخرى، يتطلّب منه القيام ببعض الطّقوس والشعائر ومنها «التخضب بالحنّاء». وإذا كان فان جنب يطلق على النّوع من الشعائر والطقوس شعائر المرور أو الانتقال «فإنّ بعض الباحثين يُطلقون عليها أزمة الحياة» «Life chisis-rituals» لأنّها تُميّز المراحل الحرجة في حياة الأفراد15.

وتعتبر هذه الشعائر علامة تدلُّ على انطلاق الأفراد من مرحلة إلى مرحلة ثانية، وتتطلب ممارسة هذه الشّعائر- كما يرى Taylor -استخدام مجموعة متنّوعة من المواد والأشياء أو المكنات الضّرورية والمناسبة لإقامتها16.

كَمَا يعكسُ هذا الاحتفال « ليلة الحنّاء» ما تتحمّله النّسوة من معاناة عبر شعائر المرور، فالتحوّل والانتقال من مكانة اجتماعية إلى مكانة اجتماعية أخرى، ومن العذرية إلى عالم المرأة تُصاحبه الكثير من المناسبات الشعائرية التي ترتبط بالتحوّلات والتغيّرات التي تحدث عبر الحدود الاجتماعية17.

سميولوجية الحنّاء

بعد أن يتكرّر الرّمز (الحنّاء) يُستخدم كدليل وعلامة. ويُمكن تحديد معناه من خلال ملاحظة الظّروف أو المناسبة التي يُستخدم فيه، فالحنّاء مثلاً في يد المرأة دليلٌ يُجسّدُ حدثا من الأحداث ومنها حدث الزّواج. وهذا الدّليل يتكوّن من دال ومدلول فالدّال هو علامة بصرية (حُمرة راحة اليد) والمدلول هو زواج المرأة. والبقعة الحمراء في أيدي راحات الفتيات مثلا دليلٌ على حضورهنّ في عرس صديقتهنّ أو إحدى بنات أقاربهنّ، ولا يغيب على بالنا تنافس الفتيات في تلك اللّيلة لوضع حنّاء العروس في راحتهّن وذلك لما تحمله هذه العادة من معنى مُعيّن.

ولقد اهتم علماء السّيميولوجيا بالمواد التّزينية للمرأة كالكحل والسّواد والخضاب، واعتبروا ألوانها مجموعة من الأنساق الدالة تجعل عالم اللّون مفتوحًا لقراءات متعدّدة يكشف عنها المتلقّي.

« واعتبروا أنّ اللّون الأحمر يرمز للحياة والخصب والحبّ والإثارة والرّغبة الجنسية»18 لذلك فالعروس محبوبة على التزيّن بالحنّاء لزيادة الشوق ودفع النّفور.

مراسيم ليلة الحنّاء

يعكس الاحتفال بليلة الحنّاء في مجتمع الدّراسة الكثير من مظاهر الاندماج والتضامن الاجتماعي والعائلي وقد أسماه دوركايم بالتّضامن الآلي، حيث تجتمع النّسوة من أقارب العروس لمساعدة الأمّ في إعداد الطّعام ومستلزمات أخرى ترتبط بهذه اللّيلة. ونفس الأمور تجري في بيت العريس. فالتّفاعل الاجتماعي له دور كبير في هذه اللّيلة، ولا يحدث التّفاعل إلاّ من خلال عمليّات الاتّصال الّتي تعدُّ من العمليات الأساسية لإحداث التّفاعل والّذي يتجلّى في علاقات تعاون وتبادل منافع ومساعدات تُقدّمها هذه الجماعات في هذه المناسبة19 مثل كبش أو خضر وفواكه أو خبز أو هدايا أخرى خاصّة بتفريش البيت.

تبدأ مراسيم ليلة الحنّاء باستقبال المدعوّين ثمّ تقديم الطّعام لهم، ويتمثل عادة في الحريرة والبرقوق، ويفضّل أهالي منطقة تلمسان الأكل الحلو وذلك لاعتباره رمزا للمودّة والسعادة التي ستجمع العروسين ويَضمن لهما الدّيمومة والاستمرارية. وعادة ما تلبس العروس لباسًا أبيضًا أثناء ربط الحنّاء لأنّ هذا اللّون يُشيرُ إلى الطهارة والنقاء والصّفاء في اعتقادهم. وتحمل فتاتان صغيرتان شمعتين، فالإنارة شيء مهمّ في مثل هذه المناسبة من اجل طرد الظّلام والأرواح الشريرة.

وتُرافق هذه الطّقوس أغاني شعبية خاصّة بربط الحنّاء وهي تعتبر إعدادا نفسيا للعروسين بحيث تُهيّئهما للفعل الخصبي، ومن هذه الأهازيج:

حلِيمَة سَابَغْ لَنْجَارْ يَا اللّي هَلَّكْتْلي غَواني

حْلِيمة سَابْغْ لنْجَارْ والزَّايخة ترضى علَى البَرّانْي

تُؤثّرُ هذه الأغنية تأثيرًا شديدا في نّفس العروس؛ إذْ يمتزج فيها الألم بالسّعادة أي سعادتها بيوم زفافها، وألمها لمفارقة حُضْنِ عائلتها، فتبكي العروس عند سماعها هذه الأغنية. وهنا تتجلى عدّة رموز لبكاء العروس؛ فهي تبكي على فراق أسرتها من الأب الّذي حَبَا على تربيتها، والأمّ الّتي غَمرتها بْحنانها الصّادق الدّافئ وإخوتها الذّين عوّدُوها على الألفة والمحبّة وتبادل الحديث. أو قد يركز البكاء أيضًا للإخصاب والفأل السّعيد. وهناك من يعتبره رمزا وإشارة للحشّمة والوقار.

وَالأغنية في هذه المناسبة ليست للتّسلية والترويح فقط وإنّما تعكس قيما اجتماعية. ويظهرُ ذلك جليًّا في الشطر الثّاني من البيت الثّاني « الزّايخة تَرضى على البّراني». والمعنى الذي نستخلصه منه هو أنّ ابنتهم بنت حسب ونسب وشرف وهي مطيعة لأبيها بمن يختارُهُ هُوَ لَهَا كزوج فهو « بَرّاني» كما جَاءَ في الأهزوجة.

وظائف ليلة الحنّاء

اهتمّ التّلمسانيونَ بالاحتفال بليلة الحنّاء بوصفها علامة وميزة تحمل في بنيتها وظائف اجتماعية هامة كالوظيفة التزيينية والعلاجية والاجتماعية والنفسية.

1) الوظائف التّزيينية:

الحنّاء وسيلة من وسائل الزّينة، كانت تستعملها المرأة قديمًا، ولا زالت تستعملها لغاية اليوم كمادّة لتجميل اليد والقدم وصباغة الشّعر.

وقد رغّب الرسول ﷺ المرأة للتزيّن بالحنّاء. وقد أخبرنا أبو أحسن علي بن محمد المقرئ أنّ الحسن بن محمّد بن إسحاق أنّ يوسف بن يعقوب أنّ محمّد بن أبي بكر أنّ بشر بن المفضّل أنّ أبو العقيل قال:

قالت بهية: سمعتُ عائشة- رضي الله عنها- تقول: كان رسول الله ﷺ يكره أن يرى المرأة التي ليس في يديها أثر حنّاء أو أثر خضاب20

كما كان للحنّاء مكانة كبيرة في الشّعر العربي حيث تغنّى الشعراء القدماء بجمالها في راحة يد المرأة، وفي بواطين أقدامها، يقول النَّابغة:

بِمُخضّب رخْص كأنّ بنانه

عنمّ يَكادُ من اللّطافة يُعْقَدُ 21

واستعمال الحنّاء في هذه المناسبة إشارة للجمال والزّينة وترطيب البشرة وتلطيف الجسم، والعروس مجبولة على التزيَّن والتعطّر لزيادة شدّة الشوق والحبّ بينها وبين الزوج. فالحنّاء ترمز لجذب النّظر وفيها رَائحة عطرية، وهذا يُضفي على ليلة الدّخلة شيئًا من الجاذبية والإثارة.

فمفهوم الزّينة مشحون بمضمون جنسي، والعلاقة واضحة بين العناية بالجسد والجنس، فالعناية والزّينة وُضعتا لخدمة غرض إثارة الرّغبة الجنسية وهي من أهمّ الأسباب لحضوة المرأة عند زوجها.

2) الوظيفة العلاجية:

للحنّاء دور كبير في العلاج، بسبب احتوائها على مواد جليكوسيدية ذات دور أساسي على التأثير البيولوجي طبيًّا، ولذلك لها تأثير كبير على التئام الجروح والتشقّقات التي تُصيبُ القدمين، وكذلك تعالج الالتهابات التي توجد بين أصابع الأقدام والنّاتجة عن نموّ الفطر22

كما ثبت أنّ للحنّاء تأثيرا فعّالاً في علاج تساقط الشّعر وتثبيته، وإزالة القشرة منه، ومعالجة آلام الرّأس، وقد روى ابن ماجة أنّ النبيّﷺ كان إذا صدَعَ غلَّفَ رأسه بالحنّاء ويقول:«إنّهُ نافع بإذن الله من الصُّداع»23.

3) الوظيفة النفسيّة:

يعتقد الكثير من أهالي منطقة تلمسان أنّ للحنّاء دورا كبيرا في تَهْدِئة الأعصاب وإراحتها كما أنّها تعمل على غرس العواطف النبيلة في النّفس ودليلهم على ذلك أنّ تسميتها مأخوذة من كلمة حنان، والتخضب بالحنّاء في ليلة الزّفاف « بَاشْ ربّي يْحَنّْ عليهُم».

وتستعمل الحنّاء أيضًا لعلاج السّحْر (طرد الأرواح السّريرة، ودرء العين والحسد)، وقديمًا كان الفراعنة يضعون الحنّاء في الأيدي والأقدام ليُحفظُوا من الشَرّ.

4) الوظيفة الاجتماعية:

تُعَدُّ الحنّاء دلالة رمزية اجتماعية تُميّز العروس عن قريناتها الأخريات، وتضفي عليها بهاء ورونقًا وجمالاً. ومن المعلوم أنّ الحنّة هي اللّيلة الّتي يتم فيها الاحتفال بتحضير العروس وتهيئها ليلة الزّفاف والدّخلة، بدءًا من الاستحمام. وانتهاء بوضع الحنّة في يديها ورجليها في طقوس خاصّة تقوم بها امرأة غير مطلّقة، وسعيدة في حياتها.

ولتحنية العروسين قبل الزّفاف، مدلولاتها الوظيفية الأخرى في مجتمع البحث، من حيث أنّها تُشكّل معنى جماعيًا اجتماعيًا وثقافيًا يُجمع عليه أبناء المجتمع، فليلة « الحنّاء» ليست مجرّد اجتماع بعض قرينات العروس وصديقاتها وأحبابها، بل هُو رمز للتّضامن الاجتماعي، وهو يُشكّل بدوره أداة حقيقية لضبط أفراد المجتمع وتنظيمهم، ويكون ذلك في كيفية تعايشهم من جهة، وتكييفهم مع مجتمعهم لتحقيق استقرارهم ورفاهيتهم من جهة أخرى في الوقت الذّي يُدعّم فيه هذا المعنى الاجتماعي بعض الأمثال الشعبية والحكم المتوارثة من جيل إلى آخر، أو من خلال الأغاني والأهازيج التي تعبّر عن أهمية ممارسة هذه التّحنية24.

وقد يعود الاحتفال بهذه اللّيلة كما هو الحال في كثير من المجتمعات التقليدية والّتي تُقيم « حفلا للعُزَّاب» إلى الإعلان بانتهاء حياة الوحدة والعزوبية والتحوّل إلى المكانة الزواجية الجديدة25.

خاتمة

الطقوس والممارسات هذه عبارة عن جملة من العادات والتقاليد الشعبية مارسها الإنسان قديما ولا زال يمارسها في مناسبات معينة كالاحتفال بليلة الحناء.وللحنّاء عدّة مدلولات مدلول مادّي ينمّ عند استعمالها للزّينة والتجميل والتّداوي، ومدلول معنوي وصل لدرجة المعتقد، وهو وسيلة للتطهير ودَرء الحَسد وإبعاد العين الشريرة، وإثارة العواطف...ويتّضح من هذا أنّ للحنّاء رموزًا كثيرة، تتفرع حسب لونها ووظيفتها عند أفراد المجتمعات البشرية قديمًا وحديثا، وهي تختلف وتتعدد باختلاف وتعدّد المجتمعات، وما يطرأ عليها من جديد من المفاهيم عبر العصور. وتبقى ظاهرة الحنّاء هاته ذات خصوصيات يختصُّ بها كلّ مجتمع، وقد يختلف بهذه الخصوصية عن غيره من المجتمعات الأخرى بحيث تمثل عنصرًا من العناصر الثقافية وتتعرّض لما تتعرض له هذه الأخيرة.

الهوامش

1 - مها محمد فوزي معاذ، الأنتربولوجيا اللّغوية، دار المعرفة الجامعية، مصر،2011 ص 23.

2 - المرجع نفسه، ص 42.

3 - أمينة فزاري، أسئلة وأجوبة في السيمائية السردية، دار الكتاب الحديث، 2012، ص30.

4 - عبد العزيز زلماطي، التداوي بالأعشاب الطبية، دار الهدى عين ميلة، الجزائر، ص 65.

5 - سعدي صناوي، مدخل إلى علم اجتماع الأدب، دار الفكر العربي، بيروت، ط1، 1994، ص 201.

6 - مرفت العشماوي، عثمان العشماوي، دورة الحياة دراسة للعادات والتّقاليد الشعبية، دار المعرفة الجامعية مصر، 2011، ص 28.

7 - رهام عبد الوهّاب، ليلة الحنّاء احتفال خلّفية أسطورة إبريس وأوزيريس، استخرج بتاريخ 28 فيفري 2015 من الموقع http://www.dotmsr.com

8 - محمود مفلح البكر، العرس الشّعبي، بيسان، ص 57.

9 - محمود مفلح البكر، المرجع السابق، ص 57

10 - فوزية دياب، القيم والعادات الاجتماعية، دار النهضة للطباعة. والنشر، بيروت، 1980، ص 118.

11 - فاروت أحمد مصطفى الأنتربولوجيا ودراسة التراث الشعبي، دار المعرفة الجامعية، مصر، 2008 ص 63.

12 - المرجع نفسه، ص 65.

13 - المرجع نفسه، الصفحة نفسها

14 - مها محمّد فوزي معاد، المرجع السابق، ص 42.

15 - مرفت العشماوي، المرجع السابق، ص 32.

16 - المرجع نفسه، ص 36.

17 - المرجع نفسه، ص 192.

18 - أحمد مختار عمر، اللّغة واللّون، دار الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة، الطّبعة الأولى، 1982 ص 150.

19 - فاروق أحمد مصطفى، المرجع السابق، ص 69.

20 - أبو أحمد الحسن بن علي البيهقي، السُّنن الكبرى، الجزء الحادي عشر، دار الفكر للطباعة والنّشر والتوزيع بيروت لبنان، د.ت ص 173.

21 - أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن محمّد بن أبي القاسم الثماني، الإسلامي العروس ونزعة النّفوس، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، ص 285.

22 - يحي محمودي، الأعشاب الطبية من الحديقة النبوية قصر الكتاب بالبليدة، الجزائر، ط1، 1990، ص 202.

23 - المرجع نفسه، ص 199.

24 - كامل عمران، عزّ الدين دياب، الحنّة: وظائفها وطقوسها الاجتماعية ( دراسة أنتربولوجية في قرية بلوران الساحلة)، مجلة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، المجلد 33، العدد (1) 2001، ص 176.

25 - مرفت العشماوي، المرجع السابق، ص 193.

المراجع

* أبو أحمد الحسن بن علي البيهقي، السُّنن الكبرى، الجزء الحادي عشر، دار الفكر للطباعة والنّشر والتوزيع بيروت لبنان، د.ت.

* أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن محمّد بن أبي القاسم الثماني، الإسلامي العروس ونزعة النّفوس، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة.

* أحمد مختار عمر، اللّغة واللّون، دار الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة، الطّبعة الأولى، 1982.

* أمينة فزاري، أسئلة وأجوبة في السيمائية السردية، دار الكتاب الحديث، 2012.

* رهام عبد الوهّاب، ليلة الحنّاء احتفال خلّفية أسطورة إبريس وأوزيريس، استخرج بتاريخ 28 فيفري 2015 من الموقع http://www.dotmsr.com

* سعدي صناوي ، مدخل إلى علم اجتماع الأدب، دار الفكر العربي، بيروت، ط1، .

عبد العزيز زلماطي، التداوي بالأعشاب الطبية، دار الهدى عين ميلة، الجزائر.

* فاروت أحمد مصطفى الأنثتربولوجيا ودراسة التراث الشعبي، دار المعرفة الجامعية، مصر، 2008.

* فوزية دياب، القيم والعادات الاجتماعية، دار النهضة للطباعة. والنشر، بيروت، 1980.

* كامل عمران، عزّ الدين دياب، الحنّة: وظائفها وطقوسها الاجتماعية (دراسة أنثربولوجية في قرية بلوران الساحلة)، مجلة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، المجلد 33، العدد (1) 2001.

* مرفت العشماوي، عثمان العشماوي، دورة الحياة دراسة للعادات والتّقاليد الشعبية، دار المعرفة الجامعية مصر، 2011.

* مها محمد فوزي معاذ، الأنتربولوجيا اللّغوية، دار المعرفة الجامعية، مصر،2011.

* يحي محمودي، الأعشاب الطبية من الحديقة النبوية قصر الكتاب بالبليدة، الجزائر، ط1، 1990

الصور

* الصور من الكاتبة.

أعداد المجلة